أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل حسين عبدالله - موارد العنف -5-















المزيد.....

موارد العنف -5-


جميل حسين عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5510 - 2017 / 5 / 3 - 06:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


موارد العنف
قراءة في عقلية الكراهية ‏
‏-5- ‏
يتبع
إن قطع هذه الصلات التي تصل بين البشر، وعلى اختلاف محدداتهم في التراتبية الاجتماعية، ولو كمن في بعض روابطها روحُ ذاتِ القوي، ‏المتغطرس، لن يعبد طريق الشعوب نحو الأمل المنشود، والوعد الموعود، لأنها في استظهارها لمجاهل الغد، ومكامن المستقبل، تبحث عن طرق التواصل بين ‏الكيانات المختلفة، والهويات المتنوعة، إذ هي رغبتها الأكيدة في تصور ما يجب أن يكون عليه العالم من أخلاق، وأهداف، ومقاصد، لأنها ولو عبرت مشاريعها المتآلفة ‏عن الكينونة بكليتها الجامعة، فإن أفرادها لا يتجاوزن هذا المبتغى الذي يظهر به وجهُ الطبيعة جميلا، إذ ما يتراكم من رغبات الأعداد المتحدة في كل ضابط ينظم ‏العلاقات المشتركة، هو ما يستأثر على الآحاد في الجزئيات المنفصلة. ومن هنا، فإن صياغة مبادئ حق الإنسان في الوجود، والحياة، والطبيعة، والكون، لم يصر ‏حدا مقيدا بجغرافية معينة، تحكمها ثقافة محددة المنطق، والمنطلق، وتحركها دائرة منغلقة على ذاتها، وكيانها، بل صار صوتا عالميا مسموعا في كل التشكلات ‏البشرية، ونشيدا كونيا ينطق بلغة الحرية الإنسانية، وينادي بتحقيق المساواة في العدالة الاجتماعية. وسواء في ذلك أولئك الذي حمشتهم الحروب الفاتكة، أو ‏أولئك الذين اكتنزوا بسطة القوة القاتلة، إذ لم يغد هذا الشعار مرتبطا على جهة التخصيص بالفقراء، أو متصلا بالظروف المأساوية التي تقيد معاني الكرامة البشرية، ‏بل هو ما يصدع به الإنسان من تطلاب الحرية في جميع أماكن تواجده على الكرة الأرضية. ولذا، فإن مقتضيات هذه المواثيق، والعهود، لا رجاء في بقائها سليمة ‏المأخذ، والمعطى، ما لم يحس الفرد والجماعة بجدوى فاعليتها في الاستقرار، والانتماء إلى دائرة كونية، تتسم بالمتآلفات المتحدة على العطاء المتبادل، والمتواصل، لأنها ‏كما تتحدد في المساحات الضيقة، فإنها مطلوبة الشساعة في المساحات الواسعة، إذ هي مطلوب الإنسان في حركيته مع الزمان، والمكان. ‏
وهكذا، فإن مقتضى صياغة بنود ميثاق حقوق الإنسان العالمية، وما أضيف إليه من إضافات اقتضتها تطور الشعوب، والأمم، لن يكون له أثر في ‏صيرروة العلاقات الدولية، ما لم يكن التآلف عليه غير مفروض بالقوة التي تستفرد بها دول دون ما عداها من الأقوام الأخرى، إذ لا يحتمي الإنسان بما يخافه، ولا ‏يفترش ما يقلقه، بل يهاب ذلك، وينزعج له، ثم يبحث له عن مخارج ينفذ منها إلى ما يخاله أمنا، وأمانا، ويحسبه حماية، ووقاء. ولذا لم تحقق القوانين الدولية تلاحما ‏بين الأقوياء، والضعفاء، ولا تواءما بين رقاع هذه الأرض المستعرة بالحروب، والاقتتال، بل تحرر منها صانعها، وتنكر لها، قبل أن يفرضها على غيره بأذواقه ‏المتعنتة، وأفكاره المتكدرة، إذ غدت مع تشكل العالم في مركزية واحدة، وتحوله إلى قطبية معومة بين محور الخير، والشر، هي الشِّباك التي استبيحت بها سيادة ‏شعوب مستضعفة، يدبر مصيرها جشعٌ ولوع، يوري عنه طالب خيراتها بالحيل، والأكاذيب، ويعميه راغب تخلفها، وتهدلها. فلا غرابة إذا أصابتها جروح غائرة، ‏ونالتها قروح فاترة، لأن قيمة نتائجها التي تعبر عن قدرتها على تحقيق العدالة في الكون، لا تبرز إلا فيمن يدافع عن النواميس بما يستوجبه عهدها من تعدد، وتسامح. ‏وإلا، فإن رفع شعارها في خضم نزاعات مربكة، لن يأتي منه ما يجعلها غاية متسامية، لأنها لن تكون محل قبول عند من لم تضف إليه إلا شقاء، وعناء، ولن تصير ‏في حركية علاقاتها مرجعا أخلاقيا يحمي جوهر الإنسان، وينمي فيه حقيقة اختياره، وإرادته. إذ الغاية منها، هو حماية حق الحياة على الطبيعة، وتدبير دور الإنسان ‏بمقتضى فاعلية التكريم الإلهي لحقيقته التكوينية، والتشريعية. وما دامت هذه النظم التي افترض المتآلفون على استواء دورها في الأفراد، والجماعات، قد تبدل فعلها ‏إلى مفعول يستبيح خصوصيات الدول الفقيرة، ويرغمها على تخريب بيت مكونات بقاء وجودها بيدها، فإنها ستصير منبوذة بين شعوب كثيرة، لم تتحقق بها ‏سعادتها، ورفاهيتها، ولم تتملك بها منابع عيشها، وكسبها، لأنها ستغدو مع الأمد عبئا ثقيلا على حريتها، واستقلالها، لكونها لا تجسد هاجس همومها، ونبض أزماتها. ‏وإذا انفكت عن الالتزام بذلك، فإنها ستواجه واقعا يفرض قوة الناموس الذي حرف معناه، ومفهومه، وعُبد مبناه بغلو، وتطرف، إذ التشبث بتزييفه، وتحويره، لا ‏يدل إلا على ضرورته في قيام العلاقات الإنسانية، لأنه مطلوب الوجود بالحتمية القائمة بين الحقائق، وأضدادها، ولو لم يعبر عن النتيجة التي وضع لها في أصل ‏المواضعة على أحواله، وأعرافه، إذ قبوله في حدود التسمية به، هو الذي يرشد على البحث عن معناه في دائرة أخرى. وهنا يكون الناموس مقبولا في كل ما يخدم ‏الدائرة المتحصنة بقوته، ومرفوضا في كل مناط يراه معطلا لحركته الإرادية. إلا أنه من شدة الحرص على الانتماء إليه، ولو مخادعة لما تحمله الدائرة من عداء موجه ‏له، يلتف حوله بمعناه الذي نفحته فيه ذاتيته المطلقة، ويلتئم عليه بتأويلات تصرفه عن حقيقته، لكي يجعله حاميا لطريقة بنائه للقيم المتداولة في العلاقات البشرية. ‏ولذا يصير الدفاع عن شعاره المرفوع بتناقضاته مطلوبا في أوضاع يستولي عليها الاستبداد، ويستحوذ فيها الاستعباد، لأن مطلوبيته للمحتاجين إلى معناه، يدل ‏على أنها ترى فيه إنقاذا لها مما تعانيه من نهب خيراتها، وسلب حرياتها، إذ ضرورة رفع ذلك الشعار تتراكم عند الطرفين، وتتوارد على النظرين، وإن كان كل واحد ‏منهما ينظر إلى ماهية الحرية فيه بنظرته المحدَّدة بأوضاع واقعه، وسواء كان النظر من موقع الضعف، أو القوة، لأنها هي التي تصبغه بالهوية الخاصة في المختلف عليه ‏من الأنماط، والسياقات. ‏
وحقا، إن معضلة الأنانية التي تقود كثيرا من الممارسات العدوانية في الكون، قد نزعت القيمة المعنوية عن مسمى الجماعية التي يحن المحرومون إلى ‏منطق ميثاقها الأمثل، لكونها تجسد الحصن الذي يحمي الهوية بلازم ما تخلف فيها من تاريخ، وحضارة، لأنها، ومهما احتاج المجتمع إلى حقيقتها في ضمان الوجود ‏الكلي، فإنها قد تجسدت مع التحوير لمعناها في تكتلات منفصلة عن بعضها، تجمعها مصلحة مشتركة في حدودها، وتستحوذ عليها قيم متداولة في حوزتها، إذ ‏ضرورة مقتضيات قيام كيانها في سياق الكبد البشري، وتفاعله مع النواميس والنظم الكونية، والطبعية، هو الذي يجعل نوعية الأخلاق الملازمة لها مصنوعة الحدود ‏بأنظارها المكونة لجوهر دائرتها، لأنها إفراز لما يمتزج في عمق علاقاتها من روابط متشنجة، وعلاقات متعنفة، إذ القول بفطريتها، ومثاليتها، يجعلها غير قابلة للتغير، ‏والتحول، لأن إخلادها في الحقيقة، ليس من كونها متفاعلة مع غيرها من السياقات التي تأخذ حيزا معينا في هندسة الاستمرا، والبقاء، بل في كونها تحتوي على ‏مبادئ كلية، يمكن لها أن تحدث انفعالا في واقعها المادي، والمعنوي.‏
‏ وهكذا، فإن تنوعها بين الموارد المتعددة، والتباسها في القضايا المتنوعة، وتناقضها في الغايات المختلفة، هو الذي يؤكد على حقيقة اصطباغها بما يطفح ‏به حال الواقع المتموج بالأحداث من محبة، وضغينة، لأنها تدل على وجود اختلاف في الصيرورة، وتعارض بين القضايا المستكنه مصيرها بحد من الحدود المتآلفة، أو ‏المتباينة. ومن هنا تكون صناعتها مرتهنة بوضع الإنسان في السياق، وحدة قوته، أو هوان ضعفه، لأن أخلاق الخنوع التي برزت في التاريخ البشري، وما زالت ‏ترسم خطوط الانعتاق، والاستعباد، لم يخلقها الإنسان إلا حين طالب المستبد بأخلاق الرعاية، وحارب من أجلها في ضرورة تراكم تجربة وجوده، لأنها هي التي ‏تحدد جدلية العلاقة بين أخلاق الأقوياء، والضعفاء، وتوضح مكمن النشأة لما يسود العالم من عداء، واصطدام. وإلا، فما دور الأخلاق في الصيرورة البشرية، إذا ‏كانت نتيجتها الاقتتال، والتحارب.؟ ولماذا يحمي الأقوياء نمطها الذي يجعل طرف تشريعها في يد، وطرف تطبيقها في يد أخرى، ولو لم يشارك في صياغتها، ولا في ‏تحديد مناط الالتزام بها.؟
‏ إن وجود أخلاق العبودية في سياقات تعادي انتهاك الحريات الفردية، والجماعية، هو البرهان على صناعة الإنسان لحدود مواقعها في التداول، ‏والتحاكم، لأن مضمون الحرية يتنافى مع القيود التي تعطل جهاز الفاعلية في الإنسان، أو إخضاعه لفاعل يفصل بين النواميس وضرورتها الأخلاقية، ومقاصدها ‏الإنسانية، إذ لا يمكن لها أن تكون محلا للعودة إلى منطق الاشتراك المتناسب بين سكان الكون، إلا إذا كانت قابلة لأن تطبق على كل المصاديق بلا تفاضل، لأن ‏قيمتها فيما يكتسبه الفرد والجماعة من وجود حقيقتها بين الأعيان المرتجية للأمن، والسلام. ولذا، فإن المستعبِد لم ينتج من القيم التي يحتمي بها في دروبه، إلا ما ظهر ‏أثره على غيره بالخنوع، والخضوع، إذ هو المظهر الذي يفسر بكليته ميل القوة إلى صناعة كيانات ضعيفة، تقبل باستعدادها كل ما تمليه أخلاق الاستعلاء من ‏نظم، ونواميس، وهو المخبر الذي يبين بحدوده سبل انحراف الضعف من شدة الألم إلى حتمية الرضى بالعبودية القاهرة، والدفاع عن مكتسبها في الحس، والمعنى، ‏لأنها مقدمات يزيفها العقل المنهزم، لكي تمنحه بعض الشعور بالوجود الآني، والمستقبلي، ولو كان غير مرضي النتيجة في حقيقة الغرائز التي يتشكل منها مضمون ‏الحياة المستعرة برغباته، وشهواته، إذ هو القليل الذي لا يمكن للكثير أن يجود بأكثر منه، والكسب الذي يقتنصه من ضروريات تفرض عليه نفي إرادته في نيل ما ‏هو له حقيقة، أو طبيعة. ومن هنا تكون الأخلاق التي نشأت عن انحراف العلاقة بين القوة والضعف نتيجة حتمية للصيرورة المؤسسة على علاقات متشابكة، ‏يطبعها هاجس الخوف من الآخر، ويغلب عليها حس المصلحة، ولو أُخفي ذلك، وأظهر غيره، لأن الإحساس بضرورة التفاعل مع عدائية العلاقة القائمة بين ‏الطبقتين، والتعايش معها في الحدود التي تكسب القوي قوة، وتزيد الضعيف ضعفا، هو الذي يجعل الروابط قائمة بما تقتضيه المنفعة، ولو كان كدُّ العمل فيها قائما ‏بالأجير المستلب، وحظ الربح فيها موجودا للمالك المستبد، إذ ما يلزم ذلك من تفاوت بين بنى المجتمع، ومكوناته الثقافية، والاجتماعية، هو الذي يمنح القوي متعة ‏الاكتساب، ولذة الامتلاك، ويفرض على الفقير الاستغناء بالأمل المخذول، والانتظار المرذول.‏
‏ ولذا، فإن سبب العنف المتجذر في أخلاق الاستكبار، والتجبر، هو حرصها على إحداث مجال يتقبل الفقر، والجهل، والمرض، ويرتضي التملق، ‏والتزلف، والنفاق، إذ جدلية القوة، والضعف، تستلزم ضرورة وجود مساحة تحتوي على هذه المتناقضات، والمتباينات، لكونها هي المناط الذي يجمع كل الإرادات ‏المتحركة بضعفها، أو قوتها، إذ لا يجوز لنا عقلا أن نتخرص سببا آخر غير ما تبرزه هذه العلاقة من أنماط في السلوك المتجاوز لحدود الأخلاق، والقيم النبيلة، لأن ‏وجود الانحراف في الأسباب التي تؤدي إلى هذه الغاية المتميزة باستوائها، واعتدالها، هو الأثر الذي نجني خرابه في نهاية النتائج التي أشعلت فتيل الحروب بين ‏الأمم، والشعوب. وهي في كنه حقيقتها تعبر عن فساد العلاقة التي تربط بين مكونات العوالم البشرية، وفحش قصدها في صيرورة الأفعال التي نستهدي بها إلى ‏صناعة فضاء للسلم الكوني. ومن هنا، فإن تمام القوة في كمال ذات النوع الإنساني، الإلهي، ونهاية جمالها في كبد العيش، وجهد الرزق، ليست فيما تحدثه من خوف، ‏ورعب، وفزع، بل فيما تحدثه من هيبة الكيان، والتزاماته الخلقية بلازم ظهورها بمظهر التواضع، والحلم، والتؤدة، إذ المقصود بها هو ما تكسبه للذات الكلية من ‏معاني المناعة، والحماية، والوقاية. وإذا استحالت إلى طاقة فياضة بالنرجسية، وجبارة بالغطرسة، تستحوذ على غيرها بالعنف، والظلم، والفساد، فإنها قد صرفت ‏المعنى عما وضع له في أصل الوجود، وهو صناعة مهد متماسك، ومتعاضد، يكون حضنا للسكينة، والطمأنينة. وإذ ذاك، لن تكون القوة إلا أداة للاستعباد، لا ‏مقاما للسعادة الإنسانية. وإذا كانت كذلك، انطفأت شمعة الأمل في الضعيف، وانتهت لحظة انتظاره، ثم يصير مع طول اليأس إراداة مسلوبة لخدمة العزائم ‏المتصلبة. ‏
وهكذا، فإن هذه التكتلات التي نتجت عن الجماعية المنتهية الوظيفةِ في موقعها، وموضعها، قد يدعو إلى استبيان الخلل الموجود في حركية البنى ‏المتآلفة، لأنها ومهما بدت متوافقة في تداخلها المطلوب ضرورة، فهي في عمقها المتنابذ، والمتعارض، تحتوي على كل عوامل الشقاء، والعناء، وتتضمن كل الآليات التي ‏تفصل بين المجموعات المتعالية بنظمها الأخلاقية، وسياقاتها الروحية، إذ سياق المجتمعات التي تتكلف بمسؤولية رعاية أعيان آحاد أفرادها، لا تكون فاعلة بأثر قوتها ‏التي حددها مضمون النص الديني، أو العقل الفلسفي، إلا إذا كانت الجماعية مبنية على قيم التسامح في العائلة البشرية، لأن اقتصار فضل الطبيعة على فئة معينة، ‏وانحصارها في مجموعة تملك موارد خيراتها، ومجاني ثمراتها، سيغدو نفَسا في الكراهية التي تباعد بين الألوان المتموجة على لوحة الكون، لاسيما مع توارد الرفاهية على ‏أيدي المترفين، وتعاقب الحرمان على ذوات المحرومين. لأن استحواذ فئة على أسمى الأوضاع نعيما في التركيبة الاجتماعية، سيخلق فجوة لولادة منطق شحيح في ‏صوره الفكرية، والمعرفية، وبيئة صالحة لطفيليات تفسد صفاء الكون بما تنجزه من أخلاق مترعة بالظلم، والطغيان، إذ هي التي تغيِّب الإحساس بالألم الجماعي، ‏وتصرف النظر عن الهموم الحقيقية للإنسان، وتبعد الأمل عن الرغبة في بناء علاقات مشتركة بين الألوان المحددة لنظام الكون، ونواميسه في الحياة، والطبيعة، إذ ‏حين تتحول هذه الوشائج الروحية إلى بضاعة مادية، تطلب بالولاء لمشاريع القوي، وخططه الذهنية، وتهدى بالرضى عن السير في ركبه، والحركة في مداره، فلا ‏محالة، سيغدو الكون شقيا، وعصيا، إذ خضوع تلك الروابط لمنطق تبادل المصالح، وما يستلزمه من تقاطب، وتحالف، ولو فيما لا يؤدي إلى نتيجة مكروهة الغاية ‏في الكيانات الضعيفة، هو الذي نستدل به على وجود فراغ بين الصلات الاجتماعية، والأواصر الإنسانية. ‏
ولذا، لا نستغرب أن يبيع الفقير عواطفه، ولا أن ينزل عن شرفه، ولا أن يستهين بكرامته، لأنه لم يكن بها حفيا في حوزته، وهي الأقرب إلى ‏ملامسته في أوضاعه المتردية، فكيف بها أن تكون حجته في الحرص على تخليق الكون بمقتضيات العدالة الإلهية.؟ إن تهجير العواطف، أو تدجين ما فيها من ‏معاني السمو، والرفعة، أو إماتتها بما يصنعه القوي من تفكيك للقوى الاجتماعية، والبنى الثقافية، لن يصنع إلا مجتمعا بائسا في حظه، وعنيفا في ردود أفعاله، يجمع ‏بين موضوعاته كل التناقضات التي دأب الإنسان على حماية أوهامها، وأحلامها، لكونها تبني قواعد التزاماتها بمنطق المساوم، أو الممانع، لأن تجارة الوهم من أغلى ما ‏نيلت به غنيمة القوة في الأحوال الرديئة، إذ شرور المكاره التي تطال الإنسان في مجتمعه، لا تؤدي به عند سيادة الاستعباد إلا إلى فساد مفاهيم العقائد، ومعاني ‏الأخلاق. ومن هنا، فإن ما تصنعه الحضارة حين تكون غازية، لا يمكن له أن يبدع فضاء محتويا على فضائل الشيم، وشمائل القيم، يجوز لنا أن نتلاقى حوله، ولا أن ‏ندبر شأننا فيه، بل سيفرض علينا ضياع الحظوة في الطبيعة، وفراغ الفرصة في الحقيقة، إذ لا تأتينا نتائجه إلا بسمج الأقوال، ونتن الأفعال، لأن مشروع الرداءة ‏الذي يتعاوى بجماله المزيف، ويتعالى بكماله المتطرف، ما هو إلا كسب حقير، وصورة بشعة للعلاقات التي أنتجتها تلك الكفاءات المهزومة، وهي في كساد عجزها، لا ‏تتوسط إلا بتسويغ الإقصاء المقصود، والإلغاء المرغوب.‏



#جميل_حسين_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موارد العنف -4-
- عطر الصباح (شهادة في حق والدي رحمه الله)-2-
- عطر الصباح (شهادة في حق أبي رحمه الله) -2-
- موارد العنف -3-
- موارد العنف -2-
- عطر الصباح (شهادة في حق والدي رحمه الله) -1-
- موارد العنف -1-
- عقيدة التسويغ -11-
- عقيدة التسويغ -10-
- عقيدة التسويغ -9-
- عقيدة التسويغ -8-
- عقيدة التسويغ -7-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -5-
- عقيدة التسويغ -6-
- عقيدة التسويغ -5-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -4-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -3-
- عقيدة التسويغ ‏-4-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -2-
- ابن الفقيه (سيرة ذاتية) -1-


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جميل حسين عبدالله - موارد العنف -5-