أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - غياب














المزيد.....

غياب


رولا حسينات
(Rula Hessinat)


الحوار المتمدن-العدد: 5570 - 2017 / 7 / 3 - 17:32
المحور: الادب والفن
    


ظل منقوع من الصمت يدهن الوجوه التي التهبت مفاصلها، وقد انتفض الحاج طاهر والشيخ محمد يربت على كتفه بإشارة منه للصلاة….دقائق ثقيلة مرت على الكثيرين وهم يتململون وسيقان الفتيان تخترق الصفوف، وقد رمت إليهم رائحة العجول المذبوحة بشباكها التي أسالت لعابهم وأذابت قشرة بطونهم الرقيقة، وقد رتبت على شكل هرم من لحم أحمر ملتف على عظام أو مرخىً بلا أيٍّ منها على الصدور، التي امتلأت بالأرز الأبيض والكثير من اللحم…
السيقان التي مُدت للريح نهبت الكثير من اللحم، وعادت تمرغ بما تحمله الأثواب التي تحمل رائحة الغيطان والشقاء، لتملأها وأصحابها بالدهن والسمن، بفرائسهم المتعجلة أرادوا أن ينهبوا قدر ما استطاعوا قبل أن يستيقظ ذلك الصبي النزق بعصاه ولسانه القذر من ذهوله بموت أمه فاطمة رغم أنهم يشكون في امتلاكه قلباً، تلك الصفوف التي بدا وكأنّ أحداً لا يعي ما يردده الشيخ محمد من وعظ وذكر لمناقب المرحومة وأعمالها في خدمة أمّ الغيطان…لسان حالهم الذي لم يفتر عن السخرية باعتبارها مجرد امرأة عاقر أنجبت بعد سنوات طويلة لن يتحملها رجل منهم، مهما تكن فلن تختلف عن باقي النساء غير أنها زوجة الحاج طاهر الذي يبدو أنه قد فقد عقله ليبكي أمامهم دون أن تأخذه عزة الرجولة…القبب البيضاء التي أخذت تدورهم في فلكها أزاغت أبصارهم في حرِّ هذا اليوم الذي لم تنبت أم الغيطان مثيله مع عمر أكبر واحد فيها، ولكن أكبرهم لم يعد يفرقونه بينهم فجميعهم يحمل تجاعيد الشقاء التي خطت خنادقها دون حياء… سيقانهم التي التفت حولها خدرة جعلت التنميل يسري فيها، ويغرس دبابيس في كل شوكة من الأشواك التي انتشرت عليها…
تلك الدعوات التي دعا بها الشيخ محمد وأذابت قلب الحاج طاهر، بعد أن صدح صوته وهو يتلو:” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”.
ونفس طاهر تحلق في سماء فاطمة وقد فاض غيمها بالصدقات والحب، لم تصل أيٍّ منها إلى صيوان أسماعهم، بل انزلقت قبل أن تغترف منه شيئاً، لم يكن أمام الحاضرين سوى أن تتململ أجسادهم المشوية من الشمس الضاربة أسافينها فوق رؤوسهم، والنساء من بعيد يرقبن تلك الجنازة المهيبة التي أوغرت في نفوسهن حقداً دفيناً لتلك التي أغاظهنَّ حبُّ الحاج طاهر لها في حياتها، تمنت كل واحدة منهن في نفسها أن تكون لها جنازة مهيبة وقلب زوج يسجنها فيه.
وبقيت نظراتهن ترقب كل صغيرة وكبيرة، وهن يزممن الشفاه، ويمددنها مع انتفاضة من الذراعين، وتقليب للكفين. الكحل الذي لم يتقاطر مع دموعهن الحبيسة ظل يوقظ الحجر، وأنّة قلب في أن يغفل الحاج طاهر عن عشقه لتلك التي دفنت للتو، ويصبو لزوجة ثانية…الولدان تجيء وتروح ورائحة لحم الجاموس قد بلغت مبلغها من الواقفين، وبطونهم تصدر صفيراً متقطعاً ما يلبث أن يحدث قرقرة من الجوع…
عندما انكسر الهجير في السماء البيضاء وذابت الغيمة وابتلعت تغريد البلابل وهديل الحمائم، وساد السكون، وانفض الجمع، لم يتبق غير ظل الحاج طاهر وطفلة صغيرة قد جلست في حجره وأبقت على نحيب خافت، كان وقت الزوال الذي أتمّ فيه الشيخ محمد مراسيم الجنازة والحاج طاهر لا يلوي على شيء، لم يكن ليستطيع إبقاء الفلاحين ينتظرون تحت وهج هذا اليوم الصيفي الحار وقد دفنت فاطمة وانتهى الأمر… الحزن الذي يخيم على قلبه لم يكن بسبب رحيل فاطمة الطيبة، ولكن بسبب الحاج طاهر الذي يتفتق حزناً على حاله رغم حسد الكثيرين الذين لم يذرفوا دمعة على امرأة فكيف لهم أن يفعلوا على فاطمة؟! والحال التي سيصير إليها الحاج طاهر بعد أن كان يشتهي الولد، وعندما منحه الله ما شاء وأنبت أرض فاطمة البور قضت وتركته مع صغار لا حول لهم ولا قوة، الأمر الذي يحيره ويُعمل طحناً في رحى تفكيره، بسيوني ولد الحاج طاهر الأكبر الذي لم يذرف دمعة واحدة، وانعدمت في قلبه الشفقة منذ صغره، صبي في سنه لا يبكي أمّه، وكأنه ليس ولدها، وكأنها ليست من حبلت به تسعاً وأرضعته من لبنها، وكأنه عجن من عجينة أخرى لم تكن فيها نطف الحاج طاهر، خشيته كانت من هذا الصبي الذي سيطغى على الضعفاء…وغاب وهو يقول : ربنا يلطف، ربنا يلطف.



#رولا_حسينات (هاشتاغ)       Rula_Hessinat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسطر البيضاء
- قطر وانقسام الخليج على نفسه
- قسمة ونصيب
- في فن إبراهيم السيد طه القصصي
- سلوك الفرجة
- رتوش نقدية
- الحارطة الذهنية والسلوكية
- الشاهد الصامت ...قصة قصيرة
- العفيفي ومبادرة جمعية إصلاح الخارجين من السجون....
- الحرب على التطرف وفق آلية الإقناع
- مبادرة الكاتبة الأردنية رولا حسينات #غرد داخل السرب # معاً ض ...
- حوادث الطرق ومصيدة الموت
- القمة العربية وغرغرينا أحلام الشعوب
- أحلام والسبات البرلماني الأردني
- الأبرتايد بين خلف والدقامسة
- السحر الأسود وبيع المناصب
- مسابقة الأديبة القاصة رولا حسينات الأولى في القصة القصيرة لل ...
- أحبك ولكن
- المديونية الأردنية ..والمصباح السحري
- أزمة اللجوء وآلية الخروج من عنق الزجاجة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رولا حسينات - غياب