أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المهدي لحمامد - -طْحَنْ مّو- أو حِين تتحول السّلطة إلى طاحُونة للمواطن















المزيد.....

-طْحَنْ مّو- أو حِين تتحول السّلطة إلى طاحُونة للمواطن


المهدي لحمامد
(Mehdi Lohmemad)


الحوار المتمدن-العدد: 5331 - 2016 / 11 / 2 - 23:28
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


يذكر جون واتربوري صاحب كتاب "أمير المؤمنين" أن السياسة الوطنية بالمغرب تميزت منذ مطلع ستينيات القرن الماضي بالتنافس القائم بين أفراد النخبة من أجل الحصول على رعاية الملك، كما تميزت أيضاً بالتسامح الضمني للدولة إزاء الفساد الإداري (الرشوة) وذلك كوسيلة لضمان استمرارية ولاء المؤيدين لها ولإجهاض أي معارضة محتملة. ورغم كل هذا فقد عرف المغرب تظاهرات متتالية، حيث أعلنت الدولة حالة الطوارئ سنة 1965 وتبعتها أحداث 1981 و 1984 التي عُرفت بـ"انتفاضة الكوميرا"، وبعدما استتب الوضع مجدداً سرعان ما توالت المحاولات الانقلابية هي الأخرى، فبات التهديد الذي يمس بنية النظام هو الجيش، هذا الأخير الذي أعيد تنظيمه بصورة شاملة كما يذكر ديل أيكلمان الباحث الشهير في الأنثربولوجيا بجامعة نيويورك.
أعاد النظام المغربي مع مطلع القرن الحادي والعشرين ضخ دماء جديدة حمِلت معها شعار العهد الجديد والانتقال الديمقراطي، لكن مسلسل الشطط والافتراس من طرف أعيان النظام الجدد بالمدن والبوادي لم ينتهي بعد، فسيرورة إنتاج وإعادة انتاج السلطة بالمغرب استمرت تأخذ نفس المنحى السلطوي كما يصفها الباحث في الأنثربولوجيا عبد الله حمودي ضاربة بعمقها في الجذور الثقافية حيث يتم تكريسها عبر العلاقات الشخصية التي تخضع لثلاثية الهيبة والتقرب والخدمة.
المواطن المغلوب على أمره والذي تعُوزه الرساميل الاجتماعية والثقافية وخاصة منها الاقتصادية لمجابهة السلطة هو نفسه المواطن الذي لا يستطيع أن يلج لأي صنف من الخدمات الاجتماعية دون وساطة خاصة ودون تذلّلٍ خاص أيضاً حيث يقف في طابور طويل بمختلف المرافق العمومية منتظراً دوره التي قد يأتي أو قد لا يأتي، فالمؤسسة تصير بهذا المعنى مجالا تقليدانياً يستند لشرعية غارقة في البداوة بدل أن تكون كياناً حياً يشتغل وفق القوانين البيروقراطية المتعارف عليها.
يصبح التساؤل أساسياً بل وإجبارياً حول قيمة الإنسان نفسه وحول علاقته بالسلطة والمؤسسة بالمغرب، حين لا يُعار اهتمام لصوت الفرد الاجتماعي المعزول إلا إذا ارتكب جريمة شنيعة في حق نفسه، كحالة الفتاة القاصر التي تزوجت رغما عنها بمغتصبها فانتحرت أو "مّي فتيحة" بائعة البغرير والحلويات التي أحرقت نفسها عندما قامت عناصر القوات المساعدة بطردها من المكان الذي تعرض فيه بضاعتها، وآخرهم "محسن فكري" بائع السمك الذي فُرِم في شاحنة لنقل الأزبال... ونتساءل مجددا:
لماذا مظاهر الاحتقان الشعبي بالمغرب لا تجد نفادها للواقع العيان إلا بعد أن يقف الجميع موقف دهشة وفَجَع وتتسع أعينهم من هول مشهد أسنانٍ حديدية وهي تقطع أشلاء جسد حي أو نار تلتهم أعضاء امرأة؟
إن الجواب على سؤال كهذا في اعتقادي يجد مُدْخلاته الأساسية من خلال تفحّص السلوك اليومي البسيط لأصغر عوْن سلطة بدائرة أو مقاطعة أو عمالة أو محكمة أو أي إدارة عمومية، حيث يتم تعيين هذا الأخير من داخل نفس النسق السلطوي الذي يزكيه ويمنحه الحماية المناسبة التي يستشعرها فيتخذ منها محل نفوذٍ خاص بدل أن تكون مسؤولية جسيمة تقع على عاتقه.
عملية التغوّل هاته التي تتيحها السلطة بالمغرب لأعوانها بشكل مباشر أو غير مباشر تمكّن النسق ككل من تأبيد (إدامة) نفس العلاقات التسلطية القائمة أو على الأقل تعطي للتغيّر والتغيِير الاجتماعي طابعا بطيئا. وعلى هذا الأساس فخروج المغاربة للشارع تضامناً مع "محسن فكري" هو في حقيقته تعبير مباشر للضمير الجمعي (وهو البؤرة التي تتكثف فيها التعبيرات الشعبية الموحَّدة) عن حالة السكون والقهر الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانيه التي ما عاد المواطن يستحملها، ورغبة في تغيير شكل السلطة وليس أشخاصها كما يحاول البعض أن يقول.
الاحتجاجات التي جاءت كتيار جارف لم يكن ليتوقعها نظامٌ يدير أجهزته عبر السلطة ومن خلالها، في غياب أي مقاربة تشاركية تأخذ على عاتقها الاستماع إلى المواطن اللهم ذاك الذي تصوره القناتين الأولى والثانية. إنها في الحقيقة تعبير عن رفض المواطن لسلطة لا تكلّف نفسها سوى تكفين موتاها ومنح أسرهم هباتها الخاصة حتى يقولوا "لا للفتنة" !!
إن ما يمكن أن يستنتجه الملاحظ لأطوار ما يمكن أن نسميه بــ "مسلسل ما بعد المواطن المفروم" هو أن "حزب المقاطعين" غير المنَظّمين والمُنْظمّين الذي نجح بأغلبية ساحقة في الانتخابات الفارطة بالمغرب هو من يتزعم الخرجات النضالية الغاضبة لأنه نفس المواطن البسيط الذي يتعرض "للحكرة" في كل يوم حتى فقد كل الثقة في السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية. وفي حالات معينة نجده فقد أيضاً الثقة في سلطان يترفّع ويتعالى عن كل التمايزات والعصبيات والأيديولوجيات بل والأحزاب السياسية نفسها مما يجعله دائم الظفر بالبيعة والإجماع والولاء، فيعجز أيّ كان عن مساءلته عمّا يقع من داخل سلطة هو أصلا يقع خارجها في المتخيل السائد والمسود، وفي المقابل تخوَّل له الصلاحية الكاملة للخروج من عليائه لشجب كل أشكال السلطة بما فيها ممثلها المباشر (في البلدان الديمقراطية) ألا وهي الأحزاب السياسية.
أما المناورات المتأخرة كعادتها لبعض الأحزاب السياسية وذلك من أجل "مزاحمة المواطن في شارعه" فهي أكبر دليل على عجز هذه الأخيرة، عجزها عن الفعل السياسي الرصين الذي يجابه رؤوس الفساد في البر والبحر، وهي الخلاصة نفسها التي توصل لها جون واتربوي في كتابه أمير المؤمنين، ونجد أسمى تجلياتها في شخص ابن كيران وحزبه الذي أصبح المنفذ الحرفي لكل التعليمات الداخلية للدولة، حتى بلغت به الخساسة حدّ منع أوصِياءه من الالتفاف بجماهير الشعب الغاضبة.
لا شك أن المغرب يحتاج أكثر من أي وقع مضى إلى رفع الحصار الذي يقيمه مادياً ورمزياً على مختلف التعبيرات المدنية والديمقراطية التي تبحث عن طرح سؤال السلطة أو تستهدف سلطة المساءلة كيفما كانت راديكاليتها، لأن هذه الأخيرة هي المعبر أو القنطرة التي تربطه بالمواطن وهمومه الحقيقية، وإلا فسيظل يدلس على نفسه ويهدد البلاد والعباد بالفتنة، بدل أن ينخرط في سيرورة حل مشاكله البنيوية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
عندما يُطرح سؤال "ما طبيعة السّلطة التي تَفْرم المواطن في كل لحظة وحين؟" بدل سؤال بليد من قبيل "من أعطى الأمر بتشغيل آلة الطحن بشاحنة الازبال؟" آنذاك نكون أمام مواطن حقيقي يفْرِم السلطة بدل أن تفْرِمه، وما أحوج المغرب لمثل هذا المواطن.



#المهدي_لحمامد (هاشتاغ)       Mehdi_Lohmemad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخيلة في نظرية المعرفة عند كانط
- علامات الوقف في زمن أطروحة جاك دريدا
- الحق الطبيعي والحق المدني: مداخل مختصرة في علاقة ملتبسة


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المهدي لحمامد - -طْحَنْ مّو- أو حِين تتحول السّلطة إلى طاحُونة للمواطن