أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي عبدالحفيظ مرسي - محفوظ ونقاش المسلمات الاجتماعيّة في همس الجنون ..















المزيد.....

محفوظ ونقاش المسلمات الاجتماعيّة في همس الجنون ..


علي عبدالحفيظ مرسي

الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 18:01
المحور: الادب والفن
    


الجرأة على مناقشة المسلمات الاجتماعية:
منذ استحوذت عليّ فكرة أنّ السينما هي المسرح التعبيري لعصر الحداثة ولما بعد الحداثة حيث لن يفلح فيلسوف أو مفكر في أن يمرر إنتاجه بعيداً أبداً عن هذا السبيل، قدمت مقالين عن فيلم واحد؟ هو ذلك الفيلم الصادم والمزعج والغريب، حتى في مسماه: (5-7)؛ إذ في حقيقة الأمر أنّ صدمة الفيلم بالنسبة لي إنّما تمثلت في مسألتين: أولهما: تلك الجرأة الهادئة والراسخة على نقاش مسلمات اجتماعيّة ذات بعد عالمي؟!! وثانيهما: أنّ الفيلم قدّم لي صورة لم تكن في الحسبان أبداً في ظلّ انغماسي وانغماس بني قومي في تصوراتنا للبون الشاسع الذي يفصلنا عن مناطق التحضّر في الغرب المتمدن، فإذا بالفيلم يقول إنّ الصورة حتى في الغرب نفسه ليست على قدم المساواة..
فأمّا على صعيد ذلك التعبير بهذا المستوى من الرسوخ والهدوء في مصادمة أو على الأقل مناقشة مستقرات اجتماعية عالمية ربما يشي بأنّ شوطاً طويلاً قد قطعته قطاعات بشريّة معينة في نقاش المسلمات الاجتماعية ما يوحي بأنّ هذه القطاعات قد حققت انتصارات مستقرة لصالح هذه النقاشات على حساب المسلمات ذات الطبيعة الحديّة والاعتقادية لمجتمعاتها..
وأمّا على صعيد التفاوت الفكري والحضاري بين المجتمعات وبعضها بما في ذلك تلك المجتمعات القابعة على رأس الهرم الحضاري الإنساني، فلا شكّ أنّ ذلك التطوّر الكبير في نقاش المسلمات الاجتماعية والتاريخية وذلك الرشد والهدوء ليسا موزعين بالعدل والقسطاس على المناطق الجغرافيّة والبيئيّة المتفاوتة أشد التفاوت في درجاتها الحضارية من المجتمعات البشريّة المختلفة.

محفوظ يزاحم:
كان المشهد المزعج جدّاً بالنسبة لي من فيلم (5-7) هو ظهور زوج يستوقف عشيق زوجته لكي يقدم له لونا من ألوان التفهّم وربما الامتنان والشكر؟! على تلك المساعدة في إقرار أحوال أسرته؟! هذا المشهد يمكن أن تتفهمه عقليّة مثقف عربي اعتاد على مشاهدة السينما الغربية لكن أن يكون له مثل هذا التصوير الصريح في رواية عربية فهذا ما لم أتصوره بحقّ..
في مجموعته القصصيّة: "همس الجنون" للمبدع والمنغمس حتى نخاعه في التفاصيل المركبة والصعبة في حياة واحد من أهم وأبرز المجتمعات الإسلامية/المسيحية التقليدية (المجتمع المصري) يضع نجيب محفوظ عنواناً جدّ دالّ على مراداته وانحيازاته: "ثمن السعادة"، ومع أنّه يبدو أنّه قدّم بذكر الثمن إلا أنّه كان من الواضح أنّ "السعادة" كانت هي بحد ذاتها بيت القصيد، إذ لم تبح القصّة بأي نوع من القلق الحقيقي حيال الثمن لا من الكاتب ولا من أيّ من الشخصيات بقدر ما أبدت قلقاً واهتماماً بما تمّ تسميته: بالـ "السعادة" أو ما يبدو أنّه انتصار على المسلمات لصالح النفعيّة أو البراجماتية أو على الأقل "التفهم" إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أوليّة وبدائيّة الحالة المصريّة بالنسبة لحالتي المجتمعين الأمريكي والفرنسي؟!!
محفوظ يحكي قصّة شاب (أنيس) وهو طالب مكافح يبدو أنّه يستعين على تبعات دراسته ومصاريفها بأن يعمل مدرساً خصوصيّاً، حيث يسوقه قدره لأن يدرّس لتلميذ توفيت والدته لعهد ولادته، ثمّ إنّ والده تزوج بعد ذلك من امرأة (تيزة) حيث يعيش هذا الطفل في كنفها بعد أن تزوجت أخواته الأربع. وقد حكى له التلميذ أنّ زوجة أبيه وأباه لا يزالان يشتجران أبداً وقد جاءت الحكاية في مقام تقديم التلميذ اعتذاره الباكي عن تأخره على أستاذه في حصة الدرس!
وكان الأستاذ أصغى لحكاية تلميذه ربما تعاطفا لكن من غير اهتمام، ولم يزالا على حال دراستهما حتى قطعت عليهما حصة الدرس فتاة في ريعان شبابها مستهترة بوجود غريب في البيت على غير عادة المصريين ذلك الوقت وربما إلى الآن.. وقد لفت الشاب منها انطلاقها على سجيتها وارتداؤها لملابس منزلية لا تدل على ما هو مرعي ومعهود من قواعد الاحتشام في مثل هذه الحالات..
وقد جلست إليهما قليلا بعد أن سألت عن أحوال التلميذ (توتو) ثم انصرفت، بعد أن لفتت انتباه الشاب وأثارته بجمالها، فلما قامت استفسر الشاب تلميذه عنها، معتقدا أنّها إحدى أخواته، فصدمه الولد بإجابة مفادها إنها "تيزة"؟! وهنا علم الشاب أسباب الخلاف المتصل بين المرأة وبين زوجها إذ هي فتاة في قمة نضجها الأنثوي لا تجاوز الرابعة والعشرين ما يعني أنّ الأب (رضوان بك حكمدار) تزوجها وهي ابنة ستة عشر عاما لا تزيد؟! وهو الآن كهل جاوز الستين؟!
وفي الدرس التالي لم يكد يستقر في مقعده أمام تلميذه حتى كانت المرأة ثالثتهما! ثم جعلت المرأة تتودد إليه فيما تلى ذلك من لقاءات حتى حضر يوما للدرس فوجد المرأة دون الغلام، ولما سألها عنه اعتذرت بأنّه ذهب مع والده لزيارة أخته في منطقة "جاردن سيتي" الراقية بقلب القاهرة. فلما همّ بأن يعود أدراجه أوقفته وجرى بينهما ما هو متوقع في مثل هذه الحالة، ثمّ إنّ المرأة حددت له مواعيد يحضر إليها فيها بعد ذلك، وهو مطمئنّ..
وكان أن تمّ ذلك إلى الوقت الذي أرعبه فيه خيال الزوج جالساً في شرفة المنزل يطالع إحدى الصحف أثناء خروجه بعد لقاء له مع صاحبة البيت فاستدعى ذلك إليه جميع مشاعر الخطر والإثم، فقرر أن يتوقف عن لقاءاته لكنّه تابع الدرس مع تلميذه حتّى أدركته المرأة متسائلة عن سبب عدم قدومه في مواعيده المتفق عليها بينهما، فحكى لها ما كان، فطلبت منه الإعراض عن هذه الأوهام وأن لا يشغل باله بالشرفة ولا بمن فيها وأن يأتي لمواعيدهما مطمئنّ البال؟ّ! لكنّ الشاب قرر أن يتوقف نهائياً عن بيت رضوان بك!
ولبث الشاب على ذلك العهد أسبوعاً ثمّ إذا به برضوان بك نفسه أمام بابه فهزت بدنه رعدة شديدة، أتكون المرأة وشت به لزوجها كيدا منها؟ وهاله أنّ يسأله الرجل في تودد عما أخره في متابعة دروسه مع ابنه (توتو)؟! فاعتذر الشاب بأدب عن الحضور وأنّ ذلك بسبب قرب امتحاناته الدراسية ولكنّ البك لم يقتنع بحجته وطلب إليه برقة أن لا يحرم "توتو" من دروسه، فعاود الشاب الاعتذار، فكرر الرجل إلحاحه ثمّ أحنى رأسه من الشاب هامساً: "إنّ ذلك ضروريّ جدّاً لـ توتو؟!
ثمّ إنّ الشيخ صمت لحظة متردداً، ثمّ استدرك قائلاً: هذا ضروري لتوتو، ولسعادة الأسرة، بل لسعادتنا جميعاً.. فأصغ إليّ: لابد من حضورك...." ثمّ احتقن وجه الرجل بالدم، وارتعشت شفته السفلى كالطفل إذ أوشك على البكاء، ثمّ تحوّل عنه.. ومضى دون أن ينتظر موافقة الشاب الذي وقف في مكانه متفكراً مذهولاً تتجاذبه شتى العواطف ..."
هذا المشهد تقريبا هو ذاته مشهد الشاب الأمريكي حين فاجأه توقف السيارة الفارهة للديبلوماسي الفرنسي إلى جواره في الطريق وفيها زوج عشيقته يدعوه للجلوس إلى جواره، ومن ثمّ للتفضل بقبول دعوته على العشاء مع أسرته وأصدقائه في بيت الزوجية؟!!

و"محفوظ" يفضح، ويتفهم:
نجيب محفوظ قارب أشياء كثيرة وسبر أغواراً صعبة وفهمها فهماً يدعو للتعجب من هذا الهدوء والرسوخ الفكري العجيبين اللذين تحللى بهما على رغم وجوده في مجتمع لم يترقّ لمثل هذه الحالة الحضاريّة التي بلغها محفوظ!
الغريب أنّ المتوقع في مثل هذه الحالة حين تختلف الدرجة بين فرد وجماعته إلى هذا الحدّ أن يقع الفرد في أزمة خاصة وينعزل عن مجتمعه .. لكنّ محفوظ فعل العكس.. انغمس أكثر وعبر عن نفسه أكثر، وإن كان تعبير الرواية والسينما أقلّ خطراً من تعبير الفلسفة المباشرة، والأهم أنّه تفهّم الظروف والتحولات الاجتماعية لمجتمع يموج حوله بتحولات اجتماعية وحضارية في غاية التعقيد والصعوبة أكثر وأكثر؟!!
فما يشي به حوار الشيخ والشاب بعد أن أصرّ الشاب على الانقطاع عن بيت الشيخ ونسيان الموضوع برمته، أنّ الشيخ حين قابله صدفة قال له:
- أيّها الشاب ... إياك والسخرية من النّاس والهزء بالبؤساء، فأنت تجهل الدور الذي تعدّه لك الأقدار غداً ... واذكر أنّ أغرب تصرفات الإنسان لا تعوزها أسباب تبررها: فصن لسانك عن الأذى وحاول ما استطعت أن تتعظ بما يصادفك من العبر ..."
هذا المستوى الخطابي غير المعهود في سياقات محفوظ الروائية والذي يشي بشكل ظاهر بأنّ محفوظ هو من تدخّل كقاصّ لكي يلقي عظته، يدلّ على أنّنا بإزاء رجل غاص، وفهم ماذا في بيت مجتمعه، ثمّ رأي الصراع داخل البيت على أشدّه، واطلع على ما لدى بيوت المتحضرين بما لم تصل إليه أسرة أمريكية يعرض لحالها فيلم أنتج في العام 2014م.
- ورفع الشيخ يده بالسلام وسار في طريقه منتصب القامة، يدل مظهره على أنّه رجل عسكريّ بغير جدال ...!!!!
هل أراد "نجيب محفوظ" أن يقول في مجمل إنتاجه إنّ الأهم هو رسوخ التفهم، أكثر من رسوخ المقاومة ... الله أعلم؟!



#علي_عبدالحفيظ_مرسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وماذا بعد عودة البرادعي للكلام؟
- -الحريّة- المقدّسة أم -الرباط- المقدس؟
- الجنس والمصلحة والنظام.. السينما حين تقارب إشكاليات الوعي ال ...
- تبّاً للفنّ أم تبّاً للعقلانية؟!


المزيد.....




- رحيل شوقي أبي شقرا.. أحد الرواد المؤسسين لقصيدة النثر العربي ...
- الرئيس بزشكيان: الصلات الثقافية عريقة جدا بين ايران وتركمنست ...
- من بوريس جونسون إلى كيت موس .. أهلا بالتنوع الأدبي!
- مديرة -برليناله- تريد جذب جمهور أصغر سنا لمهرجان السينما
- من حياة البذخ إلى السجن.. مصدر يكشف لـCNN كيف يمضي الموسيقي ...
- رأي.. سلمان الأنصاري يكتب لـCNN: لبنان أمام مفترق طرق تاريخي ...
- الهند تحيي الذكرى الـ150 لميلاد المفكر والفنان التشكيلي الرو ...
- جائزة نوبل في الأدب تذهب إلى الروائية هان كانغ
- فوز الكورية الجنوبية هان كانغ بجائزة نوبل للآداب
- رائد قصيدة النثر ومجلة -شعر-.. وفاة الشاعر اللبناني شوقي أبي ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي عبدالحفيظ مرسي - محفوظ ونقاش المسلمات الاجتماعيّة في همس الجنون ..