أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - في الرد على بعض المواقف والأفكار التي جادت بها نشرة -الشرارة- المغربية















المزيد.....


في الرد على بعض المواقف والأفكار التي جادت بها نشرة -الشرارة- المغربية


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 25 - 16:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


في الرد على بعض المواقف والأفكار التي جادت بها نشرة "الشرارة" المغربية

وهو تفاعل رفاقي، لا نريد به محاربة المشروع السياسي الذي تدافع عنه النشرة وأنصارها، بقدر ما أن الهدف من إسهامنا هذا هو التفاعل النقدي مع ما تروج له النشرة من خطابات رفضوية انعزالية، عن مجرى الحراك الشعبي الدائر في العديد من الأقطار المغاربية والعربية.. وهو خطاب لا تتميز به "الشرارة" لوحدها إذ تتغنى به وتردده الغالبية الساحقة من التيارات الراديكالية المغربية، دون تحفظ!.
فهل يصح أن نروج لمثل هذه الأفكار والتقييمات السلبية، التي تحطّ من قدرات حركات المقاومة الشعبية، وتشكك في خلفياتها ومراميها.؟ فحسب التقييم موضوع النقد، لا يعدو الحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة ابتداءا من أواخر سنة 2011، سوى ثورات مفبركة ومتحكم فيها من بعد، ولا تعني في شيء حركات التحرر، بل تعني في الحقيقة الإمبريالية ومصالحها وعملائها من الرجعيات الخليجية..الخ!
وحسب وجهة النظر هذه التي صورت الثوار المشاركين في هذه الانتفاضات بأنهم فاقدي الأهلية والقرار، ينساقون كالنعاج، ويتم تحريكهم كالدمى أو الكراكيز.. من طرف الرجعيات العربية، ومن الإمبريالية الأمريكية والعالمية.. ومن منظور سخيف لا يليق بمناضلين يكون همّهم الأساسي هو المساهمة في المعركة التحررية التي يخوضها الكادحون.. ولا يليق بصوت يدّعي امتلاك النظرية السديدة، ويدعو لاستخدامها كسلاح لتشريح الأوضاع، ومعالجة ما يرتبط بها من أمور سياسية، تتطلب الدقة والتروّي، قبل إصدار أحكام القيمة الجاهزة.
وعلى النقيض لهذه الرؤية سأحاول تقديم وجهة نظرنا كخط بروليتاري ثوري، يعتزّ بانتمائه لهذا الحراك، وبالمشاركة في جميع مبادراته ومحطاته، مبرزين انتمائنا الفكري والطبقي للحركة الاشتراكية، وللخندق الشعبي الذي من مصلحته هزيمة الرأسمالية، والانتصار للاشتراكية على أنقاضها.. وسنسعى في هذا السياق، تقديم الرأي فيما أصبح يسمى "بالربيع العربي" الذي هو بمثابة الانتفاضة الشعبية ضد فساد السلطة واستبدادها وقمعها للحركات الاحتجاجية، المطالبة بالديمقراطية وبالحرية وبالعدالة الاجتماعية.. ردا على الحرمان من جميع الحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تعاني منها الجماهير الشعبية المسحوقة.. وهي انتفاضة أطلق شرارتها الأولى الكادحون في البلاد المغاربية والعربية إضافة لجميع المقصيين والمهمشين والعاطلين.. لينتشر لهيبها بجميع المواقع كالنار في الهشيم، حيث كان يلزمنا كحركة اشتراكية المساهمة والدعم بقوة لهذا الحراك الذي لم تتأخر الطبقة العاملة على الالتحاق به وإبراز مساهمتها القيّمة والحاسمة، في أكثر من تجربة (تونس ومصر..).

الموقف النظري والعملي من هذا الحراك الشعبي

في هذا السياق كان لزاما علينا وعلى جميع الديمقراطيين والتقدميين في المغرب وخارجه، المشاركة والقيادة لهذا الحراك، الذي فجرته تلك الصفعة المهينة التي تلقاها الشهيد البوعزيزي، ردّا على تعنته وتشبثه بحقه في كسرة خبز تدرها عليه مهنته الهشّة كبائع جوال بشوارع وأزقة سيدي بوزيد التونسية، وهي مساندة تلقائية في أصلها، تلزم جميع المناضلين المبدئيين وكذا "المواطنين الصالحين"، الذين لا يقبلون بالظلم والحـﯕرة والقمع، المشاركة في جميع احتجاجاتها ودعم مطالبها.
عكس هذا، احتمت "الشرارة" بنظرية المؤامرة، البئيسة لتبخيس هذا الحراك الشعبي وهذه الانتفاضات الجماهيرية التي قامت بها الشعوب ضد أنظمة القهر والاستبداد والاستغلال، القائمة.. وهي منهجية لا تليق بمنبر ماركسي.. وليصحّ القول الذي فصح به لينين يوما ما، ردا على مثل هذه الحالات حين قال وأكد بأنه "لن يقوى أحدهم على تشويه الماركسية، إذا لم تقم هي بتشويه سمعتها" منبّها من تحويلها إلى كاريكاتور.. فليست هذه هي الطريقة المثلى لتقديم الرأي في هذا الحراك، وهي طريقة مشككة متكالبة، تراقب الأوضاع من برجها العاجي والعالي، مبتعدة عن النضالات الطبقية الجارية في الميدان، وتخوّن جميع الحركات الثورية المشاركة أو المتزعمة لهذا الحراك "فلن نكون ساسة وبلاشفة شيوعيين إلا بالقول إذا لم ندرك أن من واجبنا أن نستفيد من جميع مظاهر الاستياء على اختلافها، وأن نجمع وندرس جميع بذور الاحتجاج ولو كان في حالة جنينية.." فما بالك والحراك تجاوز حالته الجنينية، وأصبح حربا أهلية تطالب برؤوس الأنظمة البرجوازية المستبدة، والمغتنية على أساس اقتصاد الريع والنهب والفساد والاستبداد..
فالماركسي القويم "هو الذي يعتبر نفسه دائما مناضلا طليعيا من أجل الديمقراطية، ولا يتخلف عن دوره لقيادة مختلف الفئات المعارضة النشيطة.. وملزم بأن يوضح لها المغزى السياسي العام لاصطداماتها الخاصة والمهنية، بالحكومة.." حيث يلزم الحركة الماركسية الاشتراكية في هذا السياق "أن تربي ببيئتها زعماء يستطيعون أن يمارسوا تأثيرا سياسيا في جميع الفئات المعارضة على اختلافها". فهي ذي الماركسية المبدئية التي نعتزّ بها، وننصح الشباب الثوري بالأخذ بتوجيهاتها الحاسمة "لأن كل امتناع عن أداء هذا الدور، أيّا كانت الجمل والتعابير المفخمة.. إنما يعني الدفاع من جديد عن تأخر الحركة الديمقراطية الشعبية الشاملة.. يعني وضع الدور القيادي في يد الديمقراطية البرجوازية" والظلامية في وضعنا المغاربي والعربي الملموس، أو أية جهة مناهضة للتغيير الحقيقي ولمشروع النضال من أجل الاشتراكية.. "فسنكون في وضع السخفاء والرجعيين إذا استنتجنا أنه ينبغي لنا أن ننسى أو نتجاهل أو نحتقر المهمات الملحّة في الوقت الحاضر حتى لو كانت عرضية ومؤقتة" وهو تحذير وجهه لينين للرافضين للمهام الثورية الديمقراطية، التي لا تختلف من حيث الجوهر عن المهام التي حملتها على عاتقها الحركة الثورية الديمقراطية إبان الحراك الشعبي الدائرة رحاه على طول وعرض البلاد العربية والمغاربية المنتفضة الآن.
فلا معنى لوجود ماركسيين لينينيين مغاربة دون الوجود لحزب الطبقة العاملة، فهما أمران متلازمان.. هناك فعلا حركة اشتراكية مغربية أصيلة، عبارة عن تيارات ومجموعات وفرق مناضلة متطلعة للأفق الاشتراكي وتعمل لأجله.. أما الانتساب للحركة الماركسية اللينينية فهو انتقال نوعي يقطع مع العفوية ويحسم بوعي انخراطه في مهمة بناء الحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة الاشتراكي، وهذا ما نطلبه ونطمح له داخل هذه الحركة الاشتراكية.. "فالبروليتاريا تتوقع خلاصها، لا من التهرب من النضال الطبقي ـ هو الحال بالنسبة للحراك الشعبي موضوع النقاش ـ بل من تطوير من هذا النضال وتوسيعه وزيادة الوعي والتنظيم في هذا النضال" وهو التصور والمنهجية التي اعتمدتها الحركة الاشتراكية في جميع المواقع، خلال هذه الظرفية العصيبة التي يمر منها جناحها الراديكالي.
فالماركسية علمتنا أن نبقى في الساحة دائما، متواجدين ومساهمين في جميع الأشكال النضالية والاحتجاجية، علمتنا عدم الاكتفاء بالفرجة، والتتبع، وإصدار التقارير، والتربص بالمشاركين.. للحكم عليهم فيما بعد ونعتهم بالمنساقين وراء "ثورات تحت الطلب"، ثورات تزيد "تفتيت الشعوب"، وتقودها "مجموعات لقيطة من ذوي السوابق في الإجرام".. أما الكارثة الكبرى فهي "أن بعض المحسوبين على التيارات الثورية سقطت هي الأخرى في فخ الأطروحة الإمبريالية.!" وهي معطيات حقيقية نسبيا لكنها لا تقدم الحقيقة بكل موضوعية، وبكل تجرد عن الإقصاء والإنكار للفعل اليساري الاشتراكي داخل حركة النضال هذه.
فماذا عسانا نقول ردا على هذه التحليلات الإظلامية والتعتيمية، المنكرة لأية جدوى للنضال ضد أنظمة بنعلي ومبارك، والقدافي وبشار وصالح.. أي البرجوازية المستبدة..؟ ماذا عسانا نقول للشباب والجماهير الشعبية والعمالية المشاركة في هذا النضال والحراك؟ بماذا سننصحها والشارع يغلي ويطالب بالتغيير الجذري للأوضاع؟ فهل وصلت بنا الرفضوية لهذا المستوى، من التعتيم والانعزال عن حركية الصراع الطبقي؟ فالحقيقة أن هذه المواقف الرفضوية لا قاعدة لها داخل الأوساط اليسارية المناضلة، ولا تجد لها صدى وسط الطبقات والفئات الشعبية المعنية بالتغيير، الملايين من المحتجين المنتفضين الذين هبّوا عن بكرة أبيهم في أزيد من ثمانين مدينة وقرية مغربية خلال انتفاضة 20 فبراير المجيدة.. والتي تنشد مغربا آخر، مغرب جديد خالي من القمع والاستبداد والاستعباد والاستغلال. وهو مغرب الحرية والكرامة، مغرب المنتجين المتضامنين الأحرار، الذين سيعيشون من ثمرة إنتاجهم، ومن خيرات بلادهم، التي سيسهرون على إنتاجها وتدبير توزيعها بشكل ديمقراطي وعادل.. حيث لن يبقى فيه وجود للمحرومين والبطالين والمهمشين..الخ
الثورة قامت وانتشرت شعاراتها ومطالبها في كل مكان.. فإما نشارك ونؤطر وننظم ونقنع.. وإما نستتر ونبرر وننتظر.. لمرحلة قادمة "تتقوى فيها الذات" و"نبني الحزب" و"يتقاطر عليه المنخرطون" من كل حدب وصوب.. ونكنس المنافسين على طليعة الثورة، وجميع المعادين للاشتراكية من على وجه الأرض..! أي جميع الإصلاحيين والتحريفيين والظلاميين والشوفينيين..الخ فماذا عسى الماركسيين التونسيين والمصريين والسوريين والمغاربة.. أن يفعلوا ضدا على هذه التحاليل وهذه العبقريات؟! هل من واجبهم الاشتراك في الحراك، والمساهمة في فضح الأنظمة القائمة باعتبارها أنظمة برجوازية تعيش على الاستغلال والنهب والريع.. عميلة للاستعمار وذليلة أمام مؤسساته المالية والإمبريالية وشركاتها المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات.؟ أم يهجرون السياسة وصفوف المعارضة والبلاد كلها، حتى لا ينعتوا بالأعوان وعملاء أمريكا وقطر والسعودية وتركيا.. وكذلك للتنظيمات الظلامية والإرهابية من قبيل القاعدة وداعش؟
فالاستمرارية على نفس خطى المقاومة الشيوعية التي هزمت النازية وحلفائها الرجعيين والتوسعيين والإمبرياليين، ودافعت عن وجودها وكيانها، وأقامت الجبهات الشعبية لتأطير عمل المقاومة بكل من فرنسا وألمانيا وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر وإسبانيا..الخ لم تكن لتنجح بمثل هذا التصور للصراع، لأنه يحمل في طياته أفكارا غريبة وبعيدة عن روح النضال والتضحية، بكل ثبات ومبدئية.
"فليست الثورة الاشتراكية عملا واحدا، وليست معركة واحدة، في جبهة واحدة، إنما هي مرحلة كاملة من النزاعات الطبقية الجادة، وسلسلة طويلة من المعارك في جميع الجبهات، أي في جميع مسائل الاقتصاد والسياسة، معارك لا تنتهي إلا بمصادرة ملكية البرجوازية، فقط".. وعلى هذا الأساس والجوهر يجب أن نقدر جميع النضالات، وجميع مساهمات الحركة الاشتراكية في قلبها، عوض المنحى الذي اتخذته هذه الاتجاهات الرفضوية ولسان حالها "الشرارة"، المنتشية بفشل الحركة وانحراف اتجاهها للظلامية الدموية التي تخبط خبط عشواء في الجميع على أساس عدائها للجميع.. فليس بالسوي وبالأحرى المواطن الديمقراطي، أن يرفض وينبذ المشاركة في هذه النضالات السياسية والاجتماعية، التي أخرجت حشود الكادحين عن بكرة أبيهم للاحتجاج ضد أنظمة طبقية برجوازية متعفنة ومدافعة عن الرأسمال ومناهضة للتحرر والديمقراطية والاشتراكية.. بدعوى تأييد الرجعيات الخليجية والإمبريالية الأمريكية والتنظيمات الفاشية الظلامية لهاته النضالات والثورات! وهو موقف أقل ما يقال عنه أنه أحول، ولم يحسم بعد في طبيعة عدوه، ولا يرى سوى نصف الكأس الفارغ.
"فالثورة وإن بدأت في وضع قليل التعقيد في الظاهر، تولد بنفسها على الدوام، خلال تطورها، وضعا غاية في التعقيد. ذلك أن الثورة الحقيقية، العميقة، "الشعبية" كما يقول ماركس هي عملية معقدة ومؤلمة إلى أقصى حد، فهي في آن واحد، احتضار نمط اجتماعي قديم وولادة نظام اجتماعي، احتضار وولادة نمط حياة لعشرات الملايين من الناس. فالثورة إنما هي النضال الطبقي وقد بلغ الذروة من الحدة والجموح والضراوة، إنما هي الحرب الأهلية. وليس غير الرجال المعلبّين من يتصورون الحرب الأهلية دون وضع معقد للغاية. فمن يخاف ويخشى الذئاب لا يذهب إلى الغاب"
هي ذي اللينينية التي يتبجح بها البعض ويدعي الارتباط بها والدفاع عن مبادئها، واتخاذ تعاليمها مرجعية له، ويدعو إلى التثقيف على أساس أفكارها ونصوصها وتجاربها الميدانية باعتبارها دروس لا بد من الاستفادة من خبرتها حيث نجد في جميع هذه التقييمات والتوجيهات القيّمة التي تمت على أيدي ماركس وإنجلس ثم لينين، الإشادة والتنويه بمشاركة مناضلي الحركة الاشتراكية في الصراع، بغرض تطوير الحركة ووضع مسارها على السكة الصحيحة.. عوض التهرب والفرار من الساحة، ومن المشاركة في أي شكل نضالي أو مبادرة احتجاجية، يكون الهدف منها فضح سياسات الظلم الاجتماعي والاستبداد والاستغلال والتهميش والحرمان والبطالة..الخ الذي يعاني منه جميع الكادحون المغاربة.. إذ لا يليق مثلا أن يبخس المناضلون المشاركة الإيجابية في المعركة التي تمّت في هذا السياق، ووفقا لهاته الأهداف.
لأن النضال ضد الظلم والاستبداد والحرمان من الحقوق، واجب على جميع المناضلين الديمقراطيين قبل الاشتراكيين الحازمين.. لأنها حقوق قابلة للتحقيق نسبيا في ظل الرأسمالية التي نعيش في كنفها الآن "والحال أن الاشتراكية تستحيل بدون مثل هذا الإعلان" وهذا الالتزام.. فمقاطعة الانتخابات ممارسة نضالية والاستهزاء بها يجسد الغياب التام لأي حس نضالي يقدر حجم هاته الممارسة الجماهيرية التي تفوق نسبتها الثمانين في المائة وهو رقم معبّر له أكثر من دلالة.
كما نصطدم بمناضلين لا يتأخروا عن الإعلان وعن التشبث بالنظرية الماركسية اللينينية كمرجعية لهم، دون أدنى توضيح للأساس والبعد الطبقي لهذه النظرية.. وحين تتم محاورتهم ومحاكمتهم بالمراجع والنصوص، ينتفضون ويحتجون ويعتبرون ذلك بأنه ضربا من الأرثوذوكسية والجمود العقائدي.. متهربين من النقاش والصراع الفكري اللازمين لأي مناضل يفتخر بمرجعيته ولا يكترث لشيء اسمه "وحدة الشعوب" التي خلطت الأوراق والرايات والمبادئ.!
فالوحدة المطلوبة في هذا الحراك الشعبي المتأجج لسنوات في المنطقة المغاربية والعربية، من وجهة النظر الماركسية، هي وحدة الطبقة العاملة الفكرية والتنظيمية والسياسية التي يجب أن يضمنها الحزب الشيوعي وارتباطاته الأممية.. والأممية على سبيل التذكير منظمة طبقية عمالية، أجهز عليها ستالين وشوهتها اليسراوية التروتسكية والفوضوية.. إذ لا علم للماركسية والماركسيين، في هذا السياق بوحدة "الشعوب"، لأن الشعوب كانت وما زالت عبارة عن طبقات اجتماعية مختلفة ومتناقضة المصالح، بعضها يدافع عن الأنظمة القائمة ويناهض الحراك الاجتماعي والسياسي الدائر، والبعض الآخر الذي يشكل الأغلبية الساحقة، يحتج ويقاوم.
فالماركسية قطعت مع جميع هذه النزعات "القومية" و"الوطنية" منذ زمان، دون أن تنبذها أو ترفض المشاركة في البعض من معاركها.. والمنظمة الأممية كانت دائما منظمة طبقية عمالية واشتراكية.. فسلاح النظرية مهم في هذه الصراعات الفكرية والسياسية، وعليه أن يأخذ على عاتقه أهمية التثقيف والانتصار للاشتراكية ولفكر الطبقة العاملة، ولن يكون حاسما بتارا سوى بالشكل الذي يدافع بوضوح عن طموحات عموم الكادحين المحرومين ويحمي حقوقهم ومطالبهم، في نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية.
فالعلاقة التي يجب أن تربط الطبقة العاملة بعموم الكادحين، وليس عموم "الشعب" كما يروج لذلك عموم الشعبويين، هي علاقة القائد بالجيش، علاقة أكدت عليها الأطروحة الماركسية، منذ إصدار البيان الشيوعي كدليل للمناضلين الاشتراكيين الثوريين، وكحقائق علمية لا يمكن طمسها أو تجاهلها خلال عملية التحرر الشاملة التي يخوضها الكادحون في جميع البلدان المنتفضة، كأهلية الطبقة العاملة دون غيرها، للعب الدور القيادي والطليعي في المعركة من أجل التحرر والاشتراكية.. مؤكدة كذلك على الطابع الثانوي للتناقضات الموجودة في صفوف الكادحين جميعا خلال فترة الصراع والنضال من أجل التغيير ومن أجل بناء الاشتراكية
صحيح أن الحركة الاشتراكية باتت ضعيفة وغير موحدة، بل تراجعت قوتها التنظيمية والفكرية والسياسية بفعل الضربات المتكررة التي تلقتها من طرف أعدائها، جراء الانحرافات والتنازلات والتراجعات، وهزيمة البلدان الاشتراكية في الميدان.. إلا أنها أثبتت صمودها ومقاومتها للانمحاء والاندثار، باستماتة قوية ونضال مبدئي مستمر إلى جانب الطبقة العاملة وفي وسط عموم الكادحين.

في المغزى النضالي لوجودنا كحركة اشتراكية

فالماركسيون اللينينيون، إذا ما استحقوا فعلا هذا الاسم وهذا الانتماء، يتجسد وجودهم مع الإعلان عن انتظامهم في مجموعة سياسية أو تيار اشتراكي مناضل يتخذ لنفسه برنامجا للعمل، ويكون همّه الأول والأساسي هو تنظيم نضال البروليتاريا الطبقي وقيادة هذا النضال الذي هدفه النهائي هو ظفر البروليتاريا بالسلطة السياسية وتنظيم المجتمع الاشتراكي".. فورثة البيان الشيوعي ـ برنامج عمل ونضال البروليتاريا التاريخي ـ مقتنعون أشد الاقتناع بطبيعة الثورة اللازمة لتغيير الأوضاع لمصلحة الجماهير الشعبية الكادحة، حيث الرهان القوي على قيادة هذه الثورة من طرف الطبقة العاملة للإطاحة بالرأسمالية وبسلطة البرجوازية وحلفائها الملاكين الكبار، حيث الحاجة ماسة لتحالف طبقي يضم في صفوفه الطبقة البرجوازية الصغيرة، والعديد من الفئات القريبة منها، ومن أوضاعها.. هاته الطبقة نفسها التي أطلق عليها "البيان" اسم الطبقة المتوسطة والمشكـّلة من الحرفيين والتجار الصغار وأصحاب الورشات الصغيرة والفلاحين الصغار وعموم المستخدمين والموظفين الصغار من ذوي الدخل المحدود، والمياومين والمعطلين..الخ فهؤلاء هم المعنيون بحق بأفكار وتوجيهات "البيان"، وبدروس وتجربة الكمونة، وبرصيد الأممية السياسي والتنظيمي.. فالأممية تنظيم عمالي شيدته الحركة الاشتراكية للتعبير عن تضامنها ووحدة صفوفها ونضالها ضد الطبقة البرجوازية وعموم الملاكين الكبار.. وتأكيدنا هذا نابع من الخلط الذي عبّرت عنه "الشرارة" بهذا الصدد.. فمن لا علم له بطبيعة هذا التنظيم الأممي، وبتاريخيه، وبصراعاته، وبمواقفه، لن يكون مؤهلا لتقديم الوصفات من هذا المنظور الذي يُلزم الحركة الاشتراكية تنظيم صفوفها أولا، قبل أن نتطلع للأممية وللمساهمة في إعادة بنائها ورد الاعتبار لدورها في الحرب على البرجوازية وحلفائها.
فالحاجة ملحة الآن، في زمن الثورات والانتفاضات، بأن يقع الفرز الطبقي وتبرز القيادات العمالية في الساحة، منظمة وموحدة فكريا وسياسيا وتنظيميا.. وحين نقول أولا فلا يعني ذلك بتاتا التخلي عن الميدان وعن مطالب الجماهير الشعبية الكادحة والمسحوقة، لأن هذا واجبنا النضالي نقوم به يوميا بغض النظر عن أوضاعنا التنظيمية، وهو الشيء الذي يميزنا عن جميع "الكلمنجية" الملاحظين والمراقبين "لمؤخرة" الثورة والثوار.
فالحاجة لقيادات وزعامات حقيقية تعرف معنى النضال والاشتراكية والنضال من أجلها، ودون هذا لن نتقدم قيد أنملة في مسألة البناء وتقوية ورص الصفوف ولف القواعد حول برنامج الطبقة العاملة الاشتراكي.. "إذ لا يكفي أن ندرك بوضوح ما هي طبيعة المنظمة السياسية المطلوبة وهدفها المحدد، إنما يجب علينا أيضا أن نرسم خطة عملية محددة لمنظمة يجري تشكيلها من كل النواحي"
وبإمكاننا الاسترسال والاستشهاد بالنصوص اعتمادا على التجارب والخبرة الماركسية واللينينية في هذا المجال التنظيمي، الذي يلاقي الإهمال المتعمد من طرف غالبية الفرق والمجموعات الثورية المغربية، التي تدعي الانتماء والاستناد لهذه المرجعية، دون الالتفات للأوضاع التنظيمية المهترئة والهشة، التي يعاني منها الجميع والتي تلزمهم بالانخراط في جميع المعارك الاجتماعية، وبالمساهمة في توحيد الصفوف، وكذا بالانخراط في النقاشات الفكرية الجادة والملتزمة..
"وتصبح هذه الجريدة جزءا من منفاخ حدادة هائل، ينفخ في كل شرارة من شرارات النضال الطبقي والسخط الشعبي، ويجعل منها حريقا عاما.." حيث كان الأجدى والأجدر بالمشرفين على هذه النشرة بأن يبقى هذا التوجيه اللينيني الثاقب، بمثابة المنارة المضيئة لطريقهم في النضال، والارتباط بجميع المعارك الاحتجاجية التي يخوضها جميع أصناف الكادحين بالمغرب، وبالمنطقة العربية وفي كافة البلدان.
لنختم المقال بهذه النصيحة اللينينية "فالحزب الذي نطمح لبنائه هو الحزب الاشتراكي حزب الطبقة العاملة والمدافع عن أهدافها ومصالحها، حزب مشكل من طليعة البروليتاريا مهمته قيادة جماهير العمال الحزبية وغير الحزبية، يعلمها ويدربها، لأنه سيصبح بمثابة مدرسة للشيوعية".

وديع السرغيني
فبراير 2017



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اليد الممدودة، الى العناق -العمومي- المفضوح
- المقاطعة نجحت والتهنئة لا بد منها
- في ذكرى التأسيس للمنظمة الثورية -إلى الأمام-
- الطبقات الاجتماعية في المغرب
- مهامنا الثورية
- في ذكرى انتفاضة يناير المجيدة
- دعما للحركة الاحتجاجية وتشبثا بخط النضال الديمقراطي الاشتراك ...
- مخلصون دائما لزروال ولجميع الشهداء
- ملاحظات أولية في بعض المواقف الصادرة عن الرفيق الحسين الزروا ...
- دجنبر المجيدة وذكرى الإضراب العام
- عن ثورة دجنبر 1905 والأدوار الطليعية اللينينية
- في ذكرى استشهاد المناضلة سعيدة المنبهي
- بمناسبة المنتدى ومقاطعة جلساته
- في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية المجيدة
- 20 يونيو ذكرى شهداء -الكوميرة- الأبطال
- الأهداف واضحة والحملة مستمرة لفضح الانتهازيين..
- دفاعا عن اتحاد الطلبة إوطم ومن أجل هيكلة مجالس الطلبة القاعد ...
- خطوة خيانية يقدم عليها تيار -المناضلة- التروتسكي
- مبادؤنا الشيوعية لا تقبل بالذرائعية
- حول العنف الطلابي، والحلول البئيسة التي تغذيه..


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - في الرد على بعض المواقف والأفكار التي جادت بها نشرة -الشرارة- المغربية