أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزيز الصغير - تاريخ التقويم العربي بين أصالة التراث ورهانات الحاضر















المزيد.....


تاريخ التقويم العربي بين أصالة التراث ورهانات الحاضر


عزيز الصغير

الحوار المتمدن-العدد: 5535 - 2017 / 5 / 29 - 22:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تاريخ التقويم العربي بين أصالة التراث ورهانات الحاضر


مقدمة :
أن المتتبع لحقول التاريخ والتأريخ يسعى إلى فهم الغموض في إشكالية التطور البشري و يرتأي تحليل صيرورة الأحداث على نحو علمي منطقي يكشف ماهية الحقيقة للوصول إلى حقائق وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل
وعلى هذا الأساس, لا تنفصل جذور الماضي وحقائقه عن حاضر كل أمة لا تزال ترتوي من منبع تاريخها وتربط تطورها بأصول تراثها وميراثها, بل وتؤرخ مقياس زمنها بحدث تنسب إليه أحداثها, وتعلق عليه مرجعيتها التنظيمية, ويهتدي به أفرادها في أمور دينهم ودنياهم. وهنا تبدأ إشكالية التقويم والتأريخ في كل عصر ومجتمع كأساس ينظم العلاقات بين الإنسان ومحيطه العام, وبين الفرد ومجتمعه.
يقدم لنا الموروث التاريخي, ونقصد المنسوب إلى مرجعيات حضارية مختلفة ، عددا هائلا من الوقائع التاريخية التي شكلت مرجعا تأريخيا بنيت عليه تنظيمات زمنية وقواعد حسابية, لكن بغير معزل عن الدورات الفلكية الشمسية منها والقمرية. من هذه الزاوية سنركز على التأريخ العربي قبل البعثة النبوية وبعدها كنموذج تغير بتغير مسار اجتماعي وسياسي لمجتمع شهد فترة انتقالية في التنظيمات والعقائد, وكنموذج أيضا حمل في أشلائه بعد ذلك تبعات أثرت بالغ الأثر على شعائر وطقوس المجتمع الاسلامي الغابر منه والمعاصر.
إشكالية التقويم والتأريخ :
يمدنا "لسان العرب" بالمعطيات التالية: قِوام كل شيء: ما استقام به ومنه "التقويم"، وهو مشتق من الفعل (قوَّم)، فيقال: قوَّم المعوج بمعنى: عدَّله وأزال اعوجاجه، وقوم الشيء بمعنى قدره ووزنه، وحكم على قيمته، واستقام اعتدل واستوى، وقد وردت عدة مشتقات للفعل (قـوَّم) في القرآن؛ منها: لفظة أقوم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ (الإسراء: 99).
يقول الطبري, أن أقوم) تعني أصوب، ومنها أيضًا لفظة (تقويم) التي وردت في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ ( سورة التين الآية: 4)، فالتقويم يعني أعدل ما يكون، ومن هنا يمكن القول: إن التقويم يعني الاستقامة. وهذا التعريف قد يكفي وحده لتبرير اتخاذه قيمة تنظيمية, تتضمن جمع المعلومات والبيانات، وتحليلها من أجل التصحيح والتصويب على ضوء معايير مضبوطة.
من هنا يتضح أن التقويم يصب معناه في تعديل الشيء, وتقديره لتقويمه.
أما كلمة تأريخ ,فمن خلال تتبع التعاريف اللغوية لكلمة تاريخ نجد أن تعريف الوقت هو المعنى الغالب لدى علماء اللغة (1)، حيث ذكروا أن التأريخ: " تعريف الوقت. أرّخ الكتاب وقته" أما عن أصل الكلمة فقد اختلف فيه؛ فقد قيل أنه عربي، وقيل أنه غير ذلك (2)
يقول السخاوي: "... وفي الاصطلاح التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال...والحاصل أنه فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت، بل عما كان في العالم"(3)
ويبدو من هذا التعريف الاصطلاحي أن نظرة السخاوي للتاريخ نظرة توحي " بأن وظيفة التاريخ قاصرة على تحديد موقع الحادثة التاريخية زمانا ومكانا "(4).

من هذه النافذة, يتضح أن التاريخ يدل على الأحداث الماضية , أما التأريخ فهو يدل على الفعل, أي القيام بتدوين و جمع المادة المتعلقة بهذه الأحداث.
ذلك, لابد من الاتماس التأييد لهذا الاختيار من المورث الذي نتعامل معه. غير أن المجال لا يتسع لعرض واسع، فسنقتصر على وضع كل مفهوم مكانه حتى نسطيع أن نفي بالغرض.
التقويم الزمني قبل البعثة النبوية :
مما لا شك فيه, أن العرب استعملوا طريقة التقويم العبرية القديمة المنتقاة من دورة ميتون, وفقا لعالم الفلك اليوناني الذي عاش في بابل في 432 قبل الميلادي (على الرغم من أن الصينيين حسب بعض المراجع اعتمدت نفس التقويم تسعة عشر قرنا قبل ميتون بإضافة 7 أشهر كل 19 سنة.( Chauve-Bertrand1920)(5) قبل أن يعتمدها اليهود في تقويماتهم آنذاك, بحيث تشير كل الدراسات العبرية أن السنهدرين (مجمع مشيخة اليهود في فترة وجود السيد المسيح على الارض), هم من قرروا إضافة شهر قمري للتقويم كل 32 شهرا لإعادة الاتساق بين الشهور وبين الفصول المناخية التي تعبر الشهور عنها ، كما هو مبين في الرسالة التالية:
"لإخواني، المنفيين من بابل، وجميع المنبوذين والمنفين من إسرائيل، شالوم نحن نعرف أن الحمام لا تزال طرية جدا، الاغنام لا زالت فتية إنبات القمح لا يزال في وقت مبكر جدا لهذا أحببنا نحن وزملاءنا زيادة السنه الحالية بمقدار 30 يوما . (6), (Jean Lefort ed Belin 1998)
بعد فتح القدس 587 قبل الميلاد, بدأ البابليون دورتهم السنوية من شهر نيسان وقت الاعتدال الربيعي واعتمدوا أسماءا بابلية في تسمية الأشهر حتى عام 70 ميلادية, لكن هذه المصادر محدودة خاصة وأن صيرورة الاحداث التاريخية بدأت تتداخل بعد تدمير الهيكل في القدس، في 70 ميلادي. ومن غير المعروف ما إذا فرض حتى الرومان التقويم اليولياني أو تقويم اليهودي الموظف في فلسطين بعد هذه السنة. ولا توجد إشارة زمنية في العهد الجديد. كل وثائق يهوذا الآرامية المعاصرة نادرة, وتثبت فقط أن اليهود لديهم أحداث مؤرخة في سنوات الأباطرة الرومان. مصادر البيانات وفيرة في التلمود، تتعلق فقط بالتقويم الديني الذي من المرجح أنه استند أليها في التقويم اليهودي المعاصر الذي بدأ في 359 للميلاد.
عموما, يعتمد التقويم اليهودي على دورتي الشمس والقمر، وحساب الشهور في السنة يتبع الدورة الفلكية للشمس و القمر, بينما يتبع حساب السنين دورة الشمس. لكن دورة القمر تقل (السنة القمرية) عن دورة الشمس ب 11 يوما كل سنة. لهذا الغرض يلجأ اليهود في مطابقة السنة القمرية للسنة الشمسية إلى إضافة شهراً كل ثلاث سنوات. وبهذا تكون سنتهم الكبيسة مكونة من ثلاثة عشر شهرا مرة كل ثلاث سنين. وشهر النسئ, (أى الزيادة ) يتم إقحامه بعد شهر آذار العبري ، بهذا يكون في السنة الكبيسة شهران باسم آذار, ( آذار الأول ، وآذار الثاني).
وعلى هذا الاعتبار, فمن البديهي أن تشابك العلاقات بين اليهود والعرب في تلك الفترة كان له بالغ الأثر في اعتماد العرب على التقويم العبري, كما جاء في لسان العرب في معنى )أرخ( وقيل: إِن التأْريخ الذي يورخه الناس ليس بعربي محض، وإِن المسلمين أَخذوه عن أَهل الكتاب(. وبعض الباحثين يقول أن العرب كانت تتبع اليهود القريبين من المدينة وفي اليمن والشام في حساب إضافة شهر التقويم, إذ من المحتمل أيضا, أن كل التقاويم القديمة الشمسية القمرية كان أساسها الدورة المتيونية و منها تعلم سكان باقى الجزيرة العربية حساب تعداد الشهور و السنين ولا يستبعد أيضا قبل ذلك أن يكون التقويم العربي منحدر أيضا من بلاد النهرين, ويستخدم نفس نظام التقويم عند اليهود, نظرا لكون اللغة العربية وكذلك العبرية ، من اللغات السامية المنحدرة من الأكادية بلهجتيها البابلية والأشورية.
وعموما, يتفق الباحثين على أن العرب قبل الإسلام كان لهم تقويم قمري يثبت تماما ارتباط الشهور العربية بالفصول، فالسنة القمرية تقل عن الشمسية ب 11 يوما، وذلك بسبب أن الشهر القمري يساوي 29.53 يوما، أي أن السنةَ القمرية تساوي 354.36 يوما والسنة الشمسية تساوي 365.25يوما، لذلك يلزمُ إجراءُ تصحيحٍ كل مدة معينة ليعود التطابق بين الأشهر وبين الفصول المناخية؛ حتى توافق الأشهر مواسمها التي تعبرُ عنها أسماؤها, فمثلا تأتي بدايةُ الربيعِ في شهر ربيعٍ الأول ورمضان في أول الخريف و موسم الحج في الشتاء و أشهر جمادى في موسم الصيف.
ويمكن أيضا أن يفهم اتباع هذا التقويم في شبه الجزيرة العربية, أنه محاولة للاستفادة من المواسم التجارية لصالح مكة المكرمة من جهة .و من خلال تنسيق أفضل للتجارة مع المجتمعات التجارية من جهة أخرى وفقا لإيقاع فترات الجفاف والمطر والبرد أو الحرارة. هذه الوضعية تنبه إليها العثمانيون في اواسط القرن 16 الميلادي, ووضعوا جدولا زمنيا ينظم التجارة مع أوربا الوسطى عن طريق اللجوء إلى التقويم الغريغوري (ريتشاردز، 2000)(7). في تجاوز لعلاقة تجارة القوافل مع حركة القمر وتحركها وفقا لمواقع النجوم.
تظهر دراسة كريستيان جوليان روبن في جنوب الجزيرة العربية (اليمن), أن كل قبيلة كان لها تأريخها الخاص وفقا للمراجع والأحداث التاريخية التي وقعت في تلك السنوات, و هذا التأريخ يبدأ عادة مع حدث سياسي أو ديني مهم, (روبن، 1998) (8), حيث اختلفت أسماء الأشهر القمرية إلى أن وصلت إلى صورتها المعروفة, كما استخدم العرب في جاهليتهم الأشهر الشمسية في بعض المناطق وبخاصة في جنوب الجزيرة (أهل اليمن), وكانت سنتهم الشمسية متطابقة مع الأبراج الفلكية التي تمر بها الشمس. بحيث يبدأ كل شهر مع بداية برج معين , وقد قدم المؤرخون من أمثال : البيروني والمسعودي والمقريزي سلسلة أسماء الشهور في الجاهلية منها : المؤتمر , ناجر , صوان , حنتم, ناتق...
ويمكننا أيضا أن نرى من قراءة الشرق الأدنى القديم, في العديد من الوثائق التاريخية, أن القبيلة التي تتفوق في نفوذها التجاري, والسلطوي, هي التي تفرض جدول أعمالها بزيادة أو تأخير شهر, فيما يعرف بالشهر النسئ من لدن متخصصين يهود في مسألة الزيادة أو النقصان, وهذه العملية هي التي حرمت فيما بعد, وفقا لما جاء به التنزل الحكيم , علما أن هذا يؤكد أيضا أن التجارة كانت وسيلة هامة لتوسيع البطولات, وإن تزامنت مع أشهر أربع كان يحرم فيها الاصطدام أو تأمين الطريق إلى الحج.
ما هو التقويم الذي كان عليه الرسول عليه السلام؟
لا اختلاف في أن رسول الله ص استخدم التأريخ المعتمد المعروف في زمانه عند العرب عند بدأ دعوته في مكة وحتى هجرته إلى المدينة, ولا يوجد أي نص يوضح أن رسول الله قد أوقف العمل بإضافة الشهر الكبيس و لا حتى النسيء، ولا حتى يوم خطبة حجة الوداع في 10 ذي القعدة 10 هجري. خاصة وأنه تحدث عن شهر رجب إذ قال عليه السلام "ورجب مضر الذي بين جمادى ، وشعبان" وإنما قيده هذا التقييد مبالغة في إيضاحه وإزالة اللبس عنه ، قالوا : وقد كان بين بني مضر وبين ربيعة اختلاف في رجب ، فكانت مضر تجعل رجبا المعروف بين جمادى وشعبان ، وكانت ربيعة تجعله رمضان ، فلهذا أضافه النبي عليه السلام إلى مضر ، وقيل : لأنهم كانوا يعظمونه أكثر من غيرهم ، وقيل : إن العرب كانت تسمي رجبا وشعبان الرجبين ، وقيل : كانت تسمي جمادى ورجبا جمادين ، وتسمي شعبانا رجبا .
أما مسألة النسئ الواردة في قوله تعالى إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (سورة التوبة الآية: 37) والتي جاءت فيما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم.
من جملة احتياجهم للقتال, في بعض أوقات الأشهر الحرم. من الواضح أنها تبين قضية النسيء الذي يعني زيادة أو تأخير حرمة شهر المحرم إلى صفر والذي أحيانا كان اهل الجاهلية يستمرون بتأجيله بين الأشهر المحرمة وهذا لا علاقة له بإضافة الشهر الكبيس الثالث عشر الذي يسموه صفر الأول إطلاقا. ثم إن هذه الآية هي ضمن سورة التوبة التي تعتبر أخر ما نزل على الرسول عليه السلام في المدينة بعد 10 سنوات مضت.
وتشير بعض المراجع, على أن رسول الله استمر في استخدام نفس تقويم العرب وشهورهم, فقط غير رقم العام من عام الفيل الذي كان معمولا به إلى عام الهجرة, وهذا موثق في بعض مراجع الشيعة, خاصة وأن بعضهم يذهب إلى أن الرسول عند قدومه إلى المدينة أمر بالتأريخ استنادا إلى ما رواه ابن شهاب الزهري من أن رسول الله عليه السلام, لما قدم المدينة مهاجرا, أمر بالتأريخ، فكتب في ربيع الأول (فتح الباري 7 : 208 (9). إرشاد الساري 6: 233 (10). ثم جاء عمر فيما بعد وبدله إلى محرم
بداية التأريخ العربي:
السؤال المطوح, هو متى توقف إدخال التصحيح ومتى حدث الخطأ؟ وكيف كان التقويم في زمن أبي بكرالصديق؟ الجواب المحتمل, وحتى في تلميحات المقاربات التاريخية, حدث أثناء اختلال السلطة المركزية بعد وفاة الرسول عليه السلام واختفاء طائفة العادين المعلومة, أصحاب التقويم, الذين كانوا من اليهود بعد قتلهم وتهجيرهم من طرف العرب بعدما خانوا الرسول عليه السلام, خاصة وأن اليهود مازالوا إلى الآن يقومون بالتصحيح.
بعد سنين مضت, اعتمد المسلمون التقويم الهجري ليكون تقويما زمنيا للدولة الإسلامية، ونظرا لاعتماده الهجرة النبوية الشريفة بداية له, فقد سمي بالتقويم الهجري. وقد اعتمد بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان يوم 1 المحرم من عام 17 للهجرة بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الهجري. ويوضح ابن الأثير(11) سبب ذلك فيقول: "أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر, إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس للمشورة فيما ذكره أيضا محمد بن سيرين قال: قام رجل إلى عمر فقال: أرّخوا، فقال عمر: ما أرّخوا؟ فقال: شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرّخوا، فاتفقوا على الهجرة ثم قالوا: من أي الشهور؟ فقالوا: من رمضان، ثمّ قالوا: فالمحرم هو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام، فأجمعوا عليه. فقال بعضهم أرخ لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم لمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: بل نؤرخ لمهاجرته فإن مهاجرته فرق بين الحق والباطل".
فالصحابة حين أرخوا اعتمدوا سنة الهجرة كبداية، ولم يعتمدوا الشهر أو اليوم الذي هاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كما يظن أكثر الناس اليوم.
من زاوية جغرافية:
كان وراء هذا الإهمال وهذا التأريخ الذي يلغي التقويم, تبعات تكبد عناؤها جملة المسلمين في شتى أنحاء المعمور, وترتب عن إلغاء النسيء أن أصبحت شهور السنة لا تعبر في مسمياتها عن المواسم الفصلية, ولا توافق أماكنها الزمنية المعهودة, فنتيجة عدم التعويض أصبح شهر الصيام والحج يأتيان في غير أوقاتهما, شأنهم في ذلك شأن الأشهر المحرم فيها الصيد, خاصة وأن المولى عز وجل نبه لهذا الامر في قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا * الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ (سورة المائدة: الآيتين 95، 96). للإبقاء على توازن المنظومة البيئية. وللأشارة, فحرم هنا في الآية تعني في الأشهر الحرم, وليس كما فسرها الفقهاء والمحدثين رحمة الله عليهم في وقت الحج.
لذلك فمن الوجهة الجغرافية, لابد من إعادة كل شهر إلى وقته المعلوم خاصة والمشاكل التي يعانيها الناس المهاجرين في الديار الأوربية أو حتى في هذه البلدان نفسها في فترات الصيام مثلا, ويتم ذلك استنادا إلى التوقيت الظاهري للشمس للتعبير عن الوقت ، إذ من المعهود أن الحركة الظاهرية للشمس هي حركتها اليومية التي تأخذ شكل قوس في السماء، و تصل إلى أعلى نقطة لها في وقت الظهيرة. و كلما انتقلنا من فصل الشتاء إلى فصل الربيع و الصيف فإن مواقع شروق الشمس و غروبها تنتقل تدريجياً في الأفق نحو الشمال. و في النصف الشمالي من الكرة الأرضية نجد أن النهار يطول حيث تشرق الشمس في أوقات مبكرة, و تغرب في أوقات متأخرة يوما بعد يوم، ويصاحب ذلك ارتفاع حركة الشمس في السماء. كما نجد أن الشمس تأخذ أقصى موضع لها شمالاً بالنسبة للأرض في 21 يونيو. و يسمى ذلك اليوم بيوم الانقلاب الصيفي، و نجد فيه أن طول فترة النهار جد مرتفعة. و بعد ستة أشهر لاحقة – في 21 شتنبر (الانقلاب الشتوي) – يحدث العكس و نجد الشمس تأخذ أقصى موضع لها جنوباً بالنسبة للأرض . و في منتصف فترتي الستة أشهر – في 21 مارس و 21 سبتمبر – نجد أن طول فترة النهار تكون مساوية لطول فترة الليل. و تسمى بالاعتدال الربيعي و الاعتدال الخريفي.

لذلك, فمعظم الفلكين يرجحون أن وقت رمضان كان يوافق نهاية الحر في شبه الجزيرة العربية ويوافق فصل الخريف في الدول الغربية, وهذا ما أثبتته المراجع التاريخية المتعلقة بالعصر الجاهلي, حيث يكون رمضان هو الشهر الذي يهل هلاله بعد ظهور نجم سهيل, ويكون في أواخر غشت آب, لأن العرب قديما كانوا أكثر حرص على متابعته, وعلى وجه الخصوص في الجزيرة العربية، فهم يعرفون من خلاله تحسن الجو وانتهاء فصل الصيف وبداية نزول أولى قطرات الغيث, فمن هذه الخصائص اشتق إسم رمضان, من رمض يرمض ومنه رمضت الأرض بمطر يأتي قبيل الخريف فيجد الأرضَ حارة محترقة, من هنا كان بإمكانهم تحري بداية فصل الخريف في بداية ظهور هذا النجم, فيما أورده محمد توفيق أبو علي في كتابه الأمثال العربية والعصر الجاهلي دراسة تحليلية (12) عن صاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم "فقد كانت للعرب معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغاربها وعلم أنواء الكواكب وأمطارها, على حسب ما أدركه بفرط العناية وطول التجربة, لاحتياجهم إلى معرفه ذلك في سبيل المعيشة, لا على سبيل التدرب في العلوم" وقد أفاد الجاهليون من علمهم بالنجوم في التوقيت, والشعر الجاهلي خير دليل على هذه الإفادة وفيه إشارات شتى وإضاءات كثيرة واضحة من ذلك مثلا قول المتلمس جرير بن عبدالمسيح الضبعي
وقد أضاء سهيل بعدما هجعوا وكأنه ضرم بالكف مقبوس
فالشاعر كان يعرف النجم سهيلا ويعرف انه كان وقت إذن ابعد ما يكون عن الشمس, و اقرب ما يكون إلى الأرض بدليل قوله "ضرم" اي شديد اللمعان وبقوله "بالكف مقبوس" أي قريب.
خلاصة :
مما لاشك فيه, أن التقويم العربي كان موجودا ومستعملاً قبل البعثة النبوية، ولم يرد في القرءان ولا في المراجع القديمة ما يدل على إلغائه أو تعديله، فلو كان النسيء "زيادة في الكفر" حسب التفاسير, فلماذا أضاف الله عز وجل نسيء تسع سنين علي مدار 300 سنة في قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (سورة الكهف الآية : 25)
وحتى الرسول عليه السلام لما قال في حجة الوداع, "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" كان يشير إلى ظاهرة فلكية حدثت ذلك اليوم متعلقة بعودة الشمس والقمر إلى نقطة الصفر بعد 32 سنة ضمن دورة فلكية كاملة, وليس كما فهمها معظم الشراح حول زمن بداية ونهاية الأشهر الحرم. ثم لما قال الله عز وجل "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا " (سورة المجادلة الآية : 4) ثم وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا" (سورة الأحقاف الآية : 15) "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" (سورة البقرة الآية : 234) هل يقصد الله عز وجل, على التقويم بالنسئ, أم بالتأريخ الهجري القمري؟
هذا تساؤل, من شأن الإجابة عليه أن تنير الطريق إلى حل إشكالية التقويم وتجاوز مشاكل الجدولة الزمنية وتنظيم مواعد الصوم و الحج والصيد. ليس فقط بالاستناد إلى علم محدد, بل باستعارة كافة العلوم الفلكية والتاريخية والجغرافية والرياضية لمقاربة إشكالية التقويم في شتى أبعاده الاجتماعية والاقتصادية.
المراجع :
(1) ابن منظور، لسان العرب، دار الجيل، بيروت، دط، 1988م، (مادة أرخ) ، 1/44.
(2) سالم أحمد محل، المنظور الحضاري في التدوين منذ العرب، ص:77/78.
(3) السخاوي شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت، دط، 1983م، ص: 07.

(4) قاسم عبده قاسم، الرؤية الحضارية للتاريخ، ص: 21.

(5) Extrait de « La Question du Calendrier » par Chauve-Bertrand, édit. la renaissance du livre, 1920
(6) في ملحمة التقويم Jean Lefort ed Belin 1998 ص 88-112
P (235) RlCHARD, E.G. (2000). Mapping Time: the Calendar and its History, Bath, Oxford University Press (7)
(8) ROBIN, C.J. (1998). « Décompte du temps et souveraineté politique en Arabie méridionale », Proche-Orient ancien: temps vécu, temps pensé, Paris, J. Maisonneuve, p. 122 -151.
(9). فتح الباري 7 : 208
(10). إرشاد الساري 6 : 233
(11) ابن الأثير, الكامل في التاريخ ص 4
(12) محمد توفيق أبو علي لأمثال العربية والعصر الجاهلي, ص 196




#عزيز_الصغير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزيز الصغير - تاريخ التقويم العربي بين أصالة التراث ورهانات الحاضر