أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (7):















المزيد.....



بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (7):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5553 - 2017 / 6 / 16 - 14:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صَادِقُ البُرْهَانِ عَلَىْ زَيْفِ فِرْيَةِ بَشَرِيَّةِ القُرْآنِ:

الإشكالية السابعة لدى الكاتب في مشروعه الذي ينادي فيه ببشرية وتناقض القرآن الكريم, جاءت هذه المرة تحت عنوان (هل يحاسب الله على ما فى أنفسنا أم لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؟.),,

ثم قال في إشكاليته هذه: ((... فى سورة البقرة آية 284 ( لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ) تعنى ان الله سيحاسب البشر بما يخفون في صدورهم وما لا يعلنون عنه أى على نواياهم حتى ولو لم يفعلوا , فهكذا حكم وسيستم إلهى فى الحساب ...)).

طبعاً هذا كل ما فهمه الكاتب من هذه الآية المحكمة المعجزة, وله العذر في ذلك كما قلنا سابقاً إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه, فتدبر القرآن تلزمه البصيرة والبصيرة لا تكون بدون إيمان صادق.

ليته وقف عند هذا الحد من الضلال,, وإنما قال مسترسلاً: ((... ولكن هناك آية أخرى مخالفة تماما لهذا التوجه فى نفس سورة البقرة:286 والتالية للآية السابقة ! . ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) فكل نفس بوسعها وما اقترفت وليس بما يدور فى ضميرها ونواياها . فما هو الحكم الإلهى ؟ هل يحاسب على النوايا وما يخفيه الإنسان فى صدره وضميره أم التكليف وفق السعة والمقدرة والإقتراف ؟ ...)).
طبعاً لم يكن حظه من الفهم بأفضل من فهمه للآية السابقة بل تضامنت الإشكالية الأولى مع هذه فضربت سداً منيعاً بينه وبين الحق والحقيقة فما إستطاع أن يُظهره وما استطاع له نقباً, ولا ينبغي له ولا ولن يكون ما دام هاوياً غويَّاً.

فما دام أن الضلال قد بلغ منه هذا المبلغ,, فليس أمامه سوى تصوير حالته المتردية بهذه العبارة التي قال فيها: ((... من هنا يحق لنا السؤال : بما أن الله عالم الغيب فألم يكن يعلم بصعوبة ذلك الطلب مسبقا ؟ وهل حديث يبطل آية قرانية ؟ ولماذا تتنزل آية قرانية ليبطلها حديث ثم تليها آية أخرى بعد عدة ساعات تؤكد الحديث ؟ . ولتلاحظ أن الآية الأولى 284 من سورة البقرة والآية الثانية 286 من نفس السورة أى مدادها لم يجف بعد .!! ...)).

واضح من طرح هذا الكاتب أن فكرة أو فرية النسخ مسيطرة على كيانه وتعبث بعربدة في وجدانه,, ولعله مغرم بعبارة "مدادها لم يجف بعد",, الخ. على أية حال,, في هذه المرحلة سنتركه يخرج كل ما بداخله من أضغان قد قهره الله على إخراجها قبل أن نضع النقاط على الحروف "فقط ببيان وإبيان وإحكام كتاب الله المبين", ولنتذكر قول الله تعالى في سورة محمد, عن أمثاله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ 25)!!, وها قد فعل الله ذلك مع هذا الكاتب كما يرى الجميع.

أخيراً,, هذا الكاتب - في خلاصة حصاده الأثل - لم يكن له بد من أن يقول: ((... سنحاول إيجاد تفسير لهذا التناقض حتى لا يقال أننا نتصيد الأخطاء فقط ولكن هذا التفسير سيكون مؤلماً لأنه سيثبت بشرية النص ومزاجيته .. فعندما تلى محمد آية " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخفوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله " وجد الصحابة هذه الآية مرهقة صعبة التنفيذ لتشكل مشقة فى الإمتثال لها فإحتجوا للرسول بعد سماعهم تلك الآية , فجثوا على ركبهم وبكا منهم البعض وأقروا بعدم مقدرتهم على ذلك المطلب أن يوقفوا حديث النفس , فقال لهم الرسول بعد أن طلب منهم ان يقولوا سمعنا واطعنا قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) ثم نزلت آية اخرى لاحقا تبطل سابقتها ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) .!

أراه تفسير منطقى وفقا لسرد أسباب التنزيل والسيناريو الذى تم , ولكن هذا يعنى أن محمد يؤلف الآيات , فالآية التى لاتجد صدى لدى الجمهور يتم نسخها وإستبدالها بآية أخرى لينة تُرضى مزاج الصحابة , ولتلاحظ أن الحديث جاء سريعاً ناسخاً لآية البقرة 284 ليعقبها بآية . ! ...)).

لعل الكاتب - دون أن يعي لما فعله كالعادة - سيكتشف أنه قد حشر رأسه في أصل خلية نحل نشطة فتعذر عليه وجود مهربٍ من لسعاتها التي قد تكون خطيرة إن لم تكن قاتلة,,, على أية حال,, فلنتناسى حالياً أمر هذا الكاتب ولنذهب بعيداً - مع الآيات الكريمات - حيث أشار لنرى الوهدة التي أدخل نفسه فيها, لأنه لو كان يعرف قدر وهامة وإحكام سورة البقرة بصفة عامة وقدر خاتمتها بصفة خاصة لما أقدم على هذه المغامرة الصبيانية التي لن تكون معطياتها ومخرجاتها سارة بالنسبة له بأي حال كما سيرى هو أولاً ثم القراء الكرام بعد ذلك عند تناولنا لهذه الإشكالية الغريبة - تفنيداً - ثم للآيات البينات المحكمات تدبراً فيما يلي.

عودة مرة أخرى للدستور الإسلامي الرباني,,, وقد طرق الكاتب هذه المرة "باب الإنفاقات المالية في الشريعة الإسلامية الغرة المتعلقة بالصدقات والإنفاقات والتعاملات المالية والديون,,, فكيف شرَّع الله تعالى للبشرية أقوم نظام إنفاق منضبط ومقنن في الوجود كله بحيث لا يستطيع البشر ومعهم الجن الإتيان بمثله كمالاً وقسطاً,, هذا ما سيعرفه الجميع, ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

على الرغم من أن الآيات البينات - التي سنناقشها هنا من أواخر سورة البقرة - تكفي لتغطية متطلبات تصحيح مفاهيم هذا الكاتب و البسطاء من العامة غيره بجانب الخاصة من أهل الذكر والتقى, التي سببت له هذه الإشكالية,, إلَّا أن هذه الآيات نفسها تلزمها آيات أخرى قبلها من هذه السورة الكثيقة البيان والإبيان والتشريعات الكريمة الخالدة لكشف إشراقات أخرى مذهلة ومعجزة قد نتطرق لها في مواضيع أخرى لاحقاً.

كما قلنا من قبل,, إننا الآن في حضرة قسم الإنفاقات والمعاملات الإجتماعية المالية في الدستور الإسلامي القويم,, حيث التركيز أكثر على الصدقات للفقراء والمساكين وأمثالهم من المستحقين على تفاوت درجاتهم وأولوياتهم, بجانب معالجة القروض والديون ووضع ضوابط خاصة شافية ووافية لها.

أولاً: فلنبدأ بتدبر بعض الآيات من سورة البقرة, من بداية وصفه تعالى للمؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وذلك تشجيعاً لهم للإستزادة من الإنفاق في الحضر والسفر,, كما يلي:

1. شبه الله المؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بأمثال تُجسِّد أجزل أنماط العطاء, فقال عنهم: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - « كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ » - وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 261), فهذه درجة عالية من الفضل من حيث العمل والإنفاق, إذ الحبة الواحدة التي تُنفق في سبيل الله تُضاعف لمنفقها - في حدها الأدنى - إلى سبع مائة ضعف, بل ويضاعف الله لمن يشاء بغير حساب لأن الله تعالى واسع مطلقاً في كل شيء وعليم بكل شيء.

2. أما أولئك المؤمنون - الذين ليس فقط ينفقون أموالهم في سبيل الله بسخاء - بل أيضاً يُتبعون ذلك الكرم بسلوكٍ وأخلاقٍ وتواضعٍ, لأنهم ينفقونها لوجه الله لا يريدون من أحد جزاءاً عليها ولا شكوراً, لذا فهم لا يُتبعون ما أنفقوا منَّاً على المنفق عليه ولا أذى لوجدانه. ومن ثم, قال الله عن هؤلاء مادحاً ومبشراً: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ « ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى » لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 262),, فهذا النوع من الإنفاق هو الذي يقبله الله من المنفق والذي لا ولن يستطيع القيام به سوى المؤني الصادق في إيمانه.

3. ثم - بالمقابل - قد إستغنى الله عن الصدقة التي يُتبعها مُنفقها منَّاً وأذى,, بل وفضل الله عليها « قولٌ طيبٌ معروفٌ ليس فيه جرح لمشاعر المنفق عليهم », فقال تعالى محذراً: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ « خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى » وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ 263).

4. ثم حذر الله تعالى المؤمنين من مغبة المَنِّ والأذى الذي يتبع الإنفاق, وبين لهم أن ذلك ليس في سبيل الله كما يظنون, إذ أن هذا المن والأذى يبطل صدقاتهم, ووصف حالهم بمن ينفق ماله رئاء الناس ليقال إن فلاناً منفقٌ كريم, فقال لهم محذراً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا « لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى » كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...), وبين أن هذا مَثَلُهُ - تماماً - كمثل صخرة صلبة ملساء, عليها تراب فنزل بها المطر فتحول ذلك التراب إلى طين ثم جف الطين على سطحها فصار صلداً لا ينبت فيه نبات ولا زرع,, فوصف الله تعالى هذا المُرائي بأنه مثل تلك الصخرة الصماء الملساء, التي لا يغير المطر من صلابها, بل يحول ما عليها - من تراب - إلى صلصال صلب مثلها, قال: (... فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ « صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا » - لَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا - وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 264), إذاً فإتباع الصدقات بالمن والأذى ليس فقط يبطلها وانما يوصلان صاحبهما للرياء ثم الكفر بالله تعالى.

5. ولكن بالمقابل هناك صورة مضيئة لأولئك الذين ينفقون أموالهم إبتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم, لا مَنٌّ ولا أذى يتبعها, فأولئك شبههم ربهم بجنة على ربوة عالية, أرضها خصبة, فإن أصابها مطر غزير أزهرت وإخضرت وأنبتت من كل زوج بهيج وآتت أكلها ضعفين, ثم قال عنها: حتى إن أصافها مطر خفيف, ستصبح أرضها رطبة ندية لينة, هذا هو مثل هؤلاء المنفقين الورعين المتقين, الذين وصفهم الله بقوله: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ « كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ » - أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ - فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ « وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » 265), فلا داعي للمنِّ على الناس وأذاهم فإن كان عملكم مقصوداً به وجه ألله, فهو به عليم لأنه يعلم ما تسرون وما تعلنون, وبالطبع لن يضيعه لكم,, كونوا مطمئنين.

6. ثم ذكرهم الله بعاقبة غضبه عليهم إن بخلوا بما عندهم, وحذرهم من أن يجعله عليهم هباءاً منثوراً وهم لا يقدرون على شيء مما كسبوا, ووضع لهم صورة قاتمة تعكس عاقبتهم وحسرتهم على ما بخلوا به يوم القيامة, قال لهم فيها: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ « لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ » ...), وقد وضع فيها كل ماله وآماله ومستقبل ذريته, خاصة إذا كان كبيراً في السن بحيث أنه لو فقدها الآن لا ولن يستطيع تعويضها مرة أخرى,, مصوراً ذلك,, قال: (... وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ ...), وهو بلا شك سيكون أشد حرصاً عليها حتى يؤمِّن مستقبل صغاره بهذه الجنة الواعدة من بعده,, ولكن فليتصور أحدكم كيف سيكون حالة إذا تعرضت جنته هذه إلى إعصار فيه نار فإحترقت عن آخرها, فما مقدار ودرجة الحسرة والقنوط والحزن عليها وقتئذ؟؟؟ قال تعالى في تصوير ذلك: (... فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ...), تخيل لو حدث لك هذا في أواخر عمرك ماذا سيكون وضعك وحالتك النفسية ودرجة إحباطاتك ويأسك وقنوطك؟؟؟ ..... ألا تعلم أن هذا الشعور بالحسرة والندم والضياع هو نفسه الذي ستشعر به إن أبطل الله صدقاتك فجعلها هباءاً منثوراً,, قال تعالى في ذلك: (... كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ 266).

ثانياً: خاطب الله المؤمنين بما معناه, أوقد أُعلمتم فيما سبق بكل أنواع الإنفاقات وتبعاتها وعواقبها أصبح الآن لزاماً عليكم معرفة كيفية القيام بهذا الإنفاق وضوابطه ومعاييره حتى تفوذوا بأعلى درجات القبول والرضى والجزاء من ربكم الذي أنفقتم من طيبات ما كسبتم في سبيله وإبتغاء مرضاته,, لذا قال لهم سبحانه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...), مناجياً إياهم بأحب الأسماء والألقاب إلى نفوسهم الطاهرة العامرة:

1. الله يأمركم فيقول: (... أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ...), فالله طيب لا يقبل إلَّا طيباً, إن كان إنفاقكم - حقيقةً - تبتغون به وجه الله تعالى,

2. ثم ينهاكم من مغبة تيمم الخبيث مما كسبتم للإنفاق منه فبين لكم أنكم إذا كنتم أنتم الآخذين لهذا الذي أنفقتموه لغيركم, لما إرتضيتموه لأنفسهم إلَّا حياءاً,, قال: (... وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ...), فكيف تقدمون لله ما لا ترضونه لأنفسكم؟, فلو أن أحدكم أُهْدِيَ له مثل ما أعطى لله لما رضى أن يأخذه إلا على إغماض وحياء،, ولو كان لكم على أحد حق، فجاءكم بحق دونه لن تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه (تغمضوا فيه). إذاً فكيف ترضون لله تعالى ما لا ترضونه لأنفسكم، وحقه عليكم يجب أن يكون من أطيب أموالكم وأنفسها ؟؟؟
(... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 267), فهو في غنى عن هذا الخبيث,, إحتفظوا به لأنفسكم.

وقد حذرهم الله من أن يقعوا في حبائل الشيطان الرجيم المتربص بهم, والذي ينهاهم عن كل معروف ويأمرهم بكل منكر, وفحشاء, ويعدهم الفقر بأن يخوفهم من الإنفاق في سبيل الله,, قال تعالى لهم في ذلك: (الشَّيْطَانُ « يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ » « وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا » - وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 268), وعطاءه ليس له حدود.

كما ذكَّرهم بما هو أفضل لهم من كل هذا, وأن الله تعالى يؤتي الحكمة لمن يشاء من عباده, ثم بين لهم قدر وفضل هذه الحكمة,, فقال لهم إنه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ - « وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا » - وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ 269),, وقليل ما هم.

تستمر الآيات في التدقيق والتشريع في حق الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي الصدقة بإعتبار أن ما يُتصدَّق به عليهم يجب أن يكون من أطيب ما لدى المنفق المتصدق لأنه يخص به وجه لله تعالى والله طيب لا يقبل إلَّا طيباً, لذا طمئن المنفقين إلى أن حقهم كله محفوظ لهم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلَّا من أتى الله بقلب سليم, وحذرهم من مصير الظالمين, قال لهم: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ 270).

ثالثاً: وعن كيفية ووسائل الإنفاق وأكثرها قبولاً عند الله تعالى قال إن الأمر فيه فسحة لهم, إذ لا بأس في إظهار الصدقات أو إخفاءها, فأي من الطريقتين مقبولة عند الله,,, غير أن إخفاءها وإعطاءها الفقرا هذا خير وكفارة للسيئات,, قال تعالى في ذلك: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ « فَنِعِمَّا هِيَ » « وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ » - وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 271), فالله تعالى يعلم السر وأخفى ولا يخفى عليه من عملكم شيئاً.

قال الله تعالى لنبيه الكريم, إعلم أنه ليس عليك هداهم, والله لم يكلفك بذلك, فأنت لست عليهم بمسيطر, وما أرسلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل,,, فالله هو الذي يهدي من يشاء,, وبالنسبة لكم, أيها المنفقون, فلتعلموا أن ما تنفقوا من خير انما تنفقونه لأنفسكم, فالله غني حميد, وما تنفقون إلَّا إبتغاء وجه الله, وما دام ذلك كذلك, فإن كل ما تنفقونه من خير يوف إليكم كاملا وأنت لا تظلمون شيئاً, إذاً فلا مجال للمنِّ على المُنفَقِ عليهم ولا مبرر للأذى بهم,, قال تعالى لنبيه ثم للمؤمنين: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ - وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ 272), فالأجر المقابل مضمون بضمان الله تعالى له.

ثم هناك تشريع خاص لنوع فريد من الفقراء الذين أحصروا لعجز أو مرض أو نحو ذلك أقعدهم عن قضاء حاجاتهم والسعي لأرزاقهم بأنفسهم, ومع ذلك يتميزون عن غيرهم بالتعفف وعدم كشف حاجتهم للناس أو سؤالهم أياهم إلحافاً,, فهؤلاء هم الفقراء المتميزون, الذين أراد الله أن يلفت نظر المؤمنين تجاههم بصفة خاصة, ووضع ضوابط ومنهاج كامل للتعامل معهم بعد أن وصَّفهُم تماماً فقال فيهم:
فهذه الصدقة التي تخفوها تكون لذلك النوع من المستحقين المتعففين, ويكون ذلك: (لِلْفُقَرَاءِ ...):
1. (... الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ...), لضعف أو مرض أو عجز أقعدهم, ولم يستطيعوا تسيير أمورهم والسعي على أرزاقهم,,,, الخ,

2. وبسبب ذلك الإحصار هم: (... لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ ...), للعمل وكسب الرزق وقضاء إحتياجاتهم, ولكنهم مع ذلك مستورون, قابعون في دورهم, راضون بحالهم حامدون ربهم وشاكرون.

3. ومن جراء تمسكهم بالتعفف والصبر والرضى: (... يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ...), فهم لا يبثون شكواههم إلَّا لربهم, علَّام الغيوب ولا يرجون الرحمة والفرج إلَّا منه,

4. وأنت يا رسول الله: (... تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ...), إذ الإعياء بادياً عليهم, والفاقة تفضح أمرهم للواعي الورع, فلا يخفى واقعهم على أحد مهما حاولوا إخفاءه وستره. فهؤلا - عند الله ربهم - لهم إعتبار خاص وتعامل أكثر خصوصية تفادياً لجرح مشاعرهم أو غمط إحترام تعففهم.

5. هذا التعفف قد جعلهم (... لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ...), حتى لو تقطعت أحشاءهم من الجوع وأبدانهم من المرض, ووجدانهم من الأسى, فهم مستغنون بالله عن الخلق كله,

فهؤلاء الفقراء لهم معاملة خاصة للإنفاق عليهم بحيث لا يجرح المنفق مشاعرهم عند قيامه بتوفير حاجاتهم,, بل يحتاج الأمر منه إلى كثير من الحذر الشديد, والوعي والتحايل وتحري المناسبات والفرص,, في تقديم حق الله لهم, قال تعالى في ذلك: (... وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ 273), فقدموه لهم في السر أفضل لكم وأطهر, (حتى لا تعلم شمالك ما قدمته يمينك).

ثم تناولت السورة الكريمة شريحتين من الناس,,
الشريحة الأولى - مضيئة مشرقة - تصف أولئك الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بالليل والنهار, سراً وعلانية يبتغون بذلك فضلاً من الله ورضواناً عليهم, فهؤلاء قد بشرهم الله تعالى "سلفاً" بأن لهم أجرهم عند ربهم وألَّا خوف عليهم ولا هم يحزنون,, وذلك بقوله تعالى عنهم: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم « بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ» « سِرًّا وَعَلَانِيَةً » - فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 274).

أما الشريحة الثانية - فهي مظلمة قاتمة مقترة - تصف حال ومآل أولئك الظالمين الذين يأكلون الربا ظلماً وعدواناً وجوراً,,, بغرض جمع المال الحرام وكنزه وهم بذلك يضيقون على الفقراء والمساكين ولا يراعون حالاتهم البائسة وأحوالهم الصعبة, فوصفهم الله وصفاً دقيقاً ثم توعدهم,, قال: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ...), إذ أن حركاتهم كلها تشبه حركات المخبول الذي أصابه مس من الشيطان, وهم يحاولون إيهام الناس مع أنفسهم بأن البيع مثل الربا, ولكن شتان ما بين قمة الجبل وبطن الوادي, وما بين الربوة العالية الخصبة وبين الصفوان الجاف الزلق, علماً بأنهم حقيقةً يعرفون تماماً أن الله تعالى قد أحل البيع وحرم الربا, ولكنهم جُبلوا على المخادعة,,, قال تعالى إن سبب حالهم البائس: (... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ...).

ولكن مع ذلك الحال المتردي الذي هم فيه,, لم يغلق الله باب التوبة دونهم, بل أعطاهم فرصة للرجوع إلى الحق,, فقال في حقهم: (... فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى « فَلَهُ مَا سَلَفَ » - وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ - وَمَنْ عَادَ « فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » 275),, الكرة الآن في ملعبهم, ولهم الخيار في إصدار القرار, وتغيير المسار أو التولي والإنتظار,,,,.

ثم شرع الله تعالى حكماً مؤبداً للربا, لن يتغير مع الزمن حتى قيام الساعة, بيَّن فيه ان الربا ممحوق وأن الصدقات تربوا عن الله وتُضاعف أضعافاً كثيرة,, فقال سبحانه: (« يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا » « وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ » وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ 276), كل ذلك حماية وصيانة للعلاقات البينية بين البشر فصفة عامة, وعلاقاتهم بالفقراء والمساكين والمحتاجين بصفة خاصة.

إن التعامل بالربا داءٌ عضال, لذا قبل أن يصدر الله حكمه فيه أراد أن يذكر المؤمنين بإيمانهم ومقتضياته وعاقبيته,,, فقال لهم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 277), ثم خاطب الذين يتعاملون بالربا منهم مباشرة وذكرهم بتقواه, فقال لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 278), لا خيار لكم في ذلك إن كنتم صادقين في إيمانكم حقاً.

أما إذا ما آثرتم الإستمرار في الربا فهذا يعني إصراركم على معصية الله ورسوله,, وفي هذه الحالة, عليكم أن تتوقعوا حرباً من الله ورسوله على تلك المعصية,, قال تعالى لهم: (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...),, حيث لن تستطيعوا التكهن بما سيحدث لكم فيها, أما إذا إخترتم طريق التوبة من هذا الداء وتلك المعصية فأتبعوا شرع الله الذي قال لكم فيه: (... وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ 279), هذا فيما يتعلق بالمرابي الذي - عند التوبة - يحق له إسترداد أصل الدين فقط (رأسماله).

أما فيما يتعلق بالمدين - الذي تعثر في سداد رأس مالكم (أصل الدَّيْنِ) عنده - ففي شأنه أمران:

1. إما أن تصبروا عليه إلى حين ميسرة, حيث يستطيع معها تسديد ما لكم عليه من دين, تنفيذاً لقول الله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ...), فلا تستعجلوه وترهقوه وتعنتوه أو تمنوا عليه,

2. أو إعفاءه من أصل الدين عينه - إبتداءاً - إن قدرتم على ذلك واستطعتم له سبيلاً, وذلك بأن تتصدقوا به عليه لوجه الله تعالى وهذا العمل هو خير لكم,, قال الله في ذلك: (... وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 280), غاية الشرع هنا ألَّا يكون هناك أي مجال للغبن بين أفراد المجتمع, ولا تخاصم, ولا تدابر, ولا تفاخر, ولا كبر,,, ولا ظلم.

والحاكم لهذه الأمور كلها هو تقوى الله تعالى وحتمية تَذكُر اليوم الآخر حيث يُوفِّي الله كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون فتيلاً,, فقال لهم مطمئناً ومحذراً: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 281).
هذا من جانب أو وجهة نظر الدائن وقد بين الله تعالى له كل الخيارات وطمأنه بأنه في الواقع هو يتصدق لنفسه لأن الله تعالى سيحفظه له ليوم يلقاه ولا يضيع له عملاً.

الآن جاء دور معالجة أمر ومسار المدين,, الذي قد إفترض الله عليه كتابة الدين إلى أجله, لقوله تعالى آمراً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ...), عليكم مراعاة الضوابط التالية:

1. (... فَاكْتُبُوهُ ...), ولا تتكاسلوا عن كتابته فيحدث ما لا تُحمد عقباه من الخلافات والمشاكل والتشكك فيما بينكم, وهذا ما لا يرضاه الشرع ولا يسمح بيه أبداً.

2. والكتابة نفسها لها شروط, قال: (... وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ...), وليتق الكاتب ربه ولا يستغل جهل أقطاب الدين وينسى تقوى الله فيجور أو يحابي,,, الخ, وليعلم أن الله مطلع على هواجس نفسه وسرها كما يعلم بعلنها, وبالتالي فلا مجال للمخادعة.

3. وإلزام الكاتب بالقيام بالكتابة ولكن بشروط, قال فيها: (... وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ...), وهذه الكتابة لها كيفية محددة وشروط يجب إلتزامها, قال: (... 1« فَلْيَكْتُبْ », 2« وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ », 3« وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ », 4« وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا » ...),, هذا هو المنهج - إذا كان الذي عليه الحق قادراً على الإملاء بنفسه - كما ينبغي,

أما - إذا لم يكن قادراً على الإملاء لسفه فيه أو ضعف - فليقوم بهذا الدور وَلِيُّهُ وليكن ذلك "بالعدل", قال تعالى في ذلك: (... فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ « فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ». ولكن هذه الكتابة تقتضي وجود شهود وفق شروط محددة فيهم, يجب إستيفاءها تماماً كما بينها الله تعالى.

4. فالشهادة على المكاتبة تكون بأحد خيارين لا ثالث لهما:

- فإما أن تكون الشهادة « برجلين "عدلين" », لقوله تعالى: (... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ...),

- أو إن تعذر وجود رجلين فهناك خيار آخر وهو « رجل وإمرأتان », (ولكن يجب مراعاة الترتيب, فلا ينتقل الناس إلى هذا الخيار الثاني بوجود وإمكانية تحقيق الخيار الأول), وشرط أن يكون مرضياً عن شهادتهم, قال تعالى: (... فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ...).

وقد علل الله تعالى سبب فرض شهادة إمرأتين مكان الرجل, بأن هناك إحتمال وارد لإمكانية ضلال المرأة عن أمر الشهادة بالتشكك فيها أو نسيانها - ذلك لطبيعة ذاتية خلقت فيها, والله أعلم بما خلق, ويحكم ما يريد - ومن ثم فالمرأة تحتاج إلى إمرأة أخرى تذكرها إن حدث ذلك النسيان أو التشكك,, قال تعالى في ذلك: (... أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ...), وهذه إحدى معجزات القرآن الكريم.

5. هناك أمر آخر بلا شك سيشكل معضلة إن لم يحسم شرعاً, ألا وهو إيجاد ضمان لعدم رفض الشهداء القيام بهذا الدور إن لم تكن هناك آلية شرعية ملزمة لهم ومنصوص عنها, وقد تولى الله ذلك وحسمه بقوله تعالى آمراً: (... وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ...), ما لم يكن هناك عذر شرعي مقبول ويبرئ الذمة أمام الله تعالى,

6. وهناك إشكالية أخرى تنشأ عندما يتكاسل الناس عن كتابة الدين, خاصة إذا كان المبلغ أو أصل الدين صغيراً, فوجَّههُم الله إلى عدم التكاسل وإلتزام الكتابة "على وجه الخيار" لا الإلزام, فقال لهم: (... وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ...), وعلل لهم ذلك بثلاث أسباب بقوله عنها: (... 1« ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ » 2« وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ » 3« وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا » ...).

ولكنه سبحانه قد إستثنى بعض الحالات من الكتابة تسهيلاً لهم ورفع العنت عنهم,, ولكن تحت شروط دقيقة قال فيها:
(... إِلَّا أَن تَكُونَ - « تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ » - فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ...), ولكن,, مع رفع هذا الحرج عنهم إلَّا أن الشرع يفضل الكتابة في هذه الحالة ما إستطاعوا لذلك سبيلاً.

7. ثم شرَّع الله للمبايعة بين المؤمنين, وإشترط الشهادة فيها أيضاً, فقال تعالى: (... وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ...), ولكنه وضع لذلك شروط مغلظة, قال فيها: (... وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ...), وأكد على أن أي ضرر يقع على كاتب أو شهيد "عمداً" يعتبر ذلك فسوق بمن تسبب في ذلك الضرر, وربط ذلك بتقوى الله, فقال: (... وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ « وَاتَّقُوا اللَّهَ » وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ - وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 282).

8. إنَّ الدَّيْنَ - في الأصل - ليس وقفاً على الحَضَرِ, بل يحدث أيضاً في حالات السفر,, لذا فلا بد من أخذ الكتابة والشهادة في الإعتبار, ولأنه وارد عدم وجود كاتب عدل بين المسافرين في كثير من الأحوال كما في الحضر, لذا شرَّع الله تعالى البديل للكتابة في هذه الحالة ووضع لذلك شروط وبدائل, وربط كل ذلك بتقوى الله تعالى ليضمن الإلتزام بالتنفيذ « بشروط الله تعالى ومنهجه »,, قال الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا ...), عليكم أن تتصرفون كما يلي:

- (... فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ...),
- ولكن - في إطار الثقة فيما بينكم - فإن هناك شروط ومحاذير يجب مراعاتها متعلقة بالأمانة وتقوى الله, قال: (... فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا - 1« فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ » 2« وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ » ...).

ثم مع وجود الكتابة والشهادة, هناك خطر لا يمكن التغاضي عنه, ألَاْ وهو « كتم هذه الشهادة », وأسباب ذلك كثيرة, وعليه كان لا بد من أن يُذكِّر الله الشهود « بقيوميته وعلمه وحسابه », لذا لم يكتف فقط بأمرهم بعدم كتم الشهادة,, بل حذرهم من مغبة ذلك,, فقال لهم: (... وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ 283), مرة أخرى ذكرهم بأن إبداء ما في أنفسهم أو إخفائه لا يعني شيئاً عنده, لأنه يعلم السر وأخفى, وسيحاسبهم عليه إن خيراً فخير وإن شراً فلا يلُومَنَّ إلَّا نفسه.

وكان الحاكم لإلتزام المؤمنين بكل هذه الضوابط والشروط والواجبات أن ذكرهم الله تعالى بأنه هو مالك كل شيء, وأن مالهم هو مال الله الذي إستخلفهم فيه, وذكرهم بضرورة الشفافية والأمانة لأن الله تعالى يعلم عنهم كل شيء, فالأمر عنده سيان, إن كانوا أبدوا ما في أنفسهم أو أخفوه, فالله مطلع عليه وسيحاسبهم به,,, قال تعالى للمؤمنين إعلموا أن: (لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ...), فالله قد أحصى لكم وعليكم كل كبيرة وصغيرة, فالأمر يومئذ لله,, لن يستطيع أحد أن يخفي عنه شيئاً,, لذا إن شاء غفر وإن شاء عذب فالله تعالى قادر على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء,, لذا قال في ذلك: (... فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 284).

رابعاً: الآن عند هذه الننقطة الفاصلة,, فلنلخص هذا الكم الهائل من التشريعات والضوابط والمعايير التي جادت بها هذه الآيات القلائل من هذه السورة العامرة,, وذلك قبل أن نتدبر الآية الخاتمة لهذه السورة المعجزة,, فنقول وبالله التوفيق:

خلاصة هذه الآيات البينات أن الله تعالى قد طوق المؤمنين بضوابط وأحكام ومعايير كثيرة متضمنة أوامر ونواهي, ووصْفاً وأمثالاً وتحذيراتٍ ومدحاً وذماً,,, الخ, وأغلبها أعمال مقاصدها سِريَّة وجدانيَّة لا يعلمها إلَّا الله تعالى, كما هو واضح مما سبق,,, ولكن للضررة علينا أن نلخصها فيما يلي:

أولاً: وصف الله تعالى للمؤمنين الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله - وفي ذلك تشجيع لهم على ألإستزادة من الإنفاق في كل الظروف والأحوال, وحفَّذهم على ذلك,, وقد شبَّه الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بأكمل صورة لأجزل أنماط العطاء. ثم ميَّز أولئك المؤمنين الذين كانوا - بجانب إنفاقهم في سبيل الله بسخاء - يُتبعون ذلك سلوكاً وأخلاقاً وتواضعاً, بل يقدِّمون نفقاتهم خالصة لوجه الله لا يريدون من أحد جزاءاً ولا شكوراً. وبالمقابل,, قد بيَّن الله انه قد إستغنى عن الصدقة التي يتبعها - مِنْ المنفق - مَنٌّ وأذى,, بل وفضَّل عليها « قولٌ طيبٌ معروفٌ » ليس فيه جرح لمشاعر المنفق عليهم.

ثم حذر الله المؤمنين عن مغبة المَنِّ والأذى الذي يتبع الإنفاق في سبيل الله, وبين لهم أن ذلك يبطل صدقاتهم, ووصف حالهم بمن ينفق ماله رِئاءَ الناس ليُقال إن فلاناً منفقٌ كريم. ثم بين لهم أيضاً أن مَثَلَ هذه تماماً كمثل صخرة صلبة ملساء, عليها تراب فنزل عليها المطر فتحول التراب إلى طين ثم جف الطين على سطحها فصار صلداً لا ينبت فيه نبات ولا زرع.

وبالمقابل كانت هناك صورة مضيئة لأولئك الذين ينفقون أموالهم إبتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم, بلا مَنٍّ ولا أذى, فأولئك شبَّههم بجنَّةٍ على ربوة عالية, تُربتها خصبة, فإن أصابها المطر أزهرت وإخضرت وأنبتت من كل زوج بهيج وآتت أكلها ضعفين, و إن لم يصبها وابل, فهي ستبقى تربة لينة رطبة ندية, تماماً مثل هؤلاء المنفقين الورعين المتقين.

ثم حذرهم الله من مغبة غضبه عليهم إن بخلوا بما عندهم, من أن يجعله عليهم هباءاً منثوراً وهم لا يقدرون على شيء مما كسبوا, ووضع لهم صورة قاتمة لعاقبتهم وحسرتهم على ما بخلوا به يوم القيامة.

ثانياً: علَّم الله المؤمنين كيفية الإنفاق وضوابطه ومعاييره حتى يفوذوا بأعلى درجات القبول والرضى والجزاء من ربهم الذي أنفقوا في سبيله وإبتغاء مرضاته. وأمَرَهُم,, بأن ينفقوا من طيبات ما كسبوا إذ الله طيب لا يقبل إلَّا طيباً, إن كان إنفاقكم حقاً يبتغون به وجهه تعالى. ثم نهاهم عن مغبة تيمُّم الخبيث مما كسبوا للإنفاق منه فبين لهم أنهم إذا كانوا هم الآخذين لهذا الإنفاق لما إرتضوه لأنفسهم إلَّا حياءاً,, فالله غنى عن هذا الخبيث وليتحفظوا به لأنفسكم. ثم حذرهم من أن يقعوا في حبائل الشيطان الرجيم المتربص بهم, والذي ينهاهم عن المعروف ويأمرهم بالمنكر, والفحشاء, ويعدهم الفقر بأن يخوفهم من الإنفاق في سبيل الله, وهذا هو عين الفقر والإفلاس.

ثالثاً: تستمر الآيات على هذا النسق الجميل منسابةً في التدقيق والتشريع في حق الفقراء والمساكين وغيرهم من مستحقي الصدقة بإعتبار أن ما يُتصدَّق به عليهم يجب أن يكون من أطيب ما لدى المنفق لأنه سيخص به ألله تعالى والله طيب لا يقبل إلَّا طيباً.

كما أن هناك تشريع خاص لنوع فريد من الفقراء, هم أولئك الذين أحصروا لعجز أو مرض أو نحو ذلك أقعدهم عن قضاء حاجاتهم والسعي لأرزاقهم بأنفسهم, ومع ذلك يتميزون عن غيرهم بالتعفف وعدم كشف حاجتهم للناس أو سؤالهم إلحافاً,, هؤلاء الذين أراد الله أن يلفت نظر المؤمنون لهم بصفة خاصة, ووضع ضوابط صارمة ومنهاج كامل للتعامل معهم. فهؤلاء الفقراء لهم معاملة خاصة للإنفاق عليهم بحيث لا يجرح المنفق مشاعرهم عند قيامه بتوفير حاجاتهم,, بل يحتاج الأمر إلى كثير من الحذر والتحايل وتحرِّي الأمثل والأكرم والأجدى, وتحيُّن الفرص والمناسبات,,, في تقديم حق الله لهم بإكرام وإحترام,

رابعاً: ثم تناولت السورة الكريمة شريحتين من الناس: الأولى لأولئك الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بالليل والنهار, سراً وعلانية يبتغون بذلك فضلاً من الله ورضواناً عليهم, فهؤلاء قد بشرهم الله تعالى "سلفاً" بأن لهم أجرهم عند ربهم وألَّا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أما الثانية فهي لأولئك الظالمين الذين يأكلون الربا ظلماً وعدواناً وجوراً, بغرض جمع المال الحرام وكنزه وهم بذلك يضيقون على الفقراء والمساكين ولا يراعون حالاتهم البائسة وأحوالهم الصعبة, فوصفهم الله وصفاً دقيقاً وتوعدهم,, فقال بأن حركاتهم كلها تشبه حركات المخبول الذي أصابه مس من الشيطان, ثم أتْبَع الله تعالى ذلك حكماً مؤبداً للربا, لن يتغير مع الزمن حتى قيام الساعة, بيَّن فيه ان الربا ممحوق وأن الصدقات تربوا عن الله وتتضاعف أضعافاً كثيرة,, لذا قبل أن يصدر الله حكمه فيه أراد أن يذكر المؤمنين بإيمانهم ومقتضياته وعاقبيته,,, ثم خاطب الذين يتعاملون بالربا منهم مباشرة وذكَّرهم بتقواه, وأنه عليم بذات الصدور.

خامساً: ثم شرَّع للمدين الذي تعثر في سداد رأس المال (أصل الدين) الذي عليه فوضع للدائن خيارين لتحصيله منه: فإما أن يصبر عليه إلى حين ميسرة, أو يعفوه من أصل الدين إن أمكنه ذلك, وإستطاع له سبيلاً.
ثم جاء دور معالجة أمر ومسار المدينين,, الذين قد إفترض الله عليهم كتابة الدين إلى أجله, وفرض عليكم مراعاة الضوابط المتعلقة بكتابته وعدم التكاسل عن ذلك, وضرورة الإستعانة بكاتب عدل,,, الخ. وهذه الكتابة لها كيفية محددة وشروط يجب إلتزامها.

وهناك أمر يستدعي ضمان عدم رفض الشهداء القيام بهذا الدور, فقد يرفضون أداء الشهادة إن لم تكن هناك آلية ملزمة لهم, وقد تولى الله ذلك وحسمه, ما لم يكن هناك عذر شرعي مقبول ويبرئ الذمة أمامه تعالى, هذا بجانب إشكالية تكاسل الناس عن الكتابة خاصة إذا كان المبلغ صغيراً, فوجههم الله إلى عدم التكاسل وإلتزام الكتابة "على وجه الخيار" لا الإلزام.

وهناك الكثير من الأوامر والنواهي والتحذيرات والتوصيات,,, التي جعل الله تعالى الحاكم لإلتزام المؤمنين بكل هذه الضوابط والشروط والواجبات أن ذكرهم بأنه تعالى هو مالك كل شيء وأن مالهم هو ماله الذي إستخلفهم فيه, وذكرهم بضرورة الشفافية والأمانة لأن الله تعالى يعلم عنهم كل شيء, فالأمر عنده سيان, إن كانوا أبدوا ما في أنفسهم أو أخفوه, فالله مطلع عليه ومحيط به وسيحاسبهم عليه إن كان خيراً فخير, وإن كان دون ذلك فلا يلومون إلَّا أنفسهم,,, فقد أحصى لهم وعليهم كل كبيرة وصغيرة, فالأمر يومئذ لله الذي قال (لا ظلم اليوم).

بعد كل هذا جاءت شهادة البراءة من الله تعالى « للرسول وللمؤمنين معه » - من أي تقصير أو مخالفة لأي من تلك التعليمات والضوابط التي جاءت بها هذه الآيات - وذلك في قوله تعالى:
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ...), وقد كان إيماناً كاملاً غير مشوب, وقد إرتضاه الله تعالى منه وشهد له به,, ولكن ليس الرسول وحده, بل كذلك المؤمنون المخلصون من أبتاعه, قال: (... وَالْمُؤْمِنُونَ ...). ثم فصل هذا الإيمان وبين أن كلهم آمنوا معه أيضاً,,, فقال: (... كُلٌّ آمَنَ 1« بِاللَّهِ » 2« وَمَلَائِكَتِهِ » 3« وَكُتُبِهِ » 4« وَرُسُلِهِ » ...), ليس إيماناً ضمنياً نظرياً شفهياً ناقصاً,,, ولكنه إيمان موثق قالوا فيه صادقين: (... « لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ » وَقَالُوا - « سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا » « غُفْرَانَكَ رَبَّنَا » - وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ 285).

فمعلوم أن الله تعالى, - قبل أن يكلف أي نفس بعمل أو تكليف - فإنه يعلم مسبقاً إن كانت تلك النفس تستطيع أو تطيق هذا التكليف أم لا, فالله تعالى,, مثلاً: لم يكلف طفلاً بعبادة أو يفرض عليه واجبات حتى يبلغ مقتضيات التكليف عند البلوغ, ولا ولم يكلف الحائض والنفساء بعبادته من صلاة أم صوم أم حج,, ما دامت كذلك, ولم يكلف المريض بالصوم, ولم يكلف بالحج إلَّا المستطيع, ولم يفرض الجهاد على الأعمى والأعرج والمريض, ونحوه,,, الخ, فإن كلف الله نفساً بتكليف ما - وجب عليها الوفاء به بقدر إستطاعتها - فإن ذلك حتماً سيكون في وسعها,, قال تعالى في ذلك: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...) إبتداءاً,, فإن كلفها أصبح عليها أداء ذلك التكليف كما ينبغي بكل شروطه ومقتضياته بقدر طاقته لأن الله يكلف عن علم وحكمة, فالله وحده هو الذي سيُقَيِّمُ هذا العمل ويجازيه عليه "بالقسط", قال تعالى في ذلك: (... لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ...), فالوزن يومئذ القسط,,,,.

لذا سأل المؤمنون ربهم أن يتفضل عليهم بالعفو والمغفرة والتجاوز عن السيئات التي قد يقعون فيها دون قصد منهم, وهي أمور يصعب عليهم مراقبتها وكثيراً ما يقعوا فيها,, وقد أخافهم قوله تعالى (... وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ...), وأن لا يؤاخذهم عن الخطأ والنسيان وأن يستثنى هذه من الإكتساب فضلاً منه عليهم ورحمة بهم, فهو رقيب عليهم, ولكنهم لن يستطيعوا أن يكونوا رقباء على أنفسهم بنفس القدر الذي يحصي االله به أعمال البشر, فرجوه أن يغفر لهم ما أحصاه عنهم ولم يبلغ مداركهم أو أخطأوا فيه أو نسوه طمعاً في رحمته وفضله,, فهو الغفور الرحيم,,, فقالوا في رجائهم لربهم الذي يحبهم ويحبونه: (... رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا - 1« إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا » - رَبَّنَا 2« وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا » كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا 3« وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ » 4« وَاعْفُ عَنَّا » 5« وَاغْفِرْ لَنَا » 6« وَارْحَمْنَا » - أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 286),,, فكيف لا يطمعون في رحمة ربهم, وقد دعاهم الله تعالى كثيراً بأن يدعوه يستجب ملهم,, ففي سورة عافر:(وَقَالَ رَبُّكُمُ « ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ 60), فكيف يضيع المؤمنون هذا الكرم الإلهي الفياض الذي إعتبر دعاء المؤمنين له "عبادة" بل مخ العبادة, خاصة وأنه قد إعتبر عدم دعائه إستكبار عن عبادته بقوله (... إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ), فما شأنك أيها الكاتب بالدخول بين الأحبة,, ما بين رب كريم رحيم, وعبد مؤمن مخلص؟؟؟.

واضح أن الكاتب بعيد عن الحق والحقيقة والواقع ويستحيل في حقه وأمثاله مجرد تصور هذا القدر من الأحكام والإحكام,, والتشريع حتى لما وقر في ألضمير وجال بالخواطر وجن من هواجس النفس ومطامعها ومطامحها,,,, فأنى له ذلك؟؟؟ ..... حيث قال متسائلاً: (هل يحاسب الله على ما فى أنفسنا أم لا يكلف الله نفسا إلا وسعها؟.),, الآن أمام القراء مائدة الرحمان العامرة بكل ما تشتهي النفس من الطيبات. والله شديد المحال.

ولكن قبل الختام لدينا بعض التعليقات على ما أشكل على الكاتب ولنرشح قليل من الملاحظ عليها فيما يلي:

أولاً: قد إنحرف بعيداً عن مقتضى ومدلوه قوله تعالى: ( ... وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ... ), بظنه الخاطئ الذي قال فيه: ((... تعنى ان الله سيحاسب البشر بما يخفون في صدورهم وما لا يعلنون عنه أى على نواياهم حتى ولو لم يفعلوا ...)),
لذا نراه قد أعطى نموذجاً كاملاً عن مستوى تفكيره ودرجة إستيعابه للغة البيان, رغم أن السورة بكاملها أمامه, ولكنه العمه والختم والشنآن. فإشكاليته في هذه الجزئية هي مفهومه عن عبارة " يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ", فظن أن الحساب هو "العقاب فقط", وهذا لغوياً غير صحيح,, لأن المحاسبة قد تكون "لك" أو "عليك". هذا أولاً,, وثانياً,, إشكاليته في لغة البيان والإبيان, ومن ذلك ملكة التدبر,, فلو كان له حظ من ذلك لعرف أن الأمر متعلق بالعمل الوجداني الخفي, فكأنما قال الله لهم إن أبديتم العمل الصالح أو أخفيتموه أو أبديتم العمل الطالح أو أخفيتمون فإن علمه عند الله سيان, وبالتالي سيحاسبكم به, وله مطلق الحق في أن يقبل العمل الصالح أو يرفضه, كما له مطلق الحق في أن يغفر الذنب أو يجز به.

لذا فقول لبيب: ((... فهكذا حكم وسيستم إلهى فى الحساب ,...)), هذه خطرفة وكلام رد لا معنى له ولا يستحق الوقوف عنده. بل يكفي قوله عن هذه الآية بأنها ((... مخالفة تماما لآية أخرى لهذا التوجه فى نفس سورة البقرة:286 والتالية للآية السابقة!...)), يقصد بذلك قوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ). لذا علق على فهمه الخاطئ بقوله: ((... فكل نفس بوسعها وما اقترفت وليس بما يدور فى ضميرها ونواياها . فما هو الحكم الإلهى ؟ هل يحاسب على النوايا وما يخفيه الإنسان فى صدره وضميره أم التكليف وفق السعة والمقدرة والإقتراف ؟ ...)), لن نعلق على هذه اللجاجة, وقد أوضحنا ذلك مسبقاً ولن نكرره هنا, بل نعتبر هذا التصور من الكاتب حالة خاصة لا علاقة لها بالواقع ولا بالمنطق ولا الموضوعية.

ثانياً: الأغرب من كل هذا وذاك وتلك, قوله أيضاً: ((... من هنا يحق لنا السؤال : بما أن الله عالم الغيب فألم يكن يعلم بصعوبة ذلك الطلب مسبقا ؟ وهل حديث يبطل آية قرانية ؟ ولماذا تتنزل آية قرانية ليبطلها حديث ثم تليها آية أخرى بعد عدة ساعات تؤكد الحديث ؟ . ولتلاحظ أن الآية الأولى 284 من سورة البقرة والآية الثانية 286 من نفس السورة أى مدادها لم يجف بعد .!! بلا بلا بلا ...)), هذه تعتبر خطرفة وهزيان لا معنى له,, ولا تعليق لا عليها ولا تحليق.

ثالثاً: ومن غرائب ما قاله هذا الكاتب: ((... سنحاول إيجاد تفسير لهذا التناقض حتى لا يقال أننا نتصيد الأخطاء فقط ولكن هذا التفسير سيكون مؤلماً لأنه سيثبت بشرية النص ومزاجيته .. فعندما تلى محمد آية " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخفوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله " وجد الصحابة هذه الآية مرهقة صعبة التنفيذ لتشكل مشقة فى الإمتثال لها فإحتجوا للرسول بعد سماعهم تلك الآية , فجثوا على ركبهم وبكا منهم البعض وأقروا بعدم مقدرتهم على ذلك المطلب أن يوقفوا حديث النفس , فقال لهم الرسول بعد أن طلب منهم ان يقولوا سمعنا واطعنا قال: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) ثم نزلت آية اخرى لاحقا تبطل سابقتها ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) .! ...)), يا له من خيال أغرب من غرائب المخيلات,, للآتي:

1. في البدء نراه يبرئ تفسيره عن شبهة القول بأنه يتصيد الأخطاء, وفي حقيقة أمره يحول الحقائق إلى أخطاء ثم يعمل على تصيدها بعد ذلك ونسبتها للحق,,, فهو ضليع في تغيير الموازين وإيقاف الهرم على رأسه,, ولكن في مخيلته فقط .

2. قال بثقة إن تفسيره سيكون مؤلماً لأنه سيثبت بشرية النص ومزاجيته بلا بلا بلا,, وهذا حق من حيث أنه سيكون مؤلماً ولكن بالنسبة له هو لأنه سيحبط عندما يرى نفسه مغرداً خارج السرب, وسيكون مخيبا لآماله عندما يرى كم كانت محاولته سالبة بالنسبة لأهدافه وموجبة بالنسبة للقرآن الكريم ومؤكدة على إعجاز النص القرآني بشهادته التي أراد بها باطلاً فقهر على أدائها كما ينبغي.

3. ظن الكاتب وإدعى إن هناك أوامر بأعمال مرهقة بهذه الآية صعبة التنفيذ, بقوله: ((... فعندما تلى محمد آية " وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخفوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله " وجد الصحابة هذه الآية مرهقة صعبة التنفيذ لتشكل مشقة فى الإمتثال لها فإحتجوا للرسول بعد سماعهم تلك الآية ...)),

أولاً: الآية ليس فيها تكليف بأعمال مرهقة يصعب على المؤمنين تنفيذها,, كما تدعي أيها الكاتب,, يمكنك الرجوع إليها مرات ومرات عديدة, ستجدها تتضمن "تنبيه وتذكير" للمؤمنين مشوب "بتحذير" يقول لهم فيه - عن الإنفاق حصرياً - إن الله يعلم كل ما بداخلكم سواءاً أبديتموه أو أخفيتموه,, وبالتالي سيحاسب عليه مع وجود المغفرة. فمن أين جئت بالعمل المرهق الصعب التنفيذ؟؟؟

ثانياً: قولك بأن الصحابة "إحتجوا" على الرسول على آيات الله؟؟؟ ..... هذه الكلمة يستحيل قولها عن الصحابة الذين قال الله تعالى فيهم (كنتم خير أمة أخرجت للناس,, تأمرون بالمعروف, وتنهون عن المنكر, وتؤمنون بالله),, ولكنهم حين التنزيل يرجون من الله تعالى أن يطمئنهم بأنهم غير مؤاخذين على الخطأ والنسيان وأن يجنبهم الإصر,, ولم يوجهوا هذه المطالب للرسول, بل وجهوها لله تعالى بدليل قولهم لربهم مباشرة: (... رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا - « إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا » - رَبَّنَا « وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا » كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا « وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ » « وَاعْفُ عَنَّا » « وَاغْفِرْ لَنَا » « وَارْحَمْنَا » - أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ 286), أين هذا الإحتجاج وشوربة الدجاج؟؟؟.

هذا محض إفتراء وعبث أطفال, وسفه, إذ الآية لا تتحدث عن صعوبة أو سهولة "تنفيذ" أو إرهاق,, لأنها ليست متعلقة بالعمل نفسه, وإنما معنية بالشفافية والصدق في العمل, والإيمان بعلم الله للغيب وأخفى, وأن إخفاء العمل في السر لا يغير من قيمته الحقيقية عند الله تعالى, فإن أضمر شراً وسعىل إظهاره خيراً, فإن الله سيعلمه شراً ويكتبه عليه على ذلك النحو, والعكس بالعكس,, والغاية من ذلك كما هو واضح من تدبر الآيات, أن الله أراد أن يقدم المنفقون نفقاتهم سراً - خاصة بالنسبة للفقراء المحصرين المتميزين, وطمئنهم بأن الله يعلم بعملهم في السر كعلمه به في العلن, وسيحاسبهم به كما علمه.

4. يفتري هذا الكاتب الكذب على رسول الله وعلى أصحاب ثم يقول عنهم: ((... فجثوا على ركبهم وبكا منهم البعض وأقروا بعدم مقدرتهم على ذلك المطلب أن يوقفوا حديث النفس,, بلا بلا بلا...)), فلا أدري ما هو ذلك المطلب الذي إدعى أن ألصحابة اقروا بعدم مقدرتهم عليه,,, ثم ما هو حديث النفس الذي طلب الله ورسوله منهم أن يوقفوه؟؟؟ .... ما هذا السفه الغريب؟؟؟ هل مجرد تذكير المؤمنين بأن إخفاءهم للصدقة للفقراء المتميزين أفضل من إظهارها وفي كل خير, لأن الله يعلم السر وأخفى,,, أفي هذا مشقة عليهم لدرجة أنهم يجثون على ركبهم ويبكون وينزعجون؟؟؟ ..... ثم متى وأين طلب منهم إيقاف حديث النفس إبتداءاً يا هذا؟؟؟

5. ثم الأدهى من ذلك وأمر, قوله كذباً على الرسول ما لم يتفوه به, وذلك بقوله: ((... فقال لهم الرسول بعد أن طلب منهم ان يقولوا سمعنا واطعنا قال: ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) ثم نزلت آية اخرى لاحقا تبطل سابقتها ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ) .! ...)), واضح هنا خلط الأوراق لدى الكاتب والفبركة المهينة المخزية غير المحبوكة.

أولاً: ما علاقة هذا الحديث بالآية الكريمة هذه؟؟؟

ثانياً: الحديث الذي يقول: (إن الله تعالى تجاوز عن أمتي كل شيء حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل), المقصود به ما تحدث به النفس من "آثام", كأن تحدثه نفسه بالزنا أو شرب الخمر وما نحوها من الآثام, فإن لم يتكلم بما حدثته به نفسه و/أو لم يعمل ذلك الإثم فعلاً, فإن الله تعالى قد تجاوز عنها - لأمة محمد خاصة - ولن يكتبها إثماً على صاحبتها. فالسؤال هنا للكاتب,,, هل وجدت شيئاً من هذا أو ذاك بين كل ما تناولته جميع الآيات التي تدبرناها من سورة البقرة ؟؟؟ ..... فإن لم تجد شيئاً من ذلك فهذه شهادة منك على نفسك بأنك من الكاذبين لا أقل من ذلك.

أخيرا,, قولك عن هذا المسخ الذي جئت به بأن فيه منطق أو عقل فهذا يعتبر تجاوز خطير منك, فأنظر إلى قولك هنا: ((... أراه تفسير منطقى وفقا لسرد أسباب التنزيل والسيناريو الذى تم , ولكن هذا يعنى أن محمد يؤلف الآيات , فالآية التى لاتجد صدى لدى الجمهور يتم نسخها وإستبدالها بآية أخرى لينة تُرضى مزاج الصحابة, ولتلاحظ أن الحديث جاء سريعاً ناسخاً لآية البقرة 284 ليعقبها بآية . ! ...)). نقول له - إعلم يا هذا أنه لا يوجد نسخ ولا ناسخ ولا منسوخ هنا - الآيات محكمة وقد فصلها الله تفصيلا,, وأحكامها باقية ولازمة لكل البشر حتى قيام الساعة,, ونتحدى كل من يتجرأ بأن يأتي بتشريع يمكن أن يبلغ معشار هذا التشريع الرباني.
أما بالنسبة للكاتب, فنكتفي بالقول له: كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً.


تحية كريمة للقراء الكرام والقارءات,

بشاراه أحمد عرمان



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (6):
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (5):
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (4):
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ (3b):
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (2):
- بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (1):
- وقفة تأمل ناقدة وتقييم مسار: الحوار المتمدن
- مغالطات غاشمة ونقطة نظام حاسمة:
- الحَقُّ والإبْيَانُ في أنَّ إبْليْسَ هُوَ عَيْنُهُ الشَّيْطَ ...
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (Q):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (N):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (M):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (L):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (J):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ (I):
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ 1-H:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ G:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ F:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ E:
- الحَقِيْقَةُ و بُهْتَانُ الدَّمَارِ الشَّامِلِ D:


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (7):