أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - الوعي .. هذا اللغز الأزليّ














المزيد.....

الوعي .. هذا اللغز الأزليّ


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 5361 - 2016 / 12 / 4 - 17:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الوعي .. هذا اللغز الأزليّ
مهدي بندق

يتصور البعض أن العلم الحديث ليس له أن يبشر بنتائج تتجاوز فكر أرسطو – على المستوى الفلسفيّ – من حيث تأكيد المعلم الأول على رسوخ مبدأ السببية ، بما يعني أن كل أفعال البشر وغيرهم من المخلوقات خاضعة لجبرية مطلقة ، وبما يعني أيضاً قدم المادة واستغراقها، وآية ذلك - بحسب قول هذا البعض - أن البيولوجيا والفسيولوجيا المعاصرتين تعدان الوعي وظيفة من وظائف المخ ، وهو تصور يعد تحديثاً Modernizing لما بيّنه أبيقور من أن ثنائية المادة / الروح عليها لا يمكن إثباتها بالدليل "المادي " وهو قول صحيح وإن قاد إلى باطل ، من حيث أن الذين يطلبون دليلا ماديا على وجود شئ غير مادي إنما يمارسون نوعا من العنت والمصادرة على المطلوب .
ومع ذلك ، وبعيدا عن أصحاب الفلسفات المادية الخالية من الروح أمثال أرسطو وأبيقور وجون لوك الزاعمين أن ما قالوه هو الكلمة النهائية في الموضوع ؛ فإن العلم التجريبي لم يتوقف لحظة عن البحث في طبيعة الكون الذي نعيش فيه ، بما في ذلك هذا الكيان الباحث نفسه والمسمى " العقل " . فكانت أولى النتائج البحثية ذات الاعتبار الإقرار بأن الكون وإن صنع من خامة واحدة إلا أنه لا يمكن اختزاله إلى مادة Material خالصة أو حتى عقل Reason خالص . وتؤكد الفيزياء الحديثة هذا المعنى باعترافها بالطبيعة المزدوجة لظاهرة الضوء ، وحين يبرهن علم النيورولوجيا على أن انقداح الضوء على خلايانا العصبوية الحاملة لطول الموجة هو ما يترجم في المخ إلى صورة للشئ الموجود بالخارج ؛ فإنه – أعني علم النيورولوجي – ليعجز عن تفسير الأثر النفسي والوجداني بهجةً أو دهشةً أو حزناً أو ضيقا لهذه المعالجة العصبوية المخية . فمن أين تأتي إذن هذه المشاعر ؟
هنا نرى أن جون سيريل الذي هو أكثر فلاسفة العلم انفتاحا ً- وإن لم يتخلص تماماً من نظرية الخامة الواحدة - يقف مبهوتاً أمام وجود الفجوةGap بين ما هو مادي صرف وما هو وجداني ، حتى أنه أعلن رفضه للقول بأن الشعور ليس أكثر من ظاهرة مصاحبة للمادة . وهكذا فإن سيريل الذي ألقي الضوء على المشكلة ولم يجد حلاً نهائيا لها ، أبقى الباب مفتوحا على مصراعيه لمزيد من البحث والاستقصاء ، ليس أمام علماء البيولوجي والفسيولوجي والنيورولوجي فحسب ، بل ولفلاسفة الجمال وربما أيضاً للقديسين والمتصوفة .
في هذا الاتجاه يدفع العالم الفيزيائي ورئيس " Queens Collage " بول كنج هورن مؤكداً أننا شخصيات " مستديمة " تملك نفوسا روحية هي التي تؤدي أدوار التواصل بيننا وبين الآخرين ، ومحال أن نكون مجرد وسائل ملائمة لإطلاق الأحاديث ( كأننا أجهزة حواسيب متطورة بُرمجت لتجيب على الأسئلة ) ولهذا فكنج هورن يلقي بالقفاز متحدياً فمن إذن المتحدث ؟!
وأنا أوافقه على ما طرحه بهذه الصيغة الاستنكارية ، فنحن لسنا مجرد أبواق ، بل نحن كائنات بشرية تملك الحرية في أن تتحدث أو تصمت . ولكنني أمضي لما هو أبعد من سؤاله ، الذي قصد به أن تكون " الأنا " إجابته الناجزة ، أعود لأسأل عمن يكون المتحدث الحقيقي ؟ إننا نرى على شاشة التليفزيون – بطريق البث المباشر – رئيس الدولة يوجه لنا خطاباً هاماً . ونحن نسلّم بأنه تحدث إلينا فعلاً ، وفي الواقع لقد تحدثت إلينا صورته ، أما هو بذاته فخارج الشاشة . هكذا أنا حين أحدثك.. صورة تكلم صورة . وليس في الأمر خداع من أي نوع ، بل حقيقة وان كانت نسبية ، فأنا صورة حقيقية لأصل خارج المشهد الفعلي ، ولو كنت أنا أصلا لذاتي لكنت خالقا لنفسي ، وهذا باطل واضح .
بهذا الإدراك ومستعيراً ابن عربي أقول : إن المتحدث على الأصالة هو الخالق ، ونحن ( صور وجوده ) نتحدث بحرية هي ملك لنا باعتبارها منحة من خالق كلي القدرة [ ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين ، ولأن هذا الخالق حر حرية مطلقة فلقد صار منطقيا أن تكون لمخلوقاته = صُوَرِه ، نفس القدرة على التحدث بحرية وإن كانت حرية نسبية جراء حلولها في أبدان ، هي بلا ريب محكومة بقانون السببية ، القانون الذي يطبق على كافة أجهزة البدن بدء من عضلة القلب وانتهاء بالمخ مرورا بالجهاز العصبي والعضلات والأعضاء الحيوية و....الخ
فماذا عن الجانب المقابل من الفجوة ؟ ماذا عن الوعي ؟ ذلك هو السر الذي يتأبى على البدن أن يفض مغاليقه ، وهو السر الذي تتعطل السببية إزاءه ، فهو مناط الحرية ، والسبيل الأوحد إلى المعرفة الحقيقية . أين مكانه ؟ إنه بلا مكان وأيضا بلا زمان ، فالكون الذي نعيش فيه ذو طبيعة مزدوجة : الأولي مكانية زمانية ، أما الثانية فتعلو على التحدد حيث عالم الأزل الذي لا يعرف الفناء . ولأن الطبيعتين مرتبطتان ارتباطا وثيقا فلقد نرى البدن يتوق الي الخلود مثل صاحبه الوعي ، وله الحق في ذلك ( بحكم الغيرة والجوار ، فيطمح الناس إلى البقاء بأجسامهم بعد الموت ! فهل ثمة إمكانية لتحقيق المراد؟ تبشر المسيحية بالقيامة في شخص يسوع الذي قام فعلا من الموت بعد أيام ثلاثة حسب الإنجيل ، أما الإسلام فيشير إلى قيامة كل فرد بذاته في الصورة التي تناسبه والتي يستحقها بناء على ما قدمت يداه في الدنيا ، وما من شك في أن هذه الرؤية لتتسق مع متطلبات الوعي ، وبها تكتمل الدائرتان الوجودية والمعرفية ولو بالأقل من وجهة نظر معينة تحاول أن تقترب من الساحلين : العلم والعقيدة الدينية . ولا يزال البحث جارياً .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن النظرية والنقد الذاتي
- الفيزياء الحديثة وتجديد الخطاب الديني
- وظيفة دين النبوات في عصرنا
- عن أضاليل الرأسمالية وتعثر الاشتراكية
- العلم والدين على خلفية النسبية والكوانتم
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم - مصححاً
- الملحدون والمؤمنون وفلسفة النسبية والكوانتم
- عن الإلحاد والعلم وسيد القمني
- عن الإلحاد والحرية وما وراء العلم
- حرية الإلحاد محض عبودية
- قصتنا مع أثيوبيا عبر التاريخ
- أنطولوجيا القصيدة الشومانية
- إستدراج مصر للحرب في أفريقيا
- قصيدة : لإيلافكم رحلةَ الوجود والعدم
- موت سهيلة بين الدنيوي والمقدس
- يناير ويونيو .. ثوار ولا ثورة
- إسرائيل تستدرجنا للحرب في أفريقيا
- مغزى قطع رأس طه حسين
- جيش مصر يكبح جماح العثمانيين الجدد
- المهام العاجلة لمؤرخينا الجدد


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - الوعي .. هذا اللغز الأزليّ