أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - كارل ماركس في العراق / الجزء السابع والعشرون















المزيد.....

كارل ماركس في العراق / الجزء السابع والعشرون


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 5338 - 2016 / 11 / 9 - 17:28
المحور: الادب والفن
    


بعد أن ملّ الجلوس والنوم في المقهى لثلاثة أيام، يُزق فيها الشاي من يد أبو داوود ويُطعم من طعام أبو عفيفة مثل فرخ طير كسير، ويستمع لهذر جلاس المقهى وروايات أبو رجب عن أستاذ عبد القادر. جازف كارل ماركس وقرر القيام بجولة بين أزقة السوق. توقف عند جميع المحلات وتمعن في البضائع التي تعرضها العربات الجوالة والأكشاك الثابتة وصل نهاية الزقاق ثم عاد أدراجه، شعر برهبة المكان، فالضجيج والزحام وتنوع البضائع ووجوه الناس الشاحبة المتعبة اللاهثة لا تدع للمرء قدرة التركيز والثبات حول فكرة واحدة. عاد ليجلس جوار أبو عفيفة لبضع ثوان ثم نهض بعجالة واتجه صوب وسط السوق. كان أبو عفيفة يعاينه وابتسامة عطف ترتسم على شفتيه وراح يهز يده استخفافًا. توغل ماركس بعيدًا في زقاق جديد ثم آخر، بعد ذلك فاجأته استدارة أجبرته العودة ثانية لذات الزقاق، وأخيرًا قادته قدماه للخروج من فتحة للسوق أوصلته إلى شارع أسفلتي عريض بممرين للسيارات ونفق، تزدحم العربات فيه بشكل غير عادي. توقف لينظر ما حوله ويراقب حركة سير الناس والعجلات. كان الزحام على أشده وأصوات السيارات تختلط مع أصوات الباعة. على يساره يمتد جدار أسمنتي عالٍ يحجب واجهات الدكاكين والبضائع عن الشارع الإسفلتي. سار محاذرًا ارتطام الأجساد في الممر الضيق المزدحم جراء كثرة البضائع المعروضة في الواجهات وعلى جانبيه، فلم يترك للبشر سوى فسحة ممر يتعذر السير خلالها. لم يشاهد في حياته مثل هكذا زحام مربك غير مرة سابقة كانت في أحد أسواق الجزائر. وحتى ذلك الوضع الذي شاهده في الجزائر العاصمة، لم يكن بمثل هذه الحال من الفوضى.
نعم يتحالف أصحاب المصالح الكبرى لخلق مثل هذه الفوضى لتمرير بضائعهم وتحقيق مآربهم والعمل على إشاعة الأساليب الملتوية ليعيشوا وجهاء على حساب هذه النسب العالية من الباعة المسحوقين. الجميع هنا يتدبر أمره كيفما يستطيع، فهم يجدون أنفسهم متروكين يواجهون مصيرهم لوحدهم،على الأقل هكذا يوحي منظرهم. أغلب هؤلاء صغار يعملون دون ضمانة للحاضر أو المستقبل، وتراهم يتنافسون في يومهم من أجل لقمة العيش بصراع ظاهر ومستتر، فلقمة العيش تفرض مثل هذا الاقتتال. هكذا فكر ماركس بعد أن شعر بعدم قدرته على احتمال هذه العشوائية والوضع المربك، ومن الجائز أن يفقد في نهاية جولته طريق العودة، فقرر الرجوع من حيث أتى. عرج ماركس عائدًا ودخل الزقاق القريب متوجهًا نحو مقهى أبو داوود. بعد استدارة قصيرة أجتازها بصعوبة دخل في زقاق، شعر فجأة وهو يدخله بأنه أضاع الطريق، فراح يتلفت حوله في محاولة للتعرف على دلالات ممكن لها أن ترشده إلى الطريق الصحيح. كلما توغل في الأزقة المتشابهة والمتشابكة كان يفقد المكان، فشعر وكأنه داخل لعبة متاهات الممرات المغلقة. بدأ التوتر يسيطر عليه وأصبح في حالة نفسية معبأة بالهواجس غير المريحة، فهو لا يريد ولو لفترة قريبة أن يفقد المكان الذي التجأ إليه، وكذلك لا يود في هذا الوقت الابتعاد عن صحبة أبو داوود وأبو رجب وتصوراتهم الطيبة عن أستاذ عبد القادر الذي حل هو بديلاً عنه، وأيضًا أبو عفيفة وسخاءه وطيبته.
باتت المقهى تعني لماركس الكثير، فهي ليس فقط مكاننا للمبيت، وإنما يجد فيها الحماية ضد التهديد والعنف، حتى وإن كانت تلك الحماية مؤقتة وجاءت عبر وساطة أبو عفيفة. يدرك الآن أن ما حدث لهذا المجتمع كان كبيرًا وقاسيًا جدًا، لذا فالعدوانية ظاهرة طبيعية عند البشر وبالذات الذين مورست عليهم ضغوطات كبيرة وواجهوا عدوانية مسلطة بشعة ومجرمة مثلما يتحدثون عنها، لذا فهم يفرغون ردود أفعالهم بممارسة العنف ضد الأضعف منهم، وهو اليوم وفي مثل هذه الظروف يبدو الأضعف في هذه المعادلة. فهو شخص تائه وحيد دون أوراق ثبوتية وأجنبي بين أناس لا يفقهون ما يريده، ويتوجسون من الغريب، وها هو الآن يمارس طقوس الخداع والتمويه ليحصل فقط على الطمأنينة ليس إلا.
أين مقهى أبو داوود في هذه الفوضى والتخبط. ليست بأزقة كبيرة أو كثيرة ولكنه أضاع فيها طريقه بسبب عشوائية المحلات والاكشاك والعربات. تجرأ وسأل صبي يقف عند عربة لبيع أقراص الأفلام.
ــ هل تعرف أين تقع مقهى أبو داوود؟
ــ ليش عمي شتريد منه؟
ــ لا أريد شيئًا فهو صديقي وأريد أن أستدل على مكانه.
ــ أبو داوود عده صديق أجنبي!
ــ ماذا تعني أجنبي؟
ــ أنت مو أجنبي لو ويه الجماعة؟
ــ وكيف عرفت أني أجنبي؟
ــ مبين من حجيك... ما عدنه واحد يحجي هلشكل إذا مو اجنبي، لو شو شنو.
ــ جيد وأين تقع مقهى أبو داوود.
ــ شمدريني... آني ما أعرف روح أسأل غيري.
استدار ماركس وعاد أدراجه من حيث أتى في محاولة لاستبيان صورة جديدة للمكان الذي قدم منه عسى أن يجد دلالة ترشده نحو المقهى. وقف عند رأس الشارع وراح يتأمل المحيط وما حوله، شاهد الصبي صاحب العربة يلوح له من بعيد وكأنه يستدعيه. ربما وجد دالة ما يسعفني بها، هكذا فكر ماركس وهو يتحرك باتجاه الصبي. وقف أمامه مبتسمًا وكان الصبي يهرش رأسه بعجالة ويتلفت يمينًا ويسارًا دون أن ينظر لماركس أو حتى ينطق بكلمة. وقف ثلاثة شبان جوار ماركس راحوا ينظرون له بحدة ظاهرة ثم قال أحدهم موجهًا كلامه لماركس.
ــ أخونا أتفضل ويانه.
ــ إلى أين؟
ــ أنته مو أدور على كَهوة أبو داوود.
ــ نعم أبحث عن تلك المقهى.
ــ لعد تعال أحنه نوديك لهناك.
لم يخنه حدسه فهو الآن تحت رحمة هؤلاء، ومثلما فكر، بات الحلقة الأضعف، فالشباب الثلاثة يطوقونه ويوجهون سيره من زقاق لأخر، لم يحاول المقاومة أو الممانعة فقط سألهم عن السبب في إجباره للسير معهم، فأجابه أحدهم بأن واجبهم يحتم عليهم مراقبة جميع من يدخل هذا السوق، ولن ندعك تتأخر فقط دقائق معدودات بعدها نرشدك إلى مقهى أبو داوود. لم يفكر في طلب المساعدة من زحمة الناس أو محاولة الهروب. فإن صرخ طالبا النجدة، ربما ذلك سيدفع هؤلاء الشباب لقتله مباشرة وبدم بارد ووسط السوق دون خشية من حشود الناس، فالشرر كان يتطاير من عيونهم وهم يحادثونه ويحثونه على السير أمامهم. دخلوا زقاق ضيق مغلق النهاية، دفع أحدهم بابًا خشبيًا ثقيلاً فأصبح الجميع وسط باحة مكشوفة تحيط بها غرف عديدة يبدو أنها مخازن لبضائع متنوعة ومتعددة.دفعوا به نحو زاوية خلف كومة أخشاب كبيرة وماكينة لتشطيب الخشب. أجلسوه فوق كرسي خشبي يبدو جديد الصنع، بعدها انهالت عليه الأسئلة.

ــ من وين تعرف أبو داوود؟
ــ صديقي وأنا أبيت عنده ليلاً.
ــ عجيب.. وشوكت تعرفت عليه؟
ــ ليس من وقت بعيد؟
التفت أحدهم وأمال رأسه على صاحبه وكأنه يهمس له بكلام سري ولكن ماركس كان يسمعهما بشكل واضح.
ــ أكلك خاف هذا يطلع بالأمن؟ أشو حتى حجيه مو بشكلنا.
ــ ما أعتقد.. أبو داوود صاحبنه وجان كَالنه عليه.. خوب أبو داوود ما يلعب بذيله ويسوي علاقة بدون ما نعرف.. أبو داوود عينه بالمنطقة وإذا هذي العين أتغشنا نقلعه.
ــ إي نقلعه.
ــ انته شنو أسمك؟
تردد ماركس قبل أن يجيب على السؤال، ما الذي عليه قوله، الموقف لا يحتمل تغير في الأدوار أو القفز فوق لحظة يتقرر فيها مصير الإنسان دون اتخاذ قرار صائب، عليه الآن ودون تردد الاختيار بين الهوية الأصلية أو البديلة. ليرمي كلمته وما يحدث بعدها فليحدث، فما عاد يهتم للقادم، فليس ما يحدث من حوله مفارقات، بقدر ما هي نكبات ونكد وقدر تعس يهرول وراءه أين ما أراد الذهاب. وها هو يقع مرة أخرى بيد عصابة جديدة ربما لن يفلت منها هذه المرة وقطعًا لن يخرج سالمًا.
ــ عبد القادر؟
ــ وين بيتكم بيا منطقة؟
ــ لا أعرف.
ــ شكد صارلك تعرف أبو داوود.
ــ لا أتذكر.
ــ شوف أبو صبري.. هذا مو خالي.. هذا لو بالأمن ودازي يشمشم بالسوكَ.. لو شوف شنو عنده من لعبه جبيره تخوف؟
ــ يابه والله المعبود وروحه الخالي وداعة أبني صبري.. إذا هذا طلع بالأمن وعنده علاقة بأبو داوود.. راح أخلي جثثهم ثنيناتهم معلكَة اباب الكهوة. حجينا أبو سبتي رحمه الوالديك ما تجي يمي.. تعال أهنا..

كان أبو سبتي جالسًا أمام أحد أبواب الغرف يعبأ ألعاب أطفال بأكياس نايلون بعد أن يخرجها من صندوق خشبي كبير.كان شيخًا في السبعينات من عمره. وبعد أن سمع نداء أبو صبري عليه، رفع عجيزته بتثاقل وتقدم منحني الظهر ليقف جوار ماركس.
ــ ها عمي أبو صبري كَول آمر.
ــ تروح على كهوة أبو داوود وكله عمي أبو صبري يريدك، يجينا وبدون عذر.. كَله شغلت عشر دقايق ويرجع.
ــ صار عمي.
قالها ابو سبتي وذهب مترنحًا خارج الدار.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس في العراق / الجزء السادس والعشرون
- السياسة السوفيتية والأحزاب الشيوعية العربية/ ج2- لقاء صحفي م ...
- السياسة السوفيتية والأحزاب الشيوعية العربية/ ج1- لقاء صحفي م ...
- كارل ماركس في العراق/ الجزء الخامس والعشرون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الرابع والعشرون
- التحالف الوطني الشيعي العراقي وصراع المرجعيات الدينية
- كارل ماركس في العراق/ الجزء الثالث والعشرون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الثاني والعشرون
- كارل ماركس في العراق / الجزء الواحد والعشرون
- التكييف القانوني لسرقة المال العام
- كارل ماركس في العراق / الجزء العشرون
- كارل ماركس في العراق الجزء التاسع عشر
- من ينتصر في صراع كسر العظام، وزير الدفاع أم رئيس البرلمان؟
- كارل ماركس في العراق الجزء الثامن عشر
- كارل ماركس في العراق الجزء السابع عشر
- كارل ماركس في العراق الجزء السادس عشر
- كارل ماركس في العراق الحلقة الخامسة عشر
- كارل ماركس في العراق / الجزء الرابع عشر
- كارل ماركس في العراق الجزء الثالث عشر
- كارل ماركس في العراق/ الجزء الثاني عشر


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - كارل ماركس في العراق / الجزء السابع والعشرون