أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوميديا جرّوفي - رواية -الجحيم المقدّس- للكاتب و الروائي -بُرهان شاوي-















المزيد.....


رواية -الجحيم المقدّس- للكاتب و الروائي -بُرهان شاوي-


نوميديا جرّوفي

الحوار المتمدن-العدد: 5327 - 2016 / 10 / 29 - 23:28
المحور: الادب والفن
    


لمحة عن الرؤية السينمائية و أثرها في (الجحيم المقدس)

يُعدّ نصّ (الجحيم المقدس) من النصوص الأدبية السردية القليلة التي تناقش قضية رئيسية و أحد المشكلات الداخلية التي تعاقبت الحكومات على توارثها منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 و إلى الآن، و تلك هي مشكلة النزاع في إقليم كردستان أو ما سُمّيت بقضية الشمال أو قضية كردستان و غيرها، و هي مشكلة تتعلّق بالحقوق القومية للكرد و ما لاقوه من ظلم مختلف الأساليب على مدى زمن طويل.
و قد جاء نصّ (الجحيم المقدس) يحمل في عنوانه صفة (السينمائية)، و كُتب النصّ عام 1987، أي أنّ الحرب التي كانت موضوعة لم تزل على قدم و ساق، و المؤلف هنا كان من أول تلك الحرب جنديا مثل آلاف الجنود المغلوبين على أمرهم.
يتّصف النص السردي بأنه يتكون من عدة طبقات تؤلّف جميعها بنيته، و يمكن للإجراءات النقدية أن تقف على أي من هذه المكونات بوصفها أجزاء أو عناصر منفصلة – مؤقتا- عن البنية الرئيسية، و ذلك في النظر إليه في ضوء مرجعية ما، لها أثرها في حركة تلك العناصر و قيمتها الفنية، و قد كانت الرؤية السينمائية من المؤثرات الرئيسية في تكوين نصّ (الجحيم المقدس) من ناحيته الفنية.
اقتصر النص على حدث واحد، وُظّفت الأحداث الفرعية الأخرى لخدمته و هو صراع يدور في بيئة عسكرية بين ظالم و مظلوم، ضحيته الأبرياء، و قد جاء هذا الحدث محدّدا بقيمة واحدة لم يتجاوزها و لم ينفتح على مجالات أخرى ليكون الحدث روائيا.
جاء الزمن غائما، غير محدد الملامح و إن كان القارئ يستطيع أن يتنسّم بعض تفصيلاته، و لا يمكن استظهار عنصر الزمن إلا من ارتباطه بعنصر الحدث الذي اعتمد نسق التوازي بإيجاد أكثر من حدث يجري في زمن واحد، و هذا ما انطبق على الأحداث التي كانت تجري في بغداد كاعتقال الشخصيات و تعذيبها، أو زيارة السيدة العجوز في الوقت نفسه التي كانت تجري فيه أحداث الصراع العسكري الدّامي في الشمال.
ارتبط المكان بحدود جغرافية واضحة و هو مسرح الحدث، بالرغم من الانتقال المكاني أحيانا بين الشمال و بغداد، يبقى هذا العنصر مرتبط بحركة الأشخاص.
لا تقتصر أهمية الشخصية على كونها فاعل الحدث، بل تتعدى ذلك لتكون أداة الكاتب التي يحركها باتجاهات مختلفة فيجعلها في تعارض مع غيرها لترتقي بالصراع و تتقدم بالأحداث صعودا نحو الذروة، و قد اقتصر أثر الشخصيات في هذا النص على مجال ضيق ظلّ مرتبطا بالحدث الرئيسي نفسه و ما تفرّع عنه، حيث جاءت الشخصيات عموما مهيأة لأدوارها و أفعالها المحددة من دون القدرة على تجاوز الحدود التي وضعت فيها.

رواية "الجحيم المقدّس"

هي رواية سينمائية حقيقية بصفحاتها البالغة 120صفحة، تسجّل الرواية وقائع حقيقية على نحو فنّي، يظهر ذلك من خلال سياقات الأحداث الروائية التي عاشها العراقيون نهاية السبعينات من القرن الماضي، و التي نشبت مخالبها في الأجيال و العقود اللاحقة، تتحدّد في ضوء معالمها الإنسانية و اجتياح القسوة لفضائها و كيانها الإنساني.
تتوقّف عند مرحلة من مراحل التاريخ العراقي الحديث، و تبدأ ما بين أفول رئاسة أحمد حسن البكر و تسلّم صدام حسين زمام السلطة في العراق. فهي تتناول معاناة الشعب الكردي و العراقي و كفاح قوات البيشمركة الكردية و الفصائل العراقية المعارضة ضد نظام البعث في تلك الحقبة.
جعلنا الكاتب بإبداعه نتأمل الطبيعية و هو يصف لنا المناظر بكلّ نقاوتها و عذوبتها.
وصف يرافقه تأمّل مرهف للمكان:
"الشمس اللاهبة تضيء السماء، السهل و الجبال بنورها الباهر. الوادي الرّحب يمتدّ بين سلسلتين من الجبال. الأشجار تتوزّع دون انتظام..هناك قرية شبه مهجورة تتوسّط الوادي. و مع انحراف السلسلة الجبلية ينفتح أفق رحب و تتقاطع الطرق التي تذهب إلى مدينة (السليمانية) و إلى (حلبجة)، مثلما ينزل الطريق شاقا الوادي طاهبا إلى مدينة (بنجوين). في الطرف الآخر من الوادي، و على بداية سفح الجبل ترقد قرية صغيرة جدا، قرب عيون الماء. إنها قرية (كاني سكان) التي لا تتعدى بيوتها العشرة".

و في الوصف التالي:

" القبور تتناثر بدون انتظام و لا يميّز أحدها عن الآخر سوى كميّة الأحجار التي تحيط به أو ترتفع عليه، و كأنما يأبى البشر ما داموا أحياء إلاّ أن يتمسّكوا بتمايز أحدهم عن الآخر حتى أمام الموت، رغم أنّه ساواهم تحت جناحه في مملكة الظلام".
و تدور أحداث مهمة و مؤسفة و مرعبة في آن واحد في شمال العراق، في قرية شبه مهجورة تتوسط الوادي، إنها "قرية قاينجة" التي لا تبعد كثيرا عن المدينة الصغيرة "سيد صادق" التي تقع عند نهاية الوادي...و في الطرف الآخر من الوادي، و على بداية سفح الجبل ترقد قرية صغيرة جدّا قرب عيون الماء. إنها قرية "كاني سكان" التي لا تتعدّى بيوتها العشرة.
تبدأ فصول الرواية عند نبع ماء يقع في قرية (قاينجة) ، هناك تتناثر قبور أبنائها من دون انتظام، ثم المقبرة التي تخصّ قرية (كاني سكان) فقط و هي تضمّ قبور أبنائها الذين اعدموا في مقرّ الفرقة السابعة كما تضمّ قبور الذين قتلوا أثناء تصدّيهم للجيش الذي أرسلته السلطة من بغداد ليحرق الغابات و الناس و الأشياء و ليجعل من كردستان جحيما.
يبدأ فصل من ذلك الجحيم حيث يتغوّط الجنود على قبور الضحايا أو على مقربة منها و هذا من أولى المحرّمات إذ ما عرفنا حرمة الأموات، الأمر الذي دفع بعض رجال القرية لالتماس اللواء الذي هدّدهم بجعل مصيرهم مطابقا لمصير الأموات إذا عاودوا التماسهم.
تتسارع الأحداث في الرواية من مكان لآخر و معها الشخصيات و نحن بين السّطور فيها كأننا نشاهد فيلما مخيفا مرعبا و ينتابنا غضب عارم بسبب الظلم حيث لا ينجو منه أحد. و في نفس الوقت نشعر بالخوف على (شيرين) و أمها التي تذهب بحثا عن ابنها (هيمن) في المدينة، و هناك أيضا علي الفيلي، هاشم، صباح الرسام الذي يجبر على أن يصير عضوا بالحزب بعد أن شاهد جاراه من الطابق الأرضي و هما أشبه باللحم المدهوس و مشوّهين حدّ البشاعة من أثر التعذيب فلم يستطع المسكين تحمّل المشهد فأمسك القلم و وقّّع بسرعة ثمّ أجهش ببكاء مسموع بعد أن ألقى برأسه على الورقة و غطّاه بيديه.
و هناك الجندي (عبد الله) بطل الرواية الذي نخاف عليه من الملازم صلاح المسؤول الحزبي و طراد التكريتي الذي يرصد الضحايا و يكتب عنهم تقارير و من الجاسوس المختار الذي يتجسس على أبناء القرية الذين هم أبناء جلدته..

مأساة رواية "الجحيم المقدّس":

تسجّل الرواية من خلال فصولها أبشع الجرائم التي تعرّض لها شعب كردستان العراق من نظام صدام الذي عُرف ببداوته الثأرية و دمويته، و لعلّ في مقدّمة من شملهم القمع الوحشي هم الكرد الفيليبين.
نتوقّف قليلا على العنوان (الجحيم المقدّس) و هذه القدسية لطبيعة و تضحيات أبطالها و مقاومتهم العالية و ما تعرّضوا له من انتهاكات نفسية و جسدية و حالات اغتصاب النساء الكرديات بمن فيهنّ النساء الحوامل و العذارى على حدّ سواء كما حدث لشيرين الصبية الفتية الجميلة.
شخصيات الرواية تبدأ ببطلها (عبد الله)شاب وجودي قريب من الماركسية و مثقّف، خرّيج معهد الفنون الجميلة ، لكن قوانين الخدمة العسكرية أجبرته على الانتقال من مدينة الناصرية إلى أحد معسكرات الجيش العراقي في أطراف قرية (كاني سكان) التي لها وجود حقيقي في خريطة كردستان، و تقع في منطقة بنجوين القريبة من مدينة جلجبة في جنوب كردستان فيجد نفسه بين جنود و ضباط أمّيين و جهلة، و نحن نعرف العقدة التي يكون مصدرها المتعلّم في الجيش و طبيعة تعامل نوّاب الضباط و استهزائهم المقرف، فتارة يُطلقون عليه لقب الفيلسوف لا لشيء سوى لأنه مدمن قراءة الكتب، و تارة يتعرّض للتحري الدائم بحثا عن طبيعة الكتب التي يقرؤها. و عبد الله الجندي يساريّ الإتّجاه، فيلي القومية، يمتلك من الغيرة و الشرفو كلّ ما افتقده أعداءه ، الأمر الذي جعل أحد الجنود يأمر للاستفسار عن سرّ وجوده كخريج.
يحسّ (عبد الله) في المعسكر بالاغتراب المكاني و الثقافي معا، لأنه شاب مثقف مولع بقراءة الكتب، و لكنه أجبر على مواصلة عيشه تحت مجهر رجال المخابرات في الجيش، و أصبح موضع سخرية من قبل ضباط و جنود جهلة، كما اضطر أن يشارك مع جنود المعسكر في تنفيذ هجوم على قرية (كاني سكان).
(طراد التكريتي) شخصية أخرى يخترق بيتا يسكنه عدد من المعارضين و هو من ممتلكات امرأة متعاطفة معهم (كردية) يؤدي في نهاية الأمر لاعتقال (صباح) و هو فنان تشكيلي شيوعي و آخر إسلامي معارض أيضا هو (هاشم)، ينتهي بهما الأمر للموت أثناء التعذيب، و آخر (علي الفيلي) الذي لحق بهما و تمّ إعدام ابن خالته (هيمن) في سجن أبي غريب و لم تتمكن والدته المسكينة من رؤية جثته من قبل إدارة السجن إلا بعد سلسلة من الإهانات.
تقصف القرية و يباد أهلها، تنجو (شيرين) التي قتل خطيبها و معها أمها فتذهب بها إلى قرية أخرى لتحميها و تتركها هناك كأمانة في أحد البيوت لمعارفها حيث تسافر إلى بغداد لتعرف مصير ابنها (هيمن) القابع في سجن (أبو غريب) ، فتذهب أولا عند ابن أختها (علي الفيلي) الذي يسكن في بيت تتوزع فيه غرف المستأجرين منهم: (هاشم) المتدين و (صباح) الرسام الشيوعي و (طراد) الذي يكتب تقارير للسلطات.
تنجو شيرين من المذبحة للمرة الثانية حيث كانت ستغادر رفقة البيشمركة و تكون في حمايتهم، لكن شاءت الصدف أن تعتقل، و يكلّف الجندي (عبد الله) بمهمّة إيصالها إلى الفرقة السابعة في السليمانية للتحقيق معها و بعدها إلى الفيلق الأول في كركوك..
يجد الجندي عبد الله نفسه في واقع مرير حيث يشفق عليها و في نفس الوقت عليه أن يطيع الأوامر فتبدأ رحلة محفوفة بالخوف و التّوجّس إذ لا مكان للعواطف لأنه جندي مكلف ليطبق ما أمر به بالرغم من أنه يملك روح فنان يهوى المطالعة خاصة الروايات المترجمة و يقضي معظم أوقاته خارج الواجب العسكري عند النبع في شخصية (جوليان) بطل رواية (الأحمر و الأسود) للكاتب الفرنسي (ستندال) فيتداخل هنا الحلم بالواقع..يقرأ ليهرب من الواقع الأليم و الأمرّ من العلقم إلى رحاب الأدب حيث ينسى مكان وجوده الحقيقي المرعب.
ما أصعب مشاعره و هو في موقف يستوجب العنف عندما طوقت القرية و أمروا بقتل كل من فيها و هي مليئة بالأبرياء( نساء و شيوخا و أطفالا..)..
"كان عبد الله يائسا، أراد أن يبكي، لم يستطع، لم يعد قادرا على تحمّل معاناته، أحسّ بأنه بعيد..بعيد..التفّ بكلّ جسده إلى السماء و أشرع بندقيّته إلى الفضاء المظلم و أطلق سيلا من الرصاص".
الرّوائي "بُرهان شاوي" ليخفّف عنّا من الأوضاع الصعبة ومن مشاهد الرعب جعلنا ننتقل بين الفينة و الفينة لأجواء الرواية المترجمة (الأحمر و الأسود) للروائي الفرنسي (ستندال)حيث يتماهى البطل (عبد الله) مع شخصية بطل الرواية (جوليان سوريل) و يدخل في علاقة حبّ عنيف مع السيدة (مدام دي رينال) و قد أتاح له هذا ميزات كثيرة منها هربه النفسي و الفكري من حياة العسكر الظالمة لتنقية الروح المرهقة لتكون منفذا و خلاصا في مثل تلك الحالة الأليمة التي عاشها الجندي عبد الله و هو ينتقل من مكان لمكان بالمسكينة شيرين التي لم يعرف كيف يخفف عنها.
تصل أم شيرين المسكينة إلى بغداد و هي لا تعرف باعتقال ابن أختها علي الفيلي بتخطيط من طراد، و تقابل الرئيس بشق النفس الذي يسخر منها و ينفي وجود ابنها هيمن معتقل عندهم، و بعد إصرارها الشديد لتراه يأمر أحد الشرطيين أن يأخذها لغرفة الثلاجات كما سمّاها.فتندهش المسكينة و هي تسمع عن الثلاجات..تدخل هناك فتراه جثّة هامدة ميّتا منذ أيّام ربّما و قد اخترق جسده الرصاص و آثار التعذيب ما تزال بادية على جسده الفتيّ..تصرخ المسكينة و تبكي و تشتم النظام بلغتها الأم الكردية فلا يفهمها الشرطيان ثم يسحباها بقوة فتلفظ أنفاسها الأخيرة بين أيديهما.. فنذرف نحن دمعتين مع جثة الابن على أمه الذي ذرف دمعتين من عينين المتحجّرتين اللتين غادرتهما الحياة.
"كانت جثة الابن صامتة في عتمة الثلاجة و البرد، كان رأس الجثة مغمض العينين، كانت صرخات الأم تصل إلى أذني الجثة... انحدرت دمعتان من عيني الجثة".

الوحشية الهمجية:

من أكثر الأماكن إثارة لشعور الشخصيات بالعداء في الجحيم المقدس هو جحيم الضعف، الذي يقصد به مقر الفيلق الأول الرابض في كركوك، حيث تغتصب النساء الكرديات اللواتي كنّ يؤسرن بعد إبادة قراهنّ بتهمة انتمائهنّ أو انتماء أزواجهنّ للبيشمركة.
ملازم صلاح و النائب إبراهيم السامرائي، نموذجان للانحطاط و الحقد.
نعود لشيرين الفتاة الكردية المسكينة التي اعتقلت و هي بريئة ففي الفيلق الأول بكركوك و بعد سلسلة من الإجراءات المعمول بها في الجيش يتم اغتصابها بوحشية:
(كانت شيرين مشدودة اليدين و مربوطة بقضبان السرير الحديدي للخلف، كانت شبه عارية، إذ كان صدرها و نهداها بارزين و سروالها منزوعا عند قدميها المفتوحتين على سعتهما، كانت كمجنونة، تائهة النظرات، وحشية الألم. وكان الضابط قد استدار لهم بقفاه منشغلا بتنظيف عضوه من دم بكارتها، زرّر بنطاله و ألقى بمنديل أبيض ملوث بدم إلى جانب حوض حنفية الماء، فتح الباب و خرج إلى الباحة، كان الليل مدلهما، ليل عراقي حالك السواد)
مرّت المسكينة بسلسلة جعلت منها فريسة وحوش الحقد البعثي المفطوم على أثداء الجرائم الإنسانية الكبرى ، و في كل مقر تصل فيه ليجعلوها تعترف و هي تجهل العربية فتغتصب لأكثر من مرّة.
"كانت تبكي دون صوت مسموع و كان وجهها رغم الألم و الدموع يعبّر عن الاستسلام و الانهيار النفسي التّامّ.
المسكينة باتت ضحية للوحشية و جسدها الفتيّ قربانا للوحوش البشرية التي لا تعرف الرّحمة.
و من خلال جندي يتعرف عليه الجندي عبد الله في أحد المراكز نعرف بأمر امرأة أخرى حامل في شهرها الرابع قادها الجندي هي الأخرى من مركز لمركز حيث قتل زوجها و أطفالها فتغتصب في كل مكان تصل إليه حيث يقول الجندي:
(صار لي أسبوعين جاي إيفاد امرأة كردية حامل بالشهر الرابع أو الخامس، رجلها بيشمركة اجتنه إخبارية بأن زوجها موجود بالقرية جاي يشوف زوجته و أطفاله بالسرّ، رحنه أكثر من خمسين جندي مسلّح مع ثلاثة ضباط، هجمنه على القرية، طوقنه البيت و فتحنه النار، مات الزوج و أطفاله و بقت زوجته الحامل و صار أسبوعين أتنقل بيهه بين اللواء و الفرقة و الآن بالفيلق، و كلما نوصل لمكان يغتصبون المره و هي حامل. بالفرقة السابعة بقت أسبوع أخذوهه ثلاثة ضباط عروهه و اغتصبوهه ثلاثتهم سوه، المره راح تتخبل، قبل شويه سمعت صار عدهه نزيف حاد، يا الهي وين العدالة)
و هناك نعلم أنها اغتصبت بشكل جماعي فيسقط الجنين ميتا و تنزف المسكينة حتى الموت.
الفيلق الأول بالنسبة لكل من (المرأة الحامل، شيرين، الجندي النحيل، عبد الله بطل الرواية) هو مكان معاد، لأن المرأة الحامل ماتت فيه بسبب تعرّضها للعنف الجنسي، و الجندي النحيل أُجبر على أن ينتقل بالمرأة الحامل إليه، و أُرغم البطل عبد الله كذلك أن ينتقل شيرين المخطوبة إلى المكان نفسه ، و كلّ من عبد الله و الجندي النحيل يشعر بالعداء إزاء المكان. و اختيار كلاهما للانتقال بالمرأتين جاء عن قصد ، فقد كان ذلك بمثابة تعذيب نفسي لهما، لأنهما كانا جنديين متعاطفين مع الكرد، و لم يكونا كالجنود الآخرين المتواطئين مع النظام .
نلاحظ هذا من خلال الحوار التالي بين الجندي عبد الله و الجندي النحيل:
- البنت الكردية اللي جبته ايفاد جانت تصرخ.
قال الجندي النحيل ذلك لعبد الله:
- شنو، شتكول؟
فقاطعه الجندي الآخرك
- أعتقد، ضابط الخفر اغتصبها
تاهت نظرات عبد الله، جلس بنصف جسده على السرير... بعد لحظات قال بصوت واطئ:
- مساكين الأكراد، خاصة النساء الكرديات.
فقال عبد الله بحذر و بصوت بطيء و واطئ:
- العالم كلّه متورّط بالمذابح و الدم، كلّنا ظالمين و مظلومين، ندور بدوامة القتل، ماكو عداله.
فقال الجندي الآخر بمرارة و كأنه يواصل حديث عبد الله:
- تصوّر هاي الأرض شكد صغيرة، ذرة رمل بهذا الكون الهائل، بس انظر بهاي ذرة الرمل شكد احنه متوزعين إلى شعوب و دول، نتقاتل، نذبح بعضنا البعض.
فجأة دخل رئيس العرفاء و استعدّا له عسكريان فقال رئيس العرفاء موجّها كلامه للجندي الآخر:
- حضر حالك و ياي لضابط الخفر.
فسأله الجندي:
- صار شي؟
فقال رئيس العرفاء بلا مبالاة:
- المرأة الكردية الحامل ماتت، صار عدهه نزيف حادّ، نزل الجنين ميت و هي ماتت بعده بدقائق.
فينتحر الجندي النحيل بعد سماع خبر موت المرأة الحامل تحت وطأة العنف الجنسي لأنه لم يحتمل تلك الوحشية و البشاعة فيطلق على نفسه رصاصة في رأسه.

أدب الرواية:

نتلمّس في الرواية القليل من الأدب العراقي العريق في لهجته المتناغمة باللغة العامية.
الرواية كتبت بلغة تمتزج فيها اللغة العامية العراقية الأصيلة في وصف سينمائي و حبكة فنية و سرد شيق نتلمس من خلالها الأسى و الألم و الإشفاق و الغضب و الرّعب.
ففي عذاب اللغة، نستدل على بربرية العسكر في تعاملهم مع الكرد الفيليين في مقطع من هذا الحوار:
- شكلك شكل مخرب، انتو الأكراد كلكم مخربين من صغيركم إلى كبيركم.
فجاة نظر العجوز و قال:
- هلو.. هاذي منو يابه.
ارتبك السائق و قال ملطّفا الحوار:
- هازي أمي، حزرة الجندي، رايحين للخسته خانه.
فقال الجندي ساخرا:
- وين للماي خانه.
أجاب السائق مكرّرا:
- لاحزرة الجندي، للخسه خانه.

يقف الإنسان عاجزا عن التعبير و فهم ما يدور وسط جحيم كهذا الذي جعلنا الكاتب و الروائي "برهان شاوي "ندخله و نشاهد مأساة وطن و ضياع وسط أهداف سياسية ظالمة لا تعترف بحق الجميع.
الزمن الحقيقي للرواية يهيمن على كل الصفحات و القاع المظلم الأليم الذي عاشته الشخصيات حينها و مشاهد يقشعر لها البدن لم يعرفها العالم حينها، بل و عاشها العراقيون في تلك الفترة في حقبتها السوداء بكوابيسها اللاّمنتهية.
رواية "الجحيم المقدس" رواية مهولة في أحداثها و مرعبة و مخيفة و مؤلمة كما أنها كاشفة بكل تفاصيلها عن الهمّ العراقي و تعتبر كشاهد عصر على الزمن المرعب الذي عاشه أهلها في السبعينات.
كتبها الرّوائي و الكاتب "برهان شاوي" في الثمانينات، لكن صدى الألم و الكوابيس و الرّعب ما يزال يطنّ في الآذان بما حمله في طيات صفحاته الزمنية و التاريخية رغم مرور الزّمن للشعب العراقي.



#نوميديا_جرّوفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سمير نقاش.. نقش عراقي في الذّاكرة.
- رواية -مسك الكفاية- للشاعر و الروائي -باسم خندقجي-
- ملحمة كلكامش للكاتب الأب يوسف جزراوي
- ديوان - أهبُ أصابعي لخواتم النور- للشاعرة - آسيا خليل-
- ديوان (جنوبا..هي تلك المدينة..تلك الأناشيد) للشاعر عبد الكري ...
- متاهة آدم للرّوائي بُرهان شاوي
- بين كردستان و تلمسان في مراسيم الزّواج
- صرخة أور
- سومريّة..عراقيّة
- الشرق


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوميديا جرّوفي - رواية -الجحيم المقدّس- للكاتب و الروائي -بُرهان شاوي-