أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - العرجاء














المزيد.....

العرجاء


سوسن السباعي الجابي

الحوار المتمدن-العدد: 1440 - 2006 / 1 / 24 - 08:15
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
كنت معه وحيدة في الغرفة، وظلت أرمق وجهه الجامد البارد طوال الليل وحين أتوا في الصباح كنت مثل فزاعة طيور بساق واحدة ورأس كأنه كرة يملؤها هواء الذهول...اعتمدت على عكاوتي، وخرجت من الغرفة ريثما تتم مراسيم الغسل والتكفين والدفن... فرغ المكان تماما إلا من جارتنا العجوز التي بقيت لتنظر في شأني فأنا الآن بلا قريب، والتي فشلت في أخذ ردّ مقنع فتركتني وحيدة مع الليل... الليل أتى هذه المرة من غير أبي... كان يحضر كلّ مساء وفي جعبته خبز وطعام وأحيانا فواكه... شعرت بالوحدة. تكورت في مكاني. دسست ساقي اليتيمة تحتي ولعنت الزمن الذي جعلني ليس فقط مبتورة الساق بل ومبتورة النصيب...
تحرك الباب. دخل الحاج عبد الفتاح صديق والدي الوحيد. تنحنح. كنت خائفة. اقترب مني ربت على كتفي. دغدغ عنقي بشاربيه. تخدّرتُ... رائحته مثل رائحة أبي. فأغمضت عيني وتذكرته بقوة.../ شبحه يتسلل ببطء، يتعرى من أشيائه، يدور حول جسدي. شارباه يوقظان فيّ عواءً ذئبيا. أتراجع للخلف وأسقط... هل كان يضاجعني وأنال نائمة ألأم منوّمة./ ينهض الحاج قائلاً: ((سأتزوجك على سنّة الله ورسوله))... وهكذا أضافني إلى زوجتيه اللتين لم تنجبا له إلا البنات. وصار يأتيني مرة كل ثلاثة أيام بما يقتضيه العدل بين الزوجات.
وتحرّك شيء في أحشائي. تقلّب في مياهي المظلمة. وكلما كبرت استدارة بطني ازددت فخراً. وغمرتاني نشوة لم أذقها من قبل. وتمنيت أن هذا الذي يتحرك ذكرٌ يرفع ما انهار مني وأتقوى به علي ضرتيّ اللئيمتين...
ووضعتها أنثى... واكفهرّ وجه الحاج ولعن اليوم الذي ورثني فيه من أبي. بينما زغردت الأولى لأن الله لم يرفع رأسي بينهما. وصرخت الثانية بشماتة: احمد الله يا حاج أنها بنت حلال وليست لقيطة مثل أمها العرجاء...
شق الحاج فم الثانية وطرد الأولى إلى أهلها وهجرني مدة طويلةً... فكرن خلالها بأبي الذي لم يكن أبي... كانت مشاعري نحوه غامضة مختلطة بالحب والكره. خالية من الامتنان له على تربيتي. فلقد قبض الثمن ومات. وأنا الآن افتقده حين هجرني الحاج افتقاد الأنثى المشوهة الناقصة لرجل يجعلها متساوية مع كل النساء...
صالح الحاج زوجته وعاد إلي راضيا مستسلماً... وأنا وجدت في ابنتي بسمة الأنس والحنان. زحفت أول مرة فزحفتُ خلفها. إنها سلحفاةً تتحرك بساقين من بلور. ومع ذلك تكاد تسبقني... وعفوت عن الأقدار التي شوهتني ثم وهبتني قريبا حقيقيا يسري في عروقه الدم الذي يسري في عروقي.
الحاج عبد الفتاح صار يلين الحديد الذي في قلبه كلما مر يوم على حياة بسمة حتى اكتملت أيامها التي تسمح لها بالذهاب إلى مدرسة... كان يقول لها وهو يحملها على كتفيه كما لم يحمل قبلها طفلة: أنت أول بسمة وآخر العنقود... وصار حين يأتيني مرة كل ثلاثة أيام يضمها إلى صدره وينامان وأبقى وحيدة في فراشي...
سمعت ضرتي الصغرى تسرّ للأخرى: (الحاج هرم ونشف زيته)... لم أفهم هذا الهراء. فقد كانت النار تأكل لحمي ويهرب مني النوم بعيداً... وفي كل مرة ينقل فيها الحاج صغيرتي من يد إلى الأخرى أعرج في الظلام من جهة إلى أخرى وأبقى مفتحة العينين أحدق في سقف الغرفة... السقف مرآة. رأيت أبي يقترب مني بهدوء محموم. أغمض عيني مرغمةً. سحر يشلّ تساؤلات عما يجري... عرج وعمى بصيرة وحياة مغلقة لم يفتحا لي حتى بشهواته الدنيئة. أحدق بصمت حتى يطلع النهار...
هذا المساء جاءني متعبا ومريضاً بوجه كوجه أبي ليلة مات. استلقى على جنبه الأيمن طلب من بسمة الاستلقاء إلى جانبه ففعلت.؟ داعبت لحيته تضاحكا... وبسرعة ناما. جلست أرقب وجهيهما لم يكن الظلام كاملاً فالقمر سخي الضوء هذا المساء.. كان الحاج يزداد شبها بأبي ليلة مات. وبسمة تزداد شبها بي. وفجأة أطلق الحاج تنهيدة عالية وانقلب بعدها على صغيرتي النائمة.. تجمد في مكاني كمشلولة وتساءلت... ها سيبدأ بقبض الثمن؟ طال بقاؤه فوقها بلا حراك... انتظرت لحظات حارقة فتشت عن عكازي وكانت دائما إلى جانبي فلم أجدها... عجزت عن الحركة لكني قاومت هلعي وشللي وعرجت إلى المطبخ مثل حيوان هائج بثلاث قوائم... وأدركت أنه باستطاعتي الاستغناء عن عكازي للأبد... وصلت فوق رأس الحاج... توقفت لاهثة وفي يدي تلمع سكينة حادة النصل. تمهلت قليلا ثم أغمدتها بقوة في ظهر أبي هذا الرجل الذي رمى حجرا في البئر رفعت السكين إلى أعلى رأيت جاراتي اللواتي كن ينظرن باشمئزاز كلما مررت ويهزأن بأصلي وفصلي... وكنت بلساني السليط وصوتي العريض أفرّقهنّ وأخيفهنّ عندما أبدأ بالشخير ويسيل الزبد من فمي... أما الآن فلن أتمنى لهن العرج مثلي بل الموت... الموت... وبيد لا ترتجف أغمدت سكيني في ظهورهن واحدة واحدةً... لكن غليلي لم يشف بعد... نظرت إلى السكين اللامعة برق وجه ضرتي الأولى التي تنادي طفلتي ببنت اللقيطة... فأغمدتها في صدرها. نظرت إلى السكين ثانية فرأيت وجه ضرّتي الثانية تقلّد مشيتي وأهل الدار مستمتعون بخفّة دمها. هويت بالسكين عليها وأرديتها... هذه اللئيمة... رفعت السكين إلى أعلى ثم أعلى... نظرت إلى ظهر الحاج كأن حقدي كله تجمّع هنا... هويت بالنصل الحاد فوق الأضلاع الكهلة فلم يتحرك... لم ينفر الدم كما كنت أشتهي... لكن هذا العصب الذي يشدّ خدّي فيفتح عيني ويغلقها بتواتر سريع ومنتظم قد ارتخى وارتخت معه مفاصلي ثم هدأت... أنفاسي...
حين حضروا في الصباح كنت قد تحولت إلى فزّاعة طيور حقيقية بساق واحدةٍ وعينين لا ترفّان... وكانت بسمة طيراً أبيض يخشى الاقتراب مني...



#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والنقود والذئب
- قصائد قصيرة منتصف الأنين
- المخاوف
- الهوية قصة قصيرة
- قصائد قصيرة
- قصة قصيرة
- ملامح شرقية


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - العرجاء