أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد فاضل النوري - 1- السياسة في الفكر الفلسفي















المزيد.....


1- السياسة في الفكر الفلسفي


احمد فاضل النوري

الحوار المتمدن-العدد: 5425 - 2017 / 2 / 7 - 23:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمهيد عام :
سنتناول في هذا المحور تطور مفهوم السياسة مع كل من أفاطون و أرسطو و الفرابي ، دون أن نشير الى ما قبل أفلاطون و أخص بالذكر الحضارة المصرية و البابلية و الصينية لسببين ، الاول : غياب الوثائق التاريخية الكافية ، و الثاني و هو الأساس : أنا ما يهمنا من هذا البحث و تحديد تأثير الفكر الفلسفي الاغريقي في السياسة على تصور ابن باجة لهذا المفهوم – السياسة - ، كما أننا لن نتناول نفهوم السياسة الحديث مع كل مع ميكيافيلي و هوبز لأنه سيقطع مع التناول الاغريقي للسياسة في ارتباطها بالأخلاق و يؤسس لمفهوم جديد للسياسة يتأسس على البرغماتية و الواقعية و الكفاءة...
و تعتبر السمة المميزة للسياسة عند كل من أفلاطون و أرسطو و حتى الفرابي هو صلتها الوثيقة بالأخلاق ، حيث غالبا ما كا اليونان يدرسون السياسة أسلوب الأخلاق ، يقول سير ارنست باركر " أن الفكر السياسي الذي يتناول بالبحث المدينة اليونانية ، كان لابد أن يتأثر بلون الظروف الخاصة برعاياها . فالمدينة كانت مجتمعا أخلاقيا ، و لهذا فعندما تناول اليونانيون علم السياسة فيما يختص بهذا المجتمع ، أصبح هذا العلم في أيديهم بنوع خاص و بصورة مؤكدة علما أخلاقيا . فكان أرسطو يرى أن الديتور هو الدولة ... و هو أسلوب حياة ... أو أنه روح أخلاقية . و هذا في الحقيقة هو لبه و معناه الجوهري . و لهذا يجب على المفكر إذا ما تعرض للدولة أن يتناول موضوعه من وجهة نظر أخلاقية .فلا يتحدث علم السياسة بأسلوب الفقه القانوني ... بل بأسلوب الفلسفة الأخلاقية "
و من هنا فقد كانت الأسئلة المطروحة في البحوث و الدراسات السياسية أسئلة أخلاقية في حقيقة الامر مثل : ما الغاية التي تسعى الدولة لتحقيقها ؟ و ما الوسائل التي ينبغي أن تأخذ بها لكي تحيا حياة أخلاقية سليمة ؟ كيف يمكن أن تصل إلى الروح الأخلاقية الحقة ؟ كيف لنا أن نحقق الدولة الفاضلة ؟ و أسئلة من هذا القبيل التي لا تبحث في حقوق الانسان السياسية و لا الحقوق الشرعية بقدر ما تبحث المجتمع الاخلاقي و مختلف الجوانب المتعلقة به . وهذا ما سنخصه بالدراسة في هذا المحور مع كل من أفلاطون و أرسطو و الفرابي .
أفلاطون :
تقديم :
مع الأغريق لم نعد نتحدث عن السياسة بشكل منفرد بل تطور المفهوم ليشمل علم السياسة و الفلسفة السياسية ، فما هو الفرق بين السياسة و الفلسفة السياسية ؟
تحاول الفلسفة أن تجيب على السؤال الآتي و هو كيف للقوة أن تتوافق مع المعقولية في المجتمعات ، و السياسة في أكثر معانيها انتشارا هي علم القوة و تنظيمها في المجتمعات ، أما الفلسفة فهي تنظيم مستمر لعملية التعقل و اكتشاف المبادئ المنظمة للتطبيق العملي . و لما كانت الأداة التي يمكن لها تحقيق هذا التوفيق بين القوة و العقل في المجتمع هي الدولة فقد يحدث أن تنجح الدولة في إخضاع القوة للعقل و قد تهدف إلى أن يكون مثلها الأعلى هو تتويج للعقل مقعد القوة و لكن يحدث في الغالب أن تفشل في ذلك . و لقد كان أفلاطون هو أول من عنى بالبحث عن إمكانية هذا التوفيق بل كان أول من دعا إلى هذا الهدف في فلسفته السياسية . و كان السوفسطائيون هم أول من تحدث عن الأخلاق و السياسة في الفكر اليوناني القديم ، فقد كان التسليم بنظام دولة المدينة و النظم التي تقول بها – تسليما عاما دون اعتراض أو مناقشة ، فقد كن الناس يولدون و يعيشون ، و يموتون ، في ظل عادات قديمة لم يعرف أحد شيئا عن نشأتها . بل كان هناك شعور غامض بأنها ساموية – و كانت هذه العادات هي القانون المعمول به ، لكن مع قدوم السوفسطائيين و خاصة الفيلسوف السياسي " بروتاغوراس " الذي وضع قاعدته المشهورة " الإنسان مقياس الأشياء جميعا ، الأشياء الموجودة و غير الموجودة حسب ما يحدده الذكاء " . هذه القاعدة " قاعدة خطيرة لأنها تعبر عن فردية متطرفة لاسيما إذاما طبقت في مجال الأخلاق ، ما دامت قيم الأشياء في نظر أي انسان هي كما تبدو له ." و منه تصبح لكل فرد نظريته خاصة للأخلاق ، أما إذا طبقنا هذه المقولة بالنسبة للسياسة فهي تجعل الفرد مقياسا و قاعدة لما يعتبر صوابا . لهذا يعتبر هيغل السوفسطائيين رواد التنوير عند اليونان ، هذا الروح التنويرية في السياسة و الأخلاق التي ستطور إلى أن تصل ذروتها مع أفلاطون و أرسطو . و منه سنطرح سؤالين نتعهد بالأجابة عليهما في ما تبقى من هذا المحور : ما هي علاقة نظرية العدالة بالأخلاق و السياسة ؟ و ماهي أهم الحكومات السياسية التي تناولها أفلاطون في كتابه الجمهورية ؟
العدالة بين الأخلاق و السياسة :
الأخلاق و السياسة كما أشرنا سابقا لا يفصلان ، فكل حديث في السياسة هو بالضرورة حديث في الأخلاق ، و من الكتب المهمة التي تبين تداخل الموضوعين نجد كتاب الجمهورية ، و هو عبارة عن محاورة في كيفية تكوين المدينة الفاضلة .
حسب أفلطون المدينة الفاضلة هي التي تتحقق فيها الفضائل الأربع و هي : الحكمة ، و الشجاعة ، و العفة ، و العدالة . فكيف يتحقق ذلك ؟ " تكون المدينة حكيمة عندما يتولى الحكم فيها حكام و فلاسفة هم بطبيعتهم حكماء . كما أن المدينة تحقق فضيلة الشجاعة عندما يكون لها جيش قوي مقدام . و تكون معتدلة أو يسيطر عليها فضيلة الاعتدال عن طريق ما يتسم به أهلها من عفة . و هي أخيرا عادلة حين يقوم فيها كل مواطن بالعم المخصص له أو الذي يصلح له حسب قدراته و إمكاناته ، و باختصار عندما تضع الرجل المناسب في المكان المناسب " و منه فلكل طبقة سياسة فضيلتها ففضيلة الحكام الحكمة و فضيلة الجنود الشجاعة و أخيرا فضيلة الحرفيين و السكان العفة . و إذا اجتمعت هذه الفضائل ستحقق العدالى كفضيلة عليا .
و الدولة في نظر أفلاطون هي النموذج المكبر للفرد ، أي أن السياسة مجرد مثل يوضح ما ينبغي أن تكون عليه الأخلاق . فإذا كانت السياسة هي الباعث الأساسي الذي دفع أفلاطون إلى البحث الفلسفي بسبب فساد المدينة ، و كراهيته لنظام الحكم فيها . فقد كان الهدف عنده إصلاح الأخلاق . فقد رأى أن الأخلاق تقوم على أساس أعمق من مجرد العمل الصالح ، و اقتضى منه ذلك البحث في طبيعة النفس البشرية . غير أن الدولة هي هذه النفس في صورة مكبرة . فالأخلاق تتعلق بسلوك الفرد في حين أن السياسة تختص بسلوك الجماعة و من ثمة نجد أفلاطون يجمعهما – الاخلاق و السياسة – في كلمة واحدة هي العدالة . و من أجل ان تتحقق هذه العدالة يجب أن يكون على رأس الدول فيلسوف ، " و هي فكرة مستمدة من فلسفة أفلاطون المثالية التي تفرق بين عالم التغير و الصيرورة و عالم الثبات و الحقيقة و هي فكرة تخدم في الواقع موقفه السياسي المحافظ " .



نظم الحكم غير المثالية :
حكومة الأوليجارشية ( سياسة الخسة ) و الديموقراطية :
في حكم الاوليجارشية يصبح الجميع عبيد للمال و يأتي اليوم الذي تنقسم فيه الدولة إلى فئة قليلة تتركز في أيديها الثروة و أكثرية فقيرة أكثر قوة و أوفر قسطا في الفضيلة فينتهي الصراع بينهما بانتصار الاغلبية الفقيرة و استيلائها على الحكم فتنادي بالمساواة للجميع و تسمى بكم الشعب أو الديمقراطية ، و يطلق عليه ابن رشد سياسة الكرامة " و تكون هذه الكرامة جزاء على كرامة أخرى ، أو من أجل مال أو نفع ( متبادل) . و هذه الكرامة أنما تكون بالتساوي ، و يدققون في طلب التساوي ما أمكن ذلك ، أعني كرامة السوق " . و في ظل هذا الحكم يأبى الجميع الخضوع لأي نظام أو قانون حتى الحيوانات تثور على أوضاعها إذ يعتمد الطاغية على أسوأ أنواع الشهوة شهوة الشر و العدوان فتختفي العدالة من الدولة و يسودها الظلم و التعاسة و ذلك أن العدالة يترتب عليها السعادة و العكس صحيح ، و يأخذ أفلاطون يقارن بين سعادة الحاكم العادل الفيلسوف و بين شقاء الطاغية .
و يبدو أن أفلاطون في حديثه عن الطغاة إنما قد تأثر بطغاة عصره الفاسدين و لم ينصف الدور التاريخي الذي قام به طغاة القرنين السادس و السابع قبل الميلاد أولئك الذين استطاعوا ان ينصفوا طبقات الشعب من الظلم الواقع على كاهلهم و عملوا على إحياء نهضة حضارية و ثقافية كبرى في بلادهم .
و سياسة الخسة حسب ابن رشد هي " السياسة التي يحرص أصحابها على جمع الخراج و الثروة و الاخذ من ذلك بما يفوق مقدار الحاجة ، ينفقون على أنفسهم باسراف ، و لا يشركون أحدا ممن هو خارج عنهم " حيث تسلم مقاليد الحكم للشخص الغني الذي يملك أكبر قدر من المال ( اليسار ) ، و مصدر هذا المال يكون من الفلاحة و القنص و الرعي ، و التجارة و السخرة...،
السياسة الجماعية أو مدينة الحرية :
المدينة الجماعية هي مدينة تضم جميع الانواعة السالفة الذكر " يكون فيها كل واحد من الناس مطلقا ( من كل قيد ) و يفعل ما يرغب فيه ، و يتحرك نحو كل شيئ تهفو نفسه إليه من أمور الجماعة ، و لذلك ينشأ في هذه المدينة جماع الاشياء المختلفة مما هو في المدن الاخرى : فيكون فيها قوم ممن يحب الكرامة و قوم يحبون االاموال و اخرون يحبون التغلب ..."
هذه المدينة لا تخضع لنظام حكم معين بل تضم جميع القوانين و النظم ، لهذا يعتم على ما هو فطري في تدبير هذه المدينة .




خاتمة :
كما أشرنا سابقا لإان افلاطون على نهج أجداده من الاغريق لا يفرق بين السياسة و الأخلاق ، لكنه يوحد بينهما . فالاخلاق تدبير لسلوك و نفس الفرد لتصل الى الفضيلة و السياسة هي تدبير للدولة لتصل للعدالة ، و بما ان الدولة تتكون من أفراد فان السياسة مرتبطة بالاخلاق ، و منه لإان سلوك الفرد الخير هو الذي يتألف منه سلوك الجماعة الخيرة ، أو أن الدولة الصالحة هي التي تتألف من المواطنين الصالحين ، و الفرد الفاضل لا يوجد الا في مدينة فاضلة . و من هنا كانت فكرة العدالة التي درسها أفلاطون في الجمهورية فكرة أخلاقية أساسا و ليست فكرة تشريعية .
أرسطو :
ظل الدمج بين الأخلاق و السياسة قائما في فلسفة أرسطو على نحو ما كان في مذهب أفلاطون ، و هذا انعكاس للمجال التداولي الاغريقي الذي يتفلسف أرسطو من داخله ، هذا المجال الذي لا يميز بين الاخلاقي و السياسي كما أشرنا سابقا .
و يعتبر كتاب السياسة لأرسطو هو المؤلف الرئيسي لفلسفته السياسية و هو أقرب ما يكون إلى مذكرات قد أعدت ليحاضر فيها شأنه شأن باقي مؤلفاته . "و يبدو أنه قد كتب على فترة طويلة من الزمان و أن آراءه قد تطورت فيه على مدى هذه الفترة إذ لا تسوده روح واحدة و لا اتجاه واحد فكري ثابت بل يغلب على بعض أجزائه النظرة المثالية و الدعوة إلى الاصلاح و البحث فيما ينبغي أن يكون في حين يغلب على الأجزاء الاخرى النظرة الواقعية التحليلية التي تعتمد على استقراء الأحداث التاريخية التي تؤثر في سيرها " . و إذا كان أفلاطون قد اعتقد أنه يمكن في السياسة تطبيق مبادئ لها من الدقة و اليقين ما لمبادئ الرياضيات ، فإن أرسطو قد انصرف في بادئ الامر إلى دراسة الأحياء و الاعتماد على الملاحظة و الخبرة التجريبية و تركت هذه الخبرة العلمية على تفكير أرسطو في السياسة و طابعها الذي ظهر في عنايته بتصنيف الدساتير و تحليلها و البحث عن الثورات و أسبابها و العوامل المؤثرة في ثبات الحكم أو زواله . ومن مزايا منهجه الاستقرائي التاريخي أنه لم يدرس الدولة منفصلة عن المجتمع الذي تنشأ في
1. .الدمج بين ما هو سياسي و أخلاقي :
 فكرة الغائية :
يقول أرسطو أن سلوك الانسان هو سلوك غائي ، يهدف الى غاية ما ، و غالبا ما نعتبر هذه الغاية خير من نوع معين ، و إذا كان السلوك البشري غائيا ، فإن كل بحث و كل دراسة و كل علم أو كل فن من الفنون إنما يهدف إلى غاية ما هي بدورها " خير " ما .، و لما كانت ألوان الانشطة و الفنون و العلوم كثيرة ، فأنه ينتج من ذلك أن تكون الغايات التي ينشدها الانسان متعددة و متنوعة أيضا ، فعلم الطب مثلا يهدف إلى تحقيق الصحة ، و علم الملاحة يهدف الى بناء السفن ، و الفنون . العسكرية تهدف النصر و الحرب و يهدف علم الاقتصاد إلى الوصول الى الثروة . و في جميع هذه الحالة تكون الغاية خيرا .
لكن هناك غاية واحدة تطلب لذاتها هي الخير الاقصى ، أو الخير المطلق ، و لا شك أن معرفة هذا الخير الاقصى لها قيمة كبرى بالنسبة لحياتنا و سلوكنا . و ذلك لأن كلا منا يرمي إلى ما يراه خيرا . " و معنا ذلك لو عرفنا الخير لوصلنا لغاياتنا بسهولة مثل رامي السهام حين توضع أمامه علامة تكون هدفا لسهامه بحيث يستطيع إصابة الهدف اصابة صحيحة ... ولابد لنا أن نقول أن هذه الخيرات ، تنتمي إلى أكثر العلوم شمولا و أعظمها سيادة ، ألا و هو علم السياسة . لأنه يحدد ما هي العلوم التي ينبغي أن توجد في الدولة ، و ما هي العلوم التي ينبغي على كل فئة من المواطنين تعلمها ، و ما هي درجة التعلم أو الاحتراف التي ينبغي أن يصل له كل موظف ."
 علم السياسة هو الذي يحقق الخير الأقصى :
يذهب أرسطو غلى ان علم السياسة هو العلم الذي يحقق الخير الاقصى للانسان و هو علم دولة المدينة و أعضاء هذه الدولة لا بالمعنى السياسي الضيق ، بل بالمعنى الواسع الذي يعني الوجود البشري المتحضر الذي لا يمكن أن يوجد إلا في مدينة polis و هم صنوف البشر الراغبين في حياة فاضلة . و لذلك فان علم السياسة يأخذ على عاتقه أن يكشف أعلى قيمة للانسان و سلوكه الذي يسيطر عليه للوصول إلى هذه القيمة ، و لهذا كان علم السياسة هو أول العلوم وأكثرها أهمية .
هو اول العلوم لانه هو الذي ينظم العلوم الاخرى و يحدد لها مكانها في دولة المدينة . و هو أهمها لانه هو الذي يحقق الخير الاقصى ، و من ذلك يتضح أن مضمون علم السياسة و هدفه هو تحقيق الخير للانسان ، أعني أنه ذو مضمون أخلاقي و هدف أخلاقي ، و لما كان الفرد جزءا من المدينة ، فان علم الاخلاق جزء من علم السياسة الذي يتزعم العلوم جميعا و يستخدمها لتحقيق غاياته .
2. نشأة الدولة المدينة :
يفسر نشأة الدولة المدينة بأنها تقوم نتيجة للعلاقات الطبيعية بين الجنسين بهدف التناسل و بقاء النوع كما يدخل في قيامها أيضا ارتباط طبيعي آخر يهدف إلى بقاء الذات و هو الارتباط بين السيد و العبد ليتحقق التوازن بين القوة العقلية و الجسدية ، و من هذين الارتباطين الطبيعيين تتكون الاسرة التي توفر الثروة البشرية و الثروة الاقتصادية للمدينة باجتماع عدد من الاسر تتكون القرية و اجتماع هذه القرى تؤلف دولة المدينة و هي التي يتحقق بها كفاية حاجات أفرادها و يمكنها الحياة المستقلة عن غيرها و يتضح بناء على هذا التفسير أن الدولة تنشا بالطبيعة شأنها في ذلك شأن سائر المجتمعات الاخرى التي تكون الدولة غايتها لأن طبيعة كل شيئ كما يقول هي غايته و تمسك أرسطو بهذا النموذج للمدينة الدولة " و راى انه النظام الامثل لتحقيق سعادة المجتمع و أفراده ورأى أنه يمكن أن توجد مجتمعات سياسية أكبر من المدن عن طريق اتحاد مجموعة من المدن و لكنه لم يعتبر مثل هذه المجتمعات طبيعية "
هذا أهم مايمكن أن نقول عن نظرة افلاطون للسياسة ، هذه النظرة التي لم تخرج عن اطار ما هو اغريقي من خلال ربط السياسة بالاخلاق .


الفرابي :
يعتبر الفرابي من أبرز الفلاسفة العرب ، و لو أن الدراسات التي سلطت عليه قليلة مقارنة مع من جاء بعده و اخص بالذكر كلا من ابن سينا و ابن رشد اللذان كانا موضوع البحوث و الدراسات في الغرب و الشرق الى يومنا هذا ، عكس الفرابي الذي تم تناوله بشكل محتشم .
لم يخرج الفرابي عن سابقيه في موضوع السياسة حيث ربط هو الاخر السياسي بالاخلاقي الا انه اعتبر السعادة القيمة العليا التي لا يمكن أن تتحقق إلا في نظام سياسي معين يطلق عليه اسم المدينة أو الدولة . و المدينة التي تحقق السعادة هي المدينة الفاضلة . و اذا استطاع الانسان بلوغ السعادة ، كان ذلك هو الكمال الاقصى . و من هنا فان اهتمام الفرابي بأن يبلغ الفرد السعادة التي هي الكمال الاقصى قد دفعه الى البحث عن افضل النظم السياسية التي تمكنه من تحقيق هذا الهدف .
و من الكتب المهمة لتي خصصها الفرابي لدراسة هذا الموضوع – السياسة – نجد كتاب " اراء المدينة الفاضلة " ، هذا الكتاب الذي خصص الفرابي جزأه الاول لدراسة ما هو ميتافيزيقي و جرأه الثاني لدراسة نظم الحكم وفق نظرته للسياسة ما يدفعنا للتساؤل ما الذي جعل الفرابي يخصص أكثر من نصف الكتاب لما هو ميتافيزيقي رغم أن الموضوع الرئيسي للكتاب هو السياسة ؟ " و السبب في رأينا أنه الأساس الميتافيزيقي الذي يقام فوقه البناء السياسي للمدينة الفاضلة ن و هي لا تكون فاضلة حقا و كاملة حقا إلا ذا كان الحاكم فيها شبيه بمدبر الكون ، و كانت مراتب الناس الطبيعية تحاكي مراتب الموجودات في العالم " و هكذا فان تخصيص الفرابي للنصف الاول من الكتاب لما هو ميتافيزيقي لم يكن عبثا ، و انما لاعجابه بالتنظيم المحكم للكون و و ظام الطبقات التراتبي المتمثل في وجود عقل مدبر هو الله في قمة الهرم يسر العالم في اتقان ، و على شاكلته يحاول الفرابي اقامة المدينة الفاضلة .
و تجدر الاشارة ان "تفكير الفرابي و منهجه التفكيري في مؤلفاته السياسية الرائدة في علم السياسة الاسلامي ، و التي اخذ منها اطارا لفلسفته الميتافيزيقية و الطبيعية و النفسية و الاخلاقية ، يشتمل على رؤوس موضوعات في السياسة و نظم الحكم تعيش معنا الان في قيمنا و ثقافتنا و في ىمال العصر و منجزات الواقع شرقا و غربا . " . و منه فان دراسات الفرابي السياسية ليست بالمثالية التي انغمس فيه افلاطون حيث نجد الكثير من التشابه بين المبادئ التي ضمنها الفرابي كتبه السياسية ، و بين المبادئ التي برزت في نظم الحكم أثناء القرن العشرين . " و أن السر في هذا الالتقاء يعود من ناحية الى المصادر الفكرية و الواقعية التي اعتمدها الفرابي في فلسفته السياسية " و منه ما هي طبيعة الدولة التي دعا لها الفرابي ؟ و ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في حاكمهه المدينة/الدولة ؟
السلطة و التنظيم الهرمي في المدينة الفاضلة :
الدولة عند الفرابي هي نظام كلي ، و ما المواطنون الا اجزاء من هذا النظام الكلي ، الذي يستمدون نه وجودهم ، و الذي لا قوام لهم من دونه . ان المواطنين في هذه الدولة لا يعدون وحداتها المستقلة كما نظر اليهم في العصور الحديثة في ظل المذاهب الفردية ، و انما هم تابع يلي تابعا في مراتب البناء الاجتماعي و هرم السلطة ، يدينون جميعا للرئيس الأول بالولاء المطلق و الطاعة التامة ، و يتوحدون في سلسلة التبعية بخدمة غرضه المفروض أعلى ، وفق خطة تنفذ تنفيذا بيروقراطيا محكما ، تقوم على التخصص الوظيفي ، و تفسيم العمل المبني على الاختلاف في القدرات النفسية .
فعندما نتحدث عن المدينة الفاضلة فإننا نتحث عن مجتمع اخلاقي يتألف من مواطنين " أفاضل " بلغوا حد الكمال الذي يستطيع البشر الوصول اليه ، " و لما كان الانسان لا يستطيع أن يعيش ، و لا أن يبلغ أفضل كمالاته إلا باجتماعه مع غيره من الناس في مجتمع . فقد اهتم الفرابي بدراسة المجتمعات البشرية ، و هو يقسمها أيضا تقسيما اخلاقيا حسب درجات كمالها و قدرتها على بلوغ الخير الاقصى " .
و المجتمعات منها ما هو كامل ، و منها ما هو غير كامل ، و الكامل منها ثلاثة : العظمى و هي المعمورة و هي سكان الارض جميعا أو الجماعة الانسانية كلها ، ثم الوسطى و هي أمة معينة أو شعب معين . و الصغرى و هي المدينة أو الدولة . و غير الكاملة و هي القرية التي اعتبرها في خدمة المدينة . ثم اقسام المدينة نفسها و هي المحلة ثم السكة و أخيرا المنزل . و يرى الفرابي أن الكمال و الفضيلة لا يتحققان في الجماعات التي تقل عن المدينة .
وتتكون المدينة من عدة أركان ، الركن الاول و الاساسي هو رئيس المدينة " و هي القمة يتربع فوق نظام تصاعدي ( هيراركي ) تماما كما يتربع الوجود الالهي فوق قمة الموجودات اتي يزخر بها الكون " حيث يجعل الفرابي من الرئيس نبيا يتلقى علمه من السماء ، و منه كانت له القدرة على ارشاد غيره و لا احد له القدرة على ارشاده : انه الحاكم المطلق الذي يعرف الصواب و الخير ، و يرشد الناس الى الطريق القويم لا يناقشه أحد ، و لايجادله أحد ، بل يأمر فيطاع .
و يضع الفرابي شروطا كثيرة لهذا الرئيس و لا يصلح أي انسان أن يكون حاكما و رئيسا للدولة ، بل لابد أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط حصرها الفرابي في اثنتي عشرة خصلة أو شرطا منها " جيد الحفظ ، و الفطنة ، حسن العبارة ، محبا للتعليم و الاستفادة ، غير شره على المأكول و المشروب و المنكوح ، محب للصدق و أهله ، كريم النفس محبا للكرامة ، أعراض لدنيا هينة عنده ..."
و يمكن للرئيس الفاض أن يكون رغم عدم وجود المدينة الفاضلة ، و اتماع هذه الخصال رغم صعوبتها ضروري . عند الفرابي .

أرنست باركر " النظرية السياسية عند اليونان " ترجمة لويس اسكندر ، و مراجعة د. محمد سليم سالم، الجزء الأول مؤسسة سجل العرب بالقاهرة عام 1966 ص 19 .
الدكتورة أمير حلمي مطر " الفليفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس " ، دار المعارف الطبعة الخامسة 1995 ص3
إمام عبد الفتاح إمام ، الأخلاق.و السيااسة " دراسة في فلسفة الحكم " ، المجلس الأعلى للثقافة القاهرة 2001 ، ص 161
إمام عبد الفتاح إمام ، نفس المرجع ص 162 .
أميرة حلمي مطر ، مرجع سابق ص 16
ابن رشد " الضروري في السياسة مختصر كتاب السياسة لأفلاطون " ترجمه أحمد شحلان و قدم له محمد عابد الجابري ، مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الاولى 1998 ، بيروت لبنان . ص170
أميرة حلمي مطر مرجع سابق ص 19 .
ابن رشد مرجع سابق ص 173
ابن رشد مرجع سابق ص 175
أميرة حلمي مطر مرجع سابق ص 27
إمام عبد الفتاح إمام مرجع سابق ص 176 .
أمير حلمي مطر مرجع سابق ص 30 .
إمام عبد الفتاح إمام مرجع سابق ص 205
"أبو ناصر الفرابي في الذكرى الألفية لوفاته " تصدير الدكتور ابراهيم مذكور ، المكتبة العربية الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1983 م ض 229 .
نفس المرجع ص 230 .
امام عبد الفتاح امام مرجع سابق ص 205 .
امام عبد الفتاح امام مرجع سابق ص 206 .
نفس المرجع ص 108



#احمد_فاضل_النوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية التاريخ
- في ماهية التحكم :
- الحرية و الدين عند روسو :


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - احمد فاضل النوري - 1- السياسة في الفكر الفلسفي