أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - في نقيض التطرف














المزيد.....

في نقيض التطرف


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5412 - 2017 / 1 / 25 - 14:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يمكن القول إن التطرّف ابن التعصّب، ووليده الإرهاب، وهي ظواهر متفشّية في العديد من المجتمعات والبلدان، بما فيها المتقدّمة. صحيح أنها قديمة قِدَم البشرية، إلاّ أن خطرها ازداد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، سواء بعمق تأثيره، أو سرعة انتقاله، أو مساحة تحركه، حتى غدا العالم كلّه "مجالاً حيوياً" لفيروساته، بفعل "العولمة" والثورة العلمية - التقنية، والتطوّر الهائل في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات، والاتصال والمواصلات والطفرة الرقمية "الديجيتيل".
وحين يهيّمن التطرّف على الفكر، يتحوّل بحكم ادّعاء الأفضليات، والزعم بامتلاك الحقيقة إلى فعل مادي، لينتقل من التنظير إلى التنفيذ، ومن النظرية إلى التطبيق، فما بالك إذا استخدم الدين، وفرعه الطائفية في أغلب الأحيان ذريعة للإلغاء والإقصاء وفرض الرأي بالقوة والعنف، والإرهاب خارج نطاق القانون والقضاء، لا سيّما من خلال التكفير.
وكان من نتائج استشراء التطرّف انتشار العنف والإرهاب، وهو الأمر الذي ضرب البلدان العربية والإسلامية بالصميم وأخذ يهدّد الدولة الوطنية بالتشظّي والتفتّت، إنْ لم يكن بالانقسام، الذي يتّخذ في بعض الأحيان طابعاً مجتمعياً، خصوصاً حين يجد بيئة صالحة لتفقيس بيضه، وتفريخ مجموعات متنوّعة ومختلفة من القوى الإرهابية، ابتداءً من تنظيم القاعدة وفروعها، وصولاً إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" وأخواته جبهة النصرة أو "جيش الشام" حسب التسمية الجديدة أو غيرها.
جدير بالذكر أن ظاهرة التطرّف استفحلت لدرجة مريعة، بعد موجة ما أطلق عليه "الربيع العربي" التي ابتدأت في مطلع العام 2011، والتي كان من أعراضها "الجانبية" تفشي الفوضى وانفلات الأمن واستشراء الفساد المالي والإداري وإضعاف الدولة الوطنية ومحاولة التغوّل عليها.
التعصّب سبب، أما الإرهاب فهو نتيجة، مرَّت عبر بوابة التطرّف، الأمر الذي يتطلّب معالجة جذرية لأسباب التعصّب والتطرّف وليس معالجة النتائج، فحسب. والتطرّف يمكن أن يكون دينياً أو طائفياً أو قومياً أو لغوياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو سياسياً، كما أن التطرّف الديني يمكن أن يكون إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً أو هندوسياً أو غيره، وقد يكون التطرّف علمانياً، حداثياً، مثلما يكون محافظاً وسلفياً، فلا فرق في ذلك سوى بالمبرّرات التي يتعكّز عليها لإلغاء الآخر، باعتباره مخالفاً للدين أو خارجاً عليه أو منحرفاً عن العقيدة السياسية أو غير ذلك.
أما الإرهاب فإنه يتجاوز التطرّف، أي أنه ينتقل من الفكر إلى الفعل، وكل إرهاب هو عنف جسدي أو نفسي، مادي أو معنوي، ولكن ليس كل عنف هو إرهاب، خصوصاً إذا ما كان دفاعاً عن النفس، ومقاومة العدوان.
وكلّ إرهاب تطرّف، ولا يصبح الشخص إرهابياً إلاّ إذا كان متطرّفاً، ولكن ليس كلّ متطرّف إرهابي، فالفعل الإرهابي تتم معالجته قانونياً وقضائياً وأمنياً، لأن ثمة عملاً إجرامياً تعاقب عليه القوانين. أما التطرّف، ولا سيّما في الفكر، فله معالجات أخرى مختلفة، وهنا يمكن قرع الحجة بالحجة ومحاججة الفكرة بالفكرة، والرأي بالرأي، وإنْ كانت قضايا التطرّف عويصة ومتشعّبة وعميقة، خصوصاً في المجتمعات المتخلّفة، كما أن بعض التطرّف الفكري قد يقود إلى العنف أو يحرّض على الإرهاب، بما فيه عن طريق الإعلام بمختلف أوجهه، فالكلمة قد تكون ملغومة، والصورة قد تكون مفخخة، والمعلومة قد تكون حزاماً ناسفاً، لا سيّما إذا استولت على العقول.
وإذا كان التطرّف يمثّل نموذجاً قائماً على مرّ العصور والأزمان، فإن نقيضه الاعتدال والوسطية والمشترك الإنساني بين الشعوب والأمم والأديان واللغات والسلالات المتنوّعة، لأن الاجتماع الإنساني من طبيعة البشر، حيث التنوّع والتعدّدية والاختلاف، وهذه صفات لصيقة بالإنسان، وكلّها ينبغي الإقرار بها والتعامل معها كحقوق إنسانية توصّلت إليها البشرية بعد عناء، وهي النقيض لفكر التطرّف والتكفير.
لا يمكن سيادة القيم النقيضة لفكر التطرّف ما لم يتم تفكيك منظومة التعصّب وجذورها الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها. وقد أثبتت التجارب أن الفكر المتطرّف والتكفيري لا يتم القضاء عليه بالعمل العسكري أو المسلّح، كما لا يمكن القضاء على التطرّف بالتطرّف، أو مواجهة الطائفية بالطائفية، أو مجابهة الإرهاب بالإرهاب، وإنْ كان "آخر العلاج الكيّ" كما قالت العرب.
إن نقيض التطرّف ليس التطرّف المضادّ، كما أن نقيض التعصّب ليس التعصّب المعاكس، مثلما أن نقيض الإرهاب ليس الإرهاب، وعنفان لا يولّدان سلاماً، وإرهابان لا يبنيان وطناً، وظلمان لا ينتجان عدالة، وطائفيتان لا تنجبان مواطنة، الأمر الذي يحتاج إلى معالجة بفكر وخطاب جديدين، ولا تقع المسؤولية على الدولة وحدها، وإن كانت تتحمّل المسؤولية الأساسية، لكن تشعّب المعركة ضدّ "الثالوث غير المقدس" تقتضي مشاركة جميع القوى الحيّة والفاعلة في المجتمع.
ولعلَّ القضاء على الفقر والأميّة والتخلّف ضمن استراتيجية بعيدة المدى يساعد في خلق بيئة مناسبة لنشر قيم السلام والتسامح واللاّعنف وقبول الآخر والإقرار بالتنوّع والتعدّدية، في إطار المواطنة التي تقوم على أركان متوازية ومتكاملة، تبدأ بالحرّية وتمرّ بالمساواة والعدالة، لا سيّما الاجتماعية في إطار من الشراكة والمشاركة، لأن التطرّف لا ينمو إلاّ إذا وجد بيئة صالحة لنموّه، ومثل هذه البيئة بعضها ناجم عن أسباب داخلية وأخرى خارجية.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن أشكال العبودية الجديدة
- من وحي مؤتمر فكر - 15: -بصرة الإمارات-
- عن حكم القانون
- سؤال وستفاليا العربي: الخرائط الجديدة ما بعد داعش
- في نستولوجيا المثقف اليساري
- حوار الأمم الأربع
- ميانمار: أية تجربة تنتظرها؟
- كلمة د. عبد الحسين شعبان في ندوة حوار مثقفي الأمم الأربعة
- التكفير والتفكير
- (فكر - 15) والتكامل الثقافي
- بوصلة الباحث وشعار الداعية
- علمتني الشام حب الصباح
- ثلاث عقد قانونية لإسرائيل
- خير الدين حسيب: الرياضة النفسية والمثقف الكوني والكتلة التار ...
- في التنوع الثقافي وملحقاته
- حكيم الحكام من قاسم إلى صدام: ثلاث لقطات مثيرة في مذكرات فرح ...
- ترامب وسقف الموجة الشعبوية
- ترامب -الشرق أوسطي-!!
- مأزق العدالة الدولية
- نزع سلاح الآلهة: المسيحية والإسلام من منظور فريضة اللاعنف


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - في نقيض التطرف