أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد الواسطي - في بني آدم نفس وَ روح رداً على أحمد صبحي منصور















المزيد.....



في بني آدم نفس وَ روح رداً على أحمد صبحي منصور


حميد الواسطي

الحوار المتمدن-العدد: 5403 - 2017 / 1 / 15 - 00:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بِسْمِ اٌللهِ اٌلرَّحمَنِ اٌلرَّحيم.. أمَّا بَعدُ ، يقول الكاتب أحمد صبحي منصور: أن كلمة " الروح " من كلمات القرآن التى اسىء فهمها ... " الروح " هو جبريل عليه السلام ... فالنفس هى التى تخرج من ثوبها الجسدى عند الموت وليست الروح ... إن الانسان يتكون من نفس وجسد والقرآن يتكلم عن أبناء آدم فى جميع اطوارهم بأنهم أنفس ، وليسوا أرواحا ... فالنفس هى التى تخرج من ثوبها الجسدى عند الموت وليست الروح ... اما الروح فهو جبريل عليه السلام وما يتعلق به ... نرجو ... ان يكف المسلمون عن الخلط بين الروح والنفس وبين الروح وذات الله تعالى فالله تعالى ليس كمثله شىء وليس له كفوا أحد. سبحانه وتعالى عما يصفون. أقول: إذن الكاتب أحمد صبحي منصور.. أوَّلاً - ينكر وجود روح في بني آدم بمُقتضى قولهِ: في داخل كُلّ منا نفس وليست روح على الأطلاق. وثانياً - يُحدِّد بأنَّ الروح هو جبرئيل ومَا يتعلق به. وثالثاً – يتهم المسلمين بالخلط بَينَ الروح والنفس وبَينَ ذات الله تعالى.
راجع مقالة الكاتب نشرت في موقع (أهل القرآن) :
الروح - أحمد صبحي منصور
http://www.ahl-alquran.com/arabic/document.php?main_id=149
وَنشرت في عرب تايمز: في حقل مقالات مميزة – قائمة رقم 15
http://www.arabtimes.com/

هذِهِ ألمَقالة.. ستستعرض - بمَشيئة اٌلله - بأنَّ "ألروح" مُشترَك باللفظ بَينَ عشر معان (منها جبرئيل) يأتي ذِكرها، وأنَّ داخل كُلّ منا روح وَ نفس أو أنفس، وَأنَّ لَيسَ هُناك خلطاً بَينَ ألروح وَألنفس وبَينَ ما يَمسّ سلباً ذات الله أو ينقص مِن قدرة الله شيئاً بل هي مِن قدرتهِ.. وَكذلِكَ ألمَقالة سَوفَ تتطرَّق إلى أشياءٍ أُخرى مُتعلّقة بجَوهَر ألمَوضوع يأتي أو تأتي مِن خِلالِ ألبحث. أمَّا بَعدُ ،،
قالَ تعالَى : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً : 85 الأسراء. وقالَ سُبحانه: اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : 42 الزمر.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ.. وَرَدَ في بحار الأنوار جزء: 61 باب: 42 للشيخ المجلسي.. قالَ الطبرسي اُختلف في ألروح ألمسئول عنه؟ سألهُ عن ذلك قوم مِن أليهود عن إبن مسعود وإبن عباس. وقيل إنَّ أليهود قالت لكفار قريش سلوا مُحمَّداً عن ألروح فإن أجابكم فليس بنبي فإنا نجد في كتبنا ذلك وكان قصدهم بالسُؤال تخجيل ألنبي (ص) فأمر الله سُبحانه بالعدول عن جوابهم وأن يكلمهُم (أو يكلَّهُم : يبهمهُم) في معرفة ألروح إلى ما في عقولهم ليكون ذلك علماً على صدقه ودلالة لنبوته. وعلى هذا فإنما عدلَ النبي (ص) عن جوابهم لعلمهِ بأنَّ ذلك أدعى لهم إلى الصلاح في ألدِين ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين فلو صَدرَ ألجواب لإزدادوا عناداً. ولأنَّ ألروح لما قيل على معانٍ مختلفة حتى لو أجاب بواحد منها قالوا ما نريد هذا فأبهَمُوا ألسُؤال فأبَهمَ ألجَواب بما ينطبق على ألجميع بأنه مِن أمر الله أيّ أنه أحدثه بقوله كُن أو هو من شأنه وخلقه. وقد أبَهمَ ألجَواب؟ لأنَّ فيه وجوه : أوَّلها: عن إبن عباس أنهم سألوا عن جبرئيل لأنهم كانوا يدعون مُعاداته. وعن علي بن أبي طالب (ع) أنهم سألوا عن ألملك ألعظيم ألجثة. ولو أريد ألروح ألتي في ألبدن لم يكن في الآية دليل على أنه لا يعلمها إلاَّ الله. وثانيها: أنهم سألوه عن ألروح أهيَ مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سُبحانه (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أي مِن فعلهِ وخلقهِ وكان هذا جواباً لهم عمّا سألوه عنه بعينه وعلى هذا فيجوز أن يكون ألروح ألذي سألوه عنه هو ألذي به قوام ألجسد على قول إبن عباس وغيره أم جبرئيل على قول الحسن وقتادة أم ملك مِن الملائكة (عظيم الجثة).. ذلك على ما رويَ عن علي بن أبي طالب (ع) أم عيسى (ع) فإنه سمي بالروح. وثالثها: أنهم سألوه عن ألروح ألذي هو ألقرآن كيف يلقاك به ألملك وكيف صار معجزاً وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفاً لأنواع كلامنا مِن ألخطب وألأشعار وقد سمّى الله سُبحانه ألقرآن روحاً في قولهِ (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا : 52 الشورى) فقالَ سُبحانه قل يا مُحمَّد إنَّ ألروح ألذي هو ألقرآن مِن أمر ربي أنزله عليَّ دلالة على نبوتي وليس مِن فعل ألمخلوقين ولا ممّا يدخل في إمكانهم وعلى هذا فقد وقع ألجواب أيضاً موقعه وأمَّا على ألقول ألأوَّل فيكون معنى قوله (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) هو الأمر ألذي يعلمه ربي ولم يطلع عليه أحداً.

وأختلف ألعلماء في ماهيَّة ألروح فقيل إنه جسم رقيق هوائي متردد في مخارق ألحيوان وهو مذهب أكثر ألمتكلمين وأختاره ألمرتضى. وقيل هو جسم هوائي على بنيَّة حيوانيَّة في كُلِّ جزء منه حياة عن علي بن عيسى قال فلكُلّ حيوان روح وبدن إلاَّ أنَّ منهم مِنَ الأغلب عليه ألروح ومنهم مِنَ الأغلب عليه ألبدن وقيل إنَّ ألروح عرض ثم اُختِلفَ فيه فقيل هو ألحياة ألتي يتهيّأ بها ألمَحل لوجود العِلم وألقدرة وألإختيار وهو مذهب ألشيخ المفيد والبلخي وجماعة مِن ألمعتزلة ألبغداديين وقيل هو معنى في ألقلب.

وفريق آخر مِن ألعُلماء قالوا: إنَّ الله خلق ألروح مِن ستة أشياء: مِن جوهر ألنور وألطيب وألبقاء وألحياة وألعِلم وألعلو ألاَ ترى أنه ما دامَ في ألجسد كان ألجسد نورانياً يبصر بالعينين ويسمع بالأذنين ويكون طيباً فإذا خرج مِن ألجسد نتن ألبدن ويكون باقياً فإذا فارقه ألروح بلي وفني ويكون حياً وبخروجه يصير ميتاً ويكن عالِمَاً فإذا خرج منه ألروح لم يعلم شيئاً ويكون علويّاً لطيفا توجد به ألحياة بدلالة قولهِ تعالى في صفة ألشُهداء (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ : 170 آل عمران) وأجسادهم قد بليت في ألتراب. وقولهُ (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) قيل هو خطاب للنبي (ص) وغيره إذ لم يبيِّن له الروح ومعناه وما أوتيتم من ألعلم ألمنصوص عليه إلاّ قليلا أيّ شيئاً يسيراً لأنَّ غير المنصوص عليه أكثر فإن معلومات الله تعالى لا نهاية لها وقيل خطاب لليهود ألذين سألوه فقالت أليهود عند ذلك كيف وقد أعطانا الله ألتوراة (وفيها كُلّ شيء) فقال ألتوراة في عِلم الله قليل (مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٤٧ وَ ٤٣٨).

وقال ألرازي.. للمفسرين في ألروح ألمذكورة في هذه الآية أقوال وأظهرها أنَّ ألمراد منه ألروح ألذي هو سَبب ألحياة ثمَّ ذكرَ رواية سؤال أليهود وإبهام ألنبي (ص) قِصَّة ألروح وزيفها بوجوه ضعيفة ثم قال بل ألمختار عندنا أنهم سألوه عن ألروح وأنه أجابهم عنه على أحسن ألوجوه وتقريره أنَّ ألمذكور في الآية أنهم سألوه عن ألروح وألسؤال عنه يقع على وجوهٍ كثيرة أحدها: أن يقال ماهية ألروح أهو متحيز أو حال في ألمتحيز أو موجود غير متحيز ولا حال في ألمتحيز وثانيها: أن يقال الأرواح قديمة أو حادثة وثالثها: أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجساد أو تفنى ورابعها: أن يقال ما هي حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها.

وقيل إنَّ ألروح هو ألإنسان وهو الحي ألمكلف عن إبن الإخشيد والنظام. في شرح مذاهب ألناس - حقيقة الإنسان.. فالعِلم ألضروري حاصل بأنَّ هاهنا شيئاً إليه يشير الإنسان بقوله أنا وإذا قال ألإنسان علمت وفهمت وأبصرت وسمعت وذقت وشممت ولمست وغضبت فالمشار إليه لكُلّ أحد بقوله أنا إمَّا أن يكون جسماً أو عرضاً أو مجموع ألجسم وألعرض أو ما تركب مِن ألجسم وألعرض وذلك ألشيء ألثالث فهذا ضبط معقول أمَّا ألقسم الأوَّل وهو أن يقال الإنسان جسم فذلك ألجسم إمَّا أن يكون هو هذه ألبنية أو جسماً داخلاً في هذه ألبنية أو جسماً خارجاً عنها أمَّا ألقائلون بأنَّ ألإنسان عبارة عن هذه ألبنية ألمحسوسة وهذا ألهيكل ألمجسم ألمحسوس فإذا أبطلنا كون ألإنسان عبارة عن هذا ألجسم وأبطلنا كون ألإنسان محسوساً فقد بَطلَ كلامهم بالكُليَّة. وألذي يدل على أنه لا يُمكن أن يكون ألإنسان عبارة عن هذا ألجسم وجوه :
ألأوَّل: أنَّ ألعلم ألبديهي حاصل بأنَّ أجزاء هذه ألجثة متبدلة بالزيادة وألنقصان تارة بحسب ألنمو وألذبول وتارة بحسب ألسمن وألهزال وألعلم ألضروري حاصل بأنَّ ألمتبدل ألمتغير مغاير للثابت ألباقي ويحصل من مجموع هذه ألمقدمات ألثلاث ألعلم ألقطعي بأنه ليس عبارة عن مجموع هذه ألجثة.
ألثاني : أنَّ الإنسان حال ما يكون مشتغل ألفكر متوجه ألهمّة نحو أمر مخصوص فإنه في تلك ألحالة غير غافل عن نفسه ألمعينة بدليل أنه في تلك ألحالة قد يقول غضبت وإشتهيت وسمعت كلامك وأبصرت وجهك وتاء ألضمير كناية عن نفسهِ ألمخصوصة فهو في تلك ألحالة عالِم بنفسه ألمخصوصة وغافل عن جملة بدنه وعن كل واحد مِن أعضائه وأبعاضه.
ألثالث : أنَّ كُلّ أحد يحكم بصريح عقله بإضافة كُلّ واحد مِن هذه الأعضاء إلى نفسه فيقول رأسي وعيني ويدي ورجلي ولساني وقلبي وبدني وألمضاف غير ألمضاف إليه فوجب أن يكون ألشيء ألذي هو ألإنسان مغايراً لجملة هذا ألبدن ولكُلّ واحد مِن هذه ألأعضاء فإن قالوا فقد يقول نفسي وذاتي فيضيف ألنفس وألذات إلى نفسهِ فيلزم أن نفس الشيء وذاته مغايرة لنفسه وذاته وذلك محال قلنا قد يراد بنفس ألشيء وذاته هذا البدن ألمخصوص وقد يراد بنفس ألشيء وذاته الحقيقة ألمخصوصة ألتي إليها يشير كُلّ أحد بقوله أنا فإذا قال نفسي وذاتي كان ألمراد منه ألبدن وعندنا أنه مغاير لجوهر الإنسان.
ألرابع : أنَّ كُلّ دليل يدل على أنَّ الإنسان يمتنع أن يكون جسماً فهو أيضاً يدل على أنه يمتنع أن يكون عبارة عن هذا ألجسم وسيأتي تقرير تِلكَ الدلائل.
ألخامس : أنَّ ألإنسان قد يكون حيّاً حال ما يكون ألبدن ميتاً فوجب
كون ألإنسان مُغايراً لهذا ألبدن وألدليل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169 : آل عمران) فهذا ألنصّ صريح في أنَّ أولئك ألمقتولين أحياء وألحسّ يدلّ على أنَّ هذا ألجسد ميِّت.
ألسادس : أنَّ قوله تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا (46 : غافر) وقوله : أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (25 : نوح) يدل على أنَّ ألإنسان حي بعد ألموت وكذلك قول ألنبي (ص) لا يموتون ولكن ينقلون مِن دارٍ إلى دار وكذلك قوله: ألقبر روضة مِن رياض ألجنة أو حفرة مِن حفر ألنيران. وقوله: مَن مَات فقد قامت قيامته. وأنَّ كُلّ هذه ألنصوص يدل على أنَّ ألإنسان حي يبقى بعد موت ألجسد وبديهة ألعقل وألفِطرة شاهدتان بأنَّ هذا ألجسد ميِّت ولو جوزنا كونه حيّاً كان يجوز مثله في جميع ألجمادات وذلك عين ألسفسطة وإذا ثبت أنَّ الإنسان حي ما كان ألجسد ميتاً لزم أنَّ ألإنسان شيء غير هذا ألجسد.
ألسابع : قولهُ عليه ألصلاة وألسلام في خطبةٍ طويلة له: حتى إذا حمل ألميت على نعشه رفرف روحه فوق ألنعش ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم ألدنيا كما لعبت بي جمعت ألمال مِن حلّه ومِن غير حلّه فالمهنأ لغيري والتبعة علي فاحذروا مثل ما حلَّ بي.. وجه ألإستدلال أنَّ ألنبي (ص) صرَّحَ بأنَّ حال كون الجسد محمولاً على ألنعش بقي هناك شيء ينادي ويقول يا أهلي ويا ولدي جمعت ألمال مِن حلّه وغير حلّه ومعلوم أنَّ ألذي كان ألأهل أهلاً له وكان ألولد ولداً له وكان جامعاً للمال من ألحرام وألحلال وألذي بقي في ربقته ألوبال ليس إلاَّ ذلك ألإنسان فهذا تصريح بأنَّ في ألوقت ألذي كان ألجسد ميِّتاً محمولاً على ألنعش كان ذلك ألإنسان حيّاً باقياً فاهماً وذلك تصريح بأنَّ ألإنسان شيء مغاير لهذا ألجسد وألهيكل.
ألثامن : قولهُ تعالى : يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (27 – 28 الفجر) وألخطاب بقولهٍ (ارْجِعِي) إنما يتوجه إليها حال ألموت فدلَّ هذا على أنَّ الشيء ألذي يرجع إلى الله بعد موت ألجسد يكون راضياً مرضياً عند الله وألذي يكون راضياً مرضياً ليس إلاَّ ألإنسان فهذا يدل على أنَّ ألإنسان بقي حيّاً بعد موت ألجسد وألحي غير ألميت فالإنسان مغاير لهذا ألجسد.
ألتاسع : قولهُ تعالى : حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ (61 – 62 : الأنعام) أثبت كونهم مردودين إلى الله ألذي هو مولاهم ألحق عند كون ألجسد ميِّتاً فوجب أن يكون ذلك ألمردود إلى الله مغايراً لذلك ألجسد ألميت.
ألعاشر : ترى جميع فرق الدنيا مِن الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب ألملل وألنِحل مِن أليهود وألنصارى وألمجوس وألمسلمين وسائر فرق ألعالَم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلى زياراتهم ولو لا أنهم بعد موت ألجسد بقوا أحياء لكان ألتصدق لهم عبثاً ولكان ألدعاء لهم عبثاً ولكان ألذهاب إلى زيارتهم عبثاً فإطباق الكُلّ على هذه ألصدقة وألدعاء وألزيارة يدل على أنَّ فطرتهم ألأصليَّة ألسليمَة شاهدة بأنَّ ألإنسان شيء غير هذا ألجسد وأنَّ ذلك ألشيء لا يموت بموت هذا ألجسد.
ألحادي عشر : أنَّ كثيراً مِن ألناس يرى أباه وإبنه في ألمنام ويقول له إذهب إلى ألموضع ألفلاني فإنَّ فيه ذهباً (أو مالاً) دفنته لكَ وقد يراه فيوصيه بقضاء دين عنه ثم عند أليقظة إذا فتش عنه كان كمَا رآه في ألنوم مِن غير تفاوت ولو لا أنَّ ألإنسان باق حيّ بعد ألموت لمَا كان كذلك ولمَا دلَّ هذا ألدليل على أنَّ ألإنسان حيّ بعد ألموت ودلَّ ألحسّ على أنَّ الجسد ميِّت كان ألإنسان مغايراً لهذا ألجسد.
ألثاني عشر : أنَّ ألإنسان إذا ضاع عضو مِن أعضائه مثل أن تقطع يداه ورجلاه وتقلع عيناه وتقطع أذناه إلى غيرها مِن ألأعضاء فإنَّ ذلك ألإنسان يجد من قلبه وعقله أنه هو عين ذلك ألإنسان من غير تفاوت ألبتة حتى أنه يقول أنا ذلك ألإنسان ألذي كنت موجوداً قبل ذلك إلاَّ أنهم قطعوا يدي ورجلي وذلك برهان يقيني على أنَّ ذلك ألإنسان شيء مغاير لهذه ألأعضاء وألأبعاض وذلك يبطل قول مَن يقول ألإنسان عبارة عن هذه ألبنية ألمخصوصة.
ألثالث عشر : أنَّ ألقرآن وألأحاديث يدلان على أنَّ (جماعة) قد مسخهم الله وجعلهم في صورة ألقردة وألخنازير فنقول ذلك ألإنسان هل بقي حال ذلك ألمسخ أو لم يبق فإن لم يبق كان هذا إماتة لذلك ألإنسان وخلق خنزير أو قردة وليس هذا من المسخ في شيء وإن قلنا إنَّ ذلك ألإنسان بقي حال حصول ذلك ألمسخ فنقول فعلى هذا ألتقدير ألإنسان باق وتلك ألبنية وذلك ألهيكل غير باق فوجب أن يكون ذلك ألإنسان شيئاً مغايراً لتلك ألبنية.
ألرابع عشر : أنَّ رسول الله (ص) كان يرى جبرئيل في صورة دحية ألكلبي وكان يرى إبليس في صورة ألشيخ ألنجدي فهنا بنية ألإنسان وهيكله وشكله حاصل مع أنَّ ألحقيقة ألإنسانيَّة غير حاصلة وهذا يدلّ على أنَّ الإنسان ليس عبارة عن هذه ألبنية وهذا ألهيكل.

وعودة لموضوع ألروح.. فالمباحث ألمتعلقة بالروح كثيرة وقوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ليسَ فيه ما يدلّ على أنهم عن أيِّ هذه ألمسائل سألوا؟ كما مَرّ إلاَّ أنَّ جوابه تعالى لا يليق إلاَّ بمسألتين مِن ألمسائل ألتي ذكرناها إحداهما ألسؤال عن ماهية ألروح؟ وألثانية عن قِدمِهَا وحدوثها؟..
أوَّلاً: أنهم قالوا ما حقيقة ألروح وماهيته؟ أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل هذا ألبدن متولدة مِن إمتزاج الطبائع وألأخلاط أو عبارة عن نفس هذا ألمزاج وألتركيب أو هو عبارة عن عرض آخر قائم بهذه ألأجسام أو هو عبارة عن موجود مغاير لهذه ألأجسام ولهذه ألأعراض.. بأنه مَوجود مُغاير لهذهِ ألأجسَام ولهذهِ ألأعراض وذلك لأنَّ هذه ألأجسام وهذه ألأعراض أشياء تحدث مِن إمتزاج ألأخلاط وألعناصر وأمَّا ألروح فإنه ليس كذلك بل هو جوهر بسيط مُجرَّد لا يحدث إلاَّ بمحدث قوله جلَّ وعلاَ "كن فيكون" فقالوا لِمَ كان شيئاً مغايراً لهذه ألأجسام ولهذه ألأعراض فأجاب الله بأنه موجود يحدث بأمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة ألحياة لهذا ألجسد ولا يلزم مِن عدم ألعِلم بحقيقتهِ ألمخصوصة نفيه فإنَّ أكثر حقائق ألأشياء وماهياتها مجهولة ولم يلزم مِن كونها مجهولة نفيها وهذا هو ألمراد بقولهِ (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً).
وثانياً: أنَّ لفظ ألأمر قد جاء بمعنى ألفعل قالَ تعالى: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97 : هود) وقالَ: لَمَّا جاءَ أَمْرُنا (58 : هود) أي فعلنا فقولهُ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) مِن فِعل ربي وهذا ألجواب يدلّ على أنهم سألوا أنَّ ألروح قديمة أو حادثة فقال بلّ هي حادثة وإنمّا حصلت بفِعل الله وتكوينه وإيجاده ثم إحتج على حدوث ألروح بقولهِ (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) بمعنى أنَّ الأرواح في مَبدإ الفِطرة تكون خالية عن ألعلوم ثم تحصل فيها ألمعارف وألعلوم فهي لا تزال تكون في ألتغير مِن حالٍ إلى حال وفي ألتبديل مِن نقصان إلى كمال وألتغير وألتبدل مِن أمارات ألحدوث فقولهُ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) يدل على أنهم سألوا أنَّ ألروح هل هي حادثة أمّ لاَ.. فأجاب بأنها حادثة واقعة بتخليق الله وتكوينه ثم إستدل على حدوث الأرواح بتغيرها مِن حالٍ إلى حال.. (مفاتيح الغيب : ج ٢١ ، ص ٣٧).

وألأقوال الأخرى في تفسير ألروح في هذه الآية فمنها أنه ألقرآن كما مَرّ ومنها أنه ملك مِن الملائكة هو أعظمهم قدراً وقوة وهو ألمراد مِن قولهِ تعالى : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا (38 : النبأ) ونقلوا عن علي (ع) أنه قال : هو ملك عظيم ولم يخلق الله خلقاً أعظم مِن ألروح غير العرش. ثمَّ ذكرَ مِن ألوجوه أنه جبرئيل وَ وجها آخراً عن مجاهد أنه خلق ليسوا بالملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورءوس وقال أبو صالح يشبهون ألناس وليسوا بالناس.

وقولهُ تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) قالَ ألطبرسي أيّ يقبضها إليه وقت موتها وإنقضاء آجالها وألمعنى حين موت أبدانها وأجسادها على حذف ألمضاف (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أيّ يتوفى الأنفس ألتي لم تمت في منامها وألتي تتوفى عند ألنوم هي ألنفس ألتي يكون بها ألعقل وألتمييز فهي ألتي تفارق ألنائم فلا يعقل وألتي تتوفى عند ألموت هي نفس ألحياة ألتي إذا زالت زالَ معها ألنفس وألنائم يتنفس فالفرق بَين قبض ألنوم وقبض ألموت أنَّ قبض ألنوم يضاد أليقظ وقبض ألموت يضاد ألحياة وقبض ألنوم يكون ألروح معه وقبض ألموت يخرج ألروح مِن ألبدن (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) إلى يوم ألقيامة (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) يعني الأنفس ألتي لم يقض على موتها يريد نفس ألنائم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قد سمي لموته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي دلالات واضحات على توحيد الله وكمال قدرته (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في الأدلة إذ لا يقدر على قبض ألنفوس تارة بالنوم وتارة بالموت غير الله تعالى.. قالَ إبن عباس في بني آدم نفس وَ روح وبينهما مثل شعاع ألشمس فالنفس ألتي بها ألعقل وألتمييز وألروح ألتي بها ألنفس وألتحريك فإذا نام قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وإذا مات قبض الله نفسه وروحه ويؤيده ما رواه العياشي بالإسناد عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن ثابت أبي المقدام عن أبيه عن أبي جعفر محمد الباقر (ع) قال : ما مِن أحد ينام إلاَّ عرجت نفسه إلى ألسماء وبقيت روحه في بدنه وصار بينهما سَبَب كشعاع ألشمس فإذا أذن الله في قبض الأرواح أجابت ألروح ألنفس وإن أذن الله في رَدِّ ألروح أجابت ألنفس ألروح وهو قولهُ جلَّت قدرته (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) .
ورويَ عن أبي الحسن (ع) يقول إنَّ ألمرء إذا نام فإنَّ روح ألحيوان باقية في ألبدن وألذي يخرج منه روح ألعقل فقال عبدالغفار الأسلمي يقول الله عز وجل (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) إلى قولهِ (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أفليسَ ترى الأرواح كلّها تصير إليه عند منامها فيمسك ما يشاء ويرسل ما يشاء فقال له أبو الحسن (ع) إنما يصير إليه أرواح ألعقول فأمَّا أرواح ألحياة فإنها في الأبدان لا يخرج إلاَّ بالموت ولكنه إذا قضى على نفس ألموت قبض ألروح ألذي فيه ألعقل ولو كانت روح ألحياة خارجة لكان بدناً ملقى لا يتحرك ولقد ضرب الله لهذا مثلاً في كتابه في أصحاب الكهف حيث قال : وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ (18 : الكهف) أفلا ترى أنَّ أرواحهم فيهم بالحركات؟.

وقال الرازي ألنفس ألإنسانيَّة عبارة عن جوهر مشرق روحاني إذا تعلَّق بالبدن حصل ضوؤه في جميع الأعضاء وهو ألحياة وَإنَّ وقت ألموت ينقطع تعلّقه عن ظاهر ألبدن وعن باطنه وذلك هو ألموت وأمَّا في وقت ألنوم فإنه ينقطع تعلّقه عن ظاهر ألبدن فثبت أنَّ ألنوم وألموت مِن جنسٍ واحد إلاَّ أنَّ ألموت إنقطاع تام كامل وألنوم إنقطاع ناقص من بعض ألوجوه إذا ثبت هذا ظهر أنَّ ألقادر ألعالم ألقديم ألحكيم دبَّرَ تعلّق جوهر ألنفس بالبدن على ثلاثة أوجه أحدها: أن يقع ضوء ألنفس على جميع أجزاء ألبدن ظاهره وباطنه وذلك هو أليقظة وثانيها: أن ينقطع ضوء ألنفس عن البدن بالكُلِّيَة وهو ألموت وثالثها: أن ينقطع ضوء ألنفس عن ظاهر ألبدن دون باطنه وهو ألنوم (مفاتيح الغيب : ج ٢٦ ، ص ٢٨٤).

وعن زرارة قال : سألت أبا جعفر الباقر (ع) عن قولِ الله (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قالَ خلق مِن خلق الله و(الله يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ 1 : فاطر) (العياشي: ج ٢ ، ص ٣١٦) .. ويُبيِّن ألمجلسي بأنه يمكن حمل الخبر على ألروح الإنساني وإن كان ظاهره ألملك أو خلق أعظم منه كما مَرّ.
وفي ألمصدرِ نفسه.. عن أبي بصير قال سألته عليه السلام عن قوله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قالَ ما ٌلروح ألتي في ألدواب وألناس؟ قلت ومَا هِيَ؟ قال هي من ألملكوت مِن ألقدرة (ج ٢ ، ص ٣١٧).

وفي قولهِ تعالى (فَإِذا سَوَّيْتُهُ (29 : الحجر) قالَ البيضاوي أيّ عدلت خلقه وهيأته لنفخ ألروح (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي : 29 الآية نفسها) حتى جرى آثاره في تجاويف أعصابه (أو أعضاءه) ) فحيي وأصل ألنفخ إجراء ألريح في تجويف جسم آخر ولمَّا كان ألروح يتعلق أوَّلاً بالبخار أللطيف ألمنبعث مِن ألقلب وتفيض عليه ألقوَّة ألحيوانيَّة فيسري حاملاً لها في تجاويف ألشرايين إلى أعماق ألبدن جعل تعلقه نفخاً (أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٦٤٨).

وقالَ النيسابوري ألنفخ إجراء ألريح في تجاويف جسم آخر فمَن زعم أنَّ ألروح جسم لطيف كالهواء سار في ألبدن فمعناه ظاهر ومَن قالَ إنه جوهر مُجرَّد غير متحيز ولا حال في متحيز فمعنى ألنفخ عنده تهيئة ألبدن لأجل تعلّق ألنفس ألناطقة به قالَ جار الله ليسَ ثمَّ نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه ولاَ خلاف في أنَّ ألإضافة في قولهِ (رُوحِي) للتشريف وألتكريم مِثل (ناقَةَ اللهِ 64 : هود) وبيت الله.

وقالَ الرازي قوله تعالى (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) يدلّ على أنَّ تخليق ألبشر لا يتم إلاَّ بأمرين ألتسوية أوَّلاً ثمَّ نفخ ألروح ثانياً وهذا حقّ لأنَّ ألإنسان مُركب مِن جسد وَ نفس أمَّا ألجسد فإنه يتولد مِن ألمني وألمني إنما يتولد مِن دم ألطمث وهو إنما يتولد مِن الأخلاط وهي إنما تتولد مِن الأركان الأربعة (ألنار وألهواء وألماء وألأرض أو ألتراب.. ثم نقلت هذه ألعناصر إلى جسم ألإنسان فأصبحت ألأمزجة ألأربعة تقابلها أخلاط أربعة.. وألأخلاط هي : ألدم وألبلغم وألمرة ألصفراء وألمرة ألسوداء.. ومنها تتفرَّع ألمزاجات ألأربعة.. وبتوازن وإعتدال ألمزاجات هو حال ألصحة، وألخروج عن الإعتدال وسوء ألمزاج يكون ألمرض) فلا بُدَّ في حصول هذه ألتسوية مِن رعاية ألمُدة ألتي في مثلها يحصل ذلك ألمزاج ألذي لأجله يحصل ألإستعداد لقبول ألنفس ألناطقة فأمَّا ألنفس فإليها ألإشارة بقولهِ (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ولمَّا أضاف ألروح إلى نفسهِ دلَّ على أنه جوهر شريف علوي قدسي وذهبت ألحلولية إلى أنَّ كلمة "مِن" تدل على التبعيض وهذا يوهم أنَّ ألروح جزء مِن أجزاءِ الله وهذا في غاية الفساد لأنَّ كُلّ ما له جزء فهو مركب ومُمكن ألوجود لذاته ومحدث وأمَّا كيفية نفخ ألروح فاٌعلم أنَّ ألأقوى أنَّ جوهر النفس عبارة عن أجرام شفافة نورانيَّة علويَّة ألعنصر قدسيَّة ألجواهر وهي تسري في هذا ألبدن سريان ألضوء في ألهواء وألنار في ألفحم فهذا ألقدر معلوم أمَّا كيفيَّة ذلك النفخ فممّا لا يعلمه إلاَّ الله تعالى.

وعن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال أنَّ روح آدم (ع) لمّا أُمِرَت أن تدخل فيه كرهته فأمرها أن تدخل كرهاً وتخرج كرهاً (قرب الإسناد : ٥٣).
ويُبيِّن ألشيخ ألمجلسي في بحارهِ قال: لا يبعد أن يكون المعنى أنَّ ألروح لمَّا كانت مِن عالَم ألملكوت وهي لا تناسب ألبدن فلمَّا خلقها الله خلقاً تحتاج في تصرفها وأعمالها وترقياتها إلى ألبدن فكأنها تعلقت به كرهاً فلمَّا أنست به ونسيت ما كانت عليه صعبت عليها مفارقتها للبدن أو أنه لمَّا كانت محتاجة إلى ألبدن ورأته ضائعة مختلة لا يمكنها أعمالها فيما تريد فارقته كرهاً.

وعن محمد بن أحمد السناني وغيره عن محمد بن أبي عبدالله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عبيس بن هشام عن عبد الكريم بن عمرو عن أبي عبد الله الصادق (ع) في قولهِ عز وجل (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) قال إنَّ الله عز وجل خلقَ خلقاً وخلق روحاً ثمَّ أمر ملكاً فنفخ فيه فليست باٌلتي نقصت مِن قدرة الله شيئاً هي مِن قدرتهِ (التوحيد : ١١٣).

وَعن سعد بن عبدالله عن أحمد وعبدالله ابني محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن محمد بن القاسم النوفلي قال: قلت لأبي عبد الله جعفر الصادق (ع) ألمؤمن يرى ألرؤيا فتكون كما رآها وربما رأى ألرؤيا فلا تكون شيئاً فقال إنَّ ألمُؤمن إذا نام خرجت مِن روحهِ حركة ممدودة صاعدة إلى ألسماء فكُلّ ما رآه روح ألمُؤمن في ملكوت ألسماء في موضع ألتقدير وألتدبير فهو ألحق وكل ما رآه في ألأرض فهو أضغاث أحلام فقلت له وتصعد روح ألمؤمن إلى ألسماء قال نعم قلت حتى لا يبقى شيء في بدنه فقال لا لو خرجت كلها حتى لا يبقى منها شيء إذاً لمات قلت فكيف تخرج فقال أمَا ترى ألشمس في ألسماء في موضعها وضوؤها وشعاعها في ألأرض فكذلك ألروح أصلها في ألبدن وحركتها ممدودة (الأمالي : 88).

وفي الإحتجاج عن هشام بن الحكم أنه سأل جعفر الصادق (ع) وساق حديث طويل (بينهما) إلى أن قال الصادق أخبرني عن ألسراج إذا إنطفأ أين يذهب نوره قال هشام يذهب فلا يعود قال الصادق فما أنكرت أن يكون ألإنسان مثل ذلك إذا مات وفارق ألروح ألبدن لم يرجع إليه أبداً كما لا يرجع ضوء ألسراج إليه أبداً إذا إنطفأ قال لِمَ تصب ألقياس إن ألنار في ألأجسام كامنة وألأجسام قائمة بأعيانها كالحجر وألحديد فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت مِن بينهما نار يقتبس منها سراج له ألضوء فالنار ثابتة في أجسامها وألضوء ذاهب وألروح جسم رقيق قد ألبس قالباً كثيفاً وليس بمنزلة ألسراج ألذي ذكرت إنَّ ألذي خلق في ألرحم جنيناً مِن ماءٍ صاف وركب فيه ضروباً مختلفة مِن عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه قالَ فأين ألروح قال في بطن ألأرض حيث مصرع ألبدن إلى وقت ألبعث قال فمِن صُلِبَ أين روحه قالَ في كفِّ ألملك ألذي قبضها حتى يودعها ألأرض. قال فأخبرني عن ألروح أغير ألدم قال نعم ألروح على ما وصفت لكَ مادته مِن ألدم ومِن ألدم رطوبة الجسم وصفاء أللون وحسن ألصوت وكثرة ألضحك فإذا جمد ألدم فارق ألروح ألبدن قال فهل يوصف بخفة وثقل وَوزن قال ألروح بمنزلة ألريح في ألزق إذا نفخت فيه أمتلأ ألزق منها فلا يزيد في وزن ألزق ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه كذلك ألروح ليسَ لها ثقل ولا وزن (ص 188).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: قال الحسن بن علي (ع) أمَّا ألرجل إذا نام فإنَّ روحه تخرج مثل شعاع ألشمس فيتعلق باٌلريح وألريح باٌلهواء فإذا أراد الله أن ترجع جذب ألهواء ألريح وجذب ألريح ألروح فرجعت إلى ألبدن فإذا أراد الله أن يقبضها جذب ألهواء ألريح وجذب ألريح ألروح فيقبضها إليه.

عن أحمد بن الحسن القطان عن الحسن بن علي السكراني (أو السكري) عن محمد بن زكريا الجوهري عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال قالَ أميرالمؤمنين (ع) إن للجسم ستة أحوال ألصحة وألمرض وألموت وألحياة وألنوم وأليقظة، وكذلك ألروح فحياتها علمها وموتها جهلها ومرضها شكها وصحتها يقينها ونومها غفلتها ويقظتها حفظها (التوحيد ص 219).

وقوله ُعليه‌ ألسلام مَن عرف نفسه فقد عرف ربه قال بعض ألعلماء ألروح لطيفة لاهوتيَّة في صفة ناسوتيَّة دالة مِن عشرة أوجه على وحدانيَّة ربانيَّة: 1- لمّا حركت الهيكل ودبرته علمنا أنه لا بد للعالَم مِن محرك ومدبر. 2- دلت وحدتها على وحدته. 3- دل تحريكها للجسد على قدرته. 4- دل أطلاعها على ما في ألجسد على علمه. 5- دل أستواؤها إلى ألأعضاء على أستوائه إلى خلقه. 6- دل تقدمها عليه وبقاؤها بعده على أزله وأبده. 7- دل عدم ألعلم بكيفيتها على عدم الإحاطة به. 8- دل عدم ألعلم بمحلها من ألجسد على عدم أينيته. 9- دل عدم مسها على إمتناع مسه. 10- دل عدم إبصارها على أستحالة رؤيته.

ومقصد آخر للروح.. زعمت الفلاسفة أنَّ في ألبدن أرواحاً وأنفساً يعبرون عنها بالقوى منها ألروح الطبيعي ألتي يشترك فيها جميع الأجساد ألنامية ومحلها ألكبد ومنها ألروح ألحيواني وهي ألتي يشترك فيها ألحيوانات ومحلها مِن ألإنسان ألقلب ومنها ألنفساني وهي مِن فيض ألنفس ألناطقة أو ألعقل ومحلها ألدماغ وهي ألمدبرة للبدن وعندنا أن هذه ألأرواح معان يخلقها الله تعالى في هذه ألمحال ثمَّ أثبتوا قوى أخرى في ألمعدة ألماسكة وألهاضمة وألجاذبة وألدافعة.
وعند ألبعض أيضاً أنها معان وليست جواهر لتماثل ألجواهر ولو كان بعض ألجواهر روحاً لنفسه لكان كل جوهر كذلك فيستغني كل جزء عن أن يكون له روح غير نفسه فبطل بذلك كون روح ألجسد مِن نفسهِ.
فإن قالوا ألروح الباقي عرض وأعترض في ألروح الأوَّل قلنا – وألقول للمجلسي - فلِمَ لا يجوز أن يكون روح هذا ألجسد ألظاهر عرضاً هو ألحياة والله خالق ألموت وألحياة فإن كانت جوهراً وألموت عرض إمتنع أن يبطل حكمها لأنَّ ألعرض لا يضاد الجوهر وعند معظم أهل الفلاسفة وألطب أنَّ الروح من بخار ألدم تتصاعد فتبقى ببقائها.
وأنَّ إسم ألروح مشترك باللفظ بَينَ عشر معان (1) ألوحي (2) جبرئيل (3) عيسى (4) الإسم الأعظم (5‍) مَلِك عظيم ألجثة (6) ألرحمة (7) ألراحة (8) ألإنجيل (9) ألقرآن (10) ألحياة أو سَبَبها.
وقال الباقلاني والأسفراني وابن كيال وغيرهم أنَّ ألروح هي ألحياة وهي عرض خاص وليست شيئاً من بقية ألأعراض ألمعتدلة وألمحسوسة لجواز زوالها مع بقاء ألروح.

وألظاهر ممّا سبق – أنَّ ألروح أجسام لطيفة وقيل ليست معينة وقال الجويني هي ماسكة ألأجسام ألمحسوسة أجرى الله ألعادة بأستمرار ألحياة ما أستمرت وكان إبن فورك يقول هو ما يجري في تجاويف ألأعضاء ولهذا جوز أبو منصور البغدادي قيام ألحياة بالشعر إذ لا يشترط في محلها التجويف ولم يجوز قيام ألروح لاشتراط ألتجويف وليس في ألشعر تجويف (تجاويف ألشعر أكياس في منبتهِا)، واٌستدلوا على كونها جسماً بوصف الله لها ببلوغ ألحلقوم وبالإرسال وبالرجوع وبالفزع وبقولهِ مَن نام على وضوء يؤذن لروحه أن تسجد عند ألعرش وعلى هذا اُختلف في تكليفها فقيل ليست مكلفة وقيل بل مكلفة بأفعال غير أفعال ألبدن ألمحبة وضدها وأنَّ له حياة وأفعالها إقتناء ألأخلاق ألحميدة وإجتناب ألذميمة وأوردوا في ذلك ما أورده الخيري في تفسير قوله تعالى : يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها (111: النحل) أنَّ ألنفس وَ ألروح يجيئان بَينَ يدي الله فيختصمان فتقول ألنفس كُنت كالثوب لم أقترف ذنباً ما لَم تدخل في ويقول ألروح كُنت مخلوقاً قبلُكَ بدهور ولَم أدر ما اٌلذنب إلى أن دخلت فيك فيمثل الله لهُمَا أعمى ومقعداً وكرماً (عنباً) على ألجدار ويأمرهما بالاقتطاف فيقول الأعمى لا أبصر ويقول ألمقعد لا أمشي فيقول له أركب الأعمى وأقتطف فيقول هذا مثالكُمَا فكما صارَ العنب بكما مقطوفاً صارَ الذنب بكمُا معروفاً ومَن قالَ ألروح هي ألحياة قال ألمراد بالروح في هذا ألقول ألقلب لأنه به حياة ألجسد وقد روي في حلية ألأولياء عن سلمان (رض) أنه قال مثل ألقلب وألجسد مثل ألأعمى وألمقعد قال ألمقعد أرى ثمرة ولا أستطيع ألقيام فاحملني فحمله فأكل وأطعمه وهذا أولى لأنَّ فِعل ألجسد إنما يكون طاعة ومعصية بعزيمة ألقلب ولهذا قالَ (ع) إنَّ في ألجسم (ألجسد) لمضغة إذا صلحت صلح سائره وإذا فسدت فسد سائره وهي ألقلب.

وَمِن هُنا ، فالظاهر مِن ألأخبار أنَّ ألنفس ألإنساني غير ألروح ألحيواني وغير سائر أجزاء ألبدن ألمعروفة وأمَّا كونها جسماً لطيفاً خارجاً مِن ألبدن محيطاً به أو متعلقاً به. وألروح مِن جهة أنَّ تعلقها بالبدن مشروط بها وتابع لها فإذا زالت ألحيوانيَّة إنقطع تعلق ألناطقة أو خرجت عن البدن ويحتمل ألعكس فالمراد بخروج الروح خروجها مِن ألأعضاء ألظاهرة وميلها إلى ألباطن وتسلط الناطقة على الحيوانيَّة ظاهر لكونها المدبرة للبدن وجميع أجزائه وألتفريع في قولهِ عليه ‌السلام فيمر به على ألوجهين ظاهر فإنه لبقاء ألسلطان في ألبدن لم تذهب ألحياة بالكُلِّيَة وبقيت ألحواس ألباطنة مدركة فإلهام ألملائكة وَوساوس ألشياطين أيضاً باقيَة..!! مِن قلَم : الكاتب حميد الواسطي
[email protected]



#حميد_الواسطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنما يخشى الله من منال شوقي!!
- تدمير المؤسسة العسكرية من قبل صدام وإلى حيدر العبادي
- إبن الأنبار البار حامد المطلك وزيراً للدفاع وإلى حيدر العباد ...


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد الواسطي - في بني آدم نفس وَ روح رداً على أحمد صبحي منصور