أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم القحطاني - اليمن: رقصة الشرح البيضانية














المزيد.....

اليمن: رقصة الشرح البيضانية


مريم القحطاني

الحوار المتمدن-العدد: 5527 - 2017 / 5 / 21 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


"الشرح" وتعني إنشراح الصدر أو النفس وغبطتها، وتستخدم أيضاً كمرادفة للرقص، فيقال “المشترح” أي الراقص و “المشترحة” أي الراقصة. يُعتقد أن الموطن الأصلي لرقصة الشرح هو حضرموت، وهي على عكس بعض رقصات الشمال (كالبرع) ليست حربية في أصلها. مع مرور الوقت اقتبست المناطق الشرقية والجنوبية من اليمن رقصة الشرح الحضرمية وأصبغت عليها خصائصها القبلية والجغرافية وتنوعت تسمياتها.

الشرح البيضاني تعبير عن الفتوة والبسالة والتلاحم بين أفراد القبيلة واِبتهاجهم وعزتهم. يقوم الراقصون فيها بمجاراة ومسايرة بعضهم البعض فيما يشبه الهرولة، بغض النظر عن أعمارهم ومقاماتهم، للتعبير عن وحدة الأفراد وتساويهم. وبهذا تتجرد هذه الرقصة البيضانية من التنافس واستعراض الذات، وتتمركز حول إبراز وحدة وتماسك القبيلة. لهذا نرى الراقص وكأنه مرآة للأخر، لا يتفوق ولا يتأخر على رفيقه بل يطابقه ويشابهه، فيجاري الرجل الطفل ويجاري الطفل الرجل. وإذا لم يكن التطابق للحركات حرفياً فيكون مكملاً وموفياً، يدور الراقص بينما يراقبه الآخر، وكأنه يقوم بحراسته حتى ينتهي. هذا في حد ذاته من أبلغ التعابير الفنية عن وحدة الأفراد وتماسك نسيجهم.

بالاضافة إلي التداول والتبادل، يتميز الشرح البيضاني بقفزات ووثبات سريعة ومرتفعة وحركات دائرية وهرولة تتطلب لياقة بدنية عالية وسرعة في مسايرة الآخر والتناغم معه، فتبدو وكأنها رياضة جسدية للمحترفين، وليس مجرد رقصة للمرح. يتم هذا من خلال التجمع أولاً فيما يشبه الحلقة، يدخل الراقصون فيها بشكل ثنائي بينما تقرع الطبول والمزامير، تماماً كما هو الحال في رقصة الشرح الحضرمي، إلا أنها تخلو من التصفيق ومن القيادة. ففي الشرح الحضرمي التقليدي الجميل، تكون القيادة للمشترحة، والتي ترتدي حزاماً فضياً رناناً تخطو به بشكل شبه منتظم بين المشترحين والمُزمّر، ويكون التصفيق للمشترحين حولها.

ومن الجميل والمدهش في الشرح البيضاني هو أن الراقص يمضي في الهرولة ويده اليمنى تشير نحو السماء، مما يمنح الرقصة صبغة روحانية أثيرية، وكأنه يخاطب بهذه الحركة ذاتاً أعظم من ذاته مشيراً إلى قدرة أعظم من قدرته، يتصل بهذه الذات ليستمد منها القوة التي هو عليها وليستمر في مُضيه.

الشرح البيضاني أيضاً يعرف بالـ"بيحانية" و الـ “الحميقانية” نسبة لقبيلة آل حميقان العريقة. إلا أن آل حميقان أضفوا عليها بعداً حربياً، فنراهم “يشترحون” وهم يحملون البنادق في طلعاتهم ورقصاتهم ويشهرون الجنابي (الخناجر) فيما يشبه رقصة البرع حربية الطبيعة، وبهذا تصبح الرقصة مزيجاً مابين الشرح والبرع، يقل فيها القفز ويخف ويكاد ينعدم ويختفي تأثير المرآة الذي تحدثنا عنه قبل قليل. لكنها تلتزم بالمجاراة والمسايرة في الكر والفر السريعين ولا تلتزم بالثنائية فقد تكون ثلاثية أو جماعية، لذا نراهم يرقصونها كقبيلة في طقوسهم الخاصة للتشديد على قوتهم وتلاحمهم.

وهناك ما تُعرف أيضاً بالـ "عسكرة" والتي تنسب لآل مظفر أحياناً. إلا أن العسكرة يقل فيها الكر والفر وتخف فيها السرعة ويكون الهبوط من القفزات خفيفاً، قامة الراقص فيها لا تزال منتصبة، بينما في الشرح البيضاني الكلاسيكي يهبط الراقص بكل ثقلة من قفزته ليعود مرة أخرى إلى الهواء في قفزة جديدة.

الرقصات في اليمن قواسمها المشتركة كثيرة ما يجعل التفريق بينها صعب وغالباً مُهمل. لا يُثار الكثير من الجدل حول إسم الرقصات أو نوعها لأن الرقص الشعبي لم يحصل على نصيبه من البحث والتدقيق والتوثيق. السبب الأساسي والأهم، هو كون الرقص فعل حدس تلقائي، وإن كان هذا الخلط يدل عن شيء فإنما يدل على اِنعدام التفرقة بين أفراد البلاد بمختلف مناطقها.

الدلالات الجسدية في الرقص اليمني لا تختلف عن تلك في معظم رقصات العالم. فالرقص تعبير روحاني عن العلاقة الإنسانية بين الفرد ومجتمعه وبين الفرد والوجود. فالدوران في رقصة الشرح (خاصة في منطقة يافع حيث يسميها أهل يافع “السفيخ”) هو تعبير الإنسان عن اِتصاله بحركة الأرض الدائرية. أما الكر والفر فهو تعبير الفرد عن حالته الوجودية، بكونه انساناً ينجح ويخفق كما هي طبيعته، وبقدرته على مجاراة الحياة والتناغم مع إيقاعها، فهو جزء لا يتجزأ من هذا الوجود.

*



مريم القحطاني كاتبة يمنية أمريكية


@Mqahtanite




#مريم_القحطاني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الطريق الى صنعاء / قصة قصيرة
- صلاح وفرويد والمرأة الشبح!
- -جَعلُّه الساحق والماحق! / قصة قصيرة
- لماذا لم يربح عمار العزكي في أراب أيدول؟
- حظ ناقص


المزيد.....




- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم القحطاني - اليمن: رقصة الشرح البيضانية