أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - كيف نتفادى الحرب العالميّة في منطقتنا؟















المزيد.....

كيف نتفادى الحرب العالميّة في منطقتنا؟


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 5322 - 2016 / 10 / 23 - 20:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




الحرب كائن خرافي يُولد ويتحرك ويعتاش على أرواح البشر ورغماً عنهم في شكل مُدهش. في غالب الأحيان، يبدو كأنه يخلق نفسه بنفسه غير عابئ بالزمن، بالمكان، بالمستقبل، بالجميع. أحياناً أخرى، يُولد بمساهمة فاعلة من هؤلاء الجميع على رغم قدومه شبه قسري على الضد من تمنيات كثر يرون إشارات قدومه «المظفر». يهزأ هذا الوحش بمحاولات تفاديه والهروب منه، وإلى مقتلته الدموية تنزلق الدول والحكومات وقادتها في استعراض مُذهل لاستسلام الناس لأقدار الموت التي تنتظرهم. كأن ثمة حالة طاغية من النوم الاصطناعي تغشى الجميع وتقودهم إلى محارق الحرب على رغم إداركهم الأولي لبشاعتها. يصبح تفادي الحرب مقابل الانجذاب المدمر إليها أمراً بالغ الصعوبة. كأن ثمة قوة سحرية هائلة كامنة في الحرب لا أحد يتمكن من مقاومتها، وهي القوة اللاإرادية التي صنعت تواريخ البشر وحددتها في مسارات قسرية أحياناً على رغم كل الأحلام بالسلام الإنساني، وكل الرغبات بإطفاء الصراعات عبر الحوار والمفاوضات. حتى المنتصر في الحرب الحاسمة يخرج مثخناً بالجراح والأكلاف، فضلاً عن الكوارث التي يلقاها المهزوم. في الحرب غير الحاسمة، تصبح الأكلاف مضاعفة على المنتصر والمهزوم، وبالكاد يقوى النصر المُنهك المُتخيل على الترنح واقفاً لرفع إشارة الظفر، فيبدو كأنه ليس سوى توأم للهزيمة.



كثير من أسباب الحروب الكبرى والمدمرة في التاريخ البعيد والقريب وإرهاصاتها تراكمت وتضخمت تحت عين وبصر الأطراف المنخرطة فيها وتعقلها، ثم انفجرت في وجوههم جميعاً من دون أن يتمكنوا من تفاديها. القرن العشرون وحده، قرن الحروب المدمرة والكارثية، يفيض بغنى التجارب المأسوية. كل القوى العظمى في الربع الأول منه كانت ترقب الاحتقان المتزايد نتيجة التبدل المستمر لخرائط التحالفات بين الإمبراطوريات الألمانية والنمسوية والعثمانية من جهة، ودول الحلفاء، فرنسا وبريطانيا إلى جانب الإمبرطورية الروسية من جهة ثانية. تفاقم الاحتقان الحرائقي ليقود كل تلك الدول إلى مهلكة الحرب العظمى، ولم يكن اغتيال ولي عهد النمسا سوى عود الثقاب الذي كان الحريق الكامن يتوقع قدومه وينتظره بكل ثقة. الحرب العالمية الثانية بدأت أيضاً مع نهاية الأولى، وتوقعها كثيرون فور التوقيع على معاهدات فرساي التي أخضعت ألمانيا وأذلتها. وعلى رغم مرور سنوات فصلتها عن الأولى وأتاحت فرصاً لتفاديها، إلا أن الدول العظمى جميعها داخل القارة الأوروبية وخارجها خضعت لإملاءات وحش الحرب وانقادت له بكل عماء. وإذا كان ضحايا الحرب الأولى قد تجاوزوا العشرين مليوناً، فإن التقدم التكنولوجي في صناعة الموت سواء في الجو أو البر أو البحر قد وفر لوحش الحرب أن يبطش بما يقارب من ثمانين مليوناً في الحرب الثانية. إلى جانب الأرقام الضخمة من القتلى، كان الدمار المذهل الذي فاق الوصف.



درس التاريخ الكبير في الدم والحرب وصناعة الموت يجب أن نستظهره عن ظهر قلب ونحن نرى الاندفاعة العالمية والإقليمية الكبيرة في منطقتنا على نحو حاد قد تتحول إلى حرب ضارية، لا يدرك أحد مدى دموية وحشها. ليست كل الأطراف متساوية في رغبتها في الحرب بالتأكيد، وكثير منها يريد تفاديها حقاً. وليست كل الأطراف لديها الشبق الإمبراطوري الروسي الذي يتزعمه فلاديمير بوتين ويتحرك وفقه على نحو شبه آلي. بوتين يقرأ دروس التحالفات والانشقاقات عنها وتبدل موازين القوى في أوروبا في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، ويعتقد أنه يرى لحظة تاريخية جوهرها أفول النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، وفرصة جيوبوليتيكية لاحتلال ما يسفر عنه ذلك الأفول، ويساهم في تسطير وضع جديد لروسيا إمبراطورية متعددة النفوذ. على أنغام الرقصة الروسية الخطرة، يطرب بعض قادة إيران المهووسين بأحلام إمبراطورية إقليمية ورغبات جارفة في النفوذ والتوسع وتصدير احتمالات العنف الداخلي إلى الجوار. تلتقي روسيا وإيران، سواء حقاً أو تسويغاً، على فكرة رعاية العنف في الخارج حتى لا يصل إلى الداخل، وهي فكرة ناجحة حتى الآن. مع كل الحروب والصراعات والعنف والإرهاب الذي يكاد لا يستثني بلداً في المنطقة، تنجو إيران (ومعها إسرائيل) من هذه العاصفة، وهو ليس أمراً عارضاً او مجرد مصادفة. مسوغات روسيا أيضاً تستهدف جذب الإرهاب والإرهابيين إلى المنطقة والتعامل معهم هناك بعيداً من الحدود الروسية، البعيدة أصلاً. لكن هذا كله ليس مهماً الآن، المهم هو ما يتطور عنه من اتساع للشهية التوسعية والإمبراطورية والسقوط في شرك تكريس النفوذ وخلق موازين قوى دولية جديدة. تلاقي النزعات الشرهة للتوسع الروسي مع أحلام النفوذ والسيطرة الإقليمية الإيرانية، يوفر الطريق الأقصر للانخراط في حرب إقليمية وعالمية يتورط فيها الجميع. خطوط التعسكر الإقليمي شبه واضحة جغرافياً وطائفياً وتحالفياً، على رغم أن الانتقالات السريعة على حدود المعسكرين والتموضع النهائي ما زالا غير محسومين في حالة بعض البلدان المؤثرة مثل مصر تحديداً.



عموماً، إذا تواصل الاحتقان الإقليمي والعالمي في المنطقة متمحوراً ومنطلقاً من الحرب أو الحروب المتعددة في سورية، فإن الانزلاق إلى «الحرب الكبرى» يصبح مسألة وقت، ومسألة عود ثقاب هنا أو هناك: قارب اخترق مياهاً إقليمية، أو طائرة أسقطت قصداً أو عفواً، أو ربما اغتيال نفذ بتدبير أو غيره. لذلك يتوجب على العقلاء أو من تبقى منهم، الشروع في عملية صد تاريخية لطوفان الحرب القادم بهدف منعها بكل الطرق ومهما كان الثمن. بؤرة اشتعال الحرب أو تفاديها هي إيران والعلاقة معها والنظرة إليها. علاقة العرب، بخاصة دول الخليج، مع إيران هي المسألة المفصلية هنا، راهناً ومستقبلاً، سلماً أم حرباً، وفي ضوء التمدد والتغول الإيراني في الجوار. هذه العلاقة السلمية أم الحربية تأخذ واحداً من الاحتمالات التالية: ١- الاستنزاف المتبادل عبر حروب الوكلاء، كما هو حالياً. ٢- الحرب الشاملة والكبرى. ٣ - الحوار والتفاهم وتقديم التنازلات المتبادلة. الخياران الأولان مدمران ولا يحتاجان إلى نقاش. وإيران التي تظن أنها منتصرة في الخيار الأول بكونها تحارب الآخرين على أرضهم وليس أرضها، وعبر وكلائها وليس جيشها، تخدع نفسها إن ظنت أن هذا الظفر يتأبد أو أن أكلافه الظاهرة أو الخفية ليست باهظة. الخيار الأول يعمل على رعاية بيئة مخيفة ومدمرة لتسارع ردود الفعل الطائفية والتطرف الديني واستفحالهما. إن استمرت إيران في سكرة الظفر الخادع، فإن اليوم الذي سنترحم فيه على «اعتدال داعش» و»اعتدال الحشد الشعبي» لن يكون بعيداً. ستقع إيران والعرب كلاهما أسرى لمتطرفيهما ليس إلا.



عربياً، يجب فهم إيران بكونها «إيرانات» وليست إيراناً واحدة مصمتة، ومن المهم تفكيك ما هو مُصمت إدراكياً لاستكناه الفروق بين المكونات المختلفة وضرورات الحوار والتفاهم وتفادي الحرب. ليس هناك من خيار سوى الحوار والتفاهم على رغم كل ما حدث، وجر إيران جراً نحو إقامة علاقة قائمة على المصالح والأمن الإقليمي. البديل عن ذلك هو الدمار على الجميع. يفيدنا هنا أن نتذكر أن «إيرانات» إيران متنوعة ومتعددة قد تتكامل أو تتنافر جزئياً، لكنها ليست متناظرة ومتطابقة تماماً، وهي تفرض ضرورة الفهم المركب والمعمق لما نراه اليوم من فيضان وتوتر في آن معاً للنفوذ والتمدد الإيرانيين. وهناك في شكل أساسي ثلاث «إيرانات» يجب الفصل بينها أولا لغايات الفهم، ثم غايات ترسيم السياسة تجاهها. إيران الأولى هي إيران التوسعية المهجوسة بإحياء الإرث الفارسي الإمبراطوري، والمشحونة بالتاريخ الذي يدفع إيران وقادتها وشعبها دفعاً ويورطهم في مشروع إمبريالي إقليمي دائم. إيران هذه ترى المنطقة كلها تابعة لها، وترى في إيران تلك الدولة التي يجب أن تمتلك مشروعاً إمبراطورياً متفوقاً على جوارها، وهذه الـ «إيران» عابرة للحدود بالتعريف. ثم هناك «إيران التشيع السياسي» التي أطلقها الخميني وطرحت نفسها حامية للشيعة ليس فقط في المنطقة، بل وفي العالم بأسره. وهذه الـ «إيران» تتسم بكونها هي إيضا إيراناً عابرة للحدود ولا تحترم سيادات الدول. وإذا كانت إيران الفارسية مهجوسة بإحساس الإمبراطورية المهزومة والتي تريد أن تنهض، فإن إيران «التشيع السياسي» مهجوسة بإحساس المذهب الأقلوي المدجج بشعور الاضطهاد والهزيمة، والذي يريد أن ينهض منتقماً مما يراه مظلوميات فرضتها عليه الغالبية العربية السنية.



مقابل هاتين الـ «إيرانين» السابقتين، هناك «إيران» ثالثة هي إيران الدولة - الأمة أي nation state والتي من المفروض أن تكون ملزمة بالقانون الدولي وتحترم سيادات الدول ولا تستبطن أي مشروع أيديولوجي أو إمبراطوري متجاوز للحدود، والقائمة على مبدأ المواطنة وليس المذهب. هذه الإيران الأخيرة هي أضعف الإيرانات مع الأسف، وهي ما يجب أن يتم دعمه وتقويته والتعاون معه. صحيح أن هناك تياراً عريضاً وقوياً داخل إيران «الدولة الأمة» يريد لهذه الأخيرة أن يتصلب عودها وحضورها مقابل إيران الإمبراطورية وإيران التشيع السياسي، لكنه لا يمتلك قوة خطابات الآخرين وأيديولوجيتهم. كما ليست هناك حدود فاصلة وواضحة بين هذه الإيرانات الثلاث كما ليست ثمة كتل داخل إيران صارمة الملامح يمثل كل منها إيرانه الخاصة به. بل هناك تداخل التعريفات وغموضها، حيث تبدو هذه الإيرانات كثلاث دوائر تتداخل في منطقة الوسط، بما يعني اشتراكها في عناصر عديدة لكن اختلافها في عناصر أخرى. ليس سهلاً دحر الحرب بخاصة عندما تكون دوافعها خليطاً من أحلام إمبراطورية ودعاوى دينية وجنون عظمة يمس قادة وسياسيين. لكن ليس هناك من خيار عقلاني سوى محاولة دحرها وتفادي وحشها الكاسر وإيقاف تقدمه.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا رأى ابراهيم نصر الله فوق قمة كليمنجارو؟
- -نكبة- الرواية الفلسطينية بين التحسر المدمر والثورة
- اغتيال ناهض حتر ... داعشيتنا الكامنة!
- أسماءُ نسائنا: -الشرف السمج- ... والقيعان المتلاحقة!
- «سيد قطب» متخفياً في كتاب «استحالة الدولة الإسلامية» (١ ...
- الحق في عدم التدين .. بين المواطنة والدعشنة الكامنة
- الإرهاب المُنتسب للدين: سؤالان صريحان ومواجهة!
- بريطانيا: شعبوية صادمة ... ثم تعود لاوروبا!
- الإنقسام الفلسطيني: هل تكرس سيناريو -قبرص الغزاوية-؟
- سنغافورة ... لماذا نجحت وفشل العرب؟
- «النهضة التونسية» وتحولاتها: دمقرطة إسلامية جديدة؟
- صادق خان: تجديد التعددية الثقافية وتصحيحها
- طرابيشي.. مثقف المروءة
- «الإخوان المسلمون»: مقاربات القطبيّة والتطرّف
- بروفايل «الفلسطيني العادي» ... خليط الأزمنة والهويات
- هل يستقيل عباس ويقلب أوسلو على صانعيه؟
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (٢ من ٢ ...
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (١ من ٢ ...
- إصلاح التعليم الديني... من هنا نبدأ!
- رحل المرنيسي ويبقى سندبادها


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - كيف نتفادى الحرب العالميّة في منطقتنا؟