أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مصطفى محمد مهران - التحرش والمغازلة في النصف الأول من القرن العشرين















المزيد.....

التحرش والمغازلة في النصف الأول من القرن العشرين


مصطفى محمد مهران

الحوار المتمدن-العدد: 5374 - 2016 / 12 / 17 - 11:48
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


لم تكن ظاهرة التحرش او المغازلة وليدة أعمارنا ، لكنها ظهرت منذ أوائل القرن العشرين ، ليعاصر المجتمع المصري هذة الظاهرة منذ أكثر من قرن من الزمان ، وربما اختلف التحرش في الماضي عن التحرش في ايامنا هذة في درجة قباحته ، لكنهما على أي حال يشتركان في الصفة ذاتها.
كان هناك نوعان من التحرش ؛ إما تحرش لفظي وإما تحرش مادي ، وكان الأول يكثر في محطات الترام والجامعة وفي الطرقات ، أما الثاني فيوجد بكثرة في المصايف. ويمكن القول بأن التحرش كان مغازلة فقط في بدايات القرن العشرين أما التحكك والملاصقة فانتشر في فترة الأربعينيات وما يليها.
قابلت السيدات والفتيات المصريات هذا التصرف إما بالمواجهة والتصدي لهذا المتحرش بالسب واللعن بل والضرب بالحذاء في بعض الأحيان ، وإما الإكتفاء بالصمت وعادة أولاء من يصمتن يكن من بنات الطبقة الراقية اللاتي يأنين بأنفسهن الخوض في مهاترات مع أولئك المتغزلين.
ونذكر من حوادث التحرش أنه في 11 مايو 1927 تعرض ثلاثة شبان وضابط بوليس الى سيدتين فى ترام الجيزة ، فعند صعودهم الى القطار ، وجدوا فى نفس العربة سيدتان عليهما علائم الحشمة والوقار فما وقع نظر هذة الشلة على السيدتين حتى صاروا يقذفون السيدتين بألفاظ بذيئة يندى لها الجبين خجلاً ويتردد في لفظها السوقة والرعاع، وقد حاول هؤلاء الشبان على مرأى من الناس وباشتراك ضابط البوليس أن يدفعوا الأجرة لهن إلا أنهم قابلوا الرفض الذي يندى له الجبين.
ولم يكن ركاب الترام ولا ضباط البوليس من كانوا يفعلون ذلك فى الترام فحسب ، بل كان "كمساري" الترام نفسه يعاني من هذا النوع من الوله ، فحدث أن صعدت سيدة جميلة واضحة النبل والغنى والحشمة في الترام من المحطة الواقعة أمام المدرسة السنية ، وأخذت مجلسها فى المكان المحرر للسيدات ، وما أن رآها الكمساري حتى لجأ الى الوقوف بباب الحريم ، وجعل يفتل شاربه تارة وتارةً يميل طربوشه ، وأخرى يسوي ردائه الأصفر ، وحيناً يثبت (النمرة) في موضعها من عنقه ، وحاجباه أثناء ذلك لا تفتر عن التلعب وشدة الاضطراب. ولا يترك هذا الموقف ولا يتحول عنه إلا إذا وقف القطار فما هو إلا أن ينفخ فى (زمارته) حتى يثبت موقفه فيصلح من ثيابه ما كرشت منها حركة النزول والصعود ، ثم يعود إلى شأنه مع تلك السيدة ، وظل على هذا لا يقطع لراكب تذكرة ، ولا يبالي من هبط ومن صعد حتى بلغ القطار ميدان الأزهار ، فثار لهذا الحال بعض الركاب ، وإن سرَّ به آخرون ، بما وَّفر عليهم من قروشهم ، فوثب إليه من بين الركاب رجل غيور من الظرفاء وصكه على صدغه بجمع راحته ، وقال له : يابن ال... هب أن هذة السيدة وقعت فى شرك غرامك وسألتك النزول معها لنزهة تقضيان فيها حقوق الغرام ، فلمن تدفع الآن هذا (الخرج) المعلق فى رقبتك ، وأي فم يقوم مقام فمك لهذة (الزمارة) التى في يدك؟! فكان ضحك وكان اغتباط.
وحدث أن فريقاً من الأفندية يقف عند محطة الترام التى أمام المدرسة السنية لمعاكسة طالباتها عند خروجهن من المدرسة ، وبعد أن تم القبض عليهم تعهدوا بعدم الوقوف مجدداً ، ولكن الطالب عبد الحميد الشرقاوى وهو أحد من تم القبض عليهم أكد لزملائه أنه فى حِلٍ من هذا التعهد ، وأنه حر فى الوقوف "مطرح مايعجبه".
ويبدو أن القطار والترام هما مكان المغازلة الرسمى ، فنجد أن أحد ركاب القطار ألف مقطوعة شعرية يعبر فيها عن حبه بمحبوبته التى التقى بها فى القطار قائلاً :
رأيتها فى القطـار فى أزرق مــن أزرار
كأنها البدر يــجلو سماوة الأسحــــــــــــار
لا تيأسي كل شمل مشتت لقـــــــــــــــــرار
لا تحزنى كل ثغــر معبس لافتــــــــــــرار

انتقلت العدوى الى السياسيين حيث روي في عام 1926 ، أن خرج عضو من أعضاء الوفد وكان معه صديق غير وفدي ، وسارا الى أن وصلا الى الرصد خانة فانعطف الصديق غير الوفدي الى كوبري القبة ، وأراد هذا العضو أن يعود فشاهد سيدات يسرن متنزهات قاصدات منشية البكرى ، فسار خلفهن ، وأراد أن يكون له نصيب منهن ، ولما أبصرنه وعلمن أنه صاحب صورة نُشرت بجوار النحاس ووليم (ابن مكرم عبيد) وغيره من أعيان الطائفة الوفدية ، آلمهن أن يكون من الوفديين، وكان من بين السيدات فتاة (سبور) فى الأخلاق ، لا سافرة ولا متبرجة ، فسارت بخطى متباطئة ، وكلما سارت خطوات تلفتت ، حتى إذا وصلت الدار دخلتها ، لا صافعة ولا لاعنة ، ولكنها قالت له انتظر قليلاً ، حتى أخلي الطريق وأعود ، فوقف يصلح ملابسه ، ويترقب صدور الإذن بدخوله الدار ، ولكنه فوجىء بنصيبه من الماء من شرفة المنزل حتى يفيق من غشية المغازلة .
كما كان لأبناء الوزراء نصيباً من الوله بالمغازلة فحدث فى عام 1926 أن أقيم معرضاً بالقاهرة وقد خصص يوم الأربعاء للسيدات فقط منعاً للتحرش أو المضايقة من قبل الجنس الخشن ، والحادث هو أن شاباً ابن وزير فى تلك الآونة ذهب مع شاب من أهل طبقته فى بعض أيام الأربعاء المخصصة للسيدات ، فتسلقا الحاجز بين المعرض والنادي الأهلى ، وما هي إلا وثبة حتى كان داخل المعرض ، طمعاً في إرضاء شهوة العين والتلفظ ببذىء الكلام ومضايقة الزائرات من السيدات.
وفى فترة الأربعينات كانت هند رستم فى أوج جمالها وشبابها ، وقد اعترفت بإنها تهوى ارتداء الفساتين والبنطلونات الضيقة ، ولكنها كانت تعرف كيف تحمى نفسها من معاكسة التلاميذ فى الطريق ، فقد اعتادت الاستماع إلى معاكسات الشباب وعبارات الغزل التى يلقونها على الفتيات فى الشوارع ، ولكنها لم تكن تصمت إذا تمادى أحد منهم فى معاكستها ، وكان لها من الجرأة ما يجعلها تمسك بتلابيبه ، وتلقى عليه درساً ب(حذائها) دون أن تعبأ بالتفاف الناس حوله.
ولم تكن هند رستم تقضي وقتًا أحب إليها من الوقت الذي تمضيه في ركوب الدراجات بمحيط منطقة الزمالك الراقية وفي شوارعها الهادئة خاصةً في الصباح الباكر، لذلك فإن يومها كان يبدأ مبكراً باستئجار دراجة لمدة ساعة بخمسة قروش من أحد محال الدراجات بالزمالك ، ولكن تطفل المارة في بعض الأوقات كان يُفسد على هند بهجتها مع رياضتها المفضلة ، وذكُر أن اعترض طريقها ذات مرة أحد جيرانها من الشُبان بدراجته ، وأخذ يكسر عليها حتى اختل توازنها وسقطت على كوم من (الجير) ، فنهضت على الفور ونفضت ملابسها، ثم أمسكت بالشاب وصفعته على وجهه صفعة قوية ، فركب دراجته في صمت وذهول وأسرع بالهروب خوفًا من الفضيحة.
وكان للسينما نصيباً من عرض تلك الظاهرة في هذة الآونة ، ففي فيلم بين القصرين قدم الفنان عبد المنعم إبراهيم نموذج فريد للمعاكسة حيث المنشة والطربوش، والسير خلف الأنثى الفريسة، مع ترديد بعض الكلمات التى ليس لها معنى مثل "أموت أنا" ، مع تلعيب الحواجب وبرم الشنب الذي هو من وجهة نظره رمز الرجولة.
ثم كانت معاكسات أهل الحارة من المعلمين، ويا صفايح الزبدة السايحة يا براميل القشطة النايحة ، وقد عبر عنه عبد الفتاح القصري تعبيراً قوياً.
أو معاكسات أهل الطبقة الراقية وكانت معاكساتهم راقية أيضاً ، فيبدأن بترديد عبارات التعارف مثل "بنسوار ياهانم" ، "وأحب أعرفك بنفسي" ، مع حركة غريبة للرقبة أو إرجاع خصلة الشعر للخلف مثل أنور وجدي في بعض معاكساته.
ويكون الرد في بعض الأحيان مماثلاً لرد تحية كاريوكا في فيلم لعبة الست، حيث وصلة من الردح والتريقة، وتعبيرات مثل "أنا ما سمحلكش" أو "انت إزاي تتجاوز حدودك" أو تقول "قلة أدب" وتنصرف في قمة الغضب ، ويمكن أن يصل في بعض الأحيان لاستخدام "المركوب" أي الحذاء.
لم يصمت المجتمع أمام هذة الظاهرة فاجتمعت كل فئاته من مثقفين ومفكرين وسياسيين ورجال دين وجمعيات ومؤسسات وهيئات حكومية على مواجهتها ، وعرضوا العديد من الحلول وكان أشهرها ؛ تيسير أمور الزواج للعزَّاب ، وفرض ضريبة على المتبرجات من النساء ، وسن قانون رادع لمرتكب تلك الجريمة.
كما وقفت كل صحف ومجلات المحروسة موقفاً واحداً ضد التحرش ، فكانوا قلباً وقالباً ضد التحرش والمعاكسة لكنهم اختلفوا بطبيعة الحال حول مسبباتهما ، ومن ثم آرائهم في حل القضية والحد من هذة الظاهرة ، فرأت بعض هذة الصحف أن السبب فى هذة الظاهرة هو عزوبة الرجال ، ورأى بعضها هو أزياء المرأة وتحررها ، ورغم هذا فقد اتفقت في عامل واحد ألا وهو ضرورة تدخل السلطة لحماية الآداب العامة.
وبرغم هذا لم يكن هناك قانون واضح يُعمل به كقانون للتحرش يدين الفاعل ويحفظ الفتاة المصرية ، لذلك تصرف رجال البوليس بمقتضى الحال وفقاً لتقديرهم ، فتارة يقبض رجل البوليس على الفاعل لكنه يفرج عنه لعدم وجود تهمة تدينه فى القانون المصري ، وتارةً أخرى يتركه لأنه لم يفعل جريمة يعاقب عليها من وجهة نظره.
في عام 1937 وبعد هوجة الاختلاط التى أشعلها جماعة الإخوان المسلمين ، سُن قانون التحرش والذى ينص على الحبس والغرامة لكل من يتعرض للنساء ، ورغم هذا ظلت الظاهرة منتشرة لأنه لم يعمل بهذا القانون ، وإنما كان حبراً على ورق.
وفي النهاية ، فإنى لا أكتب من أجل الماضي لنتحاكم حوله أو عنه أو لنحاكمه ، فقط أدون بحثا عن دروس لما هو آتٍ من أيام.



#مصطفى_محمد_مهران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة والدين والأخلاق
- المصلحة
- بيع الأثار بين إحلال الدين وتحريم الدولة
- المرشد السياحي : حكاية مهنة تحتضر


المزيد.....




- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...
- إيه الحالات اللي بتحتاج استئصال للرحم؟
- بعد خلاف حول الحجاب .. فرنسا تقاضي تلميذة اتهمت مدير مدرستها ...
- -موقف محرج-.. تداول فيديو استقبال ميقاتي لرئيسة وزراء إيطالي ...
- طفل أوزمبيك.. كيف يزيد سيماغلوتيد خصوبة المرأة وهل يسبب تشوه ...
- النساء يشاركن لأول مرة بأشهر لعبة شعبية رمضانية بالعراق


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - مصطفى محمد مهران - التحرش والمغازلة في النصف الأول من القرن العشرين