أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إيناس النيغاوي - تجليّات الخوف : في حقيقة المشاعر الإنسانية















المزيد.....

تجليّات الخوف : في حقيقة المشاعر الإنسانية


إيناس النيغاوي

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 26 - 03:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


النظرة على مُحيّا السيدة المختبئة وراء الحائط التي هيّأ لها ليون كونيى (léon Cogniet) لوحته مجزرة الأبرياء « Scene of The Massacre of the innocents » (1824) لا يمكن أن تعبّرفقط عن أسطورة مجزرة هيرودس الأكبر المذكورة في إنجيل متى ، لابدّ أنّها تتجاوز هذا الفعل . إنّ تلك القسمات الملتوية لا يمكن أن تكون سوى حديث خوف، إنّها خوف الإنسان في أصدق تجليّاته.
إنّ هذا الضرب من المشاعر بالعودة إلى ريبوت ( Théodule Armand Ribot) تعبير عن تفاعل أو ردّ فعل على خطر أو ألم محتمل، فلا ينشأ الخوف إلا في علاقته بالخارج أو الآخر الذي تحوّل فجأة إلى مصدر تهديد وقلق. وخوف السيدة المختبئة وراء الحائط هو خوفها على ابنها من الآخر/هيرودس الذي أمر بقتل كل الرضّع الذكور. إنّ " اللقطة" التي اِنتقاها لنا ليون من الحكاية لا تسمح لنا إلا بافتراض ردّ فعل واحد محتمل هو السكون إزاء هذا الخطر ويمكننا أن نعتبر ذلك أقصى درجات الخوف ، إذ تتجمّد الأجسام وتميل إلى الضعف. فالخوف في أشكاله المعتادة والطبيعية يؤدي إلى نتاج حركي معيّن يُجنّب حامل هذا الشعور غالبا مصدر الأذية. وهو ما دفعنا لاعتبار هذا المشهد لا فقط لحظة زمنية مجمّدة وإنما علامة مرئية على ذروة مشاعر الفزع. وهنا يكمن سرّ تلك النظرة الهلعة، إنّها تتشاكل مع فضائها و تتفاعل مع اللحظة المقتنصة لتبلغ بالرائي إلى دلالات الخوف.
إنّ مشاعر الخوف كغيرها من مشاعر الفرح والحزن، مشاعر فطرية حاصلة لدى الإنسان منذ ولادته. تشمل الجميع وتتخذ لديهم الشكل نفسه كما أشار إلى ذلك داروين. بيدا أنّ ما قد يميزها عن بقية المشاعر الأخرى هو تشكلها كأول وعي شعوري لدى الطفل إذ تظهر بعد الولادة بثلاثة وعشرين يوما حسب براير (Preyer) وأربعة أشهر حسب داروين. وهو ما يفسرألفتنا بهذا الشعور، فليس الخوف تقلبات الإنسان ونواسانه في مزاجيته الغريبة إنما هو طرح انطولوجي، وتحفّز دائم لحماية وجوده من أي خطر. ولذلك ينشأ الخوف وعيا بالذات وبمكانتها في العالم وهو فطري ومبرّر. والمرأة المشدوهة خلف الحائط تجسّد هذا الصراع لاكتساب حقّها في الحياة، فإحساسها بالخوف هو "غريزة" بقاء.
لكن إن جرّبنا التحرّر قليلا من سحر هذه النظرة ووطأتها وتأملنا العلاقة مع الآخر، لوجب علينا أن نتساءل: لم يريد هذا الآخر أن يكون مصدر خوف بالنسبة إلي؟ لم قد يتسبب لي بضرر ما سواء أكان نفسيا أو جسديا؟
ذكر في إنجيل متى أنّ هيرودس أمر بقتل كل الأطفال الذكورإثر تنبّؤ المجوس بقدوم مولود يهودي يجرّده من حكمه. إذن هذا "الآخر" يحركه دافعان، دافع سلطوي والآخر رافض للديانة المبشّر بها. إنّ هذين الدافعين لا يبدوان عند تجريدهما من سياقهما متصلين بالقتل لكنّهما مثّلا رغم ذلك خطرا. وهذه التجربة عن الخطر لا تبدو مألوفة لدى مقارنتها بالتجارب التي قد يخزنها أحدنا في ذاكرته ،فهي لا تشبه تجاربنا المتواضعة اليومية كذكريات عضّة كلب أو حادث أو سقوط من درج أو أي تجربة أخرى يمكن أن تسبب ذكريات مخيفة. و مع ذلك تعلن هذه اللّوحة عنهما كمصدر تهديد واضح متصل بحامله/ الآخر.السلطة والدين في مواجهة وجود المرأة وابنها.قد تبدو العلاقة غريبة وغير مباشرة على هذا النحو ولكنها مع ذلك موجودة وحقيقية. إن اللّوحة بتعبير آخر تنتج لنا مصدر خوف جديد.
إنّ عملية الإنتاج هذه لا تستند ضرورة على التجارب المكررة الخاصة أي تلك التي اعتدنا التجاوب معها بطريقة آلية، وإنما تصوّر لنا احتمالات للخوف وترسم لنا أكثر السيناريوهات سوءا. إنها تأخذ التجربة الواحدة المحتملة وتحولها إلى مصدر خوف جماعي.إنها تسويق لتجارب غيرنا. وهنا تكمن لبّ الفكرة التي نوّد طرحها: هل أصبحنا ننتج الخوف ؟
إذا ما راجعنا بطريقة سريعة مخزوننا الأدبي والفني العالميين فإننا سنلاحظ أنّهما يحملان في بعض تفاصيلهما خطابا مصنّعا لهذه المشاعر. أفلام الرعب وروايات الجرائم حتى الألعاب الترفيهية في الملاهي التي تتخذ فيها الألعاب أشكالا مخيفة كلّها ترسم احتمالات غير مباشرة للخوف. إنها تسعى في مكر واضح إلى وضع لائحة بأشكاله المختلفة ( سواء أكانت أماكن أو أشخاص أو مؤسسات أو أفكار ..). إنّها تؤسس لنظام جديد صارم يكون فيه مصدر الخوف واضحا. فنحن لم نعد ندركه كمشاعر بديهية نستخلصها من خلال التجربة الفردية إنما صرنا خاضعين لنماذج معينة.من ذلك أنّ شخصا من البلدان الغربية قد يواجه شعورا بالخوف إثر صعوده على متن القطار نفسه مع شخص عربي دون أن يكون قد خاض تجربة خاصة تركت لديه ذكريات سيئة حول الموضوع، و يعود ذلك ببساطة إلى النموذج الذي قدّمته له بعض الأفلام أو وسائل الإعلام عن مصدر الخطرالممثّل هاهنا في المسافر العربي. ثم إنّ روايات الجرائم مثلا لا تقدّم فقط عرضا بسيطا عن إحساس التوجّس من القاتل الذي يحاول الايقاع بشخصيات النصّ بل ترسّخ ايضا أنواعا جديدة من الخوف -أعمق- نعيها عند استخراج الدوافع إذ تذكر تيريزا كالديرا (Teresa Caldeira) في تحليلها لخطاب روايات الجرائم في ساو باولو أنّ الخوف من الجريمة يخفي وراءه خوفا آخر كالخوف من التغيرات الاقتصادية و تأثيراتها على الهرم الاجتماعي التي قد تؤدي إلى صراع أطراف معينة و انصرافها إذ ذاك إلى الجريمة. إنّ هذا الخوف البديل بعيد جدا عن تصورنا لمصادره المعهودة -وهو ما توصلنا إليه أيضا عند تحليلنا للوحة مجزرة الأبرياء- فخطاب الخوف لا يكتفي بالنقل إنما ينتج ويولّد. ومعظم مخاوفنا اليوم مبنية على تجربة غيرنا الطرازية التي تكرّسها جهات و مجالات معيّنة وتمنحها القوّة . لكن من وراء هذه الجهات؟
إنّ المجموعة التي يصيب أفرادها الخوف يسهل قيادتها. و بناء على هذا يجب أن نفهم حرص بعض أنماط تبليغ الخطاب على نقل خطاب الخوف تحديدا، لا كأنماط مستقلة وإنما كوسائل موجّهة . إنّ تكريس نسق شعوري موحّد يضمن بطريقة حاسمة التنبؤ بردّ فعل المجموعة. فالمثير الخارجي الذي يمكن أن يهيّج مشاعر الخوف لدى مجموعة معيّنة محصور في قائمة مضبوطة يكفي استحضاره لتوجيهها. إنّ الشعور بالخوف يكبّل ردّ الفعل السليم وقد يدفع حامله أحيانا إلى التصلّب وعدم الاتيان بحركة أو في أحسن الأحوال إلى التراجع. ولا يخفى علينا مدى فاعلية هذه الاستراتيجية في اِحتواء الجموع لاسيما إذا تعلق الأمر بمصلحة سياسية، دينية أو أيّ مصلحة عليا.و هو ما يفسّر تعلّق خطاب الخوف بهذه المؤسسات تحديدا.
لقد أصبحت عفوية التجربة الأولى للمشاعر في ظلّ الحديث عن إعادة إنتاج خطاب الخوف، أمرا يحتاج إلى المراجعة ،لاسيما و أنّنا نحيط أنفسنا بمؤسسات و قنوات اِتصال قد تغوّلت و أحكمت سيطرتها علينا حتى بتنا لا نرى العالم إلا من خلالها. الأمر الذي يدفعنا حقيقة للتساؤل عن كيفية اِنخرطنا في كلّ هذا دون أن يأخذنا الشك؟



#إيناس_النيغاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليّات الخوف : في حقيقة المشاعر الإنسانية


المزيد.....




- أول زيارة لرئيس فرنسي منذ 2008.. شاهد استقبال ويليام وكيت لم ...
- حرائق كبرى في جنوب فرنسا وفي إقليم كتالونيا الإسباني
- إسرائيل تخطط لإنشاء مدينة -إنسانية- جديدة في رفح!!
- -بألم كبير-.. هكذا تتفاعل الجالية العربية في لوس أنجلس مع ما ...
- العراق.. طفل يجهز منظومة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء!
- حريق سنترال رمسيس بمصر.. إليكم الصور مع التفاصيل الكاملة وآخ ...
- خلال اجتماعه مع ترامب.. نتنياهو: للفلسطينيين الحق بالتمتع بس ...
- الكويت.. ضبط مواطن يروج ويشارك بأنشطة قمار على -سناب شات-
- عرضٌ لم يُقبل: حين اقترح صدام حسين اغتيال الخميني وشاه إيران ...
- غزة: مقابرُ امتلأت عن آخرها.. والفلسطينيون يواجهون مشقة دفن ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إيناس النيغاوي - تجليّات الخوف : في حقيقة المشاعر الإنسانية