أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - مُواطنةٌ على كفِ عفريتٍ















المزيد.....

مُواطنةٌ على كفِ عفريتٍ


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5506 - 2017 / 4 / 29 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العالم العربي هناك ما يُسمى بالحالة السياسة للدولةِ. هذه الوضعية التي تقف عليها مؤسسات الحكم بالكاد. فاللحظة التي تمر بها تُحدد شكل الاستقرار السياسي من عدمه. وليس ثمة خريطة لفهم ما يدور عبر كواليس السلطة. كلُّ شيءٍ يتم في الخفاء وبتكتم شديدٍ. كأنَّ الدولة – ذاتها- هي المرحلة اللاهوتية الأخيرة التي لا ينبغي مساءلتها. وبالطبع سيترتب على ذلك اعتبارها يقينا ثابتاً خارج التاريخ.

تجري ما تجري من تغيرات وتنشب ما تنشب من صراعات لكن تحت طبقة عازلة. جميع الأمور غير قابلة للرؤية لأنَّها تُطرح بأساليب مغايرة لما هو معروف. فالإطاحة بمسؤول تتم فجأة ليُقال إنَّه ليس رجلاً للمرحلة. وعندما يفسد أحدهم – بعد النهب العام- يقال تمَّ إعفائه من منصبه لأسباب صحية. وحينما تفوح رائحة العفن الوظيفي يتم التخلص من صاحبه بمنصب أخر يتربح خلاله طوال حياته.

بهذه الآلية عاشت الدول العربية سنوات وسنوات قبيل الزائر الغريب (الربيع العربي) وبعده. لم يكن معروفاً ماذا يجري داخل أروقة السلطة كما في مصر وسوريا وتونس. حيث وُضع المواطنون في إطار سري من أفعال الدولة. إنَّ أكبر الاسرار الباقية – بعد زمن الأساطير والخرافات- هي أنظمة الحكم المستبد في أدغال الشرق.

كان المقصودُ من ذلك أولاً: عدم اعطاء أية فرصة للمناداة بالحقوق السياسية وخصوصاً تداول السلطة ونزاهة أية انتخابات. ثانياً: احاطة الرئيس وحاشيته بهالات التقديس المُتربة كالعواصف الخمسينية. تلك التي تهب عليه بفعل فاعل من رجال الدين والمؤسسة الدينية. ثالثاً: وضع المواطنين في حالة دينونة للدولة على غرار علاقة العبد والسيد. وهي نفسها العلاقة التراتبية التي تحكم الإله والبشر في التاريخ. رابعاً: قطع الطريق على تغيير الأوضاع السياسية. بحيث ينفرد الحُكام بالسلطة من جيل إلى آخر. خامساً: خلق أجواء من التوتر الدائم الذي يبرر أية اجراءات تعسفية وتعطيل القوانين والمبادي السياسية.

لذلك يبقى المواطن العادي- مع التحفظ على الكلمة!! – هو المؤشر العام. حيث تهبط درجة أهدافه العليا إلى مستوى اليوم الواحد. ويتأرجح في موقعه الهامشي ليس أكثر. حيث يأخذه القلق لا من مستقبل آتٍ، بل إزاء حاضر غير محدد. وإذا استطاع أن يستفيق فلبضع ساعات ثم تطارده لعنة الأنظمة بإدخاله تروس الألة مرة ثانية.

هكذا تبدو أوضاع الدولة كرقاصٍ لساعة قديمة بلا معالم. على غرار الحال الغامض للإله: " كل يوم هو في شأن" كما يشير القرآن. وكأنَّ الفكرة تسند الإرادة المطلقة لكائن مفارق لا يعيش عبادُه إلاَ بترقب الأقدار منه وإليه. والسياسة- بهذا المعنى- أقرب المجالات لتكرار اللاهوت.

فعلى هذا الاستنساخ المفهومي استطاع حُكامنا تأكيد أنَّ الدولة أيضاً: "كل يوم هي في شأن". وينبغي لمواطنيها الوقوف حداداً على أعصابهم إذا كانت ثمة بقايا أعصاب. فالقوانين تنسخها قوانين تالية على نحو دوري. واللوائح تمسخها اللوائح الفرعية. والبرلمانات تتلاعب بها الأنظمة وتحولها إلى أدوات قمع للشعوب بدلاً عن كونها معبرةً عن تواجدها المباشر في الحياة.

ولذلك ما لم ترتبط المواطنة بالوعي التاريخي للشعوب تغدو استثناءً زمنياً. فالانتماء السياسي للأفراد لا يسير في فراغ. إنه يحتاج دوماً مبرراً حياتياً لا يميز بينهم، بحيث يستندون إلى قاعدته بشكل موضوعي. لأنَّ الدولة كائن عمومي غريب إلاَّ بما نراه متاحاً لنيل كافة الحقوق. والمواطنة هي ما تؤصل تلك الحقوق بلا صراع. بينما في غيابها(المواطنة) تمثل الدولة متاهة لن يكون المواطن فيها إلا شخصاً طارئاً. وما أكثر الظواهر السياسية التي ترسخ الطارئ أبعد من أي شيء سواه. وبهذا ليست قوانين الطوارئ غير حلقة في سلسلة متصلة بدءاً من المجتمع ومروراً بالسلطة وانتهاءً بالتحول السياسي.

ولئن كانت هناك أرقام تخرجها المؤسسات يومياً عن حركة التجارة والانتاج والصادرات والواردات فأقدام المواطن تقرر أهمية ما سيحدث. هل هي أرجل زلقة على تراب سائب؟ هل ما تملكه الدولة لتقدمه للأفواه مجرد احصائيات معلقة؟ أيُّ شكل للمواطنة تخلقها تلك الحالة؟

إنَّها المواطنة في "دولة اليوم بيومِه". بالضبط مثل عمال التراحيل في الثقافة المصرية. هؤلاء الخارجون إلى أعمالهم ولا يعرفون ما إذا كانوا سيعملون أم لا. وما إذا كانوا سيواصلون مسيرتَّهم أم دون ذلك. وهل سيحصلون على أجرهم؟ وإذا حملتهم الظروف للحصول على أجر مجزٍ فلن يدوم طويلاً. سرعان ما تتقهقر أوضاعهم عائدة إلى نقطة التأرجح. وعليهم أن يخرجوا يومياً إلى العمل بالأجر لأن التكاسل رفاهية عالية تكلفهم جوعاً لا مناص منه.

وبإمكان المسؤول أنْ يتواجد في "دولة اليوم بيومه" بإفشال فكرة المواطنة. فليست إحاطته باهتمام زائد يسيِّل لعاب الفاسدين إلاَّ لقمع المواطن. وجعله في درجة أدنى بحيث لا يتطلع إلى أكثر من الامتثال لما يمارس. والمسؤول بهذا لا يعلن عن انحرف جزئي بل يشارك في تكريس دولة اللا قانون. بحيث يعطى ضوءً أخضر لما سيرتكبه لا حقاً من فساد. وتلقائياً تختفي قيمة الإنسان لصالح شياطين من صنف مدمر.

إن المواطنة بكامل حقوقها هي الخريطة المهمة للتحول السياسي الايجابي. أبرز معالمها البناء في أساسها وأركانها بحيث لا يستطيع حاكم الانفراد بقرارات أو ممارسة الديكتاتورية بعد مجمل التغيرات العالمية.

وما نراه من سرية الأنظمة السياسية العربية إنما هي أبرز سمات دولة قمعية بلا مواطنين. لأن الديمقراطية وحقوق الإنسان تقتضي التمتع بشفافية المعلومات. هذا الجانب المهم لكيفية تأكيد الوعي بالعمل العام من آليات واجراءات وقيم ومبادئ. وكما كانت السلبيات لدى أرجل المواطن فكذلك ستكون أية نواح إيجابية.

ينبغي أنَّ تكون المهمة الأولى: ترسيخ المواطنة على أساس الحق والقانون. وبالتالي تنتفي أية مرجعيات تصنيفية أخرى. لا هوتية أو سياسية أو عرقية أو اجتماعية أو طبقية أو رمزية. لأن المرجعيات من هذا النوع تعطي فرصة لكف العفريت بالظهور والتضخم. سواء أكان استبداداً أم نظاماً متخلفاً لا يرى غير أتباعه ومصالحهم.

كذلك ينبغي أن تشكل المواطنة حياة عامة ليست جزئية ولا ممزقة كأثواب رقيعة. بحيث تتميز بالانفتاح على الآخر، المختلف، المغاير، المناقض. ولا يعنى هذا أكثر من إعادة الاعتبار لمفاهيم الإنسانية داخل الإنسان. وعندما يؤكد نظام سياسي فكرة الإنسان الطارئ فإنه يمزق الإنسانية عن بكرة أبيها. لأنَّ دوام الأخيرة يعلمنا كيف نحترم إنسانها مهما يكن.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن قيام فلسفة للتسامح؟
- الإنسان كقِطَع غيارٍ
- ظاهرة المحميات الثقافية
- الاختلاف الديني
- تفجير كنائس المسلمين!!
- دولةٌ عابرةٌ للقارات
- نبيٌّ يبحثُ عن أتباعٍ
- خرابُ الإنسان
- ربيع الدماء: عن حفاري القبور!!
- لعنة الثورات: خطيئةٌ بلا غفران
- غسيل الاستبداد: كيف يتطهر الحكام!!
- لا نظرية حول المرأة
- سياسات البط
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ


المزيد.....




- مصادر في الخليج توضح لـCNN موقفها بشأن وقف إطلاق النار بين إ ...
- الحرب الكورية التي لم تنتهِ، كيف بدأت؟
- ثماني طرق تساعدك على التخلص من -المماطلة-
- هل تستفيد غزة من نهاية الحرب بين إسرائيل وإيران؟
- الموت بحثا عن الطعام في غزة.. استخدام الغذاء سلاحا في غزة جر ...
- سوريا: توقيف عدد من المتورطين بتفجير كنيسة مار إلياس بدمشق ا ...
- مسلسل موبلاند: حين تحاصر المخاطر أكبر عائلة مافيا في لندن
- عبر الخريطة التفاعلية نتعرف على أبرز الهجمات الإيرانية على إ ...
- رئيس الوزراء القطري: نؤثر دوما الدبلوماسية والحكمة على أي شي ...
- دراسة: التفاؤل يقلل من فقدان الذاكرة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - مُواطنةٌ على كفِ عفريتٍ