الإحصاء المبهم

أحمدي موسي

الحوار المتمدن-العدد: 5321 - 2016 / 10 / 22 - 00:01
المحور: القضية الكردية
    

الإحصاء المبهم

طُرق باب بيتنا الحديدي بمفاتيح بيت العجوز جارنا، عضو اللجنة الذي تولى أمر الإحصاء في الحي الذي نسكنه وإياه جميعاً، طرقاً لم يكن عذباً سماعه، صباح هذا اليوم الجمعة . حيث رافقته فتاة أكثر ما كانت تريده أن تلفت الأنظار لأنوثتها المميزة، علماً أن وجهها لم تكن بحاجة لطلاء لتخفي الندبات . فما كان عليَّ إلا ان أرمي البطانية جانباً وأفهم من الطارق المزعج . سمعت كلماته المبحوحة وهو يقول لابن أخي الصغير، نادي والدك أو جدك نحن لجنة " إحصاء إحصاء " على وقع هذه الكلمات التي انزلقت إلى أذني تذكرت في لحظتها قبل أربعون عاماً كانت سيارة موديل بيك آب يتجول صاحبها في الاحياء وبالقرب من فمه مكبر الصوت منادياً ماجييك ماجييييك . نوع من منظفات الغسيل .
فتحت الأقفال لأقف أمامه مرحباً به مستأذناً له الدخول، لكن مرافقته قطعت الترحاب وقالت اجلبوا لنا دفتر العائلة لنسجلها في أوراقنا ولكن بطريقة الأمر مما شكل إحراجاً للعجوز جارنا، الذي لم يتعود أن يكون بهذه السوية الهابطة من الحديث المقزز والآمر . قاطعتها : أيعقل أن تملئين الأوراق على الرصيف !! عرج العجوز الى الداخل في قبو بيتنا فسارت الفتاة خلفه على غير رضاها . جلس الوقور على الأريكة بينما المرافقة قرفصت مستعجلة التخلص من عملها قائلة أين دفتر العائلة يجب أن نكتب رقمها الوطني وبدونها لن نسجل أحد ؟ لحظتها خطفتني فكرة الإحصاء الجائر الذي قامت به الدولة السورية وجردت وقتذاك عشرات الآلاف من الكورد بقرار سياسي خطف الجنسية منهم . حتى أستعاد ثلثهم فقط بعد اندلاع الثورة السورية من باب رشوة الكورد ليطرد النظام فكرة انخراطهم ضده في الثورة السورية . لم أكن متأنياً في الرد على الفتاة لأقول لها : سبعة من إخوتي في الخارج أخذوا معهم دفاتر عائلاتهم إثباتاً بأنهم سوريون في الدول الأوربية التي لجئوا إليها بعدما تسلحت الثورة السورية ووصل الإرهاب لمنطقتنا وغاب الامان ليصبحوا أبناء بلد آخر حتى تستعيد منطقتنا الكوردية عافية أمانها ويعودون . والأبوين سيلتحقان بركب أولادهم المغتربون قريباً لأسباب صحية تخص والدي الذي يغسل كليتاه المتوقفتين عن العمل . وبالتأكيد لأني لا أعرف شيئاً عن هذا الإحصاء سببه ودوافعه وهدفه فلن أكون سريعاً في جلبه لك لتسجلينا في أوراق كنت مصرة أن تدوينين أسماءنا على الرصيف فلست متشرد متسكع لتعامليني معي بهذه الفوقية . ولماذا أصحاب الفكرة لم يخرجوا على الإعلام المرئي ووهبوا الثقة المنزوعة بينهم وبين الشعب وكشفوا المستور منها . وبماذا يهم أولياء الأمر الواقع الرقم الوطني لدفتر العائلة غريب هذا ؟ أين سجلاتكم التي تخصكم وإحصاءكم ألا يكفي أننا بتنا أقلية على الأرض تودون ان نصبح أقلية حتى في سجلاتكم . ما الذي كان يمنعكم أن تشكلوا لجاناً في الخارج وتقيدون الناس الفارين من بطش الحرب المدمرة للحجر والبشر وهم السكان الأصليين للمنطقة الكوردية . فلم أسمع في حياتي أن ثمة إحصاء او إعمار وحتى انتخابات جرت في زمن تقل البشر في بقعة جغرافية لا تغادرها الحرب .
المسكينة لم تكن تمتلك أجوبة لكل هذه الأسئلة التي طرحتها سريعاً عليها لتطمأنني عما تفعله وكل ما دار في رأسي أن هذا العمل قد فُرض عليها ولم تكن تستطيع التأخر في إنجازها أو رفضها، ربما لتشق لها طريقاً في هذه الإدارة الوهمية إلى وظيفة تكسبها ربع قوتها اليومي .

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات