أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الطائي - القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري















المزيد.....

القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري


صادق الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 5383 - 2016 / 12 / 26 - 14:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري
صادق الطائي
دعم البريطانيون البنية القبلية في عراق مابعد الحرب العالمية الاولى وذلك لمساعدتهم على ادارة العراق بقدرات جيش انهكته الحرب العالمية الاولى، وهذا الدعم تمثل بالنفوذ والمال والسلاح المقدم للشيوخ والاغوات، كما كان الواقع العراقي يفرض تحديا كبيرا على من اختير لتسنم عرش العراق ،الامير فيصل بن الشريف حسين ،الذي واجه فيه واقع قوة القبائل التي كانت اقوى من الدولة ،بل ان نفوذ بعض الزعماء القبلين كان يفوق نفوذ الملك نفسه، فكان واقعا معرقلا لجهود ملك يسعى لخلق امة موحدة حديثة.
ان التغير في بنية القبيلة العراقية بات اكثر وضوحا في عشرينات القرن العشرين ،اذ تحول شيوخ القبائل في جنوب ووسط العراق الى اقطاعيين ملاك للارض ،وتحويل افراد قبائلهم الى عمال زراعيين في اراضيهم يعيشون حياة الاقنان ،وبعد ان انتقل الكثير من الشيوخ للسكن في بغداد العاصمة او في المدن الكبرى كالبصرة والموصل ،كلفوا معاونيهم او من يعرفون بـ (السراكيل) ومجاميع مسلحة تعرف بـ (الحوشية) بادارة املاكهم الزراعية،وهؤلاء بدورهم مارسوا القسوة المفرطة تجاه الفلاحين في استحصال الحقوق ،اذ كان تقاسم المحاصيل المعروف والشائع في العراق هو (المثالث) ،وهي حصول الفلاح على ثلث المنتج مقابل الثلثين للمالك ،وثلث الفلاح تستقطع منه كل الاجور والمستحقات مثل السقي والبذور والحماية والكثير من الضرائب الاخرى التي تتركه امام ديونه الكبيرة في نهاية الموسم وهو في غاية الاملاق ،ويذكر هنا اهزوجة مشهورة لفلاحي السيد طالب النقيب ،وهو نقيب اشراف البصرة وشخصية سياسية قوية في عراق بدايات القرن العشرين وكان منافسا للامير فيصل على عرش العراق ،والاهزوجة تقول (ثلث الله وثلثين لطالب ،وثلث الله يطالب بي طالب) .
من جانبها الدولة العراقية الوليدة كانت تتبع خطوات تدريجية لاحتواء القبلية وتطويعها ضمن الحداثة المنشودة لبناء المجتمع الجديد،ومن هذه الخطوات كان الجانب القانوني ،اذ اتبعت الدولة نتيجة ضغوط الانتداب البريطاني خطوات مهمة منها تشريع قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي 1919 وقد وصف بـ (البغدادي) لانه كان يسري على المناطق الحضرية في العراق فقط ، اما بقية المناطق (ريفية وبدوية ) فقد أصدر القائد البريطاني للحملة العسكرية لأحتلال العراق نظام دعاوى العشائر لسنة 1918 الذي بموجبه تم تحويل الأعراف والعادات العشائرية المتعلقة بالمنازعات إلى قواعد قانونية، واكتسبت نصوصه صفة القانون بموجب المادة 114 من الدستور العراقي 1925 ، وهذا يعني ان المناطق غير الحضرية قد تركت لتطبق قوانينها العشائرية على امل ان يتم احتواء هذه المناطق بالتدريج لتصبح داخلة ضمن النسيج الاجتماعي / القانوني للبلد.
كما ان الملك فيصل برغم قصر فترة حكمه (1921-1933) قد سعى لأنشاء اكاديمية عام 1924 (جامعة آل البيت) يدخلها ابناء شيوخ القبائل بالتدريج لاعدادهم اعدادا حديثا ومن ثم انخراطهم في العمل الاداري والسياسي في الدولة الحديثة ، كما ان حنا بطاطو في كتابه عن العراق يخبرنا في احد الجداول مقارنة تظهر مدى نفوذ الشيوخ القبلين في البرلمان العراقي ،حيث مثل الشيوخ القبلين والاغوات نسبة 19,3% عام 1925 ،وازدادات النسبة الى 31% عام 1943 ،ووصلت الى 35,9% عام 1958 ، وبذلك اصبح النفوذ السياسي للشيوخ القبليين متسقا مع الوضع السياسي الحديث ، ولكن ذلك لا يعني علاقة سلسة بين القبيلة والدولة ،حيث لعبت التمردات القبلية التي حركها الساسة دورا مهما في الصراعات السياسية ، وكثيرا ما اضطرت القوة الجوية البريطانية الى التدخل لقمع تمردات لم يكن بمقدور الجيش حديث التأسيس مواجهتها ،مثال ذلك قمع تمرد الشيخ سالم الخيون في اهوار العراق عام 1924،وقمع تمرد الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في السليمانية عام 1931،وقمع تمرد عشائر الفرات الاوسط التي حركتها المعارضة في صراع الساسة في هذه الحقبة المضطربة ، حيث استعمل ياسين الهاشمي وحكمت سليمان زعماء العشائر العراقية في الفرات الاوسط، عبر اعلان التمردات العشائرية للاطاحة بحكومات منافسيهم السياسين (علي جودت الايوبي ثم جميل المدفعي) ليكلف الملك زعيم المعارضة ياسين الهاشمي بتشكيل الحكومة عام 1935، فما كان من الحكومة الا أن تطلب من الجنرال بكر صدقي أن يقمع تمرد عشائر الفرات الاوسط.
من كل ذلك يمكن تتبع مسار علاقة القبيلة بالدولة في العراق الملكي عبر تموجاته ، ففي العشرينات كانت القبائل قوية معارضة للحكومة ،اما حقبة الثلاثينات فقد شهدت صراعا حادا بين القبائل والحكومة وصراعا داخل الحكومة استخدمت فيه القبائل كأداة ضغط ،بينما كانت الاربعينات حقبة توافق وانسجام بين النخبة السياسية والشيوخ القبليين بعد انقلابات العسكر (1936،1941) وتراجع ثقة الساسة بالجيش ،وتزايد نفوذ الشيوخ القبليين خصوصا بعد ان ضم نوري السعيد العديد من الشيوخ الى حزبه السياسي (حزب الاتحاد الدستوري) ، كما ان زواج الامير عبدالاله من هيام الحبيب ابنة أمير ربيعة الشيخ محمد الحبيب كان ضمن الخطوات التي عززت نفوذ القبلية في العراق الملكي حتى نهايته عام 1958.
بعد الانقلاب العسكري في تموز 1958 ،والتفاف الجماهير حول الحكومة الجمهورية الجديدة ،شهد العراق ضربات عديدة لبنية القبيلة ،ربما كان ابرزها تفتيت الملكيات الزراعية الكبيرة للمشايخ القبليين عبر تطبيق قانون الاصلاح الزراعي،وسعي الحكومة الحثيث لتحديث المنظومة القانونية ومن اهم تجلياته قانون الاحوال الشخصية ، لكن لابد من الانتباه الى ان طبيعة الصراع تحول من صراع مباشر بين الدولة والقبيلة الى تغلغل نفوذ القبلية في الجيش ،وهذا ما انعكس على صراع الجنرالات في العراق الجمهوري ،حيث اطاح انقلاب البعث عام 1963 بحكومة عبد الكريم قاسم ،وهذا الامر ادى الى صعود نجم جنرالات الجيش المتحدرين من قبائل غرب وشمال غرب العراق من محافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى .
ومع سطوة الصراع الايديولوجي الذي وسم حقبة الستينيات من القرن الماضي بين التيار القومي العروبي والتيار الماركسي ، تراجع نفوذ القبلية في العراق ،او هذا ما بدا للناظر للمشهد العراقي دون تمحيص ، الا ان هنالك تداخلا خفيا بين القبلية والمناطقية والحزبية تبدى شيئا فشيئا ،وبشكل خاص عندما سيطرت نخبة قبلية عربية سنية من غرب العراق على حزب البعث الحاكم بعد انقلابه الثاني عام 1968،وبرغم الغلاف الايديولوجي والقشرة اليسارية التي غلفت طروحات الحزب ،الا ان النخبة المتحكمة في القرار السياسي كانت نخبة قبلية بامتياز تفرض قوانين الولاء وتحول الحزب الايديولوجي الى منظومة مختلطة من الولاء العائلي والقبلي والحزبي.
اتضح هذا الوجه القبلي بجلاء في الحقبة التي تسنم فيها الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين مقاليد الحكم ،حيث فرض حوله منظومات امنية وسيادية على شكل حلقات متعددة ترتبط بشكل اساس بالشكل القبلي للانتماء ،لكن ظروف الحرب العراقية الايرانية وما فرضته من ظروف استثنائية ،اخفى النفوذ القبلي عن الظهور بشكل جلي ، لكن ما ان انتهت الحرب ومع احتلال الكويت والتمرد الشعبي 1991 الذي سيطر على 14 محافظة (شيعية وكردية) من اصل 18 محافظة في العراق ،انتبه النظام الى خطورة الوضع ،وبعد قمع التمرد بعنف مفرط واستقرار الامر ،سعت الحكومة الى تعزيز او بعث نفوذ القبائل مرة اخرى ،وذلك لفرض السيطرة عبر دعم مجموعة من الشيوخ القبليين الموالين للدولة الذين سيكونون وسطاء بين الدولة الضعيفة وبين قبائلهم التي قد تتمرد مرة اخرى ،وهذا الامر اتخذ شكلا قد يبدو كاريكتوريا في بعض الاحيان نتيجة صعود شخصيات غير مؤهلة قبليا والتعامل معها على انها من مشايخ القبائل ، حتى اطلق عليهم الشارع العراقي توصيف ساخر هو (شيوخ ام المعارك) دلالة على زيفهم وظهورهم في حقبة التسعينات.
مع تصاعد النشاط القبلي الجديد اصبح تعامل الدولة رسميا مع هذا الشأن عبر تعيين اللواء روكان عبد الغفور التكريتي – ابن عم صدام - مسؤولا لما عرف بملف شؤون القبائل والعشائر ، كما تجدر الاشارة الى ان اهم المحاولات الانقلابية التي شهدتها حقبة التسعينات كانت خليطا من القبلية والعسكرية ،حيث تمثل ذلك فيما عرف بمحاولة انقلاب الضباط الجبور عام ١٩٩٠ وهم مجموعة من ضباط الحرس الجمهوري قادهم النقيب سطم غانم الجبوري ، ومحاولة انقلاب الضباط الدليم حيث تم اعتقال 48 ضابطاً برتب مختلفة ينتمي أغلبهم إلى عشائر مدينة الرمادي أواخر عام 1994متهمين بالاشتراك بمحاولة انقلابية قادها اللواء الطيار محمد مظلوم الدليمي، وما تبعه من رد فعل عنيف من النظام تجاه هؤلاء الضباط وقبائلهم والتنكيل بها ،كل ذلك خلق بيئة حاضنة لقبلية جديدة مختلفة شكلا ومضمونا عن مفهوم القبلية التقليدي في العراق الحديث.



#صادق_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القبلية في العراق الامريكي
- صراع المرجعيات الدينية في النجف؛التيار الصدري نموذجا
- «الكتلة التاريخية» في العراق… تفكيك المقاربات
- السيارة معيارا للتاريخ الاجتماعي
- قراءة سوسيونقدية لرواية (ابنة القومندان) للروائي شريف حتاتة
- محمد عمارة من وهج اليسار الى الانكفاء الطائفي
- قراءة نقدية لكتاب التطهير الثقافي او التدمير المتعمد للعراق


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق الطائي - القبيلة والسياسة في العراق الملكي والجمهوري