أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يارا خليل - انعكاسي المفقود














المزيد.....

انعكاسي المفقود


يارا خليل

الحوار المتمدن-العدد: 5461 - 2017 / 3 / 15 - 22:38
المحور: الادب والفن
    


أركض خلف القطار
في اللحظة الأخيرة ألتحق برحلتي
يغلق الباب على حقيبتي
أسحبها بكلتا يدي
.. ثم أسقط
أجلس على كرسي لا يتسع خيباتي الصغيرة
أتلمس رأسي
شيء ما انفجر..
فقاعة من الحنين.
ألملم ما تبقى من دماغي ..
رأسي الآن مكشوف أمام العالم…
يرمقني الجميع .
كأنني غريبة.. أسأل وجهي المنعكس في زجاج القطار .
أمِنَ الغريب رؤية شخص ما بنصف رأس مفتوح ؟
أتجاهل سيدة عجوز تحدق بي من تحت نظارتها السميكة..
أنظر جهة النافذة .. أتجاهلها.
هناك حيث الأفق الذي ألتهم الظلام حوافه.
لأرى انعكاسي من جديد..
هل هذا وجهي ؟
لا أعلم إن كان هذا الانعكاس يعود إلي أم لشخص آخر..
أهذه أنا أم لا!!؟
هل يعقل أنني كبرت بهذه السرعة.
.. ما زلت أحب البوظة بالقشطة و أحب أيضاً الطائرات الورقية.
لا أدري ...
لكن من المؤكد فيزيائيا أن هذا الوجه يعود لي أنا.
كيف لا.. وأنا الوحيدة الجالسة قبالة النافذة .
و هذا المنفلق كثمرة رمان هو رأسي.
أرى تفاصيل ذاكرتي.
هذا بيتنا و تله هي غرفتي و هذه الثياب الصغيرة المعلقة على المشجب تعود لي أنا.
.. أكشر عن أسناني و أرمق انعكاسي بنظرة غضب.
أريد ان أتأكد أن هذا وجهي.
أتسلى مع انعكاسي.
أشاكسه.. أعبِّر عن سخطي واستيائي من هذا العالم الجلي كما الخراب .
المليء بالحواجز و الجنود..
أمد لساني و أسخر من وجهي.
لا يشبهني بشيء هذا الانعكاس..
سوى بالتجاعيد الرفيعة، كأنها رسمت بقلم رصاص مدبب الرأس.
.. فجأة تمطر .
المطر هنا غفلة الغرباء عن الوجع.
نسيت كل شيء، وجهي و رأسي المنفلق و تفاصيل ذكرياتي.
يستهويني انزلاق قطرات الماء على النوافذ.
.. أتحسس برودتها برؤوس أصابعي من خلف الزجاج.
أدس يدي الأخرى في جيب معطفي حتى يمر الوقت في عقارب ساعتي.
.. فجأة أنتبه .
لم يعد لي انعكاس .
يساورني القلق.
أبحث عن وجهي ..
أين هو .. ذاك الانعكاس اللعين.
أشعل عود ثقاب .
أعرف أن عيدان الثقاب ممنوعة هنا ، لكن ماذا أفعل. أريد انعكاسي.
ألعن إضاءة القطار السخيف ..
تقع عيني على السيدة العجوز مجدداً.
مازالت تحدق بي ..
أتجاهلها.
ماذا يجري، هل هناك كارثة عظيمة حلت بالعالم .
ماذا لو كنت الأن جالسة أمام التلفاز. تخيلت للحظات أن كل شاشات العالم تعج هذه اللحظة بالفيزيائيين وهم يعتصرون أدمغتهم المجعدة كزهرة القرنبيط ليفسروا سر اختفاء الانعكاسات من العالم ..
كيف نعيش بدون انعكاس؟
تصبح حياتنا مثل فيلم من الخيال العلمي .
نركض مذعورين في الجهات، نبحث عن انعكاساتنا..
أعود وأنظر خلسة نحو زجاج القطار.
لم يخطر ببالي من قبل أن أفتش عن انعكاسات الأخرين..
يا إلهي السيدة العجوز تملك انعكاسا جميلا كقوس قزح. يبدو أجمل من وجهها الحقيقي ، وأنا فقدت انعكاسي كقطعة نقود معدنية سقطت مني و تدحرجت ثم اختفت ..
لملمت ذكرياتي التي أخذت تتساقط من رأسي المفتوح في حقيبتي الصغيرة، وعلى عجل نزلت من القطار الذي توقف في محطة ما، لا أعرفها.
صعدت سلالم المحطة الكئيبة. الموحشة، في الشارع توقفت أمام واجهة محل. امرأة بثياب مثيرة مصنوعة من البورسلان المصقول تقف خلف زجاج نظيف. أرى انعكاس المارة وهم يمضون بسرعة. من خلفهم تبدو المدينة بلون رمادي كالح. أبحث بين الوجوه التي تمضي عن وجهي. علني أمشي بينهم. لا أرى سوى وجوه غريبة. كأنني لست هنا.
أحك رأسي و أرفع يدي ملوحة.
أرقص و أقفز في الهواء.
أخلع قميصي الأزرق و أرميه على الرصيف.
لا فائدة ، لا انعكاس لي. كأنني اختفيت كنسمة هواء مضت .
أشد المارة من أيديهم. أسألهم، هل ترون انعكاسي. ألست هنا؟؟ قلت لأحدهم أن أحداً ما سرق انعكاسي ، وأنا أكاد أجن. لا أستطيع العيش بدون انعكاس. خاف مني و ركض مسرعاً دون أن يلتفت خلفه.

.. خلف الزجاج النظيف لمحت شخصاً قادماً نحوي . مبتسماً . مثل ملاك من نور و ضباب. كأنه كان يعرفني. لم يكن رجلاً ولا امرأة . التصق بالزجاج. عض على شفته السفلى و قال: لا انعكاس لمن فقد وطناً. حاولت أن أقترب منه. أدار ظهره و مشى. حاولت اللحاق به. ارتطمت بشيء قاسي تكسر من حولي وتلاشى كل شيء.
منذ ذلك الحين أتسكع في حواري المدينة الغريبة مثل شبح خفي. أقف أمام زجاج واجهات المحلات. أرفع خصلات شعري و أمط شفتي. أقفز و أرمي حذائي في الهواء. دون جدوى أبحث عن انعكاسي .



#يارا_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبا لكل الاعراف ...خذ بيدي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يارا خليل - انعكاسي المفقود