عبد الله أبو راشد
الحوار المتمدن-العدد: 5319 - 2016 / 10 / 20 - 17:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الولايات المتحدة الأمريكية ومسارات الربيع العربي
عبد الله ابو راشد*
مما لا شك فيه, حين تناول طفرة ما يسمى الربيع العربي, لا بدّ من البحث عن مجمل العوامل الذاتية والموضوعية العاصفة في البنية الاجتماعية, ومنظومة القيم الروحية والمادية التي تماهت معها عربياً واعجمياً, والمتناغمة مع لعبة المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية للشعوب العربية من عامتهم, أي (الدهماء, البسطاء, والفطريين). وخاصتهم (مثقفي النخبة الثقافية والسياسية والعسكرية, والأحزاب والنقابات المهنية التقليدية. والمؤسسات الحكومية والنظم الرسمية الحاكمة). وغير المفصولة البتة عن محيطها العربي والإقليمي والدولي شرقاً وغرباً. ولا عن مجموع التراكمات الحادثة بسبب خيبات الأمل القومية العربية والإسلامية واليسارية التي شهدتها المنطقة العربية منذ مطلع القرن العشرين, من فرض مفاعيل الوصاية والهيمنة للنموذج الاستعماري الأوربي على الوطن العربي من محيطه إلى خليجه. من خلال سياسة: (فرق تسد البريطانية) وعقد اتفاقيات سايكس بيكو الفرنسية الإنكليزية, والتي امست من المقدسات العربية في كثير من الدول والتي لا يُمكن التنازل عنها من قبل حاكم فرد ملك أو أمير او جماعة أو حزب. وغدت مقولة الدولة الوطنية سلاحاً فعالاً لجميع المغامرين العسكريين والسياسيين والمرابين والطامعين في تسلم سدة الحكم والسلطة في عالمنا العربي, تحت مقولات فارغة واكاذيب معلبة حول مفاهيم القومية والعروبة والأسلمة السياسية. وفي مرحلة لاحقة شعارات تحرير فلسطين. واصبح الوطن العربي اوطان قطرية مدقعة في انغلاقها وتزمتها الكياني, والشعب العربي شعوباً عربية مُعتزة بتخلفها في ظلال اثنيات وقوميات وايديولوجيات متصارعة في حيزها المناطقي. فضلاً عن مشاريع زراعة الكيان الصهيوني في فلسطين. وتشكيل جامعة الدول العربية بإرادة بريطانية مكشوفة, وحدوث نكبة فلسطين عام 1948 واستمرار مسلسل النكبات العربية الكبرى في سائر البلدان العربية.
وما تشهده المنطقة العربية من مؤامرات اعجمية مكشوفة او مخفية من الشرق والغرب وعلى قدم المساواة. وما لها من ادوار وظيفية متناغمة المنافع والمصالح تعزف نشيد إنشادها الدامي, والمؤلم على دمنا العربي المسفوح والمعشب بالتخلف والتبعية والعمالة والقبلية والنزعات الطائفية المقيتة وما يتفرع عنها من صراعات. تبعاً لصراعات الدول العظمى ورؤيتها في إدارة ذلك الصراع على حساب الوطن العربي والمواطنين بخاصة. لاسيما بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية التي ورثث الاستعمار الأوربي القديم, باستعمار (الأنجلو- سكسوني) مُتجدد أكثر خبثاً وقسوة ومكراً مُتجلياً في الحزبين الجمهوري والديموقراطي الأمريكيين, والمتماشية مع خلطة المحافظين الأمريكيين الجدد الصهاينة والمتصهينين. الذين ركبوا موجة ما يُسمى بطفرة الربيع العربي ورعاية مقولات محاربة الإرهاب فيها, وبالتالي التحكم في مفاعيلها وفق استراتيجيات الحروب الوقائية الأمريكية الاستباقية بالقوة العسكرية, ومقولات الشرق الأوسط الكبير وسواها والمنسجمة مع سياسة تفجير دول الخارج الأمريكي لمصلحة داخله. مروراً باستراتيجية الفوضى الأمريكية الخلاقة التي كانت العولمة الأمركة أحد مفاتيحها ومحاورها الرئيسة في إحداث المتغيرات الكونية عموماً وداخل الوطن العربي خصوصاً. وصولاً لفلسفة واستراتيجية التضحية بالآخر غير الأمريكي.
وغدت الولايات المتحدة الأمريكية هي الحكم والخصم والأمر الناهي في جميع تفاصيل الحروب الكونية والعربية-العربية على وجه التحديد, والمساهمة الفعّالة في ديمومتها ورعايتها في اشكال عدوانية متعددة المناقب والسياسات. ولعل القضية الفلسطينية وما يحدث في الدول العربية "مصر, ليبيا, تونس, العراق, وسورية وأخيراً تركيا من أبرز المؤشرات على السياسة الأمريكية النفعية الخالصة التي تدور في فلك مصالحها كمراب كبير مُتحكم بمنافع الشعوب في مجمل الكرة الأرضية.
كي نفهم حدود العلاقة البينية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية مع حدوث طفرة ما يُسمى الربيع العربي, ودورها المُعلن والخفي. فلا بدّ من استعراض نموذجين من مقولات بعض القادة والساسة الأمريكيين والتي اتكأت عليها مجمل السياسيات الخارجية الأمريكية. ونذكرها للمثال وليس للحصر:
1- (إنني أرتجف خوفاً من الله على بلادي, عندما أُفكر ان الله عادل) الرئيس الأمريكي جيفرسون (1801-1809).
2- ( إن حلفاء أمريكا هم مجرد أتباع وخدم وعليهم دفع الجزية) برجنسكي.
انطلاقاً من خلفيات هاتين المقولتين التي تُلخص واقع الحال والتفكير الأمريكي الاستراتيجي في العالم والمتابع لمسيرة السياسة الخارجية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في إداراتها المتعاقبة جمهورية أو ديمقراطية. سيجدها ملتزمة باستراتيجيات محددة البصمات والرؤى والخطوات لجميع الساسة واقتصاديين والعسكريين والحكام منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية, فهي واضحة البيان والمنسجمة مع مقولة (برنارد شو) الساخرة والمُلخصة لواقع الحال الأمريكي: (أمريكا ليست دولة, وإنما كونسورتيوم شركات متعددة الجنسيات, يرأس مجلس إدارتها رجل يتربع في البيت الأبيض يحمل لقب الرئيس). وهي بالفعل كذلك. تقوم فلسفتها الذرائعية على النفعية المطلقة بالدرجة الأولى, والقائمة على تحقيق مصالحها القومية الأمريكية وخوض غمار لعبة الأمم, والتقاسم الوظيفي لمناطق النفوذ العالمي والوطن العربي على وجه التحديد. ورعاية مصالح المؤسسات الصهيونية في داخلها وفي الدول الأخرى وحماية وديمومة الكيان الصهيوني في فلسطين بكل ما يلزم لاستمراره وتفوقه عسكرياً وعلمياً واقتصاديا وفي جميع المعابر السياسة والدبلوماسية, والسعي الحثيث لولادة أنظمة عربية تابعة وخاضعة لمشيئة مصالحها الحيوية في لبوس وأثواب أيديولوجية متعددة. وما الربيع العربي الذي تشهده المنطقة العربية, وموقف الولايات المتحدة الأمريكية وإداراتها(جمهورية أو ديمقراطية) ما هو إلا نتاج طبيعي للتحولات الكبرى في السياسة الأمريكية بعد أحداث أيلول 2001, والتي تُمثل فيلماً أمريكياً متقن الإخراج وكذبة كبرى متمايزة الحبكة الدرامية للأحداث. صدقها العالم والعرب خصوصاً. وحاربوا من أجلها تحت خديعة قانون محاربة الإرهاب الأمريكي والذي حظي بدعم كبير من مصادقة نحو 126 دولة راغبة بتقديم المساعدة في هذا الجانب. ومنحت 39 دولة حق التحليق للطائرات الأمريكية في أجوائها. و76 دولة حق الهبوط في مطاراتها. وموافقة نحو 22 دولة على استضافة القوات الأمريكية على اراضيها.
وما غزو أفغانستان والعراق. إلا بداية لسياسة الحروب الوقائية, وتمثيل أمين لدورها الريادي الأحادي الجانب في إدارة القلاقل والحروب وصناعة الأزمات في جميع دول العالم من مشرقه ومغربه. ولا تغيب المؤامرات المدروسة في أروقة البيت الأبيض الأمريكي من صناع القرار في إدارة مصالحها الكونية العليا, والمراعية بطبيعة الحال للمصالح الصهيونية وكيانها العنصري المغتصب في فلسطين. وهي التي ساهمت في لحظة فارقة من التاريخ الحديث والمعاصر على صناعة أنظمة عربية تابعة. تسعى إدارة الولايات المتحدة في مرحلة (أوباما) وبما يُسمى الربيع العربي إلى إعادة الهيكلة والبناء الأفقي والعمودي للأنظمة, وتعديل السلوك والرموز لتلك الحكومات والقادة العرب وفق مصالحها. ويُساهم الأعاجم شرقاً وغرباً في مواكبة وخدمة السياسة الأمريكية عموما ومصالحهم خصوصاً وفق منطق تبادل المنافع. وما جميع الدول العربية والأعجمية المحيطة بالوطن العربي ما هي إلا مجرد بيادق تُحركها السياسة الأمريكية كما تشاء وفي أي وقت تشاء على رقعة اللاعب الأمريكي ومصالحه الكبرى في قطف ثمارها وفق منطقه السياسي أحادي الجانب. وما تشهده المواقف الأمريكية المعلنة من رئيسها ووزير خارجيتها من الحروب العدوانية على الشعب الفلسطيني والشعب السوري على وجه التحديد, هو دلالة دامغة وفاضحة على حقيقة سياساتها العدوانية التي لا تريد بالعرب والعروبة والمقاومة الشعبية الحقيقية خيراً. وما الأحداث الجسام والمؤلمة في العراق وليبيا سورية على وجه التخصيص والتقلبات الأمريكية المراوغة ودورها الملحوظ والمكشوف في رعاية الأنظمة والحكومات الاستبدادية والإرهابية في تلك الدول والمساعدة على بقاء الطغمة الحاكمة في العراق والنظام المجرم والقاتل لشعبه والمُدمر لبلده سورية والمتمثل بالطاغية " بشار الأسد" خدمة لمصالحها الحيوية في المنطقة والتي تقتطف ثمارها الكبرى بتقاسم نفعي ومنهجي مع عبيدها الصغار (الروس والمجوس).
والسؤال الذي يطرح نفسه أمام مجموعة حثالة المثقفين العرب المتوهمين بنخبتهم بمقولاتهم ومواقفهم القذرة والمخزية والمنحازة لأنظمة الطغاة العرب والولايات المتحدة الأمريكية والروس والمجوس. بعد الذي حدث ويحدث في المسألة السورية إلى أي منزلق لا وطني ولا عروبي ولا إسلامي ولا أخلاقي ولا إنساني تنزلقون. وهل يظن أمثال هذه النخب القذرة من المراهنين على الولايات المتحدة الأمريكية على أنها صديق. محال ذلك فالولايات المتحدة بتعدد إداراتها هي كانت في السابق وستبقى الأن وفي المستقبل المنظور العدو الأول والأخير للشعوب العربية. هل يُدرك العقلاء حقائق الأمور قبل فوات الأوان؟؟.
________________________________________
*باحث وكاتب فلسطيني سوري
#عبد_الله_أبو_راشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟