أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - خرابُ الإنسان















المزيد.....

خرابُ الإنسان


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5472 - 2017 / 3 / 26 - 01:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل للإنسان أنْ يفرِّغ جوفه ( نفسياً وفكرياً وحياتياً ) من أي شيء سوى الخراب؟! يبدو أنَّ الإجابة لن تكون صعبة. وبخاصة وسط مساحات الدمار من المحيط إلى الخليج. إذ يضرب جذورَه في التكوين الحياتي لمجتمعات العرب مع الاحداث السياسية الراهنة. فليس من يخرج حاملاً السلاح ليقتل باسم الدين أو باسم الثورة أو باسم الطائفية إلاَّ منتجاً للخراب. وكأنَّ الأخير وظيفة في الحياة مثلها مثل التحضر والتمدن!!

علينا معرفة خراب الإنسان قبل خراب المكان. ولو جرى هناك تركيز على المكان فقط فالنتيجة الحتمية خراب الاثنين معاً. ولن تجد مجتمعاتنا أيَّ عنصر فاعل لصناعة تاريخها الخاص. فالتاريخ ليس مكاناً ولا زماناً بل هو نتاج كائن اسمه الانسان. إنَّه موضوع العمران الأول والأخير باصطلاح ابن خلدون أو هكذا يجب.
يقول بول فاليري: "التاريخ أخطر نتاج نتج عن كيمياء الذكاء منذ الأزل، ويجعل الأمم تسكر بالنشوة. وتثقل كاهلها بالذكريات...". لأنَّه ببساطة أثر للإنسان ليس أكثر. التاريخ عبارة عن انسان يعلن حضوره أفعالاً وخيالاً. وما لم يقطعه الإنسان نشاطاً سيكون مجرد أمنيات تضيع فيها معالم الوجوه. الآن من يستطيع على خريطة العالم العربي أن يرى وجهه؟! لا أحد... لأن إنساننا غدا نشوة الخراب اللذيذ حتى وإنْ جاء بأكثر الأشكال حداثةً.

الاهتمام بمظاهر التطور المادي بخلاف الإنسان ضرب من التشوَّه البراق. إنَّ ما نراه يعني قلب الإنسان رأساً على عقبٍ. رجلاه بالأعلى ودماغه بالأسفل. لنتخيل مجتمعات عربية بأكملها تسير بذات الطريقة المقلوبة. تلك الأرجل التي ترتدي الأحذية ومع ذلك تقف فوقاً بالأمام. تجد احدهم يقابلك بالحذاء وهو كومة من القاذورات الفكرية.

الحذاء يتكلم، يتأتأ، يتلعثم، يحشرج. وبدلاً من التواصل يكون العراك حواراً غامضاً مهيمناً على المشهد. لأتفه الأسباب تجد الصراخ –كما في الفضائيات الاعلامية- هو السمة الغالبة بين العرب. هناك لا انسان في الحقيقة. ينطق بأي شيء إلاَّ بكونه كذلك.
لعل أخطر ما حدث هو اجتياح الحداثة التقنية لمجتمعات العرب. كل ذلك على قاعدة ضياع الإنسان. هذا الظلام الذي يسكنها حتى النخاع. فالدول النفطية وغيرها لديها تراكم تقني طائل. غير أنَّ التراكم لا يشكل فائض قيمة معرفية أو حضارية. لكنه يقف عند حد الاستعمال اليومي لها. وهذا الاستعمال تمرين ظاهري تمشيَّاً مع الانماط السائدة. بينما جوهر الفكر مازال متخلفاً إلى درجة مزريةٍ.

لدينا لم تُغيّر التقنية رؤى الحياة والتاريخ والعالم. إنَّها الاستعمال البوهيمي(أو بالأحرى الاستعمال البهيمي) على طريقة الرسوم المتحركة. المنازل والمنتجعات النفطية مدججة بأحدث الآلات والوسائط الإلكترونية ووسائل الترفيه ومظاهر البذخ الرأسمالي. وتزامن مع ذلك تراجع الفكر الإنساني ذاته. كيف يستقيم ذلك الوضع؟

غياب الانسان عن المعادلة الحياتية لهو النمط السالب. إنَّ الدين والثقافة والسياسية مجالات تراكم استعمالاته. لئن كان يستخدم التكنولوجيا بالشكل الخادع، فالأنظمة السياسية تستعمله هو الآخر. لا تفرغه من جوهره حينما تمنعه من العيش الحر والمبتكر لوجوده فحسب إنما تعطيه ملكية زائفة. فحين تتيح له الحياة الحديثة اختياراً يشعر كما لو كان يمتلك شيئاً. بيد أنه في الواقع مسلوب الإرادة، فاقد الوعي. لكونه مع الخراب الضارب أطنابه عبر كل شيء يصبح معلقاً ضمن عالم آخر. إذ ذاك سيجد الأوهام ملاذا مفضلاً.
وهذا سبب أنَّ الرفاهية الزائفة تحيط بإنسان العرب أينما حل. لديه أكثر من موبايل، أكثر من تلفاز، أكثر من سيارة، أكثر من منزل فخم، أكثر من زوجة أخر موديل. لكنه لا يعطي عقله أدنى فرصة للتفتح الفكري. لا يبدل عقله كما يبدل جواربه. لا ينظفه، يتركه نهباً للخرافات والمؤامرات. وتلك المعضلة صعبة المراس لدرجة أنها تخترق أكبر العقول ثقافةً. أي أن التعليم يفشل – بذات السياق- في تغيير الذهنية.

وربما هؤلاء الحاملون للذقون والأسلحة هم الوجوه الأخيرة لهذا الخراب التاريخي. وبالتالي لن تكون داعش والنصرة ومن قبل الاخوان والسلفية الجهادية والوهابية إلا أقنعة تنظيمية له. ومالم نتساءل: كيف وصل إلينا الخراب خفياً في "ماهية إنسان" لن يحدث أي تطور للمجتمع العربي!! إنَّ ذلك يحتاج تنقيب في جميع متعلقات الإنسانية داخلنا. كيف ننظر للموضوع من جذوره؟ لماذا يتكرر طوال قرون في أغلب المجالات. حتى وصل إلى ذروته الراهنة رغم التقدم المذهل لمجتمعات أخرى.

1- لقد حافظت التكنولوجيا لدينا على ثقافة التخلف. إذ ظفرت ببيئة حاضنة لها دون مساس. بدليل امتلاء الوسائل الالكترونية بغث الأفعال والصور والتعليقات والعلاقات. حتى باتت المجتمعات العربية أسوأ الشعوب من جهة محتوى التواجد على شبكة المعلومات.
2- تعاملت المجتمعات العربية بنعرة أننا على الطريق الصحيح. بينما هي مجرد" محميات اجتماعية" لعصور الظلام والجهل. يراقبنا العالم كله ويضعنا تحت منظار النهب لثروات الأرض والفضاء والتراث.
3- خضعت التقنيات لآليات المجتمع وتقاليده. لا يفوتنا هذا القمع للمرأة إذا استخدمت النت في بعض البلدان العربية. حيث طرح رجال الدين فتاوى بتحريم ذلك. وأنه لمن الضروري لها اصطحاب "مِحْرِم" كي تستطيع الاطلاع على المواقع وإجراء حوارات(شات).
4- زادت التكنولوجيا من الهوة بين البلدان العربية سياسيا. لأنها نقلت الصراعات على مساحة أوسع. وهنا لا يُنكر دور وسائل الاعلام في التلاعب بالآراء. وتسيس المواقف لإحداث تحولات بعينها كما كشفت قناتا العربية والجزيرة أثناء الربيع العربي.
5- استثمرت الجماعات الارهابية قدرات التقنية في نشر أفكارها. وتجنيد عناصرها للتفجير والقتل والفتك بخصومها. وربما هذا هو الاستغلال الأبرز للتكنولوجيا. وهو أيضاً دليل على توطن الخراب إلى أقصى مدى.

من هنا لم يُطرح استفهام الخراب على طاولة النقاشات الفكرية والفلسفية. وتم تجاهله عن عمد. بينما الأمر ملح كما أشار إليه ت. اس. إليوت في قصيدته الشهيرة "الأرض الخراب". حيث جسد فيها مأساة التدهور الفكري والحضاري للإنسان الغربي بعد الحرب العالمية الثانية. كان أحرى أن تصاغ الارض الخراب من جديد. فما يعيشه العالم العربي ليس أقل من حروب الإبادة بأيديهم!!

ففي العالم العربي تضيع معاني الإنسان كأنه مشروع وجودي فاشل. لكن ذروة الفشل ألا يعي كونه خرباً على الإصالة. وأنه أشبه بعربة قديمة صدئة تسكنها الحشرات والقوارض. وتصبح مكاناً لرمي القمامة والنفايات على ناصية أحد الشوارع المهجورة.
أيضاً الإنسان الخرب مسألة لا ترد بالنسبة للثقافة. لأن الثقافة لا تسمي ذاتها إلاَّ بما تحدد سلطتها الجارية إجمالاً. وعلية ما كانت لتطرحها للتفكير الحر كظاهرة وجودية. وأحد أسباب "تكفير الإنسان" هو الكفر به أولاً. لقد تم قتله من الداخل قبل تكفيره دينياً أو اجتماعياً أو سياسياً. ويخطئ من يتصور كون التكفير الديني يحل دماء المخالفين في المعتقدات. كما لو أن الإنسان لو اعتنق نفس الأفكار فلربما يُترك وشأنه.

المسألة أبعد من ذلك. إننا لو رأينا حتى هؤلاء المتماثلين في الاعتقاد والتنظيم الديني لوجدناهم قوالب حجرية تُحاور بعضها البعض. الإنسان كإنسان منعدم الحضور لديهم. لا يعيش بما يشعر ويحب ويتعاطف إنما بكل عنف يروج لما يعتقد. ويبني جماعات هي المرآة التنظيمية للجهل بالحياة وتنوعها.
لأن فكرة الإنسان ذاتها لا قيمة لها. وكشف هذا هو الأساس في بناء أي تصور حول المستقبل سلباً أو إيجاباً. الإنسان نفسه كان ينبغي أن يعد موضوع إيمان على الأصالة. ولو ضلت تلك الفكرة طريقها سيكون خراب الإنسان هو المآل. إن التدمير، التكفير، التهجير كلها تنويعات على هذا الوتر الأساس.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع الدماء: عن حفاري القبور!!
- لعنة الثورات: خطيئةٌ بلا غفران
- غسيل الاستبداد: كيف يتطهر الحكام!!
- لا نظرية حول المرأة
- سياسات البط
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ
- جرائم شرف
- القُدَّاس السياسي: تنصيب الإله المنتخَب
- السياسة والجنس
- الدين، العولمة، الهوية: انسان بلا جذور
- مجتمع ما بعد الرضاعة
- إرضاع الكبير: كيف تصبح الثقافة ثدياً؟
- الإلحاد... والتألُّه
- قبائل المؤمنين والملحدين


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - خرابُ الإنسان