أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - المهدي لحمامد - المخيلة في نظرية المعرفة عند كانط















المزيد.....

المخيلة في نظرية المعرفة عند كانط


المهدي لحمامد
(Mehdi Lohmemad)


الحوار المتمدن-العدد: 5315 - 2016 / 10 / 15 - 10:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمثل المخيلّة في المشروع الفلسفي الكانطي ملكة خلاّقة، فقد استحوذت على جزء كبير من تفكيره، وهي قوة ذهنية واجهت التجربة الإنسانية من جميع جوانبها، كما أنها اكتسبت بعداً أساسيا في نظرية المعرفة مع كانط، فبعدما كان العقل هو المسيطر والمخيّلة لا تعدو أن تكون مجرد مشوشة على العلم أضحت لها على العكس من ذلك أهمية قصوى في مجال المعرفة.
ومن المعروف أن كانط قد ميّز التصورات بخاصية القبلية، ومن ثم فهو لا يبحث عنها في الخبرة التجريبية، فهذه الأخيرة لا تمثل أصلا لها، وإنما هي في حقيقتها نتيجة للعمل التنظيمي لهذه التصورات نفسها. ولعل هذا ما دفع كانط إلى البحث عن شكل آخر يستطيع من خلاله أن يُظهر أن أصل الوعي بالمقولات وظهورها في الفهم، يتجسد في ملكة الفهم ذاتها، أي في ما يُجاوز الخبرة التجريبية نحو ما يسميه كانط الخبرة الخالصة، ومن هنا كان النسق الكانطي ككل نسقاً ترنسندنتالي وليس إمبريقي، أي أنه يبحث عن تهيئ الشروط الأولية أو القبلية للمعرفة بحيث يستنبط الأصل القبلي للمقولات، ويبحث عن وظيفة هذه الأخيرة في تنظيم الخبرة وإنتاج موضوعاتها، ويسمي كانط هذا "تحليل المبادئ التركيبية"، فالمقولات وهي تعمل وتقوم بوظيفة التركيب بين الحدوس الحسية تظهر على أنها مبادئ للتركيب.
وقد اكتشف كانط في معرض بحثه في هذه العلاقة المعقّدة بين الحسي-التجريبي والقبلي-الخالص وجود مرحلة ليست بالتجريبية تماماً مثل الحدس الحسي، ولا هي بالخالصة تماماً مثل ملكة الفهم وإنما تتوسط الحدس الحسي وما يسميه الفهم الخالص، وتعمل على الربط بينهما، وهي ما أطلق عليه كانط "المخيلة" أو المخيلة الترنسندنتالية Transzendentale Einbildungskraft/ Transcendental Imagination .
وللتوضيح أكثر في هذه المسألة فقد بدأ كانط بطرح السؤال حول واقع المعرفة (Quid facti ) وهذا السؤال يرتبط حسب كانط بما وراء الطبيعة، فأن يكون الحيز والزمن مظهرين أو حدسين قبليين، فهذا –حسب كانط دائما- هو موضوع ما يسمى "العرض الماورائي" للحيز والزمن، أما أن يكون في متناول الإدراك مفاهيم قبلية (مقولات) تستنتج من أشكال الحكم، فذلك موضوع ما يسميه كانط "الاستنتاج الماورائي" من المفاهيم. ولعل تخطينا لما هو معطى لنا في التجربة، لا يتم حسب كانط إلا بفضل مبادئ ذاتية هي مبادئنا بالضرورة، فالمعطى لا يمكن أن يشكل أساساً للعملية التي تتخطى بها المعطى، غير أنه لا يكفي أن تكون لدينا مبادئ، حيث يلزم أيضا أن تكون لدينا الفرصة لممارستها. مثال ذلك قولنا "الشمس ستشرق غدا" لكن الغد لا يصبح حاضراً من دون أن تشرق الشمس بالفعل. وسرعان ما قد نفقد فرصة ممارسة مبادئنا إذا لم تثبت التجربة بحد ذاتها تخطياتنا، وتفي بها إذا صح التعبير.
إن الأطروحة الكانطية تعتبر أن الظاهرات تخضع بالضرورة للمقولات، إلى حد أننا نكون، بواسطة المقولات مشرّعي الطبيعة الحقيقيين. لكن السؤال هو أولا: لماذا الإدراك بالضبط (وليس المخيّلة) هو المشرع ؟ لماذا هو الذي يسن القوانين في ملكة المعرفة؟ وبديهي أنه ليس في وسعنا السؤال: لماذا تخضع الظاهرات للحيز والزمن؟ إن الظاهرات هي ما يظهر، والظهور هو الوجود مباشرة في الحيّز وفي الزمن. وحسب تعبير كانط نفسه في كتابه نقد العقل الخالص "بما أنه بواسطة الأشكال الخالصة للحساسية فقط يمكن أن يظهر لنا شيء ما، أي يصير موضوع حدس تجريبي، يكون الحيز والزمن حدسين خالصين ينطويان قبليا على شرط إمكانية الموضوعات كظاهرات." لذا فإن الحيز والزمن يشكلان موضوع "عرض"، لا موضوع استنتاج، وعرضهما الصوري، مقارناً بالعرض الماورائي، لا يثير أي اعتراضات خاصة. لا يمكن القول إذاً إن الظاهرات تخضع للحيز والزمن: ليس فقط لأن الحساسية سلبية، بل بوجه خاص لأنها مباشرة (من دون وساطة)، ولأن فكرة الخضوع تستتبع على العكس تدخل وسيط، أي تأليف يربط الظاهرات بملكة فعالة قادرة على أن تكون مشرعة.
إذاً، ليست المخيّلة بحد ذاتها ملكة مشرّعة، فخي تجسد الوساطة بالضبط، وتصنع التأليف الذي يربط الظاهرات بالإدراك على أنه الملكة الوحيدة التي تشرع في مصلحة المعرفة. لذلك اعتبر كانط في كتابه نقد العقل الخالص أن العقل الخالص يتخلى عن كل شيء للإدراك، الذي ينطبق مباشرة على موضوعات الحدس أو بالأحرى على تأليف هذه الموضوعات في المخيلة. ولا تخضع بموجب ذلك الظاهرات لتأليف المخيلة، إنما تخضع بواسطة هذا التأليف للادراك المشرّع. وخلافا للحيّز والزمن، تكون المقولات إذاً، بوصفها مفاهيم الادراك موضوع استنتاج صوري، يطرح ويحل المشكلة المخصوصة لخضوعٍ من جانب الظاهرات.
وحسب دولوز تحل هذه المعضلة الكانطية بخطوطها العريضة من خلال عنصرين، الأول هو أن كل الظاهرات موجودة في الحيز وفي الزمن، والثاني أن التأليف القبلي للمخيلة يقوم قبليا على الحيز والزمن بحد ذاتهما، حيث تخضع الظاهرات للوحدة الصورية لهذا التأليف وللمقولات التي تتصوره قبلياً. وبهذا المعنى بالضبط يكون الإدراك مشرّعاً.
وبموجب ما يعرضه دولوز في كتابه المعنون بفلسفة كانط النقدية يتأتى الحديث عن دور المخيلة من خلال طرح السؤال حول ما يفعله الإدراك المشرّع بمفاهيمه أو وحدات تأليفه، وكذا عبر طرح سؤال " ماذا تفعل المخيلة بتأليفاتها؟" وبحسب جواب كانط الشهير، تضع المخيّلة تخطيطات Elle Schématise، بحيث أنه لا يجري الخلط في المخيلة بين التأليف والرسم الخيالي Schème. إن هذا الأخير يفترض التأليف والتأليف هو تحديد حيّز ما وزمن ما، الذي يُربط عبره التنوع بالموضوع عموماً وفقا للمقولات. لكن الرسم الخيالي هو تعيين مكاني-زمني يتطابق هو ذاته مع المقولة، في كل زمان ومكان: لا يتكون من صورة، بل من علاقات مكانية-زمانية تجسد علاقات مفهومية بالضبط أو تحققها.
والرسم الخيالي الخاص بالمخيلة هو الشرط الذي بموجبه يصوّر الإدراك المشرِّع أحكاماً بواسطة مفاهيمه، أحكاماً سوف تقوم مقام مبادئ لكل معرفة للمتنوع. وما يسميه كانط التخطيطية Schématisme هو فعل أصلي للمخيّلة فهي وحدها تضع تخطيطات، لكنها لا تفعل ذلك إلا حين يكون للإدراك سلطة التشريع. كما أن المخيلة ليست ملكة مستقلة عن ملكات العقل الأخرى بل هي مكملة للملكات: الفاهمة، والحساسية والتخطيطية. وحسب كانط دائماً فإن دور المخيلة ضمن إطار عمل العقل يتمثل في تعاونها مع الفاهمة لتأليف المجتمع الحسي وجعله موضوعا مفردا قابلا للتعيين المفهومي.
ويتجلى لنا هذا التكامل بين المخيلة وباقي المكونات بشكل جلي بموجب القراءة الدولوزية لكانط التي مثلها كتابه بعنوان "فلسفة كانط النقدية" حيث نجد جيل دولوز يعتبر أن الملكات الثلاث الكانطية الفعالة (المخيلة، العقل، الإدراك) تدخل كلها في علاقة مع ما يسميه المصلحة التفكرية، بحيث أن الإدراك هو الذي يشرع ويحكم، لكن في ظل الإدراك، تؤلف المخيلة وتضع تخطيطات، ويستدل العقل ويرمز، بحيث يكون للمعرفة حد أقصى من الوحدة المنهجية. والحال أن كل اتفاق للملكات في ما بينها يحدد ما يسميه دولوز حساً مشتركاً.
إن للمخيلة دورا في ربط الحدس الحسي مع التصور الذي يستوعبها، بفضل تخطيطية الفهم، فالرسم الخيالي ليس نسخة الصورة، بمعنى إعادة إنتاج أو نسخة باهتة من المعطيات الحسية، إنه تمثل للمنهج (représentation d une méthode)، صور محضة (image-épure). إنه لمن الصعب الوصول إلى تعريف دقيق، لأن تبعات المخيلة تبقى "فناً متخفيا في أعماق الروح الإنسانية" (un art caché dans les profondeurs de l âme humaine). في وظيفتها الترنسندنتالية، المخيلة إنتاجية، إنها تنتج صوراً، وليس رسماً خياليا.
إن نماذج الرسوم الخيالية التي قدمها كانط تتميز بتجريد كبير وأصالته تعود في هذا الإتجاه إلى أنه عالج الخيال في مجال الجماليات. في حين أن نقد العقل الخالص كان شرحاً للتطور الموضوعي للحقيقة، ويظهر نقد ملكة الحكم كيف تُعمل المخيلة اللذة الجمالية (le plaisir esthétique) لموضوع ما في الحكم المفكِّر . ففي تجربة الجميل حسب كانط "المخيلة في حريتها والفهم في مشروعيته ينتعشان بالتبادل (l imagination dans sa liberté et l entendement dans sa légalité s animent [ en effet] réciproquement).
ولا بأس من الإشارة في نهاية هذه القراءة الاختزالية لدور المخيلة في نظرية المعرفة عند كانط إلى أن المخيلة عنصر أساسي في نظرية كانط الجمالية أيضاً، فتمييزه بين الجميل والجليل كان معتمداً في شق كبير منه على عنصر المخيلة، حيث أن المتعة التي يولدها لدينا الجميل قائمة على أساس التوافق الإنسجامي بين المخيلة والفهم، في حين أن الجليل أو الجلال لا يكمن في الطبيعة بل في الذهن، فلفظ الجليل هو المحيط الهائل الذي تثور فيه العواصف ولكنه بالنسبة إلينا لا يعدو أن يكون مجرد مناسبة لتنشيط مخيلتنا، ودفعها إلى تصور اللامتناهي.



#المهدي_لحمامد (هاشتاغ)       Mehdi_Lohmemad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علامات الوقف في زمن أطروحة جاك دريدا
- الحق الطبيعي والحق المدني: مداخل مختصرة في علاقة ملتبسة


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - المهدي لحمامد - المخيلة في نظرية المعرفة عند كانط