|
فوبيا المرأة في الثقافات والاديان!(1).
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 5473 - 2017 / 3 / 27 - 00:40
المحور:
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة
لن ننساق هنا تلك اللازمة المكررة و المملة من العويل و الندب الغنائي،وترديد الكليشيهات المبتذلة الجاهزة عن الحريات و الحقوق و المساوات الجندرية للمرأة . فكل هذا هو تحصيل حاصل و نتائج مترتبة لمدى الاستغلال و الاضطهاد و الاجحاف و الضيم و التمييز و القمع الذي تعرضت له المرأة ، و منذ هزيمتها التاريخية و طغيان السيطرة الطبقية الذكورية ، بفناء مجتمع المشاعة،وانقسام المجتمع جنسيا وطبقيا . فقد كانت المرأة طوال التاريخ الطبقي و أنماط الانتاج للمجتمع البشري مُستَغَلة مرتين ، فهي عبدة السيد ، و عبدة العبد ، و قنة الاقطاعي ، و رقيقة الفلاح ،و أجيرة الرأسمالي، و بروليتارية بدون أجر للعامل !. لذا فوضع المرأة بالغ التركيب والتعقيد. و أستغلالها و أغترابها و تشيؤها ، مركب و مزدوج و مضاعف . فيجب ان يكون نضالها أيضاً مركباً و مضاعفاً ومزدوجا، و متعدد المستويات و الجبهات : النظام الطبقي البرجوازي ، الايديولوجية الطبقية و الدينية و القيمية المجتمعية البرجوازية و البطرياركية السائدة و المتجذرة ، و أيضاً جبهة الرجل بكل حمولته الثقافية الذكورية التقليدية ، و أيضاً اللاوعي الجمعي الذي رزح تحت ثقله لألاف السنين ، و الذي يعكسه في علاقته بالجنس الاخر- المرأة- . فالرجل هو صانع الحضارة و التاريخ و المدنية ، و المرأة هي الطبيعة بغرائزها وتقلبها و غموضها و بدائيتها ! هو المعبود و هي العابد! هو الفاعل و هي المنفعل ! . هو الخالق و هي المخلوق ( في حين انها نصف المجتمع ، و خالقة نصفه الاخر !) . هو الخير و المنطق و النظام، و هي الشر و العاطفة الهوجاء و الكاووس البدئي !. هو الكمال و الجمال البايولوجي ، و هي القبح و النقص الفيزيولوجي ، هو القضيب المنتعض المقتحم و المتفاخر !، و هي القضيب المنبعج و المخصي و المحتل الذليل ! هو الشرف والسؤدد وهي العار والانكسار!.هو الدين القويم وهي الهرطقة والكفر!.هو الاله وهي الشيطان!.نستطيع بسهولة الاستمرار في تعداد هذه الثنائيات المتضادة المتناهية من الاختلاف و التنافر ، و تجيير عشرات الاوراق في ذكرها !. المرأة تلك،سواء في الاذهان او الاعيان هي مجرد: أسيرة السرير ، مزرعة الاطفال وجليستهم ، معبد الشبق ، سجينة المطبخ و عبدته- و هو مصنع تبلدها و انحطاطها العقلي - النفسي،حبيسة الدار - و حسها الدنيوي المحدود والمغلق !. هذا هو بأختصار حال المرأة في المجتمع البطرياركي -الزراعي-مع تقدم محسوس في المجتمع الصناعي المتطور- . و الطامة الكبرى هي : ليس فقط الرجل من يحتقر المرأة و يزدريها ، و يكرس دونيتها بأيديولوجيا واعراف ودين وقوانين المجتمع السائدة، بل هي نفسها - المرأة - تؤمن و تعتقد:وعيا ولاوعيا بأنها اقل من الرجل مكانة و تستحق بل هي جديرة بهذا التمييز المنحاز ضدها ، بل وحتى تدافع عن تلك الدونية و الصغار والاحتقار،وتعتبره طبيعيا-تكوينيا وابديا، و تدافع عن جلادها -سيدها، و تتضامن مع تكريس عبوديتها بأسم الطبيعة و الدين و الثقافة و العلم و غيرها من خزعبلات زائفة و متسيدة. كل هذا ليس موضوع مقالنا هذا. فقد تحدثنا عن ذلك في مقال سابق و نشر في الحوار المتمدن بعنوان(الجنس المقهور) -على هذا الرابطhttp://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=508591-. .ما سنطرقه في هذا المقال هو رحلة سريعة و مختصرة في تاريخ الثقافات و الاثنوغرافيات التي عمت و سادت المجتمعات البشرية بشكل عام ، والعصر الوسيط في الغرب المعادي للمرأة بشكل خاص. تلك الاساطير و الخرافات ، التي رسمت صورة المرأة بالغة البشاعة و التشويه و القتامة ، فلم تكتف بقمعها و أستغلالها و أمتهانها ، بل شرعت في تشويهها و مسخها و تحطيم صورتها لدرجة الابلسة المطلقة و كمنبع للشرور و الاثام ، و أس البلاء و الدمار واللعنة و الذنوب التي لحقت بالرجل بسببها،فهي علة كل الشرور! ، فهي قرينة الشيطان و عميلته لتخريب الوجود و تدمير الرجل ! انها تلك التصورات السيكولوجية اللاشعورية المبطنة بالادانة المسبقة و التجريم التاريخي والاسطوري للمرأة!. تلك المختلفة الغامضة و المليئة بالاسرار و الخفايا و الظلمة والدناءة. و التي أدت الى ذلك الخوف الهلوسي -البنيوي بالمعنى القار- القائم في اللاشعور - من المرأة! و الذي تكرس بثبات وانسجام في الدين و الثقافة و التاريخ و الاساطير و الحكايات الشعبية و التي نسجت عن المرأة ، كعنصر غواية و خطورة و شر داهم . وتحميل صورتها بكل ما هو مرعب و كريه و سلبي و غامض في الطبيعة و التكوين . انه تجريم عريق القدم لازم و أستمر حتى بداية العصور الحديثة ولازال!. . الخوف من المرأة هو في نفس الان خوف من الكائنات غير المرئية من الجان و العفاريت و الشيطان !. الشيطان الذي أُعتُبِرَ سيدها و معلمها و هي واحدة من ابرز حواريه و مريديه وجنوده!. و قد ورث عصر النهضة تلك المفاهيم الزائفة ، و الصور الشيطانية المتوهمة و المرعبة خلال العصور الوسطى، و التي ضخمت و أضيف اليها الكثير ، و انتشرت في عموم العالم ، و بشكل لم يُعرف من قبل بفضل الطباعة و الكتب وانتشار الثقافات وتمازجها، و ليس من قبل الكهنوت فقط ، بل و حتى مثقفين و علمانيين ، تبنوا هذه الرؤية عن المرأة ! و في عصر كان يجب ان يكون للادب و الفن و الحياة المتغيرة في صالونات النبلاء و الملوك ، و توسع اللاهوت البروتستانتي و غيرها من مظاهر التطور أن تصب في صالح تغير النظرة الى المرأة بأتجاه تنقيتها من ما علق بها من تشويه و شيطنة !.و هذا مايدفع لتسليط الضوء على هذه الصور المعقدة ، و توضيح كيفية تحول توجس و حساسية عفوية للمختلف الجنسي، الى خوف مرضي هستيري منظم و مبرر عقلانياً و سيكولوجياً من قبل كل الثقافات السائدة . ان الموقف الذكوري من " الجنس الثاني" كان ذا طابعاً متناقضاً على الدوام ، و قلقاً بين الانجذاب الجنسي و النفور النفسي ، بين الاغراء الحسي الشبقي والانجذاب الطبيعي،وبين العدائية ذات الجذر الثقافي- الديني ، وقد غير الفكر اليوناني الكلاسيكي و العهد القديم من هذه العواطف المتناقضة و كانت المرأة منذ العصر الحجري الحديث - الذي ترك لنا من التصور النسائي اكثر بكثير مما خلف من الصور الذكورية و حتى العصر الرومانسي - موضع احترام و تكريم لدرجة ما ، عندما أعتبرت منذ البدء كألهة للخصب " الام الوفية الثديين" ذلك الرمز للطبيعة الكريمة ذات العطاء المدرار . ثم اصبحت مع الهة الحكمة "أثينا "ثم مع "العذراء مريم" نبع النعم و الخير و الطيبة و السلام. ان " الانوثة الابدية" التي ألهمت الشعراء منذ دانتي الى لامارتين " تسمو بنا الى الاعلى" على حد تعبير غوته الشاعر الالماني ، و ما يحكى عن "يوحنا فم الذهب " انه : عندما كان طفلاً متخلفاً في دراسته ، وقف يوماً امام تمثال العذراء ليصلي ، وإذا بالتمثال حياً يخاطبه قائلاً :" يوحنا .. تعال قبل شفتي ، و سوف تحل عليك المعرفة، لاتخف" و كان خائفاً متردداً للحظة و ثم طبع شفتيه على شفتي السيدة العذراء ، و كانت تلك القُبلة الفريدة كافية لتملاءه حكمة و معرفة شاملة بالفنون جميعاً - و رغم بعض الايحاء الجنسي المكبوت للمراهقة في هذه الحكاية!- الا ان هذا الاجلال الذي احاط به الرجل المرأة ، لم يشمل جميع النساء -فقد اقتصر على امهات الالهة والربات!-، فله اصله اللاهوتي-الاسطوري. و قابله في الجانب الاخر ، نوع من الخوف السيكولوجي من الجنس الاخر المختلف و خصوصاً في المجتمعات ذات البنية البطرياركية . وهو الخوف الذي طالما اهملت دراسته و تحليله من قبل علم النفس و لفترة طويلة ، فأمتنع عن اعطائه تلك الاهمية التي يستحقها من الفهم و التحليل ، و قد وجد هذا العداء المتبادل الذي فرق بين الجنسين المكونين للبشر طيلة العصور التي مضت ، والذي يحمل اغلب سمات الدافع اللاشعوري و هذا يعني ان حياة الازواج هنا هو متعلق بتوضيح تلك المعطيات الغائرة الجذور ، و ان يقبل الشركاء بكل عقلانية و منطق ، مبدأ التمايز و الاختلاف و الحرية في التعامل المشترك دون ضغينة. فالتوجس من المرأة هو سيكولوجي بأمتياز ، فهو وهم مصطنع مبرقع بأعتقاد ديني ومدعوم بعلموية شعبية زائفة!...... .............................................. يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا....(كامل).
-
تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(4).
-
تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(3).
-
تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(2).
-
تأملات في نص خلافي/الفاتحة نموذجا(1).
-
قراءة في كتاب/فكر العالم،سيرة حياة ماركس..
-
ارادة الموت/قرار واختيار،ام تخاذل وفرار؟!.
-
الذكرى98على رحيل شهيدة الثورة الشيوعية الخالدة /روزا لوكسمبو
...
-
المقال الكامل/لقراءة(سورة)الكافرون.
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(7)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(6)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(5)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(4)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(3)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(2)
-
قراءة ل(سورة)الكافرون(1)
-
(الظلم اساس الهلك)ام الملك؟!.
-
حراس القيم وشرا...ئع(الله)!
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!./النص الكامل للمقال
-
الحرب الاهلية الاسبانية/موت ثورة!.(8-الاخير)
المزيد.....
-
ترامب يكشف سبب توقيع اتفاقية المعادن النادرة مع أوكرانيا
-
تقرير: مجلس إدارة تسلا يبدأ إجراءات استبدال إيلون ماسك كرئيس
...
-
مصادر لـCNN: إدارة ترامب تدرس إرسال مهاجرين إلى دولة عربية و
...
-
تحليل لـCNN: إيران تغازل ترامب بفرصة الـ-تريليون دولار-.. لك
...
-
وزير الدفاع الأمريكي يهدد إيران بسبب الحوثيين
-
الكركمين.. -حارس أمين- للكبد و-مهندس ماهر- للقلب
-
ZTE تطلق هاتفها المتطور لهواة التصوير
-
-ظاهرة علمية فريدة-.. أشجار تتنبأ بكسوف الشمس قبل حدوثه!
-
اكتشاف مصدر جديد للذهب في الكون المبكر!
-
الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط يضاعفان الإنفاق على التسلّح
المزيد.....
-
الاقتصاد السياسي للجندر خلال النزاع في سوريا: تعدد تجارب الن
...
/ خلود سابا
-
البروليتاريا النسائية وقضايا تحررها وانعتاقها!
/ عبد السلام أديب
-
الاغتصاب كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية
/ هيثم مناع
-
المرأة الفلسطينية ودورها في المسار الوطني الديمقراطي
/ غازي الصوراني
-
القانون الدولي والعنف الجنسي ضد النساء في الحروب
/ سامية صديقي
-
الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة
/ دعد موسى
-
كاسترو , المرأة والثورة .
/ مريم نجمه
المزيد.....
|