أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين سميسم - مبررات الانتقال من الحرام الى الحلال















المزيد.....

مبررات الانتقال من الحرام الى الحلال


حسين سميسم

الحوار المتمدن-العدد: 5422 - 2017 / 2 / 4 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



المقالة الثالثة
لم يبرر معظم الفقهاء ممن انتقل من حرمة الفائدة البنكية الى حليتها عملهم بطريقة عقلائية ولا روائية ، ولم يزينوا انتقالهم هذا بنصوص قرآنية كما جرت العادة ، ولم يستشهدوا بنص ناسخٍ واحد لنصوص التحريم ، ولا على قاعدة اصولية واضحة لاستنباط الحكم الشرعي ، بل اعتمد بعضهم على طريقة قاموسيةٍ مترددةٍ وشاذه ، بطريقة الكلمة ومعناها . اقول قاموسية لانها اعتمدت على تفسير كلمة الربا اعتمادا على قواميس كتبت بعد نزول النص القرآني بقرون ، حيث اعتمد مؤلفوا القواميس على النموذج القرآني المفسر من قبل الفقهاء والمفسرين الذين فسروا النص ، وليس على اساس الاسباب الداعية الى نزول النص وآثاره الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وابعدوا اثر تاريخية المسألة ، واقول مترددة لانهم يضمرون الحرمة الاصلية في دواخلهم ، فظهر بسبب ذلك اختلاف اراءهم وتخريجاتهم وتبريراتهم ، فمنهم من احل صناديق التوفير وحرم ماعداها من معاملات بنكية ( الشيخ شلتوت ) ومنهم من احل الوديعة في البنك وحرم اخذ القرض من نفس البنك ( د . اسماعيل الدفتار ) ومنهم من حرم اخذ القرض وايداع الوديعة ( ابن باز ، الشعراوي ، الغزالي ) ومنهم من سمح باخذ الفائدة على الوديعة دون ان يشترط نسبة الفائدة حتى لو عرف بها مقدما ( بعض من مراجع الازهر والشيعة ).
ومنهم من قال ان النية ( القصد ) هي العامل الحاسم ولاعبرة باللفظ ، فلو ابتعدت النية عن هدف الربح جاز للمودع في البنك اخذ الفائدة لأنه لم يشترط نسبتها ولم يدر في خلده حصوله على الفائدة ، وحصوله عليها مثل الحصول على الهدية غير المحرمة وغير الهادفة للربح وغير المشروطة مسبقا ، وكأنه وضع الوديعة بنية القرض الحسن ثم حصل بالصدفة على هدية من البنك . وقال بعضهم بان ربا البنوك هو استثمار ومرابحة وشراكة ومبايعة وهدية وجعالة ومضاربة وانه لا يدخل في مفهوم الربا المحرم ، وظهرت في تخريجاتهم كلمة الربا المحلل المفارقة للربا المحرم ، وخصصوا الربا المحرم بربا الجاهلية الذي حصرت الحرمة فيه باستغلال حاجة الفقراء ( قرض الفقراء ) ، وهم فئة لا تدخل البنوك ولاتطلب قرضا منها لان قوانين البنوك تمنع اقراض المعدم والمشكوك في قدرته على وفاء الدين ، ومن يذهب الى البنك في الوقت الحاضر لا يجد فيه من المراجعين والمتعاملين معه غير التجار والموظفين واصحاب المال ، والبنك لايقرض احدا الا بضمانة من عمل او راتب ثابت او ملك يرهنه البنك لغاية التسديد .
لقد عمد الفقهاء المحلون الى بيان الجانب الناصع من الوديعة التي تدر مالا ، اما الجانب الاخر الذي يستدين من البنك ويقترض منه لحاجة تجارية او شخصية فلا ذكر لمشاكله ، ولا توجد فتوى تمنع البنك من استغلاله ، فمن المعروف ان الفائدة البنكية في العراق تتراوح بين 6-- 10 للوديعة الثابتة لمدة سنة ، اما المستدين من البنك فأنه يحصل على قرض لنفس المدة بفائدة تتراوح بين 15 - 20 بالمائة ، وغالبا مايطلب البنك ضمانة يرهنها لحسابه ، وقد افلس كثير من المقاولين العراقيين الذين اخرت الحكومة دفع مستحقاتهم بسبب الغاء ميزانية 2014 او لاسباب اخرى وباعوا املاكلهم باسعار بخسة ، وتغاضى عن هذه الحالة الفقهاء المحلون ولم يقترحوا رأيا يخفف من مشاكل هذه الشريحة .
كذلك تغاضى الفقهاء عن الحكم الذي امضاه الاسلام في استرقاق المدين لو لم يسدد ما بذمته من دين ، فالذي يعجز عن الوفاء بدينه يسترق ( انظر الجامع لاحكام القرآن ، القرطبي ص 1155، 1179 ) ، وقد خفف الفقهاء هذا الحكم بسبب الغاء العبودية الى الحبس وخصوا به الاغنياء الذين يتماطلون عن دفع مابذمتهم ، وافتوا بجدولة ديون الفقراء .
ان الفقيه ينظر الى نفسه وتحيط به اسئلة المودعين من اصحاب المال عن حلية الوديعة ، ولم نسمع قيام احد الفقهاء بدراسة ميدانية لعمل البنوك ، ولم يطلعوا على سجلات المقترضين من البنوك لتصحيح فتواه او لوضع الدراسة ازاء الفتوى . وعندماينظر الفقيه الى اصحاب المال الذين يرومون وضعه كوديعة في البنك ويحصلون منه على فائدة تحت اسم الهدية او الجعالة او المبايعة فأن الفقيه ينظر الى الجانب المضئ من القمر ، ينظر الى الجانب المربح من عمل البنك ، وهذه الحالة دفعت معظم علماء الازهر لتبديل ما افتوا به حراما في السابق الى حلال ، ولو انهم كانوا قد استدانوا من البنك بتلك النسب لبينوا حكمة الله واعجازه في حرمة الربا .
كان الربا في الجاهلية ليس كما يصوره لنا المحلون ولا المحرمون من الفقهاء ، فقد كان العباس عم النبي يعطي التجار ممن يعرف جودة تجارتهم وضمان ربحها ليجني فيما بعد اموالا ربوية طائلة ، وكان معظم التجار يتعامل بالربا ، فحيثما وجدت التجارة وجد المال الربوي ، ومتى ما منعت التجارة سيكون المال الربوي اول ضحية تذبح . اما الفقراء الذين سلط عليهم الفقهاء الضوء وبرزوهم للواجهة لاظهار استغلال المرابي لهم لتحريك العواطف الانسانية عليهم لم يشكلوا الا نسبة ضئيلة في التعاطي مع اموال الربا .لقد كان غرض الفقهاء من ذلك هو القول بان الله عنى هؤلاء في تحريمه الربا نظرا للمشاكل التي اصابت هذا الفئة من الناس فقط ، ولا دخل لربا الاستثمار ولا التجارة في ذلك ، فكم سيحصل المرابي لو اعطى الفقير او المعدم ربحا ربويا ؟ .
ان الاموال الهائلة التي جمعها العباس وعبد الله بن جدعان ومجموعة كبيرة من اغنياء قريش هي اموال الربا التي استثمرها التجار في رحلتي الشتاء والصيف ، لذلك جادلوا النبي وقالوا ان البيع مثل الربا . وان ذاك الربا مثل هذا مرابحة وهدية وجعالة ، والفرق ان ذلك كان بدائيا وهذا حديث. كانت الدولة العباسية تعتمد على اموال المرابين اليهود لتجهير حملاتها الحربية ولا اعطاء رواتب الجند ، وكان الوزير علي بن الفرات يستدين من المرابين ليسدد فيما بعد من اموال الخراج ، كما كانت خيرية اودة تؤخذ من المرابين اليهود في بغداد بنصف قيمتها تقريبا .
لقد برر السيد طنطاوي شيخ الازهر الفائدة البنكية بمحاولة الاستفادة القصوى من النص القرآني ، فقد قال في احدى محاضراته الموجود في النت : ليست كل زيادة حرام لان الله قال في محكم كتابه المبين ( واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شئ حسيبا ) ( النساء 86) ويتساءل بعد قراءة هذه الاية : هل زيادة التحية ربا ؟ !! فيجيبه الحاضرون : استغفر الله .لقد بحث رحمة الله عليه في سور القرآن وآياته ولم يجد الا هذه الاية التي عارض بها ست ايات حرمت الربا . لقد ابتعد الفقهاء في مناقشتهم لهذه القضية عن القاعدة الفقهية التي تنص على ( العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب ) فلو ورد نص شرعي بصيغة عامة مثل الربا وجب العمل بعمومه لا بسبب سؤال او حادثة حدثت وقت نزول الاية ، لقد تناسى الفقهاء هذه القاعدة في هذا المورد الشرعي فقط . كما تناسوا قاعدة لا اجتهاد امام النص ، ونصوص تحريم الربا وفيرة والاجماع عليها معقود .
كما توجد اسباب اخرى دفعت الفقهاء الى تغيير حرمة الربا منها تدفق الاموال عليهم في ظل الطفرة النفطية ، وفي ظل النمو الواسع لاموالهم جراء عملهم في تلك البلدان ، وتزايد الاموال الشرعية الممنوحة لهم واشرافهم على كمية كبيرة من التبرعات والهبات فاضطروا الى ايداع اموالهم في البنوك المحلية والاجنبية ، واستحدثت بسبب ذلك حالات لم تكن موجودة وقت التشريع ، وادى ذلك الى ضرورة وضع تشريعات جديدة لم يكن الفقهاء قد فكروا فيها من قبل ، فقد رفض بعض الفقهاء ( وقت تحريمهم لفائدة البنوك ) استلام الفائدة من البنوك الاجنبية فتبرعت بعض تلك البنوك بفوائد الاموال الى مجمع الكنائس ، وقبلها بعض الفقهاء وافتى بعزل الفائدة وصرفها في المشاريع الخيرية ، واجاز البعض الاخر قبولها وعدها مالا حلالا بعد ان فتش في بطون الكتب ووجد بعض الروايات التي تنص على وجوب الاضرار بالكافر الحربي مثل اباحة سرقته واخذ المال منه غيلة ، وقاسوا بها على عدم حرمة اخذ الربا منه لغرض اضعافه وكسر شوكته. ثم طوروا تلك النتيجة وتحولت من اباحة اخذ الربا من الكافر الحربي الى اباحة اخذ الربا من عموم الكافر الحربي وغير الحربي . ولان الاراء تتناسل والخيال لا حدود له طوروا بهذه الاندفاعة الشرعية رأيا جديدا وهو جواز اخذ الربا من الحكومة لانها مجهولة المالك ، وهي رخصة كانت تخص اللقى والكنز المجهول المالك ، ثم عممت المسألة بالتدريج وبدأت اسوار التحريم بالسقوط وانفتح الطريق امام أخذ الفائدة من المسلم دون اشتراط سابق والتبرع بنصفها للفقراء المتدينين .
ان من ينظر في هذه المقالة والمقالة التي سبقتها يلاحظ قيام الفقهاء بتغيير احكامهم ، وهي مسألة ممكنه ومطلوبة في كثير من الاحيان ، لكن المشكلة التي تبرز للعيان هي ان الفقيه يربط حكمه بالشريعة والنصوص وليس بالعقل ، وكأن الحكم صادر من الله ونطق به الفقية ، وهو يعرف ان فتواه اجتهادية وظنية ويمكن ان يبدلها بعد فترة . كما ربط الفقيه بين الفتوى والعقوبة الشرعية ، فلو خرق احدهم الفتوى وجبت عليه العقوبة ، وقد افتى السيد طنطاوي بحق الشخص الذي يأخذ الربا بالتفريق بينه وبين زوجته ولا يرث من المسلمين ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولو طبق السيد الطنطاوي تلك الفتوى على احد ثم غير بعد فترة فتواه كيف سيلغي آثار الفتوى السابقة؟ .
يتبع



#حسين_سميسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الربا بين الحرمة والاباحة
- مشكلة الربا
- ملكة هولندا الجديدة
- النسئ
- الأشهر الحرم
- مشكلة التقويم الهجري
- القران الكريم دراسة تاريخية حديثة
- دين السلطة
- دين العنف
- تضخم الدين
- دين الرحمة
- تنقيط القرآن تنزيل أم اجتهاد
- فضائيات الفقراء
- حرائر تونس يحملن مشاعل التنوير
- من يتذكر ابكار السقاف
- جذور التطرف الديني
- رشيد الخيون والتطرف المسالم
- الشخصية المحمدية بين العقل والنقل


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين سميسم - مبررات الانتقال من الحرام الى الحلال