أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - في ذكرى إنقلاب19جوان1965 في الجزائر-كيف أنقلب بومدين على بن بلة-















المزيد.....

في ذكرى إنقلاب19جوان1965 في الجزائر-كيف أنقلب بومدين على بن بلة-


رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)


الحوار المتمدن-العدد: 5556 - 2017 / 6 / 19 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في ذكرى إنقلاب19جوان1965 في الجزائر
- كيف أنقلب بومدين على بن بلة-


البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



أولا- الطريق إلى الإنقلاب
أبرزنا في كتابنا "الجزائر في دوامة الصراع بين العسكريين والسياسيين"، كيف أن من خصوصيات النظام الجزائري منذ إسترجاع الإستقلال هو الصراع بين ثلاث أطراف، وتتمثل هذه الأطراف في كل من مؤسسات الجيش والحزب والرئاسة، ففي بداية الثورة المسلحة، كان الصراع السياسي يتم على أساس الإقصاءات، فمثلا منذ إختطاف طائرة الزعماء الخمس ظهر صراع بين كل من عبان رمضان وكريم بلقاسم، انتهى بإغتيال عبان رمضان في نهاية عام 1957، ليظهر صراع آخر بين الباءات الثلاث وبالضبط بين عبدالحفيظ بوصوف ولخضر بن طوبال من جهة وكريم بلقاسم من جهة أخرى، لينتهي بإضعاف كريم بلقاسم أثناء إجتماع العقداء العشر في نهاية عام 1959 ، وانتهى بصعود هواري بومدين إلى دفة قيادة هيئة أركان جيش التحرير الوطني .
كان عبدالحفيظ بوصوف يعتقد أن بومدين صنيعته، لكن وقع ما لم يكن في حسبان بوصوف، حيث استقل بومدين عنه، وأصبح يعمل لنفسه، ويخطط لأخذ السلطة، مما أدى إلى عودة التماسك بين الباءات الثلاث، لكن تمكن بومدين من إبعادهم في أزمة صيف 1962 من خلال إبعاد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بإستخدامه زعيم تاريخي آخر هو أحمد بن بلة .
وتمكن تحالف بن بلة-بومدين من أخذ السلطة عام 1962، لكن تحول بن بلة إلى رهينة في يد بومدين الغير المعروف لدى الشعب الجزائري، وانتقل الصراع بعد ذلك إلى الشخصيتين المتحالفتين أثناء أزمة صيف 1962، وقد لعب بومدين مع بن بلة نفس دور عبد الناصر مع محمد نجيب في مصر، وعمل هواري بومدين أثناء فترة حكم بن بلة على تحضير الأرضية الملائمة لأخذ السلطة كاملة، ولهذا السبب عرفت هذه الفترة العديد من الإضطرابات، ونعتقد أن هذه الإضطرابات وعدم الإستقرار، لم تكن فقط كنتيجة لما وقع في أزمة صيف 1962 وإقصاء الكثير من الزعماء التاريخيين للثورة، بل يبدو أيضا أن لبومدين وجماعته مسؤولية في ذلك، فقد عمل بومدين ومعه مجموعة وجدة والضباط الفارين من الجيش الفرنسي على تعفين الوضع وتشويه صورة بن بلة في أعين الشعب، وذلك بخلق العديد من المشاكل له، خاصة مع بعض زعماء الثورة، واستطاع بذلك هؤلاء المتحالفين كلهم على عزل بن بلة عن حلفائه الطبيعيين الذين أشعل معهم فتيل الثورة عام 1954، وكان معهم في الحركة من أجل الإنتصار للحريات والديمقراطية التي ولدت عنها جبهة التحرير الوطني .
فتم إبعاد محمد خيدر بضغط من بومدين، ثم إعتقال محمد بوضياف، ونفي كريم بلقاسم، والسعي لإعدام آيت أحمد لولا نصيحة محمد بجاوي لبن بلة بخطورة ذلك وعدم تكرار عملية إعدام محمد شعباني، إلا أن بومدين ينفي هذا الطرح، ويقول أن بن بلة هو الذي كان مصرا على تنفيذ حكم الإعدام في شعباني وتصفية آيت أحمد الذي تحصن في جبال القبائل، كما دفع بن بلة إلى الإصطدام بالشيخ محمد البشير الإبراهيمي وغيرهم، بدعوى أنهم "رجعيين ومعادين للثورة الإشتراكية"، لكن تمكن بومدين فيما بعد من إستمالة الكثير من هؤلاء الذين اختلف معهم بن بلة إلى جانبه عندما أخذ السلطة كاملة عام 1965، لكنه استثنى في ذلك الزعماء التاريخيين الكبار، الذين كانت له عقدة تجاههم، بسبب ماضيهم الثوري وتفوقهم عليه من ناحية الشرعية الثورية والتاريخية.
ولم يفق بن بلة من هذه الأخطاء الفادحة التي ارتكبها إلا بعد فوات الآوان، ودفعه إلى هذه الأخطاء حبه للسلطة دون أي إعتبارات أخرى، وأكتشف متأخرا أن بومدين ومجموعة وجدة ومعهم الضباط الفارين من الجيش الفرنسي قد أستخدمته لتثبيت نفوذهم، وظهر ذلك جليا من خلال إصرار بومدين على تولي كل أعضاء مجموعة وجدة المناصب الهامة في الحكومة وفي المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، وبمجرد ما فكر بن بلة في إبعادهم، سبقه بومدين، وأنقلب عليه يوم 19 جوان 1965، أي تغدى به بومدين قبل أن يتعشى به بن بلة –حسب التعبير الشعبي الجزائري-، فكيف تم ذلك كله ؟ .

شرع بن بلة في التخلص من مجموعة وجدة التي يقودها بومدين، فحاول في البداية إضعاف بومدين بتعيين الطاهر الزبيري قائدا لأركان الجيش الوطني الشعبي دون إستشارة وزير دفاعه بومدين الذي كان في زيارة إلى الإتحاد السوفياتي، وذهب بن بلة أبعد من ذلك، فعندما عين الطاهر الزبيري في منصبه الجديد، أمر بن بلة الطائرة التي كانت تقل بومدين إلى موسكو بالعودة إلى الجزائر، وذلك حتى يعرقل هذا الأخير على التحرك في حالة مبادرته إلى رفض قرار هذا التعيين، لكن بومدين كظم بومدين غيضه بفعل تحكمه الكبير في أعصابه، فلم يبد أي معارضة لتعيين الطاهر الزبيري رئيسا للأركان، وبدأ يخطط لتحييده أو إكتسابه إلى جانبه وتأليبه على بن بلة، فأستغل بومدين لذلك نفسية هذا المجاهد الذي تألم كثيرا بعد حادثة إهانة بن بلة له في موسكو، وذلك بعد ما طلب الزبيري منه ترقية أحد المجاهدين الكبار وهو محند ولحاج إلى منصب ماريشال، فرد عليه بن بلة بإستهزاء "انتهى عهد الموس يا سي الطاهر"، وهو نوع من السخرية بالمجاهدين الذين اعتمدوا على الأسلحة التقليدية لمحاربة فرنسا، ورد عليه الزبيري "لولا الموس لما أصبحت رئيسا للجمهورية ولما دخلت الساحة الحمراء" .
كما دخل بن بلة أيضا في مفاوضات سرية مع آيت أحمد لإبعاد بومدين، مما جعل هذا الأخير يعلق للمقربين منه بأنه "يعمل على التفاهم مع الزعماء التاريخيين، فبعد آيت أحمد سيتفاهم مع بوضياف وخيدر وكريم بلقاسم لينقلب علينا"، أي على بومدين ومجموعة وجدة فيما بعد .
وقد شرع بن بلة فعلا في ذلك، وبدأ في سحب البساط من تحت أرجل بومدين بالعمل على إبعاد رجاله عن السلطة الواحد تلو الآخر، فبدأ بوزير السياحة قايد أحمد، ثم نزع العديد من الصلاحيات من وزير داخليته أحمد مدغري، فدفعه بذلك إلى الإستقاله، كما أبعد شريف بلقاسم من وزارة التوجيه الوطني، ولم يبق من مجموعة وجدة إلا وزير الدفاع بومدين ووزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة .
استغل بن بلة ذهاب بومدين إلى القاهرة لحضور إجتماع رؤساء الحكومات العرب بخصوص القضية الفلسطينية، فأستدعى بوتفليقة إلى مكتبه، وطلب منه التخلي عن الشؤون الخارجية لبن بلة بسبب قرب إنعقاد المؤتمر الآفروآسيوي في نهاية شهر جوان من عام 1965، لكن رفض بوتفليقة طلبه، ورد عليه، بأن ليس من صلاحيات بن بلة إقالته من منصبه، وأن القرار كله يعود إلى المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني الذي هو عضو فيه، واستهدف بوتفليقة بذلك ربح الوقت، ليتصل بعناصر مجموعة وجدة الآخرين، كما هاتف زعيم المجموعة بومدين، فعاد هذا الأخير من القاهرة بسرعة قبل إنتهاء أشغال مؤتمر القمة العربية .
فشرعت نواة مجموعة وجدة في إجتماعات ماراطونية لإتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، خاصة بعد ما تأكدو من معلومات وصلتهم مفادها ان بن بلة يخطط لإبعادهم وإلقاء القبض عليهم عشية إنعقاد المؤتمر الآفرو- آسيوي، بدعوى أنه اكتشف مؤامرة إنقلابية ضده، كما تأكدوا أيضا من أن مصر ضالعة في عملية التخلص من بومدين ومجموعته، بعد ما تدعمت قاعدتهم ببوفاريك بالطائرات، ومجيء أسطول بحري مصري لتقديم الدعم لبن بلة، والقضاء على أي تحرك لوحدات الجيش الموالية لبومدين ومجموعته.
وما يلاحظ في هذه الإجتماعات، التي انضم إليها فيما بعد كل من قائد الأركان الطاهر الزبيري وأمين عام وزارة الدفاع الوطني عبد القادر شابو، هو إلتزام بومدين الصمت، فلم يدل برأيه بتاتا، ويعود ذلك إلى طبيعة، وهو التحسس والسماع أكثر من الآخرين، وحتى قرار إقالة بن بلة لم يصدر عنه قط، بل تركه يصدر عن الآخرين، ولم يقبل به إلا بعد إلحاحهم وإصرارهم، ويدخل هذا الموقف ضمن أساليب بومدين في إدارة الصراعات، فهو لا يتحرك حتى يتأكد من تصميم وعزم الآخرين، وبأنهم لن يتخلوا عنه في وسط الطريق، ولم يكتف بومدين بذلك، فقد طلب من مسؤول الأمن العسكري قاصدي مرباح تقديم تقرير مفصل عن إحتمالات الفشل والنجاح لعملية الإنقلاب ضد بن بلة، وهل بالإمكان القيام بذلك دون إراقة الدماء، فحتى بعد ما تأكد بومدين من قاصدي مرباح بأن العملية ناجحة بنسبة كبيرة جدا، إلا أنه وضع في حساباته إمكانية الفشل حتى ولو كانت ضئيلة جدا، مما جعله يضع طائرة خاصة، تمكنه هو وأصحابه من الهروب إلى الخارج في حالة فشل العملية الإنقلابية .
وبعد ما استقر رأي مجموعة وجدة على الإسراع في تنفيذ عملية الإنقلاب وضرورة القيام بذلك قبل إنعقاد المؤتمر الآفروآسيوي، وسعت نواة المجموعة إجتماعاتها إلى قادة عسكريين آخرين موالين لبومدين، وهم قادة النواحي العسكرية، وتم الإقتراح في البداية أن يتم إلقاء القبض على بن بلة عشية 17 جوان عند خروجه من ملعب وهران، أين كان من المفروض أن يشاهد فيها مقابلة لكرة القدم بين الجزائر والبرازيل سيشارك فيها اللاعب الأسطورة بيللي، لكن نبههم بوتفليقة أن عملية بهذا الشكل سيكون لها تأثير سلبي، وتعد من الرأي العام أنها إختطاف لبن بلة، واستقر الأمر في الأخير على إلقاء القبض عليه ليلة 19 جوان وهو في بيته بفيلا جولي .
انتقلت مجموعة من قادة الإنقلاب، وهم الطاهر الزبيري قائد أركان الجيش وسعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى أي البليدة وسليمان هوفمان قائد سلاح الدبابات، وهو من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي إلى إقامة بن بلة ليلة 19 جوان 1965 على الساعة الواحدة ونصف ليلا، بعد ما تم إستبدال الحراسة بجنود موالين للإنقلابيين بواسطة مسؤول مديرية الأمن الوطني أحمد دراية .
وتم إعتقال بن بلة، وأخبره الطاهر الزبيري أن مجلسا للثورة قد تشكل وأقاله من منصب رئيس الدولة، ونقل بن بلة إلى وزارة الدفاع ومنها إلى معتقل في دويرة، ونصب بومدين نفسه رئيسا لمجلس الثورة والحكومة، ولهذا أصبح الرجل الأول في الدولة، لكن كي يستتب له الأمر نهائيا يجب عليه التعامل مع قوى أخرى والسعي لكسبها إلى جانبه قبل الإستتباب التام للحكم في يده، كما يجب عليه إقناع الرأي العام الوطني والدولي بشرعية عمله، وهذا ما سنتطرق إليه من خلال ردود الفعل المختلفة على الإنقلاب وكيف عمل بومدين للرد عليها ؟ .

ثانيا- تثبيت بومدين لإنقلابه على بن بلة
يدرك بومدين جيدا أن مادام الجيش في يده فلا خوف على حكمه، لأن الجيش هو القوة المنظمة الوحيدة الموجودة في البلاد، أما الشعب فلا معنى له في نظره، مادام أنه ليس منظما، بل يستخدم فقط للحديث بإسمه حسب بلعيد عبد السلام، ولهذا فلم يكن للشعب أي رد فعل يذكر بإستثناء بعض أحداث الشغب الطفيفة هنا وهناك تم القضاء عليها في بضعة لحظات، هذا ما يبين لنا مدى الوهم الذي كان يعيش فيه بن بلة عندما اعتقد أن الشعب كفيل بحمايته، مادام أنه يهتف بإسمه في مختلف تجمعاته الجماهيرية، ولا يعلم أنه سيهتف أيضا بإسم بومدين فيما بعد والشاذلي بن جديد وآخرون سيأتون بعده، وأن ذلك لامعنى له.
لكن يبدو أن بن بلة كان يسعى لتنظيم الشعب بواسطة حزب جبهة التحرير الوطني ومنظماته الجماهيرية المختلفة، وكان يعتقد أن بإمكان الحزب أن يصبح هو القوة الأكثر تنظيما مثلما حدث في بعض البلدان الشيوعية، وبإمكانه أن يواجه به الجيش التابع لبومدين، لكن هنا أيضا خابت حسابات بن بلة، فلم يحرك الحزب ساكنا، بعد ما استولى عليه بومدين بتعيينه شريف بلقاسم على رأسه، ولأن حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر منذ الإستقلال إلى حد اليوم، هو مجرد جهاز تابع لمن في يده السلطة الفعلية، ومن السهل جدا الإستيلاء عليه، ولم يبق لبومدين بعد ذلك إلا إبعاد كل المخلصين لبن بلة بداخل الحزب، ولم يتحرك من داخل الحزب إلا بعض عناصره اليسارية أي الشيوعية التي كانت في الحزب الشيوعي الجزائري سابقا، والتي أدخلها بن بلة إلى الحزب لدعم سياسته، لكن تشكل هذه العناصر اليسارية في حقيقتها تنظيما شيوعيا مؤمنا بقناعاته ومنظم جيدا داخل حزب جبهة التحرير الوطني، فهؤلاء الشيوعيين هم الوحيدين الذين أقلقوا فعلا الإنقلابيين بإنشائهم "منظمة المقاومة الشعبية" لإسقاط بومدين "الفاشي والمعادي للإشتراكية والشيوعية" -في نظرهم-، خاصة وأن لهم دعم من القوى والدول الشيوعية في العالم، كما استولوا على الكثير من مراكز الدولة بمساعدة بن بلة، وهذا التنظيم هو الذي سيتحول فيما بعد إلى "حزب الطليعة الإشتراكية" .
نعتقد أن بومدين قد وضع حسابه لعاملين أساسيين أولهما العصبية الجهوية، ولهذا لم يعتقل أي فرد بإستثناء ثلاثة عناصر تنحدر كلها من نفس منطقة بن بلة وهم الحاج بن عللا رئيس المجلس الوطني ومحمد صغير النقاش وزير الصحة وعبد الرحمن شريف مستشار بن بلة للشؤون الأمنية والعربية الذي له علاقات وإرتباطات بمصر ومخابرات عبد الناصر، ويعتقد بومدين أن هؤلاء مخلصين لبن بلة، ليس بسبب قناعات أيديولوجية أكثر مما هو تضامن معه على أساس عصبية جهوية.
أما العامل الثاني الذي وضعه بومدين في حسابه، فيتمثل في سعيه لإكتساب أكبر قدر ممكن من ممثلي مختلف القوى في البلاد إلى جانبه في البداية على الأقل، وهذا ما يظهر بجلاء من خلال إقناعه العديد من العناصر التي تمثل مختلف هذه القوى المؤثرة بشكل أو بآخر بالإنضمام إلى مجلس الثورة، الذي يعد القيادة العليا في البلاد بعد الإنقلاب، والذي سنعود إليه بالتفصيل عند تناولنا القوى المؤثرة في نظام هواري بومدين.


ثالثا -ردود الفعل الوطنية والدولية على الإنقلاب
1-ردود الفعل الوطنية
يلاحظ غداة الإنقلاب على بن بلة عدم تحرك الجماهير الشعبية التي كانت تصفق له وتنادي بإسمه عند كل ظهور له، ولم يتوان الكثير من هؤلاء بالذهاب إلى السنيما وشواطيء البحر يوم الإنقلاب غير آبهين بما يحدث، بإستثناء بعض أعمال الشغب لمجموعات صغيرة لأطفال وشباب بالعاصمة انتهت بسرعة، وبعض الأحداث الطفيفة في كل من وهران وعنابة، لكنها لم تستمر طويلا، ليعود الجميع إلى بيوتهم، وتنطبق معاناة الجزائريين بشعارهم "مات الملك، عاش الملك" .
أما بشأن القريبين من بن بلة، فنجد ثلاث مواقف، فبعضهم قبل عرض بومدين بقبول العضوية في مجلس الثورة، ومنهم أحمد محساس وبشير بومعزة معتقدين أنهم بإمكانهم التأثير على بومدين من الداخل، لكنهم فشلوا فاختاروا المنفى بعد عام من الإنقلاب على بن بلة، وتوجد مجموعة أخرى أختارت المعارضة من المنفى منذ البداية وهم أيت الحسين ومحمد لبجاوي اللذان أسسا في أوروبا المنظمة السرية للثورة الجزائرية O.C.R.A، والتي حددت أهدافها في الإطاحة بنظام بومدين المعادي للشيوعية وإعتبار بن بلة هو الرئيس الشرعي للبلاد، لكن أقوى معارضة لإنقلاب بومدين على بن بلة جاءت من يساريي جبهة التحرير الوطني، أي بعبارة أخرى الماركسيين، وهم محمد حربي وحسين زهوان الذين تحالفوا مع مجموعة من الطلبة الشيوعيين وعناصر الحزب الشيوعي الجزائري سابقا، وأسسوا منظمة مسلحة تدعى "منظمة المقاومة الشعبية"، واعتمدت العمل المسلح ضد نظام بومدين بهدف الحفاظ والدفاع عن ما اعتبروه الثورة الإشتراكية التي شرع فيها بن بلة في الجزائر، لكن ما فتيء الكثير من هؤلاء أن التحقوا بنظام بومدين فيما بعد، بعد ما اكتشفوا أنه ليس فاشيا وعميلا للأمبريالية الأمريكية كما كانت تروج الصحافة العالمية آنذاك خاصة اليسارية منها، ومن هذه المنظمة سينبثق فيما بعد حزب الطليعة الإشتراكيةPAGS ، والذي هو إستمرارية للحزب الشيوعي الجزائري .

2-ردود الفعل الدولية
أما على الصعيد الدولي فقد عارضت الكثير من القوى الشيوعية في العالم هذا الإنقلاب، ومنها كوبا فيدال كاسترو صديق بن بلة، وكذلك جوليوس نيريري في تانزانيا وغيرهم، اما جمال عبد الناصر الذي صنع بن بلة ودعمه، فقد أبدى قلقه على حياة بن بلة، وأرسل المشير عبد الحكيم عامر ليطلب من بومدين السماح له بلقاء بن بلة، فرفض بومدين هذا الطلب رفضا باتا، لكن لم يكن عبد الناصر-حسب ما يبدو-مستعدا للإٌصطدام بالنظام الجديد في الجزائر، وفضل عبد الناصر مصلحة نظامه في هذه القضية، فهو لا يريد أن يخسر الجزائر، وبلده مصر في وضع لا يحسد عليه بسبب تدخله في اليمن وخلافاته مع الكثير من الأنظمة العربية، بالإضافة إلى الخطر الأمريكي الصهيوني المحدق بمصر آنذاك .
كما قلقت فرنسا على مصير بن بلة، وطلب سفيرها دولاغورس لقاء وزير الخارجية بوتفليقة، الذي طمأنه أن بن بلة لم يقتل في الإنقلاب، وبأن العلاقات الفرنسية-الجزائرية الجيدة لن يطرأعليها أي تغيير .

و بهذا الشكل انتهى أحمد بن بلة وجاء مكانه هواري بومدين الذي أتى ببن بلة إلى السلطة عام 1962، لكن تواصلت نفس السياسة والممارسات تقريبا التي وضعها نظام بن بلة-بومدين عام 1962، عنما أستولوا على السلطة سويا بواسطة جيش الحدود وعلى حساب مجاهدي الداخل، الذين لم يرحمهم هذا الجيش بقيادة بن بلة –بومدين، كما لم يرحمهم الجيش الإستعماري من قبل، ويرى الكثير أنه هنا تكمن بدايات مأساة الجزائر المزمنة والممتدة إلى حد اليوم، ومنهم بن بلة ذاته الذي اعترف بأخطائه القاتلة في نقد ذاته . ومن هذه الإعترافات هو قوله صراحة بإنحرافه عن مباديء أول نوفمبر1954، وتسليمه الحكم لأناس لاعلاقة لهم بالثورة، حيث قال "انحرفت ثورة أول نوفمبر عن خطها، وصودرت السلطة على يد أناس كانوا يعيشون في المغرب وتونس أثناء الثورة التحريرية، وكانت أفكارهم السياسية وسلوكاتهم اليومية غريبة وأجنبية عن مباديء أول نوفمبر"، كما تأسف على عدم حل حزب جبهة التحرير الوطني، كما كان يطالب به بوضياف آنذاك وتعويضه بمجالس التسيير الذاتي، التي كان من المفروض تعميمها على كل المجالات والميادين، فيحكم الشعب نفسه بنفسه من خلالها.




البروفسور رابح لونيسي
- جامعة وهران-



#رابح_لونيسي (هاشتاغ)       Rabah_Lounici#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا كفر الجزائريون بالأحزاب السياسية؟
- السعودية الوهابية ضد مالك بن نبي
- الصراع السعودي-القطري-جذوره وتداعياته الأمنية-
- هل أندلع -ربيع- آخر في منطقتنا؟
- الحراك في الريف المغربي-مستقبله وخلفياته التاريخية-
- رهانات إقالة وزير جزائري بعد ساعات من تعيينه
- زبيغنيو بريجنسكي-منظر للزعامة الأمريكية على العالم-
- إحباط مخطط لإحراق الجزائر في1962
- مستقبل الأحزاب السياسية في الجزائر-تجدد أو تبدد-
- مقاطعو الإنتخابات في الجزائر- أي دلالة وأي مستقبل؟
- مشروعنا من أجل نهضة الجزائر-من الفكرة إلى التجسيد السياسي-
- نحو عودة نظام الكولون في الجزائر
- ضمان العدالة الإجتماعية -مقاربة جديدة-
- رهان إنتخابات الجزائر-النزاهة في مواجهة المال الفاسد-
- الإنتخابات في الجزائر-المغالطة المنظمة-
- دفاعا عن إستقلالية النقابات والمجتمع المدني في الجزائر
- دعوة فضائية للتعريف بعملاء الإستعمار الفرنسي في الجزائر
- الإنتقال السلمي الديمقراطي في الجزائر-ضرورة حتمية-
- المشكلة الجوهرية في الجزائر-من أجل فتح نقاش علمي-
- الأوليغارشية المالية في الجزائر-من النهب المنظم إلى التغول-


المزيد.....




- فيديو لمطاردة جنونية بين الشرطة الأمريكية وشاحنة مسرعة على ط ...
- دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض ...
- أول تعليق من حماس على قرار تركيا بوقف التجارة مع إسرائيل.. و ...
- صحيفة أمريكية: خطط الصين لإنشاء محطات كهروذرية عائمة تثير قل ...
- بوتين ورحمون يبحثان تعاون روسيا وطاجيكستان في مكافحة الإرهاب ...
- جونسون يقع في حفرة حفرها بيديه
- نيويورك تايمز: هذه شروط التطبيع السعودي الإسرائيلي والعائق ا ...
- في -سابقة عالمية-.. رصد -إنسان الغاب- وهو يعالج نفسه من إصاب ...
- إسرائيل تترقب بحذر صفقة عسكرية فريدة من نوعها بين تركيا ومصر ...
- سحب دخان سام في سماء برلين والسلطات تصدر تنبيهات تحمل علامة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رابح لونيسي - في ذكرى إنقلاب19جوان1965 في الجزائر-كيف أنقلب بومدين على بن بلة-