ليث عبد الكريم الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1451 - 2006 / 2 / 4 - 07:27
المحور:
الادب والفن
- الانطلاقة الحقيقية:
شهد منتصف السبعينات الانطلاقة الحقيقية للسينما العراقية، وذلك من ناحية الإنتاج المنتظم والنوعية الجيدة للأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، وفي هذا السياق، نذكر إن المؤسسة قامت بإنتاج مجموعة أفلام روائية امتازت بجديتها وبخروجها على النمط السائد في معظم البلدان العربية في ذلك الوقت. ومن هذه الأفلام هناك (الظامئون) لمحمد شكري جميل، و(المنعطف) لجعفر علي، و(بيوت في ذلك الزقاق) لقاسم حول.
وخلال هذا العقد، ظهرت أفلام جادة ونظيفة أخرى، كان لها دور كبير في بناء السينما العراقية الجديدة التي نشطت آنذاك، إذ تمكن الجيل الشبابي المحب للسينما من فرض حضوره على الساحة الثقافية المحلية والعربية، فظهرت أفلام مثل (الأسوار) لمحمد شكري جميل عام 1979، و(القناص) لفيصل الياسري عام 1980، مثل هذه الأفلام كانت تسعى لخلق سينما عراقية جادة تكسر جمود السائد وتحاور العقل والروح، فكانت مصداقا لهؤلاء السينمائيين يسجلون فيها مواقفهم وآرائهم إزاء التطورات التي شهدتها الساحة السياسية العراقية، فكان الحلم السينمائي العراقي، حلما واقعيا، ذاتيا، يحاور الآخر، ويستخلص تجاربه، ويستفيد منها، حتى إن السلطة الحاكمة آمنت به وراحت تنفق عليه، فاستضافت السينمائيين والصحفيين من شتى أنحاء العالم، وتعاملت معهم، في محاولة للتلاقح والتقارب فيما بين السينمائيين، في ذلك الحين تكاثرت المهرجانات والمشاريع، وصارت بغداد بشوارعها وساحاتها أماكن يلتقي فيها المهتمين بالشان السينمائي، ويحيطهم الشباب العراقي الذين راحوا يمارسون طقوسهم السينمائية، فقدموا مشاريع حقيقية متميزة أثارت حفيظة السلطة الحاكمة، فسرعان ما تحول التكتل الحزبي إلى ديكتاتورية، قمعية، على يد تلميذ نجيب لستالين وهتلر.
وفي أيام تغير كل شيء وتمخض عن ذلك الحلم الجبل أشياء هلامية حملت أسماء وعناوين معظمها يشكل اليوم إرثا ثقيلا ناءت بحمله السينما العراقية، فال بها الحال إلى استعراض أمجاد وضرورات القائد الملهم عبر مغامرات كرتونية لا تنطلي أكاذيبها حتى على الصغار، وما يؤسف له حقا إنها وقعت بأسماء كبار السينمائيين العراقيين والعرب كفيلم- الكرتوني الخارق- (الأيام الطويلة) لتوفيق صالح عام 1980، وتلاه فيلم (القادسية) لصلاح أبو سيف 1981.
فبعد الازدهار النوعي في منتصف السبعينات، جاءت بداية الثمانينات لتشهد السينما العراقية انتكاسة حقيقية بعد أن تعلق السلطان بها وحاشيته، فأنتجت مجموعة من الأفلام التي جند لها ثلة من رواد وأساتذة الكذب والنفاق، فجاءت بليدة لا تمثل السينما العراقيين بأي حال من الأحوال، سوى إنها محاولات ساذجة لاستمالة السلطة الحاكمة من اجل الحصول على كرسي في أحد دوائرها التي عشعشت عليها الرشوة والفساد الإداري والمالي.
ثمانينيات السينما العراقية:
إذا ما نظرنا إلى إنتاج السينما العراقية في السبعينات وقارناه بإنتاج الثمانينات، فسنجد أن سني الثمانينات شهدت تطورا ملحوظا في كمية الإنتاج السينمائي التابع لمؤسسة السينما العراقية، إذ بلغ عدد الأفلام المنتجة 28 فيلما قياسا بسنوات السبعينات الذي بلغ 16 فيلما، بيد إن ما يلفت النظر في إنتاج عقد الثمانينات هو ظهور أفلام ما يسمى بسينما قادسية ......المجيدة، وهذا النوع من الأفلام رغم ما رصد له من ميزانية هائلة لم يحقق أي نجاح يذكر، لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد العربي والعالمي، ونستطيع بنظرة بسيطة على مجمل الإنتاج السينمائي العراقي في زمن الحرب العراقية- الإيرانية، أن نكتشف مدى الضعف الفني الذي ابتليت به تلك الأفلام، فمثلا هناك الفيلم الحربي (المهمة مستمرة) لمحمد شكري جميل، الذي لا يصمد في النقد أمام أي فيلم سابق لنفس المخرج، هذا فضلا عن الحكاية الساذجة التي لا تنطلي كذبتها حتى على الصغار، وهناك الفيلم الحربي الآخر(ساعات الخلاص) لطارق عبد الكريم الذي يرصد سقوط طائرة يقودها طياران عراقيان في الأراضي الإيرانية أثناء الحرب، فيضطران للهبوط بالمظلات في الأراضي الإيرانية، ومن هناك يتخذان طريقا في محاولة للوصول إلى الأراضي العراقية، ورغم المعانة يصلان سالمين إلى ارض الوطن، وهناك فيلم (الحدود الملتهبة) لصاحب حداد، وفيلم (المنفذون) لعبد الهادي الراوي، وفيلم (صخب البحر) لصبيح عبد الكريم، وفيلم (شمسنا لن تغيب) لعبد السلام الاعظمي، وفيلم (الفارس والجبل) لمحمد شكري جميل، وفيلم (عرس عراقي) لمحمد شكري جميل... وغيرها، وهي بمجملها أفلام رغم ضخامة إنتاجها، إلا إنها تعاني ما تعاني من ضعف على مستوى الحكاية الفيلمية والإخراج.
- سينما الحرية:
شهدت الفترة الممتدة من عام 1991 ولغاية عام 2003، نضوبا شاملا للسينما العراقية، بفضل السياسة العقيمة للنظام السابق وزبانيته الحاكمة، واسفر عن غياب كامل للسينما العراقية والسينمائيين، الذين التجئوا إلى دول العالم في محاولة لتقديم نتاجاتهم السينمائية، وهي محاولات لم يكتب لاغلبها النجاح، إلا إنها كانت خير عون للسينما العراقية الجديدة التي نهضت من ركام الحرب ومن بين أنقاض دمار مؤسسة السينما العراقية، فجاءت الأفلام العراقية الجديدة طموحة، فارضة نفسها بقوة على ساحة السينما العربية والعالمية، كما شاهدنا في بينالي السينما العربية المنعقد في باريس، حيث حَضيَتْ السينما العراقية باهتمام خاص، كان الأول من نوعه من خلال تقديم " لقطة مكبّرة " عنها تضمنت عرض " 18 " فيلماً عراقياً ينحصر إخراجها بين الأعوام 1948 و 2004. كما خصصت اللجنة المُنظمة للمهرجان ندوة خاصة عن السينما العراقية، فضلاً عن الفعاليات والأنشطة الثقافية الأخرى التي أُقيمت على هامش المهرجان. وهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها السينمائيون العراقيون من الداخل والخارج ليتحدثوا عن هواجسهم السينمائية، وهمومهم الثقافية الأخرى بحرية ومن دون رقيب.
ولكي أحيط القارئ علماً بهذه اللقطة المكبرة أجد نفسي مضطراً لاستعراض الأفلام المنتقاة وهي على التوالي: " عليا وعصام " 1948، إخراج الفرنسي أندريه شاتان، " الحارس " 1967، خليل شوقي، " الظامئون " 1972، محمد شكري جميل، " المنعطف " 1975، جعفر علي، " الأهوار " 1976، قاسم حول، " النهر " 1977، فيصل الياسري، " المهد " 1985، ليث عبد الأمير، " في حقول الذرة الغريبة " 1991، قاسم عبد، " المرأة العراقية صوت من المنفى " 1993، ميسون الباجه جي، " حياة ساكنة " 1997، قتيبة الجنابي، " الخرساء " 1999، سمير زيدان، " مدخل إلى نصب الحرية " 1999، لعدي رشيد، " شاعر القصبة " 1999، لمحمد توفيق، " جيان " 2002، لجانو روشبياني، " بغداد حاضرة غائبة " 2002، لسعد سلمان، " إنسَ بغداد " 2002 لسمير جمال الدين، " عائد إلى بابل " 2002، لعباس فاضل، " زمان رجل القصب " 2003، لعامر علوان، " 16 ساعة في بغداد " 2004، لطارق هاشم، و " نحن العراقيون " 2004 لعباس فاضل.
واخيرا يمكن القول إن السينما العراقية التي نشأت فقيرة، في بستان بسيط في بغداد، وترعرعت في كنف مؤسسة السينما والمسرح، وتطورت بفضل مجموعة واعية من السينمائيين في منتصف السبعينات، أثرت فيها ظروف البلد الغير مستقرة، لكنها ستحاول العودة والنهوض من جديد.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟