|
لعبة الأمم مرة أخرى
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5572 - 2017 / 7 / 5 - 18:24
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
السياسة في لعبة الأمم عالم معقد من المؤامرات والدسائس والتحالفات غير المستقرة ويكون الخفي وغير الظاهر أكثر أهمية وأكثر تأثيرا في صناعة الحدث مما هو معلن رسميا .فيها تسود رواية الكبار على رواية الصغار ،وتتحول الدول الصغيرة إلى مجرد بيادق في لعبة الكبار يتم تغيير مواقعها ووظائفها وأنظمة الحكم فيها لتبقى في حدود اللعبة ،والنظام الذي يحاول الخروج عن قواعد اللعبة يتم اسقاطه إما من خلال اصطناع معارضات داخلية لتنقلب أو تثور عليه ،أو من خلال محاصرته بأحلاف إقليمية أو دولية . في لعبة الأمم لا توجد دولة تعلن عن أهدافها الاستراتيجية الحقيقية ولا يوجد زعيم دولة أو حزب وخصوصا في الشرق الأوسط يصارح شعبه بالحقيقة .لذا فإن فهم ما يجري لا يتأتى من خلال المعلومة فقط بل من خلال الغوص في دهاليز السياسة والقنوات الخلفية والسرية ،وفي القدرة على التحليل والفهم ،وحتى على هذا المستوى لا يمكن لمحلل أن يدعي القدرة على استيعاب وفهم تفاصيل كل ما يجري . في لعبة الأمم يتم استخراج كل ما في النفس البشرية من نوازع الشر وقوانين الطبيعة الأولى ،كما يتم استحضار روح ميكيافلي واستلهام أفكاره بحيث يصبح الدين والمبادئ والأخلاق والقانون مجرد أدوات لتحقيق المصالح ،ولأنها مصالح غير مضمونة ومهَددة بالخسارة ،فإن اللعبة تستمر إلى حين وقوع حرب ،فتتغير أدوات اللعبة ،وما بعد الحرب تبدأ لعبة الأمم من جديد بناء على مخرجات الحرب ،وهكذا دواليك . لعبة الأمم في منطقتنا العربية لم تتوقف منذ سنوات الاستقلال الأولى إلى اليوم ولكن الأطراف والأدوات هي التي تغيرت ،فحلت واشنطن محل لندن وباريس ،وحلت روسيا الاتحادية محل الاتحاد السوفيتي ،وحلت الجماعات الإسلاموية محل الجماعات الثورية واليسارية ،وحل الخطر الأخضر محل الخطر الأحمر ،وحلت أحلاف ومشاريع أوباما - الشرق الأوسط الجديد ثم الكبير والفوضى الخلاقة- ومشروع ترامب بتشكيل حلف جديد لمحاربة الإرهاب والصفقة الكبرى ،محل حلف بغداد 1955 ومشروع أيزنهاور 1957 ،وحلت اصطفافات ومحاور الشيعة والسنة ،المسلم والمسيحي ،الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف ،محل اصطفافات ومحاور الأنظمة التقدمية والأنظمة الرجعية ،وحلت المشاريع الأمريكية والصهيونية والإيرانية و التركية محل المشروع القومي العربي والدولة الوطنية ،وحل قادة صغار كل همهم كيفية الحفاظ على سلطة ورثوها أو سيطروا عليها عنوة حتى بالتحالف مع واشنطن والغرب وإسرائيل ،محل قادة وزعماء كبار ،بعضهم ورث السلطة وآخرون شكلوا امتدادا دولاتيا لحركات التحرر في بلدانهم ومنهم كان قادة كارزميين امتد إشعاعهم ليتجاوز حدود بلدانهم ولم تخل مراحل حكمهم من مواجهات مع واشنطن والغرب وإسرائيل . في كل مراحل لعبة الأمم استمرت القوى الخارجية اللاعب الأكبر والرئيس ،واستمرت الأطراف العربية موضوع للعبة ومجرد لاعبين صغار أو أدوات وليس مقررين ،ولم تسعفهم الأيديولوجيات الوطنية والقومية والاشتراكية ،ولا استحضارهم لماضيهم واستلهامهم تجارب (السلف الصالح) واتكاءهم على الإسلام لتعديل قواعد اللعبة لصالحهم ،حيث استمرت الأطراف الخارجية تعاظم من مصالحها أو تحافظ على ما تم إنجازه ،بينما تتعاظم خسائر العرب دائما ،والقليل الذي تم انجازه تم تبديده في فوضى الربيع العربي أو لعبة الأمم الجديدة . لعبة الأمم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ساعدت الحركة الصهيونية على قيام دولة إسرائيل عام 1948 بداية على 78 % من أرض فلسطين ثم عام 1967 على كامل فلسطين بالإضافة إلى احتلالها لأراضي عربية أخرى ،ومع ذلك تمكن الفلسطينيون من إطلاق ثورتهم وفرض قضيتهم على العالم .ولعبة الأمم الحالية التي يمكن التأريخ لها منذ إسقاط نظام صدام واحتلال العراق عززت وجود دولة إسرائيل وجرت دول عربية للتطبيع مع إسرائيل ،ودمرت دول ومجتمعات كان من الممكن أن تشكل تهديدا لإسرائيل ،وأصبحت إسرائيل اليوم تعيش عصرها الذهبي ،أما الفلسطينيون فقد باتوا يناضلون من أجل البقاء والحفاظ على ما تم إنجازه سابقا وتجنب مزيد من الخسائر . يبدو أن نظرية المفكر الجزائري مالك بن نبي (1905-1973) حول قابلية العرب للاستعمار والخضوع لم تكن مجرد شطحة فكرية بل نظرية سسيوثقافية علمية تعكس حال العرب ،وما يجري من أحداث اليوم يؤكد مصداقيتها .فقد صدقت غالبية الأنظمة العربية والإسلامية ترامب وسلموا مقاليد أمورهم له في قمة الرياض ،كما صدقوا من قبله أوباما بعد خطابه في جامعة القاهرة في بداية ولايته . أوباما جاء بخطاب جديد ووعود جديدة للمنطقة وروج نفسه كرجل سلام مختلف عن سابقه ،والنتيجة كانت (الفوضى الخلاقة) Creative Chaos) ) والتي سماها أوباما نفسه (الربيع العربي) ،وإطلاق يد إسرائيل لتعيث استيطانا وإرهابا وحربا ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة ،وترامب جاء بخطاب ينتقد سلفه وينتقد سياسته في المنطقة العربية وحَمَلَه مسؤولية فوضى الربيع العربي ،ولكن لم تمر سوى أشهر قليلة على تنصيبه حتى عزز الوجود الأمريكي في المنطقة ،ونقل الفوضى والفتنة إلى دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ،ويتلاعب بالملف الفلسطيني ،وأكره دول عربية على وصف حركة حماس بالإرهاب ،وفرض إسرائيل على العرب كحليف لمحاربة الإرهاب . في لعبة الأمم اليوم لا تعرف مَن حليف مَن ؟ ومَن عدو مَن ؟ حتى اعتى علماء السياسة اليوم من الصعب عليهم فهم وتفسير كل تفاصيل ما يجري في عالمنا العربي منذ بداية ما يسمى بالربيع العربي . هل هو ربيع عربي بالفعل أم (الفوضى الخلاقة ) التي أرادتها واشنطن ؟ ما السبب الحقيقي للخلاف بين قطر وبقية دول الخليج ؟ هل واشنطن تساند قطر أو تساند محور السعودية ؟ ما هو الدور الإيراني والتركي فيما يجري في المنطقة ؟ وكيف تكون قطر مسئولة عن الإرهاب وفيها أكبر قاعدة امريكية في المنطقة ؟ وكيف تكون قطر كذلك وتركيا العضو في حلف الأطلسي ترسل وحدات عسكرية لها وتعزز قاعدتها العسكرية فيها ؟ الخ . حسابات الربح والخسارة وإن كانت مؤكدة وواضحة بالنسبة لواشنطن وتل أبيب والأطراف الخارجية ،فإنها ملتبسة بالنسبة للعرب ،هي بلا شك خسارة للشعوب وللدولة الوطنية وللمشروع القومي العربي ،ولكنها غير ذلك للأنظمة وحساباتها ،فهذه مستعدة للتضحية بكل شيء حتى تحافظ على وجودها واستمرارها . في لعبة الأمم تنتصر الدول والمجتمعات التي تسخر كل إمكانياتها وتحارب من أجل مصالحها القومية ،وتخسر الدول والمجتمعات التي تسخر مقدرات الأمة وتحارب للدفاع عن النظام السياسي أو عن طائفة أو مذهب . في لعبة الأمم اليوم لم يعد الغرب وإسرائيل مسئولون عما يعانيه العرب من جهل وفقر وعدم استقرار ،أو مسئولون عن العنف و الإرهاب الذي يضرب المنطقة ،فمن أجل الحفاظ على العروش وكراسي الحكم برأت الأنظمة العربية واشنطن والغرب وإسرائيل من المسؤولية ،وأصبح الإرهاب في لعبة الأمم اليوم عربيا وإسلاميا عقائديا بلا منازع . أما قوى المعارضة الوطنية أو القومية أو الثورية الحقيقية فهي إما غائبة كليا عن المشهد السياسي أو تحاول لملمة نفسها وشق طريقها بصعوبة . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبادرة الرئيس ،وتفاهمات حماس-دحلان-مصر
-
أية تسوية سياسية الآن ستكون أسوء من تسوية أوسلو
-
رد الاعتبار لفلسطين كقضية تحرر وطني
-
العرب يدينون أنفسهم ويبرئون واشنطن والغرب
-
(الربيع الخليجي) وانقلاب السحر على الساحر
-
حركة حماس أمام أختبار صعب
-
قمة الرياض ومنزلق وصف حماس وإيران بالإرهاب
-
ترامب يحصد ما زرعه أوباما
-
مخاض الانتقال من الانقسام إلى الانفصال
-
حركة حماس ومشروع (غزة أولا)
-
وثيقة حماس : خطوة إيجابية تحتاج لإثبات جدارة وطنية
-
أسرانا أشرافُنا وتاج على رؤوسنا
-
المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون
-
ما زال في الإمكان تدارك الأمر
-
الرواتب كاداة لتصفية حالة التحرر الوطني وتكريس الانقسام
-
قرارات قمة عمان تخفي اكثر مما تُفصح
-
مثقفون بدون ثقافة : مثقفو الشتائم والإحباط
-
لقاء ما بعد الصدمة بين ترامب وابو مازن
-
الهروب نحو الحل الإقليمي لن يحل المشكلة
-
في خفايا العلاقات المصرية الفلسطينية
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|