أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايف سلوم - الثقافة والأيديولوجيا















المزيد.....

الثقافة والأيديولوجيا


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 5421 - 2017 / 2 / 3 - 20:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثقافة والإيديولوجيا
نايف سلوم
تتمظهر الثقافة في أبسط سلوك بشري فهي تارة طقوس دينية cultes حسب العصور الوسطى الأوربية، وتارة هي فلاحة الأرض في ذهن فلاح فرنسي من القرن السابع عشر. وهي صقل السيف لدى العربي في صدر الإسلام (السيف الثقيف او المصقول) " وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.." هذه الاستعارة لفعل القتال والقتل ذات دلالة فهي تشير إلى أن المواجهة بالسيف والقتال ليست عارية عن الفكر والثقافة والاقناع والحجة ، خاصة مع استحضار الفتنة. ولولا ذلك لفقدت الاستعارة معناها.
الثقافة تعني التهذيب والصقل والتربية والتعليم واكتساب المهارات ، ففلاح يستخدم الجرار أكثر ثقافة من آخر يستخدم المحراث التقليدي ، ومستخدم محراث حديدي اكثر ثقافة من آخر يستخدم المحراث الخشبي. وهذا يعني ان الثقافة تشمل الأفكار والتقنيات والعادات والطقوس والشعائر والمسلكيات والعرف. و الأساس عند البشر هو التعلم والتربية ، فطفل يأكل بالملعقة أكثر ثقافة وذكاء من طفل غشيم ومن نفس العمر لايستطيع فعل ذلك. إن كلمة culture تعني حضارة مثلما تعني ثقافة وقد بدأ استخدامها في القرن الثامن عشر.
لكن الثقافة تتحول وتتغير طبيعتها ووظيفتها عندما تنخرط في الشأن السياسي وتطمح لبناء دولة جديدة وفق اعتقاداتها ، أي عندما تميل لبناء حزب سياسي يطمح للسيطرة على سلطة الدولة . بهذا الانخراط تتحول الثقافة إلى أيديولوجية أو عقيدة جماعة منظمة تطمح في الاستيلاء على سلطة الدولة. هكذا تظهر عقائد وايديولوجيات منها الحديثة كالفكرة الليبرالية وأيديولوجيتها والفكرة الشيوعية وأيديولوجيتها . وتبقى الفكرة الدينية تعمل بينهما كثقافة شكلت من قبل أيديولوجيا الاقطاع والدولة الخراجية، أي تعتبر أيديولوجيا عتيقة للعصور الاقطاعية/الخراجية.
هكذا نستطيع القول أن كل أيدبولوجية لها أصول ثقافية ، ولكن ليس كل ثقافة إيديولوجية بالإطلاق. وهذا لاينفي إمكان تحول الثقافة إلى أيديولوجية وعقيدة وذلك حسب الشروط التاريخية والاجتماعية للجماعة البشرية. فعلى سبيل المثال، شكلت فيزياء غاليليو غاليلي وأبحاثه الفلكية كثقافة وإنتاج علمي أيديولوجية جديدة للبورجوازية التي ما تزال تتلمس طريقها في ظلمة التاريخ ، عندما وجدت هذه الثقافة ذاتها منخرطة في صراع حياة أو موت مع الثقافة الدينية للكنيسة الكاثوليكية والتي كانت تلعب (هذه الثقافة الدينية) دور الأيديولوجية العضوية للاقطاع الأوربي. حيث جرى هذا الصدام بخصوص اعتقاد الكنيسة الكاثوليكية وثقافتها بثبات الأرض ودوران الشمس حولها. فجاءت أبحاث الفلكي الإيطالي الشهير غاليلي لتخطئ كل ذلك. ولتدخل في مواجهة مع ثقافة الكتاب المقدس وتعاليمه ولتتحول أبحاث غاليلي في هذا الشرط التاريخي إلى أيديولوجية للطبقة البورجوازية الصاعدة المتقدمة بالمعنى التاريخي من حيث لا يعلم غاليلي.
الزمن الحديث واقصد بالزمن الحديث بدايات ظهور البورجوازية الحديثة كطبقة صاعدة على المسرح الأوربي والعالمي اعتبارا من القرن السادس عشر وقد احتاجت البورجوازية مئتي سنة لتشعر بوجودها كقوة اقتصادية وبطموحها السياسي للهيمنة والسيطرة. كانت هناك مسافة بين وجودها كطبقة ووعي هذا الوجود الذي حصل في القرن الثامن عشر ، وتم التعبير عن هذا الوعي كأزمنة حديثة لاتحتاج فيه البورجوازية إلى أي ضمانات إضافية كي تعي وجودها وكيانها. فالحركة التي بدأت في القرن السادس عشر تم وعيها في القرن الثامن عشر كزمن حديث.
أيديولوجيتان حديثتان واحدة طرحتها البورجوازية عبر مثقفيها العضويين في القرنين السابع عشر والثامن عشر وهي الليبرالية في السياسة والاقتصاد واستمرت حتى يومنا هذا مع تحورات وتغيرات أصابتها. بحيث ظهر ما يسمى بالليبرالية الجديدة في الاقتصاد والسياسة وهي عقيدة للبورجوازية الامبريالية المنحطة والمحتضرة. تعتقد الفكرة الليبرالية ان البورجوازية كطبقة مهيمنة ومسيطرة قادرة على حل مشاكل البشرية والنهوض بالمجتمعات المتنوعة ثقافياً وتخليصها من الفقر والظلم وتحقيق الرفاه والعدل
و الثانية ظهرت ونضجت في منتصف القرن التاسع عشر وهي الفكرة الشيوعية والاشتراكيات المتولدة عنها وهي الفكرة التي تعتقد ان الاشتراكية قادرة على إقامة مجتمع العدل والرفاه عبر هيمنتها وسيطرتها كطبقة حاكمة وأن تنجز ما عجزت عنه البورجوازية زمن انحطاطها واحتضارها اعتباراً من كمونة باريس 1871.
ونلاحظ دائما أن انحطاط احدى الايديولوجيتين أو تفكك دولتيهما تاريخياً يؤدي إلى حضور ثقافات قديمة للتنطح للمهمة الجديدة خاصة الثقافة الدينية ، فما أن تنحط الأيديولوجية الليبرالية أو تدخل الأيديولوجية الاشتراكية في أزمة حتى تطرح الثقافة الدينية نفسها كأيديولوجية بديلة ويظهر ما يسمى بالحزب الديني والدولة "الدينية" . وهذا الظهور علامة على الانحطاط التاريخي للبورجوازية وعلى أفول ايديولوجيتها الليبرالية الكلاسيكية كما تدل على عجز تاريخي للحركة الاشتراكية وعلى أزمة في الأيديولوجية الاشتراكية .
تفترض الثقافة وجود مثقف ، فالسيف المصقول أو الثقيف يفترض وجود حدّاد يثقف السيف ويصقله. والأيديولوجيات والثقافات المتنوعة تفترض وجود مثقفين . وقد لاحظنا أن الأزمنة الحديثة أنتجت أيديولوجيات تاريخية حديثة هي الليبرالية أيديولوجية البورجوازية والشيوعية/الاشتراكية أيديولوجية البروليتاريا أو الطبقة العاملة الحديثة. وقد لعب الفكر الديني هذا الدور في الأزمنة الاقطاعية والعبودية والخراجية . فعندما كانت أوربا تحطم العلاقات الاقطاعية للإنتاج وتبني علاقات رأسمالية كانت الليبرالية هي الأيديولوجية العضوية للطبقة البورجوازية الصاعدة في مواجهة الاعتقاد الكاثوليكي كعقيدة للاقطاع الآفل. هكذا شكل المفكرون الفرنسيون والانكليز المثقفين العضويين للبورجوازية 1650-1850 وهكذا يعتبر غاليلي الفلكي والفيزيائي الإيطالي مطلع القرن السادس عشر مثقفاً عضويا للبورجوازية الصاعدة. بينما يعتبر فوكوياما مثقفاً اعتباطيا بالمعنى التاريخي لبورجوازية منحطة وليبرالية آفلة، بعد أن فقدت دورها التقدمي مع ظهور البروليتاريا كطبقة وارثة بالمعنى التاريخي في القرن التاسع عشر. ولهذا السبب يشكل المفكرون الشيوعيون / الاشتراكيون مثقفين عضويين للبروليتاريا كطبقة تقدمية بديلة. وهي الطبقة التي تدعو فكرتها الاشتراكية بالانتقال من سيادة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج إلى الملكية العامة لهذه الوسائل، بغض النظر عن التجارب والبروفات التاريخية الفعلية ومشاكلها وعيوبها وعقباتها.
العلاقة بين المثقف العضوي وطبقته ليست علاقة جسدية بالضرورة فقد يكون المثقف الاشتراكي من أصول بورجوازية لكنه ارتفع بالوعي إلى مواقع الطبقة البروليتارية ، وقد يعيش مثقف أو فيلسوف في اقاصي الريف ومع ذلك يطرح فكرة تخدم حركة الطبقة المنظمة وطموحاتها نحو الهيمنة ونحو بناء دولة جديدة فيغدو مثقفها العضوي.
تطور مفهوم المثقف تاريخياً بحيث جرى الانتقال من فكرة الفئات المتعلمة والمؤهلة إلى فكرة الكوادر المنظمة وقيادات التنظيمات والأحزاب ، هكذا ارتبط مفهوم المثقف بالعمل التنظيمي للمثقف اكثر من احترافه العمل الكتابي والفكري فكادر من الدرجة الثانية في حزب اشتراكي يعتبر مثقفا فعلياً للطبقة اكثر بالف مرة من طالب جامعي يفوقه "ثقافة" و تأهيلاً تعليماً. وهذا الكادر أكثر عضوية للطبقة من ذالك الطالب .



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة بمناسبة توقيع كتابي الجديد -نقد النساء- قراءة في عابدات ...
- علمانية الدولة الاشتراكية
- الكلمة التي ألقيت في المركز الثقافي العربي بحمص بمناسبة توقي ...
- الدولة الحديثة بين الهوية والأيديولوجيا
- خيارات الكرد السوريين وملامح خطة أميركية
- أسلوبان في مواجهة «داعش»؛ تطور الدور الروسي في سوريا
- الصراعات المذهبية في الشرق الأوسط وحدود المنفعة الإسرائيلية
- البروليتاريا والعلمانية
- التداعيات المحتملة لإطار التفاهم الإيراني الغربي
- فوضى المفاهيم
- من مقدمة كتاب -نقد النساء- قراءة في عابدات باخوس- القسم 2
- من مقدمة كتاب -نقد النساء- قراءة في عابدات باخوس
- رأي في مقالة جورج حداد -يا غالب يا مغلوب-
- نايف سلوم عضو اللجنة القيادية في تجمع اليسار الماركسي في سور ...
- عرض الفصل الرابع من كتاب الماركسية السوفياتية
- الاقتصاد السياسي للاحتجاجات في سوريا
- خارج دائرة السحر. سوريا بحاجة إلى إصلاح اجتماعي/ سياسي عاجل
- عرض نقدي للفصل السابع من كتاب -الماركسية السوفياتية-
- حدود الثورة السياسية ؛ الثورة مستمرة..
- سقوط الفراعنة!


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايف سلوم - الثقافة والأيديولوجيا