أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين المصري - القناعات الدينية والسياسية والطرق المسدودة















المزيد.....



القناعات الدينية والسياسية والطرق المسدودة


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 5405 - 2017 / 1 / 17 - 00:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بداية أود الإشارة إلى أن هذا العرض البحثي المتواضع أوحت به كثرة التعليقات الغبية والسخيفة (والقذرة أحيانا) على مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت. فتبادر إلى ذهني السؤال المحوري التالي: لماذا يصدق الكثيرون من المتعلمين والأذكياء في هذه المنطقة من العالم الأشياء الغبية ويتَّسِمون أنفسهم بالغباء والسخافة؟؟

الصحفي الأمريكي مايكل شيرمر، رئيس تحرير مجلة سكيبتك (skeptic الشكاك) التي تصدرها جمعية مكونة من 55 الف عضو وتهتم بعرض مبسط للعلوم وتنقيتها مما يحيط بها من ضلالات وأوهام، يقول في كتاب له بعنوان “لماذا يمكن أن يصدق الأذكياء أشياء غبية” عن السبب الذي يجعل الأشخاص الأذكياء يصدقون أشياء غريبة أو غبية:
“إن البشر يثقون بأشياء غبية لأنهم ببساطة بارعون في الدفاع عن معتقداتهم التي شكلوها عبر عمليات غير ذكية”.

هذه هي أهم المشاكل التي تعاني منها المجتمعات المتأسلمة الخاضعة لثقافة بدوية متصحرة، وهي التي تحول بينها وبين طرْق أبواب النهضة الحقيقية. إن وجود كثرة فائقة من رجال الدين ورجال السياسة الجهلة الذين يبثون سموم الغباء منذ أجيال عديدة في عقول ونفوس مواطني تلك المجتمعات تجعل الأذكياء يبرعون ويتفنَّنوا طوال الوقت في الدفاع عن قناعاتهم ومعتقداتهم الكاذبة. وكلما زاد الغباء وتفشى في المجتمع، كلما زادت أساليب الدفاع حدةً وقسوة. لم يعد للتجربة أي أثر ، والعقل بالمثل فقد سطوته ، فتحللت النفوس وانهارت الإرادات ، وأضحى التاريخ عبثا ، والأيام هباءً ، والسيادة لهذيان الغوغاء وحدهم.

إن الثقافة السائدة منذ زمن بعيد في هذه المجتمعات لا تعتمد على مفهوم نظرية العزو السببي (Causal Attribution) في السعي نحو التحديد الأرجح للأسباب وراء حدوث التغير المكتشف في النتائج وبأعلى مستوى من الثقة، بل على ترجيح نتائج الإحداث التي تمر بنا من نجاح أو فشل إلى أسباب تعود إلى أوهام الحظ أو الصدفة أو القدر ...، ولا تفسر ما حدث على أساس قائم على الجهد والكفاءة والإمكانية الشخصية ومنطق الأخذ بالأسباب والعمل بها، بل على غضب من الله أو مشيئة أو البعد عن صحيح دينه.
(عن مفهوم العزو السببي، هناك أبحاث عديدة منشورة في مواقع الإنترنت ويمكن البحث عنها لدي الأستاذ جوجل، وأيضًا يمكن الاطلاع على كتاب ثائر غباري (وآخرين):علم النفس العام، ط1، عمان، الأردن، مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع ، .(2008

إن سيادة هـذيان الغوغاء في هذه المنطقة البائسة من العالم يزيد من هيمنة الكذب ويرسخ الرغبة لدي الكثير من الناس في الإيمان بالأوهام التي تصل إلى حد تغيير الحقائق أو تجاهلها؛ حتى يتمكنوا من الاستمرار في الاعتقاد بأوهامهم. وفِي هذا جاءت قصيدة استهزائية جميلة وسهلة للشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، يقول في بدايتها:
الكذب أسـعدني و الصـدق أشـقاني - و الكـذب أضحكني و الصدق أبكاني

إنَّ سايكولوجية الاحتفاظ بالمعتقدات الوهمية و انكار الحقائق الواضحة التي تشير الى الحاجة للتغيير، أمورٌ متأصلة في كثير من هذه المجتمعات وتشكل سدًّا منيعا أمام تغيير الآراء وهدم القناعات الباطلة، لأنه كما يقول علماء الاجتماع حين يأتي الوقت لانكشاف الحقائق ، يكون الناس قد ارتبطوا عاطفيا بمعتقدات زرعتها فيهم الدعاية الكاذبة ، فيكون التخلي عنها والتحرر منها تجربة مؤلمة. بل انه من دواعي الارتياح تكذيب كاشفي الحقائق بدلا من تكذيب الكذابين الذين افتضح أمرهم.

تقول القاعدة المعرفية المؤكدة: أن التجربة هي المصدر الأول لجميع المعارف الإنسانية وليس العقل.
ومع أن هذه القاعدة يمكن أن تكون صحيحة إلى حد كبير، إلَّا أن لكلٍّ من التجربة و العقل نسقُه المنطقي كمصدر للمعرفة، و لكن إذا كان هناك أمرٌ لا يقبله العقل (خرافة) وأثبتت التجربة (حقيقة) صحته ، أو العكس ، فأيّهما نتبنَّى، وأيهما نرفض: الخرافة أم الحقيقة؟؟، وهل يجوز الأخذُ بهما معا، على الرغم من تنافرهما؟ مما يفضي بِنَا إلى تضارب في المعايير وسوء في التقدير وازواجية في السلوك والتعامل بوجهين فيما بيننا!!

إننا نعتمد تماما على حواسنا عندما نتعرَّف على لون شيء ما، أو نعرف ما إذا كان الجو باردا أم دافئا، و لذلك اعتقد بعض المفكرين أن معارفنا تعود إلى التجربة الحسية . و لكننا - وفي نفس الوقت - نملك معارف مثل الخير والتسامح والعدل والتعاطف ...الخ لا يوجد لها مقابل في الإدراك الحسي. وهذا بدوره يثير شكا حول مقولة إن مصدر جميع معارفنا هو "التجربة"، فهل تعود فعلا جميع معارفنا إلى معطيات الحس فقط ؟

و من ناحية أخرى نجد أن العقل وحده لا يستطيع على نحو فطري أو غريزي أن ينشئ المعاني والتصورات الكلية عن أمر ما من لا شيء، ولا يمكنه أن يعطي بذاته صفة الصدق للمعرفة التي ينتجها. فإذا كان العقل يفهم أن الكذب أو الكراهية أو العداوة ... إلخ، أمور ضارة، فالتجربة هي التي أوعزت له بذلك. لأن العلم في مجمله وبكل صوره يرجع إلى التجربة ويعتمد عليها، لأن العقل قبل التجربة يكون خاليًا كالصفحة البيضاء، ويبدأ في اكتشاف العالم الخارجي وتقييمه وإعطائه المعاني والصفات والتصورات الكلية عن طريق الحواس. وذلك، لأن الإنسان الذي فَقَد حاسة من حواسه، فَقَد بالمثل المعاني والصفات والتصورات المتعلقة بها. فالأعمى بالميلاد - مثلا - لا يمكنه معرفة الألوان أو تشكيل أي صورة ذهنية لها، مهما كان رجحان عقله. كما أنه في غياب العقل لا يمكن للتجربة أن تؤدي عملها في كشف الحقائق وترسيخها ضمن المعاني والصفات والتصورات الخاصة بها.

يقول الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي جون لوك John Locke ( 1632 - 1704) : "ليس في العقل شيء جديد إلا وقد سبق وجوده في الحس أولا". ويقرر منطق البراغماتيين أنه: "لا فكر ولا تفكير وكل ما هناك ألفاظ. وكل لفظ لا يشير إلى شيء محسوس يمكن التثبت منه بالتجربة، يبقى عديم المعنى فلا يوصف بالصدق ولا بالكذب". بمعنى أننا يمكننا الحديث ليلًا ونهارا عن أشياء مثل المحبة والتسامح والتعايش السلمي ...إلخ، دون أن نراها واقعا ملموسًا في حياتنا المشتركة، ودون الانتباه إلى أن التجارب والأحداث تشير صـراحة إلى غير هذا.

إذن نحن نعرف الملموس بالحواس قبل أن نعرف المجرد بالعقل ، كما أننا ندرك الخاص قبل العام. ولا نصل إلى المجرد والعام إلَّا انطلاقا من الملموس والخاص. وأن ما نسميه مبادئ عقلانية ليست سوى أفكار أمدنا بها الواقع المعايَش والتجربة الفاعلة. فمثلا مبدأ السببية أو العلية الذي يربط السبب بالنتيجة، يستوحى من التجربة، إذ لاحظ الناس في جميع الأجيال والعصور، أشياء معلولة، وأخرى عللا لها. وربطوا الأولى بالثانية؛ فأصبحت فكرة العلة مقترنة بفكرة المعلول. على سبيل المثال ارتفاع درجة حرارة المياه يؤدي إلى غليانها، وجاذبية القمر تؤدي إلى ظاهرة المد الأرضية، و ارتفاع درجات الحرارة وانخفاضها يؤدي إلى تمدد المعادن وانكماشها.... وهكذا، تعتمد جميع أفكارنا وتطورها واتساعها على ما نكتسبه من خبرات علمية في حياتنا. فالتجربة تخبرنا أن عددًا كبيرًا جدًّا من الأشياء رفضها العقل أول الأمر ولم يعترف بها، ثم اضطر إلى قبولها في النهاية، منها على سبيل المثال : الفكرة الخاطئة عن كروية الأرض ومركزيتها.

ونظرًا إلى أنَّ الخبرة التجريبية ذاتها أثبتت أن الحواس يمكن أن تخدعنا في كثير من الأمور الدينية والسياسية، لذلك يجب ألَّا نثق بالمعارف التي تمدنا بها الحواس، ما لم يتثبت العقل من صدقها. فنحن نرى أن العصا المستقيمة إذا غمست في الماء تبدو في الحس (البصر) وكأنها منكسرة لكن العقل يحكم بحقيقة استقامتها. والطائرة المحلقة في الأجواء كلما ابتعدت بدت للعين أصغر لكن العقل يثبت أنها صارت أبعد.

لا يوجد أي مبرر تجريبي يثبت أن صدق الأحكام على حالات جزئية يستلزم تعميم صدقها على كل الحالات المماثلة، فالحواس لا تطلعنا إلاّ على معطيات جزئية، بينما المعرفة العلمية تمدنا باليقين الكلي. فاليقين الثابت في العلوم المنطقية ـ كالرياضيات ـ هو المثل الأعلى لليقين الذي يغري البشرية بالوصول إليه في المعرفة. وهذا اليقين نفتقده في المعرفة التي تقوم على معطيات الحس أو المشاعر وحدها. لأن تلك المعطيات غالبًا ما تخدعنا. يقول الفيلسوف الفرنسي العقلاني الملقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"رينيه ديكارت (1596 - 1650): "كل ما تلقَّيْتُه حتى الآن على أنه أصْدق الأشياء وأوْثقها، قد تعلمْتُه من الحواس أو عن طريق الحواس، غير أنني اختبرت أحيانا هذه الحواس، فوجدتها خدَّاعة؛ وأنه من الحذر ألَّا نطمئن أبدًا إلى من خدعونا ولو مرة واحدة."

لا يختلف اثنان في ماهيَّة المباديء الأخلاقية كالمحبة والخير والتسامح والعدل والصدق ... إلخ، ونرى الكثيرين من البشر لا يكفون عن التباهي والتشدق بها ليلًا ونهارًا، ويطلبون من الآخرين ضرورة الالتزام بها في سلوكياتهم وتعاملاتهم، ولكن أحدًا لا يدري ما إذا كانوا هم أنفسهم يلتزمون بها من عدمه، لأنها غير ملموسة وخادعة، ولذلك تشير الخبرة إلى أنه عندما يتوقف الأمر على تطبيقها يتلاشى الجزء الأكبر منها إذ لم تتلاشى جميعها، بحيث تبدو وكأنها سراب في حياتنا. وهنا أذكر قول الكاتب المصري أنيس منصور : "كلنا أصحاب مبادئ عندما نتكلم وأصحاب مصالح عندما نعمل".

من الطبيعي أنَّ تكون عقولنا أكثر تفتحاً في الأمور البعيدة عن معتقداتنا الدينية أو انتماءاتنا السياسية، أي الأمور التي لا نرى فيها مصلحة معنوية أو مادية كما نراها في الدين أو في السياسة . ولكن ليس من الطبيعي في شيء أن تكون المصالح طاغية على المبادئ، وأن تصبح المبادئ مجرد شعارات ولهث وراء سراب خادع. لو استطعنا معرفة أسباب لهث الإنسان وراء السراب الخادع، سنتمكن من فتح الباب أمام أصعب تحديات النهضة في كافة مجالات الحياة وهو تغيير الآراء وتبديل القناعات.

بحث علماء علم النفس الأسباب الممكنة وراء كون الأغلبية العظمى من البشر عنيدين وغير متساهلين أو مسامحين فيما يتعلق بمعتقداتهم الدينية والسياسية الكاذبة، ويتمادون في إصرارهم على عدم قبول الحقائق تجاهها، بل وأن الكثيرين منهم على استعداد للتضحية باحتياجاتهم الشخصية وربما بحياتهم من أجل الدفاع عنها ، حيث لا يتوقف هذا على تحقيق مصالحهم فحسب. بل أيضًا على الهوِيِّات التي يولونها تأييدَهم والتي انصهرت مع هويَّاتهم الشخصية والْتَحمت بها التحاماً، وهذا يعني أنَّ أي هجوم على معتقداتهم الراسخة في أذهانهم ما هو إلَّا هجومًا على ذواتهم، خاصة وأن العقل البشري جُبِل على حماية نفسه. فعندما نتعرض لهجوم ما، نرد عليه تلقائيا بمثله كنمط من أنماط الدفاع عن أنفسنا، وكأن لدينا جهازًا مناعيًا ضد الأفكار غير المريحة، يمكن رؤيته في ردود الفعل التلقائية. وهذا ما قصد جوناس كابلان عالم النفس في جامعة جنوب كاليفورنيا بقوله: "إن وظيفة الدماغ الأساسية هي رعاية الجسم وحمايته. فَذَات المرء وكيانه النفسي هو امتداد دماغي لهذه الوظيفة، بمعنى أننا عندما نشعر بهجوم على الذات، عندها سيُسَخِّر الدماغ بعض دفاعاته التي يستخدمها في حماية الجسم".

المرجع: هافينغتون بوست عربي، هل تشكو من تمسّك صاحبك برأيه الخطأ؟.. هذه هي أسباب صعوبة تغيير آراء الآخرين السياسية 30/12/2016

لا شك في أن الإنسان يركن دائما إلى الراحة والاطمئنان وربما الطرب والزهو عندما يسمع أو يقرأ أو يشاهد شيئا ما يعكس قِيَمَه الشخصية، لأن كل إنسان بلا استثناء يفكر في ذاته، أو في هويته القائمة على قناعاته الراسخة في وجدانه والتي تشكل قيم خاصة له، وعندما يواجه جدلية تصطدم معها يميل بقوة إلى أخذ الأمر بشكل شخصي، إذ يشعر بأن قناعاته تواجه تحديًا كبيرًا، يهز هويتة الذاتية، ويهدم قيَمَه ويزلزل كينونته. وفِي ذلك خلطٌ واضحٌ بين التحديات الأيديولوجية والإهانات الشخصية ، لذلك فإن تغيير الآراء والقناعات الراسخة يتطلب ضرورة الفصل بين الرأي والهوية ، الأمر الذي لا ننكر مدى صعوبته خاصة في مجال الدين أو السياسة. ويزداد الأمر صعوبة عندما يصرُّ العاملون في المجالين (الديني والسياسي) أن ذواتهم وهوياتهم لا تتحقق سوى في عملهما، ومن ثم لابد من حدوث الاستقطاب المجتمعي على هذا الأساس فيما يمكن تسميته بالولاء الشعبي. هذا الولاء يظهر بشكل رسمي في مجتمع الملالي الإيراني ، حيث يكتسب الملَّا قيمته الدينية والسياسية تبعا لمدى استقطابه للجماهير وعدد الموالين له.

إن العقل يتعامل مع المعلومات ذات الصبغة الدينية أو السياسية (أي المتعلقة بالمعتقدات الراسخة) بطريقة أكثر عاطفية من تعامله مع الحقائق الدنيوية العادية. مما قد يفسر أسباب فشل محاولات تصحيح المفاهيم، فالمفاهيم لا يمكن أن تعتدل والآراء لا يمكن أن تتغير مالم يتضح لعقل الإنسان بشكل جلي أن كينونته ومعتقداته شيئان مختلفان ومنفصلان تماما عن بعضهما البعض.

ومن الواضع في هذا العصر الرهن أنَّ استجابة البشر بوجه عام للاستقطاب والانحياز والتشرزم إزدادت بشكل كبير وعمت العالم أجمع كنتيجة لوفرة وسائل الإعلام وتدفق المعلومات من جميع الجهات ومن مختلف الوسائل الحديثة، والتي لا تساعد البشر على تدقيق الحقائق وتمحيصها، بقدر ما توفر لهم مجموعة واسعة من الخيارات والأفكار والمعلومات المتناقضة التي تسمح لهم باختيار ما يوافق قناعاتهم وأفكارهم المسبقة واستبعاد ما يتعارض معها بشكل كبير.
الثقافة المتبعة لبث سموم الغباء في المجتمع تعتمد أساليب عديده أهمها:

1 - تكرار الأحاديث وتناقلها:
تتشكل القناعات الخاطئة لدي معظم البشر - بصرف النظر عن مستوى تعليمهم أو ذكائهم - من خلال محاصرتهم بتكرار المعلومات والأفكار الكاذبة عبر التناقل الشفهي من الكبار إلى الصغار في الأسرة أو من الزملاء والأصدقاء أو الثقافة العامة المحيطة بهم، مما يحمل الكثيرين منهم على تصديق تلك المعلومات أو الأفكار والاعتقاد في صحتها ، طالما تتكرر بانتظام و يعتنقها عدد أكبر من البشر في ذات الوقت. والأدهى من ذلك أن العقل البشري كثيرا ما يتعامل مع سماع عبارة واحدة 10 مرات من شخص واحد على أوقات متباعدة بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع سماع ذات العبارة 10 مرات من أشخاص مختلفين. إلى جانب الأثر الذي يحدثه المستوى النخبوي لأولئك الأشخاص (فنان أو سياسي أو رجل دين ...) . ربما علينا أن تطلق العنان لأذهاننا الآن لنكتشف - مثلا - مدى تأثير الإعلانات بشتى مواقعها على قناعات البشر وسلوكياتهم، فالأمر لا يختلف بأي حال من الأحوال.

- 2 الميل إلى سد الفراغات المعرفية
يقول عالم الفلك الأمريكي كارل إدوارد ساغان (Carl Sagan)، (1934 - 1996) في كتاب بعنوان "عالم تسكنه الشياطين" ترجمة: إبراهيم محمد إبراهيم، الناشر:الهيئة المصرية العامة للكتاب 2006:
«إذا بدَا شيء ما أروع من أن هو في حقيقته، فهو كذلك على الأرجح»..

تتميز الطبيعة البشرية بكراهية الفراغ المعرفي والميل الفضولي إلى ملئه. وغالبا ما يعجز البشر عن التكيف مع الأمور المبهمة أو الظواهر الغير مفهومة لديهم، فضلا عن تلك التي يعانون من وطأتها في حياتها كالظلم والفقر والمرض، لذلك يجنحون تلقائيا نحو البحث عن أبسط التفاسير وقبول أكثر الإجابات سهولة، حتى وإن كانت مخالفة للعقل والمنطق. إنهم يتعلقون بشتى الوسائل التي تعدهم بتغييرات أو حلول سريعة، إستنادًا إلى رغبتهم في الحصول على إنجاز ما دون عناء يذكر. أهم تلك الوسائل تكمن في الأديان والوعود السياسية. ففي الأديان يمكن للمرء أن يبرأ من الدرن النفسي والبدني عبر كلمات ساذجة وطقوس وثنية بالية ، وإن لم يبرأ منهما في الدنيا ، فالآخرة بنعيمها في انتظاره. وفِي السياسة يغازله الأمل مع الانتظار واللامبالاة. ولابد أن تسهِّل هذه الوسائل ظهور الكثير من العلوم الزائفة والقائمة على السحر الدجل والخداع والتجارة التي تعتمد على رغبة أكيدة في استغلال احتياجات البشر.

- 3 الإدراك الانتقائي
ذكرت سابقا، أن البشر يميلون في الغالب إلى فهم العالم وفق معتقداتهم الموجودة سلفًا، والراسخة مسبقا في وجدانهم وهو ما يطلق عليه في علم النفس مصطلح “الواقعية الساذجة”. وهذه الحقيقة تخبرنا بأن البشر غالبا ما يميلون إلى إدراك وقائع وأحداث بعينها من أجل البرهنة على صحة قناعاتهم أو منظوماتهم المعرفية، في مقابل إسقاط الوقائع الأخرى التي تتصادم مع تلك القناعات والمنظومات على الرغم من أنها يمكن أن تكون أكثر عقلانية. وهذا يفسر بحث المتأسلمين الدائم منذ ما يقرب من 1500 عام عن إثبات قناعاتهم بأشياء غريبة مثل: وجود الله وأن الأسلام دين الحق أو أن محمد نبي الله ورسوله ......وهكذا!!!


- 4 استنتاج علاقات سببية من الأحداث المترابطة
البشر يصدقون بسهولة جدًّا الخرافات والأوهام عندما يقدمها شخص يدعي المعرفة في إطار علاقة سببية لأحداث وقعت في توقيتات متزامنة. فمثلا عندما يتعرض جيش ما لهزائم متكررة، يتم إلقاء الأسباب على عاتق قوى غيبية ، يستحيل محاسبتها. إن تلك الهزائم المتكررة بسبب غضب الله من تصرفات البشر، وبعدهم عن حقيقة دينه الحنيف ، مع أن الحقيقة الناصعة والضاربة بجذورها في أعماق الأحداث التاريخية الموثقة هي أن أحدًا لم ولن يعرف حقيقة دينه المزعوم منذ ظهوره وحتى إشعار آخر.

- 5 الانحياز للتوجهات الطاغية
يميل الكثير من الناس إلى اعتبار ردود الأفعال والاستجابات التي تحدث في محيطهم معبرة عن ردود أفعال واستجابات الأغلبية العظمى من البشر، على عكس الحقيقة تماما. فالوسط الاجتماعي المحيط بكل إنسان ما هو إلَّا نمط ثقافي عام منحاز وراثيا واجتماعيا وأيديولوجيا وسياسيا بشكل كبير. على سبيل المثال، قد يعتقد المرء أن معظم الناس يحملون توجها دينيا أو سياسيا بعينه (تأييد أو رفض عقيدة دينية أو حزب أو موقف سياسي ما) نتيجة لكون هذا التوجه يسود في دائرته القريبة اجتماعيا أو عمريا، ولكن من الطبيعي أن ذلك لن يكون صحيحًا بشكل كبير. وهذا النمط من التعميم الثقافي يلغي الدور الجوهري والأساسي في بناء الدول للأقليات العرقية أو الدينية أو السياسية أو غيرها، ويدمِّر التعددية المبدِعة والخلاقة بكل أشكالها.

6 - التأثر بالطرح غير العلمي لوسائل الإعلام .
غالبا ما يشار إلى هذه الظاهرة بالتنميط. إذ يتجه الإعلام بالعموم إلى إظهار مجموعات معينة من البشر بخصائص معينة قد لا تكون دقيقة بشكل ما. وقد يتم هذا الأمر بشكل غير واع وقد يتم بشكل واع بهدف تحسين صورة مجموعة ما أو وصمها. فنجد مثلا التنميط بشكل واع أو متعمد، في تقديم العربي دومًا في وسائل الإعلام العربية والمصرية بوجه خاص على أنه شخص كريم وشجاع ، بينما الوسائل المشابهة في الغرب تقدم للعربي صورة نمطية على أنه شرير ولص وقاتل ... وهكذا الأمر بالنسبة للأشخاص ذوي التي التوجه السياسي أو الإسلاموي. الأمر الذي يحجب الحقيقة عن الغالبية العظمى من الناس ويجعلهم يتبنون قناعات خاطئة.

- 7 تحريف الحقائق
الكثير من القناعات الخاطئة والراسخة في الذهن غالبا ما يكون مَنشأها قناعات صحيحة، ولكنها تعرضت للتحريف أو التهويل. نتيجة لتعرضها إلى أسلوب أو أكثر من الأساليب السابقة. وفِي الغالب من يضطر المرء إلى العيش بقناعات متضاربة تؤدي به إلى سلوكيات مزدوجة، فالكثير من المتأسلمين على قناعة تامة بأن التاريخ الإسلاموي والقرآن وكتب الصحاح جميعها مزيفة ومفبركة من أولها إلى آخرها، وفيها تناقضات وآساطير وخرافات وهلوسات لا حصر لها، ولكن
كلها في اعتقاده وحي من عند الله {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت 42. لأن جيوشًا مجيشة تحاصرهم وتقف فوق رقابهم كيلا يتطرق أدنى شك تجاهها في أنفسهم،

- 7 عجز البشر عن تصويب مدركاتهم:
اهتم عالم النفس الأمريكي الإسرائيلي دانييل كانيمان بتفسير طريقة معالجة المعلومات الجديدة في الدماغ. في كتابه الأشهر “التفكير بسرعة وبطء” من منشورات مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة 2012، حيث يشرح فيه ببساطة أن للإنسان وضعيْن لمعالجة المعلومات: وضع سريع حدسي غالبا ما يطلق الأحكام بسرعة وفق المعتقدات المسبقة والقناعات الراسخة في ذهنه، ونظام بطيء يفترض أن وظيفته هي إعادة النظر في مخرجات النظام السريع ومعالجتها بشكل تمحيصيّ ومنطقيّ.

ولكن أغلب الناس يكتفون بالنظام السريع ويتم تعطيل نظام التمحيص، وخاصة في حالات الصراع الشديد ووجود أفكار مسبقة قوية. الأدهى من ذلك أن هذا النظام وبمرور الوقت تتغير طبيعته، فبدلا من أن يكون ناجحًا في تمحيص الأحكام السريعة وفق الحقائق والبراهين المنطقية، فإن وظيفته تتحول إلى ما يشبه التبرير (Justification) للأحكام المتعجلة التي تم اتخاذها وفق النظام السريع. ببساطة فهو يقوم بعقلنة ومنطقة القرارات والأفكار الخاطئة وحشد المبررات التي تجعل منه قرارا مقبولا من الناحية المنطقية عبر انتقاء المعلومات المتوافقة واستبعاد المعلومات غير المتوافقة. النتيجة أنه في الوقت الذي يعتقد فيه معظم البشر أنهم يمارسون تفكيرا علميا ويسوقون أدلة برهانية، فإن أحكامهم وقراراتهم غالبا ما تكون انفعالية وحدسية بشكل كبير.

وقدم كانيمان تفسيرًا لذلك أنه في كثير من الأحيان عندما يواجه البشر موقف غير واضح المعالم، فإنهم لا يُمعنون التفكير في المسألة، بل يسلكون أقصر الطرق للوصول الى إجابة أو قرار بشأن قضية ما ، معتمدين على قائمة طويلة من الاختصارات العقلية التي تُقصّر عليهم الطريق، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى التوصل لإجابات وقرارات ساذجة وخاطئة.

ربما يعتقد الكثيرون أن الأشخاص المتعلمين أو الأذكياء أقل عرضة أن يقعوا في أخطاء النزعات اللامنطقية والقناعات التي وأن ذكاءهم من المفترض أن يخفف من حدة الانحياز ومن تبني قناعات غير مدعمة بالأدلة ، إلا أن هناك دراسة نشرت في جريدة علم نفس الشخصية والمجتمع The journal of personality and social psycology، وتهدف الدراسة إلى دراسة الإنحياز المعرفي cognitive bias وعلاقته بالذكاء، وأثبتت أن الأذكياء معرضون بشكل أكبر لمثل هذا النوع من الخطأ في التفكير.

إنه لمن المقلق حقًا أن وضع الأذكياء في عالم المتأسلمين عامة ولابد العربان خاصةً أسوأ من غيرهم، فهم لا يستطيعون التعرف على أخطائهم ونزعاتهم، لأن تبريراتهم متراكمة ومعقدة وعميقة. وبالتالي هم ماهرون في تصيد أخطاء الآخرين وليس أخطائهم، لذلك لا يجب العيش في عالم يسوده التوافق بين البشر؛ ليس في عالم الإختلاف والجدال لإننا سنكتشف لاحقًا أننا مهما كنا أذكياء فسوف نبقى مخطئين في موقف ما في حيتنا اليومية، المشكلة تكمن في أن الأذكياء يستطيعون التفوق على غيرهم في المجادلة وإفحام خصومهم حتى لو كانت قناعاتهم خاطئة والإنتقادات الموجهة لهم صحيحة، خصوصًا إن كان أسلوب المُحاور ضعيفًا أو فظًا مما يجعل إقناع هؤلاء الأذكياء أصعب.

قد نشعر باليأس من التغيير عندما ندرك أن الأشخاص الأذكياء سيئين في التعرف على أخطائهم إلى هذا الحد، ولكن علينا أن ندرك أن الأذكياء عاجلًا أم آجلا سيصطدمون بشخص ذكي مثلهم؛ والذي يستطيع بالأدلة التي لا يمكن دحضها أن يُحدث ضررًا كبيرًا بطبقات التبرير التي تراكمت داخل عقولهم؛ تلك التي تجعلهم يعتقدون بأنهم على صواب بالرغم من التناقضات.

كثيرًا ما ننسى أن تعلم شيءٍ جديد يتطلب نسيان القديم، والتخلي عن التحيزات السابقة التي ولدنا بها، وتلك التي اكتسبناها من محيطنا، وتراكمت في أذهاننا ، وكونت قناعاتنا. ففي حال كان الشخص ذكيًا ولم يواجَه بالأفكار والحجج المخالفة في صغره، فإنه عند تقديم الآراء المخالفة له في الكبر ، سيكون قد كوّن روابط فكرية معقدة يصعب إختراقها، ولا يمكن إدخال الأفكار الجديدة قبل فك الروابط القديمة بحذر شديد حتى لا تجرفه الصدمات.

يجب أن لا يردعنا هذا عن محاولة إقناع الناس بالأفكار الصحيحة حتى الأذكياء منهم، فالذكاء لا يجعل الشخص محقّا بل يجعله أفضل عن غيره بالتفكير فقط.
لا شك في أن الذكاء يكون أحيانًا ميزة تُميزنا عن غيرنا إن طورنا قدراتنا في سبيل تحقيق ما نصبو إليه، ويكون خللًا إذا تمسكنا بأفكار قد تكون صحيحة بنظرنا وخاطئة .

الآن لا بد لشعوب العربان من المحيط إلى الخليج أن تحرق سفنها، وتنسف تاريخها، وأن تعيد التفكير في حقيقة ما تعرفه، أو «زيف» ما تعلمته . فكما يقول مارك توين «يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها». لكن أصبحت تلك الشعوب لا يمكنها تحمل التكلفة الباهظة لدوران الكذب، لقد حان الوقت أن تلبس الحقيقة حذاءها إذا أرادت أن يكتب لها الحياة؟!



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأسلم وتراكم الديكتاتورية
- لماذا تخضع المرأة المتأسلمة بارتياح للإحتقار الديني؟!
- عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (3-3)
- عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (3-2)
- عائشة والجنس من منطلق سيكولوجي (1-3)
- الإسلاموية بين اليقين والشك
- العسكر وعقدة النقص في مصر
- أم المؤمنين تستهين بعقول أولادها !!
- عندما تطغى العاطفة الدينية على البشر
- محاولة لتفكيك العلاقة بين المتأسلمين ونبيهم الكريم
- محاولة لتفكيك العلاقة بين الله ورسوله
- العلمانية والاإنسانية الإسلاموية
- الثقافة الإسلاموية وصناعة الأعداء
- العرب والقبيلة المقدسة
- الوزير والفساد المؤسسي والنخبوي في مصر
- تحالُف جراثيم الوباء وأمراض الدهماء وأحكام القضاء
- كيف يتحقق الذكاء الجمعي لشعب ما؟ - 2/1 -
- كيف يتحقق الذكاء الجمعي لشعب ما؟ - 2/2 -
- الذكاء الجمعي والغباء الجمعي مرة أخرى
- لماذا يحب المتأسلمون الكذب ويكرهون الصدق؟!


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين المصري - القناعات الدينية والسياسية والطرق المسدودة