أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مجيد البلوشي - موت مُلحد (قصّة أحداثها واقعية، ولكن نهايتها خيالية محتملة)















المزيد.....



موت مُلحد (قصّة أحداثها واقعية، ولكن نهايتها خيالية محتملة)


مجيد البلوشي

الحوار المتمدن-العدد: 5406 - 2017 / 1 / 18 - 14:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مــوت مُلـحـد
(قصّة أحداثها واقعية، ولكن نهايتها خيالية محتملة)

توطئة:
أحداث القصة الحقيقية هذه، ونهايتها الخيالية المحتملة، هي مستوحاة من وفاة أحد أعزّ أصدقائنا الحميمين، وهو محمد صالح عبد الرحيم زينل، الذي وافته المنيّة صباح يوم الأربعاء الموافق 17 أغسطس 2016 م حيث كان جالسًا في بيته وهو يحتسي قهوة الصباح ويقرأ إحدى الجرائد اليومية، وفجأةً سمعتْ زوجته – وهي في إحدى الغُرف المجاورة– صوتًا يدلّ على وقوع شخصٍ أو شيءٍ ثقيل ما. فهرأتْ إلى موقع الصوت، ووجدتْ أن زوجها مستلقيًا على أرضية الغرفة وقد فارق الحياة، فبدأتْ بالبُكاء والصياح .... .

ويُعتبر ذلك أمرًا مؤسفًا عليه، ولكنه يُعتبر في نفس الوقت أمرًا طبيعيًا قد يحدث لأي شخصٍ، ولأيّ كائن حيّ، وفي أية لحظة، فالموت لا بُدّ منه مهما طال الزمن، فهو سُنـّة الطبيعة بكُل ما فيها من القوانين المنتظمة والقوانين العشوائية، وإنما الأمر الشاذ وغير الطبيعي، بل وغير الإنساني اجتماعيًا، في نظرنا، هو أن يردّ أحد أقرباء صديقنا المتوفى المتديّنين الإسلاميين – وهو أحد أصدقائنا الحميمين أيضًا - على سؤالنا عن سبب عدم حضوره لتقديم المواساة لأهل صديقنا المتوفى، بقوله "إن صاحبنا المتوفي لمْ يكُن يصلّي أو يصُوم، ولذلك لا يستحق أن يواسي أحدٌ أهله وأعزاءه على موته، شأنه في ذلك شأن موت أي حيوان من الحيوانات حيث لا توجد تعزية أو مواساة". هكذا كان رأي صديقنا المتديّن المسلم، وكأن الصلاة والصيام – وبالطريقة الإسلامية - هُما اللذان يحددّان إنسانية الإنسان، وبمعنى آخر أن التديّن هو الذي يحدّد إنسانية الإنسان! علمًا بأن الإنسان وُجد كإنسان على كوكبنا الأرضي قبل أي دين من الأديان بملايين من السنين. ومع ذلك قُلنا له "نحن أيضًا لا نصلّي ولا نصوم، بل أننا لا نؤمن بأيّ دين من الأديان، وما أكثرها، كما تعلم، فهل لن تواسوا – أنت وأمثالك - أهلنا بعد موتنا ولَو من باب اللباقة والمجاملة والإتيكيت وتخفيف حِدّة الحُزن لديهم؟" فقال: "بَلَى، فأنتم تستحقون ذلك لأنكم طيبون وتحبون الناس وتخدمونهم، وهذا هو ما ينادي به ديننا الإسلامي الحنيف، بالرغم من أن الأساس هو الصلاة، فهي عِماد الدين"!

وقد حدث مثل هذا الأمر معنا – مع الفارق - عام 1986 م في سجن مدينة عيسى، عندما كُنّا معتقلين، كسياسيين منادين بالديموقراطية والعلمانية وإلغاء "قانون أمن الدولة" السيّء الصيت الذي كان يتمّ تطبيقه آنذاك من قِبل جهاز المخابرات الذي كان يديره الجلّاد البريطاني أيان هندرسون Ian Henderson.

ففي إحدى الليالي، وقبل موعد النوم بقليل، أتى رجال الشرطة بشابٍ هندي مقبوض عليه، وهو بدين الجسم وملطّخ بالدماء بسبب عراكه مع أحد الأشخاص، وألقوه على أرضية السجن، وخرجوا بينما كان الشاب الهندي يتأوّه من شدّة الألم. فقرّر كاتب هذه السطور – وهو نحيف الجسم - انتشاله وغسل أجزاء جسمه الملطخة بالدمّ ووضعه في إحدى الزنازن القريبة المكتظّة بالمساجين المستعدين للنوم آنذاك. فطلب من زميله في الزنزانة، وهو متديّن إسلامي قويّ العضلات وكثّ اللحية، أن يساعده في ذلك، فرحّب هذا الزميل بالفكرة، إلا أنه طلب من كاتب هذه السطور أن يسأل الشاب الهندي المجروح عن إسمه، فقال له كاتب هذه السطور، وهو يعرف جيدًا ما يعنيه زميله المتديّن: "وما دخْل إسمه فيما نحن فيه؟" فقال: "مِن إسمه نستطيع أن نعرف ما إذا كان مُسلمًا أو هندوسيّاً". فقال كاتب هذه السطور:"وماذا يعني ذلك؟" قال: "إذا كان مُسلمًا، فإنني مستعدّ لمساعدتك في انتشاله، أمّا إذا كان غير مسلم، فهو نجس ولا يمكن أن ألمسه"! فما كان من كاتب هذه السطور إلاّ أن استعان بأحد السجناء الآخرين لمساعته في انتشال الهندي المجروح وغسله ثم وضعه في إحدى الزنازن القريبة.

ماذا نعني بذلك؟
ما نعنيه هو أن القول بأن الإسلام هو دين المحبّة والأخوّة والسلام ... هو قولٌ صحيح 100 % ، إلا أنه قولٌ لا ينطبق إلاّ على المسلمين فقط، وهاكُم – كمثالٍ – أحد الأحاديث النبوية التي كُنا نحفظها عن ظهر قلب ونحن صغار في المدرسة، وهو:"المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلُمُه ولا يُسْلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجتِه، ومَن فرّج عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرّجَ الله عنه بها كُربةً مِن كُربِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يوم القيامةِ". فالحديث هذا يبدأ بالقول أن "المسلم أخو المسلم ..." وليس بالقول أن "الإنسان أخو الإنسان ..."، أي أن "الأسلمة" هي كُل شيء، وليست الإنسانية.

أما غير المسلمين (وكذلك المسلمون الذين لا يلتزمون بسُنة الله ورسوله اِلتزامًا حقيقيًا حسب وجهة نظر الجماعات الإسلامية المتطرّفة) فإنّ حدّ السيف – أي قتالهم - هو الذي ينطبق عليهم إلاّ إذا قدّموا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وذلكم كما جاء في الآية القرآنية التي تقول: "قَاتِلُوا الَّذِين لاَيُؤْمِنون بِاللّه وَلاَبِالْيَوْمِ الآخِر وَلاَيُحَرِّمُون مَاحَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُه وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِن الَّذِين أُوتُواْ الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ" (الآية رقم 29 من سورة التوبة). وهي الآية التي تُسمّى "آية السيف" لدى المفسّرين المسلمين، والتي يتبنّاها أصحاب الإسلام السياسي وأصحاب "الدولة الإسلامية" وجماعات "طالبان" و"القاعدة" و"النصرة" و"الداعشيون"، ... والبقية ستأتي، وهي الجماعات التي تمّ إيجادها بإيعازٍ وتمويلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الرأسمالية-الإمبريالية الساعية إلى تقسيم العالَم (مشروع سايكس-بيكو البريطاني-الفرنسي الماضي) وإعادة تقسيمه حاليًا (وفقًا للمشروع الأمريكي- البريطاني – الإسرائيلي- الأوروبي الغربي الحالي)، وذلكم بدءً بدول الشرق الأدنى، وعن طريق ما كان يُسمـّى بـ"الربيع العربي" و"الفوضى الخلاقة"، ومرورًا بدول الشرق الأوسط، وانتهاءً بدول الشرق الأقصى. علمًا بأن مبدأ تقسيم العالم وإعادة تقسيمه اقتصاديًا هُما من السمات الأساسية للإمبريالية، وهي أعلى مراحل الرأسمالية، وذلك بالضبط كما تنبّأ به الفيلسوف والسياسي العبقري الروسي فلاديمير إيليتش لينين في كتابه المأثرة "الإمبريالية أعلى مراحل لرأسمالية " الذي كتبه عام 1916، أي قبل قرنٍ من الزمن بالتحديد.

الجانب الحقيقي من القصة – نبذة قصيرة عن كاتب هذه السطور
وُلد كاتب هذه السطور عام 1945 م في منطقة الحورة بالمنامة، وفي عائلة فقيرة ومتدينة شبه متشدّدة، وتعلّم قراءة القرآن وهو في سنّ الثامنة من عمره، وذلك بِيَد زوجة أبيه "المطوَّعة" التي كانت تدير "مطوَّعًا" (والمطوَّع باللغة العامية البحرينية هو عبارة عن حلقة لتدريس القرآن وتحفيظه للأطفال، ذكورًا وإناثًا، في بيت المطوَّع، أي الرجُل الذي كرّس حياته لطاعة الله، أو بيت المطوَّعة، أي المرأة التي كرّست حياتها لطاعة الله)، وذلك مقابل مبلغ شهري يقدمه ولي أمر الطفل أو الطفلة للمطوّع أو المطوّعة. علمًا بأن والدة كاتب هذه السطور قد توفيت وعمره أربع سنوات، فقامت بتربيته جدّته لأمه.

أمّا والده، واسمه مُلاّ حسن، فلمْ يكُن يهتم به ألبتة، كما أنه لمْ يكُن مكترثًا للدِين إطلاقًا، فلمْ يكُن يصليّ أو يصوم قَطّ، بالرغم من تسميته "مُلاّ" المشتقاة من اللغة الفارسية، والتي تعني "رجُل دين"، اللهم إلاّ بالقيام بصلاة الجمعة وصلاتي العيدين – عيد الفطر وعيد الأضحى - حيث كان يحضر كبار القوم وجمهور الناس، وذلك من باب التظاهر والتمويه بأنه "مُلاّ" ليس إلاّ. أما الصلوات اليومية الإعتيادية، فإنه لمْ تكن لديه أية أهمية بشأنها ألبتّة إذْ لمْ يكُن يؤدّيها إطلاقًا. ليس ذلك فحسب، بل كان يتظاهر بمعالجة المرضى عن طريق الرُقَيّات والتعاويذ والتميمات التي كان يقدمها لهم مقابل مبالغ مالية معيّنة. ومن هنا اكتسب تسمية الـ"مُلاّ". وكثيرًا ما كان يستعين بإبنه، كاتب هذه السطور ليكتب هذه الرقيات والتعاويذ والتميمات بقلمه هو، أي بقلم الإبن، وبحسب ما كان يراه، أي الإبن، مناسبًا من الآيات القرآنية.

فقد كان كاتب هذه السطور متدينًا شديد التديّن في صغره، وذلك في الفترة الواقعة بين بلوغه ثمان سنوات من عمره وبين بلوغه ثمان عشرة سنة، أي لمُدّة عشر سنوات، فكان يصلّي بصورة منتظمة، ويصوم شهر رمضان من كل عام، ويتلو القرآن بين فترة وأخرى، وكان ذلك ليس بإيعازٍ من أبيه "مُلاّ حسن"، بل بإيعازٍ من جدّه لوالدته المتشدّد دينيًا.

وفي نهايات هذه الفترة، أي في سنة 1964-1965، تعرّف كاتب هذه السطور، وهو في مرحلة الثانوية، على مؤلفات الكاتب المصري الكبير سلامة موسى، التي جعلته عَلماني النزعة، ومن ثمّ تعرّف على الكُتب الماركسية، وأوّلها كان كتاب "أصول الفلسفة الماركسية" لجورج بوليتزر وجي بيس وموريس كافين، فاِرتقى إلى تبنّي المذهب الفلسقي الماركسي-اللينيني، أي المادية الجدلية والمادية التاريخية، وابتعد عن الفكر الديني الخيالي نهائيًا، وانتقل إلى الفكر العلمي الواقعي كُلّيـًا. ومن هنا أعلن عن إلحاده أمام أصدقائه وزملائه القريبين، وذلك قبل سفره إلى موسكو عام 1971 م لتكملة دراسته الأكاديمية في "جامعة الصداقة بين الشعوب المسمّاة بإسم باتريس لوممبا" آنذاك.

والغريب - في نظر عامة الناس – أن كاتب هذه السطور لا يخفي إلحاده ألبتّة، بل يتباهى به كما يتباهى بأنه يؤمن بالعلمانية المنادية بفصل الدين عن الدولة وعن المدرسة، شأنه في ذلك شأن تباهيه بأنه ماركسيّ-لينينيّ. وقد تجلّى ذلك في مقالاته العديدة المنشورة في السنوات الأخيرة في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية الغراء.

ليس ذلك فحسب، بل أن الكثيرين من أصدقائه ومعارفه – وأكثرهم متديّنون- يتـقبّلون إلحاده ويحترمونه شخصيًا، بل أن بعضهم منحوه "شهادة دخول الجنة" باِعتباره إنسانًا طيبًا يساعد الفقراء والمساكين وأبناء السبيل ... . والمقصود بـ"شهادة دخول الجنة" هو قولهم له - شفهيًا - بأنه سوف يدخل الجنّة بعد موته بصورة حتمية بالرغم من إلحاده، ومِن هؤلاء الأشخاص، على سبيل المثال لا الحصر، نختار أربعة منهم، وهُم الأشخاص المذكورون أدناه كما يلي:
1 - الشخص الأوّل كان في الاتحاد السوفييتي حيث كان كاتب هذه السطور يدرس في "جامعة الصداقة بين الشعوب"، وهذا الشخص كان هو العم عصمت حُسينوف، الكبير في السنّ، الذي كان يدير حُسينيةً (مأتمًا)، بشكل غير رسميّ، أي بدون تصريح من السلطات السوفييتية، وذلك في قرية "إليج" النائية الواقعة في منطقة "باختارال" بجمهورية كازاخستان السوفييتية، حيث كان بعض طُلاب علوم الزراعة في جامعة "الصداقة"، ومنهم كاتب هذه السطور، يقومون بتطبيق ما درسوه نظريًا في الجامعة في موسكو، ذات الجو البارد، بالتجربة العملية في حقول كازاخستان ذات الجوّ الحار وملوحة التربة نسبيًا كما هو الحال في معظم دُول الخليج العربي، وذلكم في السنوات 1973-1977 من القرن الماضي.

وكان العم عصمت، وهو آذربايجاني الأصل، كثيرًا ما كان يطلب من كاتب هذه السطور أن يشرح له بعض العبارات الواردة في كُتبه الدينية القديمة المكتوبة باللغة الفارسية، التي يجيدها كاتب هذه السطور، إلى اللغة الروسية التي يتكلّم بها العم عصمت. وكان العم عصمت من مُحبّي جوزيف ستالين– شأنه في ذلك شأن الكثيرين من الشعب السوفييتي- إذْ كانت صُور ستالين معلقةً في كُل غرفة من غُرف بيته، بل وفي سيارة كُل من إبنيه، حَسَن علي وحُسَين علي، وفي سيارة صهره السائق إبراهيم الذي كان يأخذ كاتب هذه السطور وزملاءه الطلبة من السكن الطُلاّبي إلى مواقع التجارب العملية في الحقل، وهو الذي عرّف كاتب هذه السطور على حميه العم عصمت.

وكان العم عصمت يقول بين فترة وأخرى - وخاصةً أمام ضيوفه - بأن هناك ثلاثة أشخاص مُلحدين لا بُدّ من أنهم سيدخلون الجنّة، وأوّلهم هو فلاديمير إليتش لينين، باني أوّل دولة اشتراكية خالية من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ وثانيهم هو جوزيف ستالين الذي أنقذ بجيشه البطل ليس الشعب السوفييتي فحسب، بل وشعوب العالم بأكمله، من نير وظُلم النازية الهتلرية الشوفينية القومية الفاشية؛ وثالثهم هو كاتب هذه السطور بطيبته وبنزعته الإنسانية وحُبّه للآخرين بغضّ النظر عن ألوانهم ومعتقداتهم وجنسياتهم. وكانت ردّة فعل كاتب هذه السطور هي قوله للعم عصمت: "لا يمكنك مقارنتي بأشخاص عظماء قدّموا للبشرية ما قدّموا، في حين أنني لستُ إلاّ إنسان بسيط لا حول لي ولا قوّة". وكان ردّ العم عصمت على ذلك هو قوله بـ"أن الناس عند الله سواسية، فليس هناك فرق بين إنسان وآخر مهما كان منصبه، فليس هناك عظماء أو بسطاء في حضرة الله، بل هناك طيّبون، وهم أصحاب الجَنّة، وسيّئون، وهم أصحاب النار".

ليس ذلك فحسب، بل كان العم عصمت يطلب من كاتب هذه السطور أن يتزوّج إبنته الصُغرى زواج المتعة طالما هو موجود خارج بلده لعدّة سنوات. وكان ردّ كاتب هذه السطور هو أنه لا يؤمن بمثل هذا الزواج أصلاً، كما أنه لا يؤمن بتعدّد الزوجات إطلاقًا، فقد كان خاطبًا آنذاك لإبنة خالته الموجودة في البحرين، وهي زوجته وأم عياله حاليًا.

2- أما الشخص الثاني الذي منح كاتب هذه السطور شهادة دخول الجنّة شفهيًا، فهو الحاج علي المهندس الذي كان معتقلاً معه في سجن القلعة بالمنامة، عاصمة البحرين، وذلك لإنتمائه إلى ما كان يسمّى "جماعة 83" [إذ كان عددهم 83 معتقلاً] المنتمين إلى "جبهة التحرير الإسلامية". وكان ذلك بعد رجوع كاتب هذه السطور من الاتحاد السوفييتي بعد تخرّجه من الجامعة بدرجة الدكتوراه في العلوم الزراعية عام 1981. فقد تمّ اعتقاله وِفقًا لــ"قانون أمن الدولة" السيّئ الصيت المذكور آنفًا، وذلك رأسًا من المطار إلى سجن القلعة. وكان الحاج علي المهندس يقوم بالأذان بصوته العالي عند كُل صلاة. وكثيرًا ما كان رجال الشرطة يقومون بالصراخ عليه ونهره بصوتٍ عالٍ وإسكاته كي لا يزعج المساجين الآخرين، وخاصةً عند صلاة الفجر. فيقول لهم كاتب هذه السطور: " لماذا الصراخ على هذا الرجل الكبير في السنّ وهو بمثابة أبيكم، ثمّ أنّـكم مسلمون، ولا بُدّ من أنكم تحترومن الطقوس الإسلامية، ومنها الأذان، أليس كذلك؟"

وكان الحاج علي المهندس يقول لكاتب هذه السطور مرارًا وتكرارًا "أنا متيقّن بأنك ستدخل الجنة بالرغم من عدم إيمانك بأي دين من الأديان، ولكنّك تحترم كُل الأديان، وذلك لأنك إنسان طيب وخلوق، وتحبّ كل الناس، وهذا هو ما يدعو إليه الإسلام".

3- وأما الشخص الثالث الذي منح كاتب هذه السطور شهادة دخول الجنة، فهو المرحوم المُلاّ عبد العزيز البلوشي الذي كان يقول له: "صحيحٌ أنك مُلحد لا تجوز الصلاة على جنازتك عند موتك، إلاّ أنني مستعدّ – باعتباري رَجُل دين - أن أصلّي على جنازتك لأنك مسلم حقيقي في نظري بما توصف به من أخلاق حميدة، وطيبة، وحُب الآخرين، فرسولنا الكريم، صلّ الله عليه وسلّم، يقول "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه."
كما كان يقول دائمًا "أن عبادة الله لا تعني فقط إقامة الصلاة، وصيام شهر رمضان، وإعطاء الزكاة، وتأدية فريضة الحج، بل أن هناك ما يسمّى بـ"العبادات التعاملية" التي تتضمّن: مساعدة الفقراء والمساكين، والتواضع، واحترام وجهة نظر الآخرين، وقول الحق، ومحاربة الظُلم ... وهي كُلها صفات حميدة تتميّز بها أنت، وتمارسها فعلاً، ولذا سأصلّي على جنازتك عند موتك، وستدخل الجنّة بإذن الله."

ولِسُوء الصدفة أن المُلاّ عبد العزيز البلوشي توفّي قبل وفاة كاتب هذه السطور، أي في سنة 2013 م.

4- وأما الشخص الرابع الذي منح كاتب هذه السطور شهادة دخول الجنة بالرغم من إلحاده، فهو أحد طُلابه الذين كان يدرّسهم اللغة الإنجليزية في "جامعة دِلمون للعلوم والتكنولوجيا"، وإسمه وليد عبد الرحمن الذي كان يؤمّ بعض الطلاب المصلّين في مُصلّى الجامعة. وقد بالغ هذا الطالب في "شهادته" إذ قال لكاتب هذه السطور:" لا بدّ من أنك ستدخل الجنة بالرغم من إلحادك، وإن لمْ يُدخلك الله الجنةَ فهو ليس بإلـه عادل يستحقّ العبادة"!

تلك هي بعض الشهادات الشفهية لدخول الجنة والتي نالها كاتب هذه السطور.

ولكن كُل ذلك لا يعني ألبتة أنه لمْ يكُن هناك في مملكة البحرين، المنادية بحُرّية الاعتقاد والتسامح الديني، أشخاص متدينون إسلاميون يكنّون الحقد والكراهية لكاتب هذه السطور لإلحاده، وخاصةً لكتاباته الانتقادية الصريحة للدين والمنشورة في جريدة "أخبار الخليج" الغرّاء، بل كانت هناك، وما زالت، جهات ومنظمات دينية تفعل ذلك، ومنها إحدى الجمعيات الإسلامية البحرينية المعروفة التي أرسلت قيادتها إلى كاتب هذه السطور، عام 2009 م، وفدًا يتكوّن من عدد من كبار عائلة البلوشي في مملكة البحرين، وهم الحاج أحمد مُراد، والحاج رُستم البلوشي، والمُلا عبد العزيز البلوشي (قبل وفاته عام 2013)، ليبلّغوه بأن هذه الجمعية الإسلامية قد قرّرت تطبيق حدّ الردّة تجاهه، فستقوم بقتله أينما وُجد، وإحراق بيته بِمَن فيه، وذلك إلاّ إذا أعلن عن توبته علانية في الجرائد الرسمية، ومنها جريدة "أخبار الخليج" البحرينية التي ينشر فيها مقالاته.

نَعَم، ذلك حدث هنا في مملكة البحرين الدستورية الديمقراطية، وهي دولة القانون، التي تتفاخر بحُرية الاعتقاد والتسامح الديني، بل وفصل الدين عن الدولة الذي ينادي به عددٌ من الوزراء وكُتاب الأعمدة الصحفية، ولو باستحياء. وهذا هو جوهر العَلمانية التي ينادي بها كاتب هذه السطور، علمًا بأن العلمانية تنادي بتهميش الدين، أي بإبعاده عن الدولة وعن المدرسة، أي بإبعاده عن السياسة، وليس بإلغائه ألبتة.

ولكن السؤال الأساسي الموجّه هنا إلى الجمعية الإسلامية المذكورة هو: ما هو ذنب ساكني بيت الدكتور مجيد البلوشي المُلحد، وهم زوجته وإبنتاه وإبنه، وهم من أكثر الناس صلاةً وصيامًا، حتّى يتمّ إحراقهم وهم في البيت؟ أليس هذا عملاً إرهابيًا داعشيًا من الدرجة الأولى يستحق التنديد والشجب والاستنكار، بل وإغلاق هذه الجمعية الإرهابية أساسًا شأنه في ذلك شأن إحدى الجمعيات الإسلامية السياسية التي تم إغلاقها في الفترة الأخيرة المتأخّرة جِدًا، أي، كما يقول المثل الشعبي، بعدَ خراب البصرة؟

ولولا ردّ الدكتور الشيخ عبد اللطيف محمود آل محمود في مقاله المعنون "مناقشة وتفنيد ما ورد في مقالَي د. مجيد البلوشي: الحقائق العلمية والشرعية في قضية الإعجاز العلمي في القرآن" المنشور في جريدة "أخبار الخليج" البحرينية بتاريخ 10 مارس 2010 م، لكان كاتب هذه السطور قد تم قتله وحرق بيته بمَن فيه بِيد أعضاء تلك الجمعية الإسلامية الإرهابية التي أعلنت أيضًا، فيما بعد، عن تطبيق ما يُسمّى "حدّ الردّة" بحق أخينا الأصغر الأستاذ وحيد البلوشي الذي قال بما معناه أن النبي محمد لمْ يكُن ديمقراطيًا إذ أنه أمر بقتل الشاعر كُثيّر بن أبي سلمى الذي هجاه في إحدى قصائده . فما كان من هذه الجمعية الإسلامية الإرهابية إلاّ أن تتقاضاه وتطلب تنفيذ ما يُسمّى بـ"حدّ الردّة" ضدّه.

وليسمح لنا القُراء الأعزّاء أن ننقل هنا حرفيًا ما جاء في جريدة "أخبار الخليج" الصادرة بتاريخ 14 أبريل 2014 بهذا الشأن ولو بصورة مختصرة جدًّا وبدون ذكر إسم الجمعية (خوفًا من الاِغتيال):
"[الجمعية] تقاضي وحيد البلوشي لتطاوله على الرسول ... وأكّدت [الجمعية] أنها ستطلب في الدعوى القضائية بتطبيق حدّ الشريعة الإسلامية على هذا المدعو من دون تردد ولا تأخير". (لاحظوا عبارة "من دون تردد أو تأخير").

والمقصود بعبارة "حدّ الشريعة الإسلامية" هو حدّ الردّة المزعوم، وهو قطع رأس المرتد. إلا أن الجمعية لمْ تنجح في مسعاها الإرهابي إذ أن المحكمة وقفت بجانب أخينا وحيد البلوشي باعتبار أن ما قاله عن النبي هو مذكور فعلاً في كُتب التاريخ الإسلامي.

فهل سمعتم عن إرهابٍ أكثر من هذا الإرهاب؟ ألا تستحقّ هذه الجمعية الإسلامية إدراجها في قائمة المنظمات الإرهابية التي أعلنت عنها حكومة مملكة البحرين مؤخّرًا؟ (الجريدة الرسمية، العدد 3257، الخميس 14 أبريل 2016 م ). ولا نريد هنا أن نتطرّق إلى ما قاله أحد ممثلي "القاعدة" الإرهابية في إحدى القنوات التلفزيونية بِشأن مصادر تمويلها، حيث ذكر أسماء أشخاصٍ عديدين يقومون بتمويل "القاعدة"، ومنهم شخصان في "البرلمان" البحريني، وهما من قياديي هذه الجمعية .

علمًا بأن كاتب هذه السطور قد دعم "رئيس" هذه الجمعية السابق، في جميع الدورات الانتخابية السابقة لمجلس النواب، إذ لمْ يكُن يعرف آنذاك أنها جمعية إرهابية النزعة فعلاً.

الجانب الخيالي المحتمل من القصة
[وهذا الجانب سأكتبه بإسم إبني هاشم، وذلك على اعتبار أنني ميّت]:

يقول هاشم: لقد بنينا على سطح بيتنا قاعة كبيرة مصنوعة من صفائح من الحديد كمخزن نضع فيه جميع الأشياء القديمة والمستخدمة من أسرّة، وسجادات، وألعاب أطفال، وكُتب وكُرّاسات مدرسية، وأدوات منزلية مختلفة. وقد اتّخذ الوالد، رحمه الله، جُزءً من هذا المخزن كمكتب له حيث وضع أربع عشرة خزانة ذات أرفُف عديدة لكُتبه، وهي الكُتب المختلفة بجميع اللغات التي كان يجيدها، كاللغة العربية، واللغة الإنجليزية، واللغة الفارسية، واللغة الروسية، واللغة الهندية-الاُردوية، واللغة الإسبانية، واللغة البلوشية. فقد كان، رحمه الله، يجيد هذه اللغات إجادة تامة، بل كان يدرّس بعضها للأفراد والمؤسسات الخاصة، وذلك بالإضافة إلى الكُتب العلمية والفلسفية والأدبية المختلفة، وما أكثرها.

وكانت حرارة هذا المخزن شديدة صيفًا لدرجة أننا لم نستطع استبدال البساط البلاستيكي المفروش هناك والملتصق بأرضية المخزن اِلتصاقًا شديدًا بسبب الحر الشديد، بالبساط الصوفي الإيراني الاعتيادي، إلاّ بقوّة شديدة، بل ما زالت هناك بقايا بلاستيكية ملتصقة بأرضية المخزن اِلتصاقا شديدّا.

والمأساة بدأت – ويالها من مأساة – عندما بدأتْ رائحة كريهة عفنة جدّا تنتشر في الحي الذي نسكن فيه ونحن في شهر يوليو الشديد الحرارة، وكان أفراد عائلتنا وجيراننا هم من أكثر الناس إحساسًا بهذه الرائحة العفنة الكريهة، ذلك لأن مصدر هذه الرائحة كان هو بيتنا، حيث كانت والدتي تتقيّأ بصورة مُخيفة من شدّة هذه الرائحة.

فبدأتُ أبحث عن مصدر هذه الرائحة في كُل زاوية من زوايا البيت، وأنا أغطّي أنفي وفمي بمنشفة، إلى أن وجدتُ مصدر هذه الرائحة، وهو المخزن الذي كان الوالد يسكن فيه. فدخلتُ المخزن – وليتني لمْ أدخل – فوجدتُ كائنًا ضخمًا وهو جالس على الكرسي الذي اعتاد الوالد أن يجلس عليه وأمامه "الكومبيوتر"، وهو منتفخ الجثة، وخاصةً البطن، وشبه الإله الهندوسي غنبتي (غنيش) الذي يشبه الفيل بخرطومه الطويل، وهو يحتضن "الكمبيوتر" مع طاولته الحديدية! ليس ذلك فحسب، بل كانت هناك ديدان كبيرة تشبه الثعابين الصغيرة تخرج من فتحات عينيه وأنفه وأُذنيه ومن فمه المفتوح ذي "البرطمين" المنتفخَين انتفاخًا شديدًا، ناهيكم عن الذباب والنمل المنتشرين في جميع أجزاء الجثة.

قُلتُ في نفسي وأنا أتساءل: "يا إلاهي، أيمكن أن يكون هذا الكائن الضخم هو والدي النحيف؟" وكنتُ أعرف جيدًا أنه هو فعلاً إذ لا يمكن لأحد غيره أن يجلس في مكانه!

ونزلتُ من على السطح إلى صالة البيت والدموع تنهار من عينَيّ، وقُلت لوالدتي وأُختَي الإثنتين وزوجيهما، وأطفالهما، المجتمعين في صالة البيت، أن الرائحة الكريهة المنبعثة هي من تعفّن جسم الوالد الميّت، رحمه الله. "ماذا؟" قال جميعهم بصوت واحد، وهرولوا إلى سطح المنزل حيث توجد جثة الوالد المنتفخة الضخمة، وما أن وقعتْ أنظار الوالدة والأُختين على الجثة حتّى وقَعْن على الأرضية وأُغمي عليهُنّ. وبدأ الأطفال – وهم أحفاد الوالد الخمسة – بالبكاء والصياح وبصوت عالٍ، ممّا جعل الجيران والجارات يتوافدون إلى بيتنا وهم مغطّين أُنوفهم بالمناشف، حيث وقف الرجال في البراح المقابل لبيتنا، بينما دخلت النساء في البيت وهُنّ يبكين شديد البكاء، بل ويتقيّـأ بعضهُن في آن واحد بسبب الرائحة العفنة الكريهة.

ثم اتصلتُ هاتفيًا برجال سيارة الإسعاف طالبًا منهم أن يأتوا بسيارتهم وينتشلوا جثّة الوالد العفنة من المخزن وينقلوه إلى المقبرة. وبعد حوالي عشرين دقيقة وصلت سيارة الإسعاف، ونزل منها ثمانية رجال متلثـّمين بكمّامات طبيّة، فقد وصلت الرائحة العفنة إلى أُنوفهم قبل وصولهم إلى بيتنا. فصعدوا إلى السطح، وأنا معهم، حيث يوجد المخزن وفيه جثّة الوالد، وحاولوا انتشالها، إلا أنهم لمْ يستطيعوا أن يفعلوا ذلك، فقد كانت الجثة ملتصقة بالكُرسي والطاولة والحاسوب (الكمبيوتر) اِلتصاقًا شديدًا لدرجة أنه كُلما لمسها أحد منهم بيده المغطاة بالقفازة الطبيّة تفتّت الجزء الملموس من الجثة وسال الدم منه. فما كان من أحد رجال الإسعاف هؤلاء، وهو ضابط برُتبة نقيب، وإسمه آدم – والظاهر أنه كان رئيسهم – إلاّ أن يتصل هاتفيًا بشُرطة الدفاع المدني طالبًا منهم أن يحضروا بأسرع ما يمكن رافعة crane كبيرة لانتشال الجثة من على سطح المنزل، وذلك بإعطائه لهم عنوان المنزل، مع طلبه منهم أن يستخدم السائق الذي يسوق الرافعة كمّامًا طبيًا.

وفعلاً وصلت الرافعة الكبيرة – وهي من النوع الذي يُستخدم في تركيب وتثبيت الأسقف الإسمنتية الجاهزة على أسطح البيوت المبنية حديثًا. وكان سائق الرافعة ملثّمًا بكمّامة طبية.

ولكن المشكلة كانت هي: كيف يمكن إدخال ذراع الرافعة الطويلة في باب المخزن وهي مصنوعة من الحديد الصلب ولا يمكن ليّها حسب الطلب. وهنا طلب النقيب آدم أن تتمّ إزالة سقف المخزن بواسطة كمّاشة الرافعة، ومن ثمّ انتشال الجثة. فتمّت إزالة السقف فعلاً، ولكن هل بالإمكان إزالة الجثة بكمّاشة الرافعة وهي – الجثة – عُرضة للتفتّت بأيّة لمسة مهما كانت؟ هنا أمر النقيب آدم أحد رجاله بإحضار حبال متينة من سيارة الدفاع المدني وربط الزوايا الأربع من السجّادة الإيرانية بهذه الحبال، ثمّ ربطها متجمّعةً بكمّاشة الرافعة، وانتشالها من المخزن بالرافعة، بما عليها من جثة الوالد العفنة والكمبيوتر والكرسي والطاولة الملتصة بالجثة، وأخذها إلى مقبرة المحرّق. وهذا ما تمّ تطبيقه فعلاً. فها هي الرافعة تحمل السجادة-البُقجة، بمَن وما فيها، المعلّقة في الهواء بكمّاشتها وتسير في شوارع البُسيتين نحو المقبرة، وجمعٌ غفير، من رجالٍ ونساءٍ واطفالٍ، يسير وراءها. ويا له من منظر حزين ومبكٍ! وممّا زاد الحزن والبكاء، بالنسة لي، هو سير مجموعة كبيرة من الرجال الملتحين وراء الرافعة مباشرة وهم يردّدون، كجوقة غنائية، ما يقوله أحدهم – وهو قائدهم - بصوتٍ عالٍ:
القائد: " دكتور مجيد، يا شرّير!"
المجموعة: " دكتور مجيد، يا شرّير!"
القائد: "نار جهنّم هي المصير!"
المجموعة: " نار جهنّم هي المصير!"
القائد: " دكتور مجيد، يا شرّير!"
المجموعة: " دكتور مجيد، يا شرّير!"
القائد: "نار جهنّم هي المصير!"
المجموعة: " نار جهنّم هي المصير!"

واستمرّوا هكذا إلى أن وصلوا إلى المقبرة.

علمًا بأن النقيب آدم قد أمر مسبقًا رجال الدفاع المدني بأن يحفروا في المقبرة حُفرةً كبيرة تساوي مساحتها ستّة عشر (4x4) مترًا وعُمقها أربعة أمتار، وذلك لدفن السجادة-البقشة في هذه الحُفرة. وهذا ما حدث فعلاً حيث تمّ إنزال السجادة-البقشة في الحُفرة، ومن ثم دفنها بنفس التراب الذي تمّت إزاحته من الحفرة.

وبدأتْ الدموع تنهار من عينيّ، وأنا أرى هذا المنظر، بل بدأتُ أبكي وأصيح بصوتٍ عالٍ، ليس لفقداني والدي الطيّب الحنون فقط، بل للمصير المأسوي الذي آل إليه.

وهنا اقترب إليّ رئيس "جوقة" الملتحين، وربت على كتفي قائلاً: "لا تبكِ يا إبني، فوالدك، لعنه الله وبئس المصير، كان مُلحدًا، وهذا هو مصير المُلحدين".
قلتُ له وأنا أمسح دموعي بأصابعي: "هناك مُلحدون كثيرون في البحرين، بل وفي العالم، ومات كثيرون منهم بدون تعفّن جثـثهم، وانتفاخها، وخروج الديدان من فتحات أُنوفهم وآذانهم وعيونهم وأفواههم ... فلماذا حدث ذلك لوالدي المرحوم؟"
قال: "لا تقُل "والدي المرحوم" بل قُل "والدي الملعون"، هذا أولاً، وثانيًا كان والدك الملعون يعلن صراحةً بأنه مُلحد، فكان، لعنه الله، يتحدّانا، أي يتحدّى الله سبحانه وتعالى، ولذلك أراد الله أن يُريه نتيجة إلحاده في هذه الدنيا علنًـا، أمّا الآخرة، فالجحيم هو المصير بالتأكيد".
قُلت له وأنا ابتسم: هل تعني أن الوالد، رحمه الله، لو لمْ يعلن عن إلحاده، لَما عاقبه الله بهذه الطريقة؟"
قال: "بالطبع لا، ثم أنه لو تاب عن إلحاده قبل نفوقه، لأدخله الله الجنّة فورًا".
قلتُ له: "إنك تتكلّم هكذا وكأنك الله نفسه على هذه الأرض، أليس كذلك؟"
قال:"استغفر الله العليّ العظيم، استغفر الله، يا إبن الملعون، إنني أشمّ من كلامك رائحة والدك الملعون. حقًا قيل أن هذا الشبل من ذاك الأسد".
قلتُ وأنا استهزأ به: "تقصد "هذا الجَرْو الملعون من ذاك الكلب الملعون".
قال: "وهو كذلك بالضبط!".


10 يناير 2017 م




#مجيد_البلوشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المُخ الإنساني هو مركز العقل، وليس القلب
- أدمغة وليست قلوب يعقلون بها
- حوار حول انتخابات البرلمانية في مملكة البحرين
- -داعش- هو أعلى مراحل الإسلام السياسي!
- قوّة الله وجبروته في غرق -تايتانك- وإعصار -ساندي-
- ماهية كل من المادة والوعي والطاقة والروح (1/8)
- تعقيب على مقالة -الوعي العلمي- للأستاذة فوزية رشيد
- هل هي فعلاً -ثورة الثورات-؟
- تعقيب على مقالة -بعثُ الماركسية: علاج الجور الاجتماعي-
- تعقيب على رسالة الدعوة بالجمعية الإسلامية (البحرينية) بعنوان ...
- التعايش السلمي الديني هو الحل
- ليس العقل هوالمخ بل هو وظيفته المميزة
- 214 آية قرآنية تدعو للجهاد والقتال
- ماذا بدأ علماء الأحياء يفعلون؟
- الاحتفال بمرور مائة وخمسة وخمسين عاماً على نظرية التطور
- الروح والعلم – علم النفس
- ملاحظات سريعة حول - العقل ما له . . وما عليه -
- العقل الإنساني وعظمته
- ما هذا الخلط الديماغوجي؟ تعقيب على مقال -ثورة في الفيزياء ال ...
- هل يوجد فعلاً إعجاز علمي في القرآن؟ (2/2)


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مجيد البلوشي - موت مُلحد (قصّة أحداثها واقعية، ولكن نهايتها خيالية محتملة)