أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - طرابيشي.. مثقف المروءة














المزيد.....

طرابيشي.. مثقف المروءة


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 5109 - 2016 / 3 / 20 - 07:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إذن هو الرحيل الحزين لمن استحق يوماً وصف «مثقف المروءة»، إنه رحيل المفكر جورج طرابيشي. دماثته على المستوى الإنساني ورهافة حسه، زادت دوماً من تقديره الكبير الذي ظل يتسع في وجدان من تابعوا عمقه الفكري ومشروعه الإبستمولوجي والنقدي الكبير. أجد لزاماً عليّ وعلى سبيل الوداع والإشادة بالراحل أن أعاود الإشارة إليه بتلك السمة النادرة: «مثقف المروءة»، وهو ما لمسه كل من قرؤوا نعيه لمحمد عابد الجابري قبل سنوات، النعي الخلوق والمُتعالي عن الخصومة الفكرية.


يؤكد طرابيشي على المهمة الكبرى التي قام بها الجابري وتمثلت في نقل الفكر العربي في أواخر القرن العشرين من أسر الأيديولوجيا إلى رحاب الإبستمولوجيا، وهي النقلة التي انتقلها طرابيشي أيضاً مسافراً في أول تحرره الأخير من الأيديولوجيا على مركب «نقد العقل العربي». في بداية تأثره بالجابري يقول طرابيشي في مقالة النعي إن الرحلة الأيديولوجية الطويلة التي بدأها بالقومية العربية ثم الماركسية، وإلى حد ما التحليل النفسي الفرويدي، كانت مزدحمة بـ«آباء فكريين أيديولوجيين «مؤمثلين». وبعبوره إلى ضفة الإبستمولوجيا قارئاً ومندهشاً ومستبطناً «نقد العقل العربي» صار الجابري هو «الأب الفكري المؤمثل» بعد عبور بوابة الإبتسمولوجيا.

ولكن رحلة التأثير والانبهار بالجابري إبستمولوجياً انتهت سريعاً وقادت طرابيشي إلى اكتشاف محدودية إبستمولوجيا الجابري وترسباتها الأيديولوجية، وطبيعة إشكاليتها التي تفتح النقاش من جهة ولكنها تعيد تعليبه من جهة أخرى في عدد من المقولات أو الثنائيات (أو الثلاثيات)، مثل العرب والغرب، الحداثة والتراث، العقل العرفاني والعقل البرهاني والعقل البياني، وهكذا. هذا فضلًا عن موقف الجابري الملتبس من العلمانية والغزل الخفي مع الإسلاميين في مراحل متأخرة! والمهم هنا هو أن اكتشافات طرابيشي وخيبة أمله دفعتاه معاً إلى إطلاق مشروع نقدي مواز لمشروع الجابري تمثل في سلسلة كتبه «نقد نقد العقل العربي»، التي فتحت آفاقاً في الفكر العربي المعاصر وسجالاته ربما تفوقت على الآفاق التي جاء بها المشروع الأصلي للجابري في نقده للعقل العربي.

وانتبه طرابيشي لكثير من مسْحات الجوهرانية التي تسربت إلى مشروع الجابري، وهي درجات متفاوتة من التمثل الداخلي لعدد من المقاربات الاستشراقية، وقد نقدها وفككها. كما رفض الوقوع في أسر الإشكاليات التي كان الجابري يطرحها وتبدو في ظاهرها بادية الإحكام وجامعة للأسئلة الكبرى. فجوهر الاستخدام نفسه لوصف «العقل العربي»، مثلاً، يقع في قلب الجدل والخلافية الإبستمولوجية، ويجوهر بشكل ما ماهية هذا العقل، إذ بماذا يختلف «العقل العربي» عن «العقل غير العربي»؟

ودرس مروءة المثقف الذي يقدمه طرابيشي في مقالته الاحترامية والاحترافية في حق الجابري مهم وبالغ العمق. إنه يقول أولًا إن الفكر لا يُصقل إلا بالفكر، وإنه لا مجاملة في صراع الأفكار وتنافسها. وكثير من المثقفين والمفكرين تستهويهم فكرة عدم إغضاب الآخرين فكرياً، وتفادي التعبير الصريح والموجع أحياناً عن الفكرة والقناعة، بحثاً عن الدفء الخادع بالوقوف في الوسط. بيد أن هذا التردد والاستحياء عن نقض الفكرة كلياً إن كانت تلك هي قناعة المثقف أو الناقد لا ينتج فكراً ولا يخدم ثقافة. والصرامة والحسم في التعبير عن الفكرة ومصادمة الآخرين بها لا تعني الإقصاء، ولا الشطب الكلي للمختلف معه فكرياً وشخصياً. والدرس نفسه يقول، ثانياً، إن موضوعية المُفكر وتقديره للأفكار والأشخاص والقضايا بالحجم الذي تستحقه، والإقرار بها وبهم، يضاعف من التقدير والاحترام له. ولا يخسر المثقف عندما يقدر منافساً له ويعطيه حقاً من دون أن يجامله فكرياً. بل على العكس تماماً يتبدى ذلك المثقف ظافراً وواثقاً بنفسه وجديراً بالاحترام. وهذا كله يرقي حقل الثقافة ويُضفي عليه تحضراً مفقوداً في سجالات ثقافية كثيرة تنحط بالمنخرطين فيها بسبب شخصنتها البالغة، وتفاقم الاغتيال الفكري والثقافي فيها كواحد من أبرز مكوناتها.

كما يقول ذلك الدرس، ثالثاً، إن سجالات الفكر وطروحاته تقوم كلها في المنطقة الرمادية لإدراك البشر، على رغم دفوع المفكرين وشراستهم في التشبث بأفكارهم. وتلك المنطقة يختفي أو يجب أن يختفي فيها ادعاء الوضوح والحسم بالأبيض والأسود. فهنا وفي هذه المساحة الرمادية يزدهر العقل باحثاً عن الإجابات المُحتملة، ويقارن ويفاضل بينها بالنسب والدرجات، وليس بالمطلق أو القياس الصفري. وكل فكرة من الأفكار حتى لو نُقضت ودمرت تماماً فإنها تكون قد قدمت خدمة كبرى للمعمار الفكري والفلسفي الأكبر بكونها استفزت فكرة أخرى لتقومها وتقوضها وتحتل مكانها. أبدع الجابري في التقاط موروث المروءة كواحد من مكونات العقل الأخلاقي العربي، وأبدع طرابيشي في تمثل هذا الموروث وتطبيقه بأمانة في علاقته مع الجابري أكبر خصومه الفكريين.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «الإخوان المسلمون»: مقاربات القطبيّة والتطرّف
- بروفايل «الفلسطيني العادي» ... خليط الأزمنة والهويات
- هل يستقيل عباس ويقلب أوسلو على صانعيه؟
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (٢ من ٢ ...
- رحيل فاطمة المرنيسي سندبادة فاس المعولمة (١ من ٢ ...
- إصلاح التعليم الديني... من هنا نبدأ!
- رحل المرنيسي ويبقى سندبادها
- الإرهاب يدمّرنا قبل تدمير الآخرين
- الإنتفاضات الفلسطينية تكسر الجدار الحديدي
- عناد شبان فلسطين يقلب الاجندة
- اللاجئون السوريون: ماذا عن روسيا وايران؟
- المسلمون والقدس.. الزيارة والاستثمار
- تأملات في -محور الممانعة-
- خير جليس ... محاصرا باللغة!
- الخصوصية الثقافية والخطاب الاعتذاري
- سيرورة التطرف والداعشية .. ودورنا جميعا
- الداعشية في مناهجنا الدراسية
- كيف سيُكتب تاريخنا؟
- خضوع الفقيه للسلطان ... وتسييس الدين!
- المنطقة بين «الداعشيات» السنّية والشيعية ... أو العلمانية


المزيد.....




- أفعى برأسين تزحف في اتجاهين متعاكسين.. شاهد لمن الغلبة
- بعد توقيع اتفاق المعادن مع كييف.. ماذا قال نائب ترامب عن نها ...
- تساقط الثلوج يسجل رقما قياسيا في موسكو خلال شهر مايو
- دبي.. منصة -تلغرام- تنظم عرضا مميزا للطائرات المسيرة
- قبرص.. انهيار هيكل معدني ضخم خلال مهرجان للطيران
- مسيرات روسية تستهدف موقعا أوكرانيا في مقاطعة خاركوف
- فولغوغراد.. سائق سكوتر يتعرض لحادث مروع
- أول رحلة ركاب روسية لمطار سوخوم الأبخازي بعد عقود من التوقف ...
- الرئاسة السورية تعلق على القصف الإسرائيلي لمحيط القصر الرئاس ...
- هجوم على قافلة أسطول الحرية في مالطا قبل توجهها إلى غزة واته ...


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - طرابيشي.. مثقف المروءة