أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - حرية الإلحاد محض عبودية















المزيد.....

حرية الإلحاد محض عبودية


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 - 12:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



حرية الإلحاد محض عبودية
مهدي بندق

جاءتني مجموعة قصصية تبدأ بتسجيل فقرة لأديبنا العظيم نجيب محفوظ ، قوامها سؤال الكون عن سره ، والحياةِ عن مصدرها ، والعواطفِ البشرية عن كنهها. والحقيقة أن أدب نجيب محفوظ إنما يتمحور جميعه حول هذا التساؤل، سواء في مراحله الأولي( مثل السراب والثلاثية وثرثرة فوق النيل) حيث تشير الصيغة الواقعية إلى عنف الوجع المتربع على عرش الحياة الاجتماعية ، أو في مرحلته الرمزية ( الطريق والحرافيش وأولاد حارتنا ورأيت فيما يرى النائم ) حين تتسع عدسة الرؤية محاولة سبر غور " الما وراء " وفي جميع الأحوال فالعمل الروائي عند نجيب مستوف تماماً لشروط اللغة والقواعد الفنية كالحبكة وخصائص الشخصيات ، والمقدمات المنطقية التي يعبر عن غاياتها العمل الأدبي في مجمله.
لن أذكر اسم صاحب هذه المجموعة ( كي لا أعرّضه لرد فعل متطرف ديني لا يؤمن بمبدأ الحوار الفكري ) أما أنا فأقول إن استدعاء هذا المؤلف لفقرة نجيب محفوظ لا غرو قد أُريد به أن يمهدنا لقراءة مجموعته بوصفها امتداداً لأعمال روائي العربية الأشهر. بيد أننا حين نفرغ من قراءة المجموعة نكتشف بعد الشقة بينه وبين نجيب محفوظ ، فلا نذكر مما قرأناه عند صاحب المجموعة سوى الخلط الذهني ، واللغة المضطربة المليئة بالأخطاء النحوية والصرفية والإملائية ، فضلا عن أخطاء الإحالة مثل قوله عن نظرية الأكوان المتعددة أنها من وضع آينشتين والصواب أنها تعود إلى الفيزيائي هيو ايفريت عام 1954 حيث ضمّنها أطروحته للدكتوراه بجامعة برنستون.
ومع ذلك فإنا لا أنكر جدية المؤلف وانطواءه على الهموم الوجودية الكبرى مثل قضية العدم قائلاً ( لا شئ يحتفظ بي في ذاكرته ، هذه النجوم ليست نجومي ، فهل كان لابد أن آتي ؟ ) ومثل قضية الدين حيث يصرح ( أنا ملحد من زمااااااان) القضية التي يتبناها طوال الوقت، مستنداً – ربما - على موقف ديفيد هيوم مَنْ نسف للدليل الأنطولوجي الذي سبق وقدمه الوسطى القديس " أنسلم " Saint Ansleme ( دليل النظام الأكمل ) من حيث اعتمد عليه فيلسوف القرن الحادي عشر للبرهنة على وجود الله ، فظل دليلاً مقبولاً تتباهى به فلسفةُ القرون إلى أن قام هيوم في القرن الثامن عشر برصد مظاهر العشوائية والنقص والشر في الكون ، ليثبت أن كوناً كهذا لا يمكن أن يكون صنيعة إله كامل خيّرٍ كلىّ القدرة . بل وزاد هيوم على ذلك بإنكار " السببية " كمبدأ حاكم لأبستمولوجيا عصر نيوتن ذاته .
هنا لا بد من وقفة نتأمل فيها كيف ومتى يكون القول بإبطال السببية صحيحاً ومتى لا يكون .
في نظام نيوتن حين يقع حدث يتلوه آخر يسمى الأول سبباً والثاني نتيجة ، وقد حاول هيوم – كما ذكرنا آنفاً - نفي مبدأ السببية ذاته اعتماداً على نسق العلم التجريبي من حيث عدم استطاعة الباحث رصد المبدأ ذاته عن طريق الملاحظة والتجربة . أما حين تربعت النسبية على عرش ابستومولوجيا القرن العشرين ، فقد ثبت بالدليل الرياضي – وبعده بالدليل الفيزيائي أن السببية Causality تُنفَى ليس لأنها حسبُ تغيب عن إدراك الذات ، بل لأنها على مستوى أنطولوجيا الكون غير مؤكدة . مثلا لو أن راصداً على كوكب الأرض لاحظ وقوع الحدث ( أ ) تلاه وقوع الحدث ( ب ) لاستنتج أن ( أ ) هو سبب و ( ب ) نتيجة له .
والآن لنتصور- تبعاً لنظرية الأكوان المتعددة - كوكباً توأماً لكوكب الأرض يتحرك في نظام زمانكيّ مختلف بحيث يتجه في زمانه الخاص عكس اتجاه أخيه ، لا غرو أن الراصد الموجود فوقه سيرى ( ب ) تقع أولا يتلوها ( أ ) فهل من عجب لو تصور أن( ب ) سببٌ لـ ( أ ) ؟ أين إذن الحقيقة ؟
الإجابة : لا توجد حقيقة مطلقة ، توجد – حسبُ – حقائق ذاتية متاحة . وكل حقيقة متاحة تُنسب لملاحظها دون سواه ، ومن ثم فالأحداث في حد ذاتها لا تعرف – أنطولوجياً – ما يسمى بمطلق السببية .
فما معنى هذا ؟
معناه أن الكون لم يُصَمْم تبعاً لنموذج ميكانيكي خاضع لحتميةDeterminacy لا فكاك منها ، إنما هو كون أعظم من ذلك بكثير ، السببية فيه تُدرك لا بشكل مطلق ، ولكن داخل نظام معين لا تتعداه ، وقد اعترف بذلك حتى أصحابُ اتجاه الحتمية الجديدة أمثال الفيلسوف الأرجنتيني ماريو بونج Mario Augusto Bunge فهي ليست خرافة ولا هي ترياق لكل داء Neither Myth nor Panacea إنما هي تُدرك فقط – بواسطتنا فقط - في عالمنا الكبير " الماكرو . بيد أنها غير معروفة في أنظمة ما دون الذرة حيث يغيب اليقين وتسود قوانين الاحتمالات بحسب مبدأ اللا تعيّن Principle of Indeterminacy الذي أرساه هايزنبرج .
لكن مؤلفنا لا يعي شيئاً من رحلة الفكر والفيزياء عبر هذا التاريخ المتأجج بالمتغيرات المعرفية ، ولذلك تراه يجمد في مجموعته القصصية عند مرحلة " هيوم " التأملية المُكرِّسَة للعشوائية ، لذا فمؤلفنا يعرض علينا صوراً للموت دون سبب في كل بيت ، وللسرطان دون علة في كل جسد ، ولتدهور القوى الذهنية عند الناس في كل تظاهرة ومسيرة ( مثلا تصديق الجماهير لعبد الناصر يوم ألقى خطاب التنحي الشهير) وللخيانة في كل علاقة عاطفية ، وللفقر في كل حال. وكلها أمثالٌ تشي بعدم وجود إله راعٍ لمخلوقاته .
لو كنا بصدد مناقشةٍ مع ديفيد هيوم لحاججناه بأن نقده انطلق من نفس تصور القديس " أنسلم " للخالق بأنه "شخص" مثل البشر وإن كان كبيراً بما لا يقاس ، لكنه في كل الأحوال شخص يصيب ويخطئ ، وهو تصور حسمت الداروينيةُ أمره – فيما بعد – بقولها إن الحياة لم تُخلق بصورة سابقة التجهيز كاملة الأوصاف بيد خالق مفارق ، صنع كل نوع على حدة بالهيئة التي هو عليها الآن ، ولم يكن قولها مجرد رأي ، بل قدمت الأدلة على أن الحياة تطورت تدريجياُ عبر عمليات لا تتوقف من التجربة والخطأ، ومن التغير والاختيار.
وإذا كانت الداروينية قد برهنت على صحة نظرية التطور في جانبها التقني بما يشجع على القول باستغناء الكون عن خالق مدبر، إلا أن هذا الزعم لم يكن أكثر من استخدام للاستقراء Induction ( الذي برهن فيلسوف العلم " كارل بوبر " على تهافته ) للوصول بذلك الاستقراء إلى غاية مضمرة هي انتفاء الخالق ما دامت الطبيعة تعمل وحدها بآلياتها الخاصة . لكن ذلك الاستنتاج – على المستوى الإبستيميّ – خطأ لا غش فيه .
وآية ذلك أنه ليس فيما أتت به الداروينية ما يمنع وجودَ خالق يباشر عمله بأسلوب متعالٍ على أسلوب الخلق المباشر Creation -dir-ect الذي نراه عند صانع التماثيل . فما الذي يمنع أن يكون هذا الأسلوب المتعالي هو طريقة الخلق المستمر بواسطة قوانين طبيعية تصيب غالباً وتخطئ أحياناً - بحكم كونها مخلوقة – ومن ثم تتاح الفرصة لأرقى المخلوقات ( الإنسان ) أن يكافح لتصحيح ما هو خاطئ ، مكافحاً بالضد على الأوبئة والأمراض والكوارث الكونية وسائر الشرور ، وإلا فما هو دوره ؟!
ذلك ما كنا أحرياء بقوله لهيوم ، بيد أننا هنا نناقش أديباً خلفيته الثقافية أفلام الخيال العلمي مثل Matrix و Knowing ( وحتى هذه يغيب عنه مغزاها ) أديباً مرجعيته في الشعر قصيدةُ النثر التي يظن أنها وحدها راية الإلحاد ، دون وعي بتراث أبي العلاء المتقلب بين الإلحاد والتقوى في الشعر العربي ، ودون اطلاع على تمرحلات عمر الخيّام بين الشك واليقين ، وجميعها كانت تجارب عقلية ووجدانية مرجعيتها نظام معرفيّ سمح لها بذلك .
من هنا نقول إن مؤلف المجموعة ليس حراً في أن يقتنع بعبثية الكون وعشوائيته اعتماداً منه على نموذج Paradigm فيزياء ما قبل الكوانتم المادية الصرف .
فالفيزياء المعاصرة التي باتت تعمل في سياق قوانين الاحتمالات برهنت بالمعادلات الرياضية على وجود طبقة عميقة تحت متصل الزمان/ المكانSpatiotemporal فيها تكمن منابع الأحداث ، طبقةٍ تنقلنا من المادية إلى الذهنية الخالصة التي لا ترفض أن تتعطل السببية في ظروف معينة ( لا بتشنجات هيوم الدوجمائية بل على خلفية مبدأ هايزنبرج في اللا تعيّن بمعادلاته ذات النهج الإحصائي الاحتمالي ) ففي عالم ما دون الذرة تتراجع الحتمية المطلقة Absolute Determination ويُفسح المجال لقدر من الحرية للإلكترون ، ما يشي بإمكانية تواجدها في فعاليات العقل البشريّ ( ولا أقول المخ البشري ) العقل المنتمي للبرمجيات وليس للخردة البيولوجية .
فالحرية – التي تختار بالبديهة الإيمان بوجود خالق عظيم - هي الرد الأوفى على عقم النموذج الميكانيكي الحتمي للكون الذي " تقيمه " على مبدأ العشوائية وعدم التدبير الواعي . فالعقل لو سلّم بالعشوائية فإنه لا ريب سيُقاد إلى نفي وجود الإله ، ونفي وجود الإله يُلقي بالكون جميعاً في العشوائية وهكذا دواليك . تسلسل ودَوَر منطقي نظل سجناءه إلى الأبد .
وبالمقابل فالنهج الجدْليّ Dialectic Method ينجح في حل المعضلة بفضل قدرته على دمج الدعوى thesis ( الخالق) بنقيضها ِAntithesis (المخلوق) في مركّب Synthesis لا يمكن فصله مرة أخرى ، مركّب يضم الاثنين معاُ في وحدة وجودية شاملة ، هي ثمرة الحرية الكونية التي تزدهر في الطبقة العميقة للوجود حيث منابع الأحداث ، كما تزدهر في العقل الإنسانيّ سواء بسواء .
لهذا قلت إن هذا المؤلف ليس حراً ( بالمعنيين الأنطولوجي والإبستيميّ ) فيما قدمه من قصص لأنه في واقع الأمر خاضع لأوهام سجن المادية الواحدية الفلسفيّ ، التي تنكر هي ذاتُها حريتَها ابتداءً ، وبالتالي فهي تشجع التجارب الأدبية النيئة ، المضطربة فكرياً وفنياً ، والفقيرة في مصادرها المعرفية .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصتنا مع أثيوبيا عبر التاريخ
- أنطولوجيا القصيدة الشومانية
- إستدراج مصر للحرب في أفريقيا
- قصيدة : لإيلافكم رحلةَ الوجود والعدم
- موت سهيلة بين الدنيوي والمقدس
- يناير ويونيو .. ثوار ولا ثورة
- إسرائيل تستدرجنا للحرب في أفريقيا
- مغزى قطع رأس طه حسين
- جيش مصر يكبح جماح العثمانيين الجدد
- المهام العاجلة لمؤرخينا الجدد
- الإخوان مشكلة إستراتيجية لأمريكا
- هل تصبح مصر حصان طروادة لأمريكا ؟
- السلفية المصرية ولاهوت التحرير
- أمريكا تغرق فأين جبهة الإنقاذ ؟
- طريق يناير إلى الاشتراكية أو غيرها
- الرئيس رشدي بين دراكولا وكافكا
- ضرورة أن يأخذ السلفيون وقتهم
- إسرائيل جريمة العصر والفلسطيني التائه
- اليسار المصري صاعد ولكن بشروط
- هل يترك المثقفُ شعبه غافلاً ؟


المزيد.....




- إيران ترفض المفاوضات مع أميركا قبل وقف الهجمات الإسرائيلية
- إيران تقدم 3 -مطالب- لعقد مباحثات مباشرة مع أمريكا
- الخارجية الأمريكية: مئات المواطنين فروا من إيران وآخرون يواج ...
- إسرائيل تقصف منصات ومستودعات صواريخ غرب ووسط إيران
- غزة.. عشرات القتلى بنيران إسرائيلية وتحذير من الجفاف
- ترامب يرد على سؤال حول إمكانية إرسال قوات برية في حالة التدخ ...
- قاضٍ أميركي يأمر بالإفراج عن الناشط المؤيد لفلسطين محمود خلي ...
- إيران تستهدف إسرائيل بصواريخ ثقيلة وتطلق مسيرة على خليج حيفا ...
- بوتين: روسيا تبني لإيران مفاعلين نوويين إضافيين في بوشهر
- من المسؤولة الأميركية التي كذبها ترامب وماذا قالت عن إيران؟ ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مهدي بندق - حرية الإلحاد محض عبودية