الخطأ و الصواب (1)

ماهر رزوق

الحوار المتمدن-العدد: 5515 - 2017 / 5 / 9 - 03:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الخطأ و الصواب (1)


سؤالي اليوم بسيطٌ جداً ، رغم صعوبة الإجابة عليه ... السؤال : ما هو الخطأ و ما هو الصواب ؟؟
كيف نقيّم تصرفاتنا و قراراتنا و نصنفها بأنها صحيحة أو خاطئة ... ما هي المرجعيات و الأسس التي نرتكز عليها في هكذا نوع من التصنيفات ؟
هل الصح هو صح في نظر الجميع ؟ ، هل يتفق الجميع على أن تصرف ما هو خاطئ بالمطلق ؟
هل فعلا كما يدعي البعض أن مفاهيم الصح و الخطأ واضحة و لا تحتاج إلى نقاش و جدل ؟؟

في كتاب المغالطات المنطقية للكاتب عادل مصطفى ، يطرح الكاتب بعض المغالطات البسيطة ، في محاولة منه لتبسيط الفكرة للقارئ قبل التعمق في تعقيدات الموضوع ...
يقول بما معناه : يموت عدد لا بأس به من الناس كل يوم بسبب حوادث السير ... حوادث السير أمر غير مرغوب به ... إذن يجب منع استخدام السيارات و الحافلات و غيرها ، لتفادي الحوادث !!
مثال آخر : مباريات كرة القدم يحدث فيها كثير من أعمال الشغب التي قد تتسبب بتخريب الممتلكات العامة و أحيانا جرح أو قتل أحدهم ...
أعمال الشغب أمر غير مرغوب به ... إذن من المنطق أن يتم منع قيام مباريات كرة القدم !!

إذن نحن نقيم مدى صحة العمل أو خطأه ، بحسب ما يقدمه من فائدة أو ما يسببه من ضرر ...

لنطرح إذن مثال آخر ، كشرب الخمر مثلا ، هل هو خطأ أم صواب ؟؟
إذا كنت تتبع مرجعية دينية ، أعتقد أنك ستجيب بسرعة و بدون أدنى شك أنه حرام ، أي خطأ ... بينما يتساءل شخص آخر لا يتبع مرجعية دينية (لا ديني يعني) : لماذا هو خطأ ، لماذا هو حرام !!؟
الجواب بأن الله أمر بذلك بالتأكيد لن يقنع شخص غير متدين ، لذلك قد تلجأ إلى أسباب أخرى ، مثل أن الانسان يفقد وعيه في حالة السكر التي يسببها الاكثار من الخمر ، و التي يكون فيها الشخص غير مسؤولا عن تصرفاته ، و قد يقدم على أفعال مؤذية ، كالقتل مثلا !!
أو تلجأ إلى السبب الصحي ، ألا و هو أن الاكثار من شرب الخمر قد يسبب تشمع الكبد و توقف الكلى عن العمل ، و الذي بدوره يؤدي إلى الموت !!
لكن هنا قد يجيبك الشخص غير المتدين أن ما تقوله له الآن يعتبر مغالطة منطقية ، لأن شرب الخمر باعتدال قد يكون مفيداً للبعض و لا يسبب أي ضرر ... و أن الضرر يحصل فقط في حالة الاكثار من شرب الخمر (إن كان ضرر بصحة الشارب أو ضرر ينتج عنه في حالة السكر و غياب الوعي)
يقول لك : هنا شرب الخمر كقيادة السيارة ... الأذى يحدث فقط عندما نسرع و نتجاوز السرعة المسموحة للقيادة في منطقة ما ، ولا نلتزم بإشارات المرور ... و الأذى هناك أيضاً يحدث في حالة الاكثار من شرب الخمر و عدم الالتزام بالاعتدال و الشرب في أماكن و ساعات محددة !!
في هذه الحالة ما هو الصواب و ما هو الخطأ !!؟

مثال آخر : ممارسة الجنس قبل الزواج قد تبدو للمجتمع الأوربي أمراً عادياً بل ربما أصبح تقليداً ، حيث يعتبر الشخص الذي لم يمارس الجنس حتى الزواج ، حالة شاذة ...
أما في مجتمعاتنا العربية (بغض النظر عن الدين) ، يبدو الشخص الذي يمارس الجنس قبل الزواج هو الحالة الشاذة و الآخرين الملتزمين بالعادات و التقاليد هم الحالة الطبيعية ...
كما أن هناك فكرة ارتباط الشرف بالجسد التي تدفع بالكثيرات إلى الانتحار أو التعرض للقتل من قبل الأهل ، بهدف غسل العار ... ذلك طبعا في حالة تعرض الفتاة للاغتصاب (التي يزداد حدوثها في أوقات الحرب و انتشار الفقر و كذلك في المجتمعات المتخلفة أو المتشددة دينياً) ... هذه الفكرة لا توجد في المجتمعات الأوربية المتقدمة ، و التي تعتبر فيها الفتاة ضحية تحتاج للمساعدة ...
اختلاف وجهات النظر هكذا قد يجعل من الصعب وضع تعريف واضح للخطأ و الصواب ، أي تعريف عالمي يرضي الجميع و يوحّد آرائهم ...

لكن قد يقول البعض أن أفعال كالقتل و السرقة ، ربما يكون هناك إجماع على خطأها و الأذى الذي ينتج عنها !!
صحيح ، لكن أيضا عندما يكون هناك استثناءات لتلك القاعدة فإن هذه القاعدة تنسف الاجماع على صحتها أو عدم صحتها !!
فمثلا لو قلنا أن السارق لا يعاقب في أوقات الفقر الشديد ، و كذلك عندما يسرق بدافع الحاجة فقط و دون نية مسبقة للأذى ... عندها يستطيع أي محام دفاع محترف أن يبرئ السارق ، بل و قد يجعله يكسب تعاطف الآخرين أيضا !!
نفس الأمر قد ينطبق على القاتل ، الذي قد يقتل دفاعاً عن الشرف أو دفاعاً عن النفس أو دفاعاً عن الوطن أو غيرها من الأسباب التي تبرر هذا الفعل ...

إذن هل القتل و السرقة فعلان خاطئان تماماً ؟؟


MAHER RAZOUK

#ماهر_رزوق (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل