أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله أبو راشد - تأملات في عصر الصورة العولمية وموقع الفن التشكيلي العربي فيها- على هوامش الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثالثة















المزيد.....



تأملات في عصر الصورة العولمية وموقع الفن التشكيلي العربي فيها- على هوامش الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثالثة


عبد الله أبو راشد

الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 17:03
المحور: الادب والفن
    


بعد التحية والعرفان بفضلكم, نستكمل مناراتكم المُضيئة في موقع الحوار المتمدن بما كتبنا ذات يوم تحت عنوان: أوراق عبد الله أبو راشد الثقافية
"الورقة السادسة"
أوراق عبد الله ابو راشد الثقافية
تأملات في عصر الصورة العولمية
وموقع الفن التشكيلي العربي فيها
عبد الله أبو راشد*
[email protected]
مما لا شك فيه، أننا نعيش عصر( الميديا) والصورة العولمية كاملة المواصفات التقنية، والمعبرة حقيقة الفلسفة عن الذرائعية الأمريكية، بجميع وجوهها الفكرية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، والفنون البصرية التشكيلية واحتها الفسيحة وأحد وجوهها المفتوحة على التأويلات. عولمة أمريكية متوحشة وملغية بطبيعة الحال جميع خصوصيات الدول والشعوب ومنتجات الحضارات الإنسانية ومتواليات تاريخها المتعاقبة. والعرب والآسيويين والأفريقيين والأوربيين في هذا الأمر سواسية، وعلى قدم المساواة. يتعرضون إلى مفاعيل القهر العولمي الأمريكي، ومساحة الاحتواء والهيمنة الأمريكية العولمية المفروضة على الجميع وبمسافة واحدة أيضاَ، ينضوي في شعابها الظالمة جميع المقهورين والخاضعين لسطوتها وجبروتها سواء أكانوا عرباً أو أعاجم.
وأمست المعارف والعلوم والفنون والمنتجات البشرية المادية منها والروحانية، والتقنية والفنية التشكيلية خصوصاً. خاضعة خضوعاً تاماً لقيم وفلسفات وغواية مفاتن الصورة والميديا الموصولة بممارسات ذرائعية عولمية باحترافية ملحوظة. والمصنوعة في مختبرات الجهات المتنفذة في اتخاذ القرارات والسياسات الخارجية خدمة للداخل الأمريكي, والمصنعة وفق منطق المصالح الوطنية الأمريكية فائقة النفعية, والتي تُدار باقتدار رأسمالي التوجه المتوحش في مطابخ إدارة الولايات المتحدة الأمريكية أحادية الجانب. ماسحة بذلك مجموعة القيم والفلسفات التي أنتجتها المعمورة في العصور والحضارات والثقافات السابقة، وجعلتها في مهب الريح العاتية. واوجدت نظريات وفلسفات ذرائعية وتقنيات متساوقة ونفعيتها كوحيد القرن الأمريكي في جميع أرجاء المجرة الكونية. متدثرة كسوة غرائبية منسجمة مع طرق الإبادة التي انتهجها الأمريكيين الأوائل بحق الهنود الحمر أصحاب الأرض الحقيقين, بفنائهم شبه الكلي, وإقامة الدولة الوطنية الأمريكية المُتجلية في ركائزها الخمسة: (المعنى الاسرائيلي أمريكا. وعقيدة الاختيار الإلهي أو التفوق العرقي والثقافي. والدور الخلاصي للعالم وقدرية التوسع النهائي. وحق التضحية بالآخر). مُعتبرة جميع ما سبق من حضارات وثقافات وتاريخ ومعتقدات, بائدة ومندثرة وهي مجرد ذاكرة غائبة أو مغيبة عفا عنها الزمن بالتقادم التاريخي.
واضعة لفنون الصورة والميديا والتحايل البصري العولمي، حجر الأساس ونقطة الانطلاق لحفر جذوراً وقواعد جديدة من التحولات المجتمعية والعالمية في مسارات القيم والثقافة والسياسة والاقتصاد والفنون. محكومة بتقاسم المصالح البيّنية للولايات المتحدة الأمريكية، ومثيلاتها من بعض دول الاستعمار الأوربي. وأن الحديث عن الكلمة والصورة في الأدبيات الفنية العربية الإسلامية في النمطية في ظل اجتياه ماكينة الميديا وطغيان المعلوماتية الأمريكية، يُعد ضرباَ من الهذيان، وأشبه بحالة حلم يقظة مستمر، ومتوالد في النوايا الطيبة للعاملين في حقل الثقافة العربية والبصرية التشكيلية الجادة، وهم قلة مهمشة وغير مؤثرة في صناعة الأنساق الحضارية للأمة العربية الحالية، لأن القرار الفصل في المنطقة العربية للسياسي والاقتصادي المرتبط بعجلة الهيمنة الأمريكية لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وخديعة مُحاربة الإرهاب. ولتبق الثقافة مجرد دثار جمالي خادع وتحتل أسفل القيم الوجودية والاجتماعية، تحت مقولات وتعبيرات متخلفة ساهمت العولمة في تعميمها في عالمنا العربي حول الفن والفنانين ومنتجاتهم بخديعة التحريم. ولتنمو الفنون التشكيلية في رحاب ما بعد الحداثة الشيئية والتركيبية, ولتمسي الصورة البصرية منحازة لخيارها العولمي في أجهزة الكترونية صغيرة الحجم تستعمر عيوننا وعقولنا، والتي تُقدم لشعوبنا العربية المغلوبة على أمرها والباحثة على موطئ حياة, أشبه بولائم معرفة بصرية فيها ما فيها من تسطيح للتفكير، والمحافظة على صيرورة البقاء على قيد الحياة بأقل تكلفة وخسائر.
وعليه يمكن القول: أن الفنون البصرية عموماً والتشكيلية خصوصاً، تُعد من أكثر ضحايا العولمة الأمريكية المتوحشة، لأنها موصولة بالصورة، الصورة المرئية المركبة والمدركة الحسيّة والمُتفكر فيها، ومرهونة بحالات ودلالات النصوص البصرية المسرودة، بوسائط تقنية متنوعة الأشكال والتفرعات الوجودية، التي هي هيُولى الجوهر التقني المعاصر.
عولمة أمريكية جبّت جميع ما قبلها من منتجات وتقنيات، وأقصت الفكر والقيم الأخلاقية، وفلسفة الفن والفنان وقيمه الإنسانية الجمالية، لصالح الذرائعية المادية الأمريكية, القائمة على مفاعيل الربح واقتصاد السوق والقيمة المضافة. ضاربة بعرض الحائط جميع الحضارات المتوالية في مسيرة الزمن المتواتر، منذ عصر الإغريق والرومان، مروراً بعصر النهضة الإيطالية والأكاديميات المدرسية، وصولاً إلى تيارات الحداثة، المسماة في فترة ليست قليلة من الزمن باسم: (النزعات المركزية الأوربية)، وجميعها أصبحت من تراث الماضي المتحفي، وحلت مكانها قيم وأفكار وأيديولوجيات، وممارسات ومعارف واتجاهات، وجماليات موصولة برباط العولمة الأمريكية. عولمة لم تبق للإنسان من إنسانيته إلا هيُولى القوة، والهيمنة وجبروت التسلط والاحتواء وإلغاء الآخر. كوكبة وأمركة عولمية متوحشة غرائبية، لم تبق من الأثر الفني الجمالي النمطي والمدرسي، والشعور الإنساني الاجتماعي بالأحداث إلا قشورها القابلة للزوال.
في ظل هذه المتغيرات العولمية، والتحولات الأيديولوجية، وسطوة تقنيات الصورة والمعلوماتية الكاسحة، واجتياح الميديا الرقمية والسلوكيات المحيطة بالمعمورة، وما في داخلها من ذاكرة مكان وخيرات مادية وقيم وإنسان. وما أنتجته العولمة من آليات قهر وشروط احتواء مفروضة وفق معايرها وقيودها، المتوافقة ومنافع القلة القليلة من سادتها المتوحشين، والمُحملة بالغزو الثقافي والتجاري حيناً، والعسكري حيناً آخر، وما احتلال أفغانستان، والعراق، ومشاريع الشرق أوسطية، والفوضى الأمريكية الخلاقة، وشرق أوسط جديد أو كبير، وتأجيج الصراعات العربية – العربية والنزاعات الطائفية ما بين أبناء الشعب العربي كصراعات دامية وغير مسبوقة ما بين الخوة الأعداء, وإلى ما هنالك من سياسات أمريكية نفعية مفروضة. نجد أن الفن التشكيلي العالمي الأوربي، والعربي والأفريقي والأسيوي، وفي الأمريكيتين واستراليا، يعيش في ظلالها بدوامة الضياع والمتاهة، والانغماس في تيارات العولمة الأمريكية متعددة التقنيات، ومنبهراَ بالوسائط البصرية المعاصرة التي تكرسها المعلوماتية، ومحمولة بخواء الخصوصية وتعبيرات الذات والوجود والأصالة والتاريخ والأبعاد الحضارية، وغارق بمزيد من الغوص بالعدمية وفي اجترار الفنون الأمريكية المُصدرة، والمستوردة عبر آليات تقنيات العصر المعلوماتية الكاسحة، سواء متأتية من خلال الفضائيات التلفزيونية، وشبكات الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي( الفيس بوك, تويتر وسواها) أو الأقراص الإلكترونية المدمجة، والرقميات متعددة الوسائط، من برامج منتجة للفنون التشكيلية بصور تقنية متنوعة، والفيديو، واليوتيوب والرسوم المتحركة، والمروجة لسيطرة اقتصاد السوق والقيمة المضافة، وتجسيد فعّال لفلسفة وفكر سياسات إدارة الولايات المتحدة الأمريكية المتعاقبة، وأقبحها على الإطلاق، حقبة الرؤساء جورج بوش الأب والابن وأوباما.
إذ أصبح الفنانون التشكيليون، الأكاديميون منهم والهواة، وفي كثير من أصقاع المعمورة والمنطقة العربية خصوصاً، يعيشون حالة خواء فكري ومعرفي وجمالي، وفي دوامة مستديمة من انفصام الشخصية، وأنهم مبتلين "بشيزوفرانيا" ثنائية، وجمعية متعددة الوجوه والأسماء، وعشق لا متناهي لفنون النزعة العولمية الأمريكية، كحالة مرضية يصعب تجاوزها أو الشفاء منها، وضعت الفن التشكيلي العربي والفنانين في معابر مجهولة، وسكة متداخلة الخطوط والمكونات، موصولة بتقنيات التعلم المستعار في وجوهه الساذجة، والسخيفة في كثير من الأحوال. وديمومة الدوران في حلقة مفرغة من انعدام الوزن، والتوازن الانفعالي والعاطفي والعقلي والجمالي، وفي حالة اختلاط الرؤى البصرية، وآليات التفاهم والتعامل مع التقنيات المعاصرة. وإقصاء ملحوظ للأكاديميات الكلاسيكية، واجتماعية الفن وروحانياته وجمالياته، لمصلحة الأنا الفردية المغرقة في فرديتها، والمندمجة في ماكينة الاستهلاك اليومي الخدمي، وشروط المؤسسات المالية العولمية الكبرى. وبالتالي مزاولة الفنون التشكيلية ومنتجاتها المعاصرة كنوع من الموضة الدارجة حيناً، وكسلعة تجارية مباعة في سوق تبيض الموال ونخاسة الفنون العولمية العالمية والعربية والمحلية تارة أُخرى، وغياب لدور الفنان في منتجه وجمهوره، وإبقاء العمل الفني مرهونا بالمروج التاجر، ورغباته في الكسب المادي المنسجم واستراتيجية صناعة النجوم، وخواء الفكر والجمال والإنسان في كثير من الأحوال.
من هنا، نجد أن عصر الصورة العولمي، هو عصر القيم المادية المجردة من القيم الأخلاقية لجماليات الإنسان. قيم استهلاكية عابرة للقارات، مُقصيه للمواهب والابتكارات، وقاتلة للقيم الروحية المشبعة بمفاهيم الجمال والجلال، ومُلغية للمذاهب الجمالية والاتجاهات المدرسية والأكاديمية المتبعة، منذ عصر الإغريق مروراً بعصر النهضة الإيطالية، ومعابر الحداثة والنزعات المركزية الأوربية بالفن، وسيادة لمنطق التكنولوجيا الرقمية، وفن الصورة المعلوماتية العولمية، وفنون الحركة متعددة الوسائط التقنية. إن فن العولمة الأمريكي يجعل من الدول والشعوب، مجرد تابعين هامشيين، وجمهور استهلاكي ساذج فقط مفتون بصندوق الفرجة الأمريكي الأحادي الجانب، من كونهم المسيطرين الكليين على مفاتن الصورة والفن بجميع مناهله التعبيرية.
والفن العربي تبعاَ لتوصيفات الفنون الكليّة الجامعة، كذاكرة إنسان ومكان وعمران ومساحة بصرية وثقافية وتاريخ وجود وتشكل، هو موجود وله مقوماته ومكوناته وتأثيره في صناعة الحضارة الإنسانية في مرحلة زمنية عابرة، ولكنه بقي في حالة سكون مطبق لم يجد من يحرك مفاعيله من أبناءه المثقفين والفلاسفة والفنانين ونقاد الفنون، وظل محتفظاَ بتراثه كماضي متحفي. وجد الآخر الأوربي الغربي فيه ذلك الثراء المعرفي والجمالي، كمرجعيات جمالية ساعدته في استنباط قيم وفلسفات ومدارس واتجاهات فنية مبتكرة في قوالب وصيغ أوربية خالصة. أما الفن التشكيلي العربي، بالمعنى الأوربي الغربي للكلمة والتصنيف الحديث والمعاصر، هو فن حديث الولادة والتشكل، ترعرع وما زال ينمو في ظلال حاضنته الغربية، ومتناسل من أحضان النزعات التجريبية، والاندماج في عجلة الآخر الأعجمي والأمريكي العولمي خصوصاً. ولا حرج في قول هذا الكلام، فهي حقيقة مادية ماثلة للعيان، ويجب الإقرار بوجودها، والاعتراف بفضل جهود الآخرين، والأوربيون خصوصاً، وذكر محاسنهم في طرائق مساعدتهم لنا، لاسيما عن طريق رسل الاستشراق، والمنح الجامعية، التي ساهمت في تنمية وعينا البصري، وتكوين فلسفتنا الجمالية والنقدية، ومقدرتنا على تمثل أفكارهم وقيمهم المادية في معاهدنا وأكاديمياتنا، وأسواقنا الفنية التشكيلية المتسعة لكل المغامرين. لأننا كفنانين تشكيليين وأكاديميين عرب، لم نستطع إجراء تلك المصالحة التاريخية والتآخي ما بين تراثنا الجمالي العربي الساكن واتساع رقعة الدولة العربية الإسلامية متعددة الثقافات، مع ما جاورنا من دول أوربية غربية. ولا محاولة تشكيل خصوصية عربية، تحمل في أحشاءها نسيج المارقين عبر جغرافيتنا العربية، ومن ثم إعادة صياغتها بنكهة عربية، وبقينا وما زلنا، مجرد صدى وردود أفعال لفلسفة فن وثقافة وجمال وافدة ومُستعارة. متناسلة من واحة الغرب الأوربي والأمريكي، وبأشكال سيئة وممسوخة عن فنون وثقافة الأعاجم.
في ضوء هذا الاعتراف الصريح، بفضل النزعات المركزية الأوربية والغربية بالفن علينا، وخضوعنا وانبهارنا بثقافة العولمة البصرية المتوحشة، كفنانين أكاديميين وهواة عرب، لا بدّ لنا من أن نطرح السؤال الملح والدائم، كمحاولة مشروعة في مساحة تفكيرنا المنطقي العربي وبصوت عال، وفق آليات المحاورة الجدلية المُفيدة والجادة: هل لدينا فن تشكيلي عربي، ومرجعيات بصرية خاصة، وجامعة لمرئيات الصورة ومدونات الكلمات المسطرة فوق صفائح الموهبة، ومدارات الخبرات الأكاديمية والمهنية العربية، المعنية بنبش ركام ذاكرة المكان العربي وتقنياته المتعددة؟ وهل نمتلك فن تشكيلي عربي يتمتع بخصوصية المكان والتجارب الفنية المتناسلة من حضارة الأرض العربية والإسلامية العريقة؟.. الجواب على تلك التساؤلات، سيكون بقولنا الذي نظنه يُقارب الصواب: أنه ليس لدينا فنون تشكيلية عربية متصلة بمفاعيل الصورة والكلمة التصويرية، ومطارحات المدونات المنسوبة في مساحات النصوص المسرودة، كشكل ومضمون وتقنية وأسلوبية فنان منتج، ولا يوجد لدينا أعمال فنية تشكيلية عربية، حافلة بالخصوصية والتفرد الشكلي والتقني والمحتوى الجمالي بمعناها الجمعي والمؤسسي المدرسي بالمعنى الأوربي الغربي للمفهوم، والمتوافقة مع تصنيفها الأكاديمي أيضاَ. بل لدينا فنانين تشكيليين عرب كثر ومُحلقين في أعمالهم والبلدان التي احتضنتهم ومواهبهم وخبراتهم، متوالدين ومندمجين بالدول الأوربية والأمريكية التي احتوتهم كدارسين ومقيمين. وجدير ذكره: أنهم على قدر من الأهمية، والشهرة والموهبة والدربة والكفاءة وارتفاع الأسعار، والمنافسة الندية مع أقرانهم في دول القارات الخمس، لاسيما الدول الأوربية والأمريكية. ومحكومين بظروف العيش ومتطلبات السوق وغواية رأس المال الربوي. منبهرين بفنون النزعات المركزية الأوربية الغربية تارة، وبالتهويمات العولمية الأمريكية على وجه التخصيص.
إن مأساتنا كعرب، هي محض ذاتية كامنة فينا، ونعمل دائماً على تغيب الصورة والكلمة التصويرية المنسوبة لنا والمستحضرة من واحة بصرنا وبصيرتنا، كمثقفين وفنانين ونقاد تشكيليين عرب. هدمنا بمعاولنا القاطعة عن جهل، أو سوء تقدير، صروح الحضارات العربية والإسلامية المتعاقبة في منطقتنا العربية، منذ ما قبل عصر الفتوحات العربية الإسلامية، المنطلقة من الجزيرة العربية وبلاد الشام وما بين النهرين وشمال افريقيا، والممتدة برقعة جغرافية واسعة الطيف المكاني بآلاف الأميال، ولم نُحسن إدارة مفاعيل الصراع بجميع مساربه والثقافي خصوصاً, ولم نُحسن برمجة خبراتنا الأكاديمية الواعدة وادماجها العملي في مساحة الاحتواء والاستقطاب لأعداد سكانية تصل في تعدادهم البشري، نحو مليار ونصف المليار مسلمة ومسلم.
أظهرنا أنفسنا وعجزنا كعرب، وخرجنا كأبواق فارغة المحتوى والظهور في مظاهر التائه غير المُتبصر في مآله واحواله والتخلي عن الشعور بالهوية خدمة لتقنيات التعلم المستعار عن فنون وثقافة الآخر الأعجمي، لاسيما الحقبة العولمية الأمريكية في عصرنا الراهن. وكأننا بذلك كعرب، ومسلمين في مرحلة لاحقة، رغبنا أن نكون مجرد "أصفار" معرفية في المجرة الكونية. وبنينا قصور القطيعة بأيدينا بجهلنا او تأمرنا لمصلحة خيارات العولمة الأمريكية والتي تشهد يوميات ما اسمه ظلماً (ثورات الربيع العربي) إلا تعميقاً لتمسي البقية الباقية من تاريخنا وحضاراتنا المتوالدة في عمق التاريخ، مجرد ثروات مباحة للمغامرين. ولم نُعر الاهتمام الكافي والجاد والضروري لبش ركام منتجاتنا الفنية عبر العصور كما ينبغي, سواء تلك المغرقة بالقدم والممتدة بامتداد الوطن العربي المعايشة لعصور التنوير الإسلامية، المتأتية على يد نبينا العربي "محمد" صلوات الله عليه، وخلفائه الراشدين والتابعين. أو متبوعة بجملة النقلات الحضارية الإنسانية، المشبعة بنورانية التفكير المعرفي والبصري الإنساني، والقيم الروحية طيلة عقود مديدة من الزمن، والمشهودة في متواليات الحضارات العربية الإسلامية الممتدة في مشارق الأرض ومغاربها. وما الشواهد الأثرية والفلسفات الجمالية المكنوزة في متن النصوص البصرية العربية المرئية، والمخطوطات المكتوبة والتصويرية والمرسومة، والمحفوظة في المتاحف العالمية والعربية، إلا تذكرة عبور لواحة الحقائق التاريخية والوجودية المادية، وعربون معرفة دلالية وجمالية، وصور بيانية مقروءة للبصر والبصيرة، ومفتوحة على المحاورة الجدلية التأملية، ولا يُمكن تجاوزها في أية مقاربات نقدية مع فنون وثقافة وحضارة الآخر الأعجمي، والتي وللأسف، لا تجد لهذه الأوابد والمآثر والشواهد الفنية التشكيلية المادية، المتناثرة بكثرة في أراضينا العربية، أباً شرعياً وأماً رؤوم، وحاضنة معرفية وثقافية وجمالية، خصوصاً من أبناء جلدتنا، كأكاديميين وفنانين ونقاد ومثقفين وإعلاميين، جميعهم وبمؤسساتهم الرسمية والأهلية لم يعيرونها الاهتمام المعرفي الكافي والوافي، ولم يخضعوها في برامجهم المرحلية والاستراتيجية لمنافذ الدراسات المعمقة والمحاورات الجدلية العلمية، القائمة على فهم قوانين العلم والبحث المنهجي، والنظرة التأملية البحثية حتى في حدودها الدنيا المأمولة، ولا نجد أية دراسات ميدانية أكاديمية جادة في الواقع العربي المعايش، أو سواها، تُساهم في كشف كنوزنا الفكرية وصورتنا الجمالية، وفلسفتنا الموصوفة في أكثر من مكان وموقع في دائرة الحيز الحضاري والجغرافي، الممتدة في واحة الوطن العربي الفسيح، ومحاولة العمل والاجتهاد المحمود في إعادة صورتنا الحضارية بأشكال بصور مرئية وسرد بصري، لا تعيد الماضي بما هو ماض منقرض، بل تجعله أكثر قابلية وتفاعل وندية مع ما يجري حولنا من فنون، ومحاولة صادقة للتطورات والمتغيرات والتحولات التكنولوجية المشهودة في عموم المجرة الأرضية، التي حولت العالم الكوني إلى مجرد رقعة جغرافية بحجم طاولة مكتب وجهاز كمبيوتر محمول.
مسألة الوعي المعرفي والجمالي بفنون الصورة والكلمة التصويرية النمطية التقليدية، وحداثتنا العربية المستعارة من حداثة الموروث الحضاري الغربي الأوربي والأمريكي في عالمنا العربي، ما زالت قاصرة على فهم هذا الواقع العربي، وليست قادرة على ترجمة فنونه وصوره الجمالية، وغير مؤهلة في نهاية المطاف على تغيره، وهذه المسألة الإشكالية المزمنة، يتحمل وزرها ومسؤوليتها مجموعة من العوامل المؤثرة:
أولاً: التفكير التاريخي والفقهي الديني التكفيري، الذي صنف العرب على أنهم عرب عاربة ومستعربة وأعراب، ومجرد قبائل متصارعة وتابعة لحماية الأعجمي، ووصمهم العصر الذي سبق الإسلام، بأنه عصر جاهلي، وأن الفنون في ظلال الدعوة الإسلامية محصورة في دائرة العمران والخط العربي، وروحانية الصور المرئية اللا تشخيصية.
ثانيا: سياسة الاستشراق الغربي الأوربي، من كونها الوجه القبيح للغزو والاحتلال العسكري وسابقة وممهدة له، وكمظلة احتواء وطريقة مثلى لاستلاب عقولنا، وثرواتنا وفنوننا واعتبار أرضنا العربية وشعوبنا، أشبه بمادة خام لمنتجاته الاقتصادية والمالية والثقافية.
ثالثاً: المؤسسات الرسمية، منذ الصراعات الأولى على السلطة، والسيطرة على مقاليد الخلافة في الدولة العربية الإسلامية وصولاً للدول العربية الناشئة، وفق مشيئة القائمين على تقسيماتها القطرية والموصولة بتبعات اتفاقيات سايكس- بيكو عام 1916.
رابعاً: النظام التربوي والتعليمي المدرسي، والأكاديمي الجامعي الذي تعيش فيه التربية الفنية والفنون الجميلة التشكيلية العربية، في غربة وقطيعة ملحوظة عن تراث المنطقة العربية ومظاهرها العمرانية ومتاحفها وجمالياته، والتي لم تأخذ في حسبة المناهج والمدرسين والدارسين أي اهتمام وحيز لمثاقفة، وبقيت مناهجنا وأساليب تعلمنا وتعليمنا للفنون، محكومة بالنزعات المركزية الأوربية الغربية، والعولمة في المرحلة الحالية، وأن المحتوى الدراسي للفنون يدور في فلك التهويمات الغربية ما بعد الحداثية، ويقدم بأساليب تربوية وتعليمية مزرية ومتخلفة، وخارجة من حسبة المواد التعليمية الأساسية لاسيما في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
خامساً: المؤسسات الأكاديمية والثقافية والإعلامية المرئية والمسموعة والمرئية، والنقابية والمهنية التي بقيت مرهونة بعوامل الاجتهاد الذاتي وبلا تخطيط منهجي واستراتيجي، وبتغير المدراء والإدارات المنسجمة مع التوجهات الأيديولوجية المحكومة بسياسات الدول وتوجهاتها التنظيمية والإعلامية.
سادساً: غياب النقاد التشكيليين العرب الموهوبين والدارسين، وعدم وجود عادات وتقاليد وتقنيات تُساهم في فتح صفحات حوار نقد موضوعي، متفاعل مع منتجات الفعل الثقافي البصري الحضاري، من أجل إعادة الهيكلة والتصنيف والتوظيف للمآثر الفنية التشكيلية العربية، وفق صيغ ومحاورات جدلية نافعة، وقادرة على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
سابعاً: فقدان القدرة والثقة بالذات العربية الفاعلة والدراسة الموضوعية والجادة لما نمتلكه من كنوز بصرية ومعرفية، وبقائنا نلهث وراء سراب الصورة الجميلة المرسومة وفق منطق القيم العولمية المتوحشة، والانبهار بفنون الغرب العولمي، والسعي وراء الربح واقتصاد السوق والخصخصة، والقيم المادية المجردة من إنسانية الإنسان.
لمزيد من التوسع:
1- الجمالية عبر العصور، إتيان سوريو، ترجمة د.ميشال عاصي،منشورات عويدات، بيروت 1982. –
2- الفن العربي الحديث بين الهوية والتبعية، د.عفيف البهنسي، دار الكتاب العربي، دمشق 1997.
3- النقد الفني وقراءة الصورة، د. عفيف البهنسي، دار الكتاب العربي، دمشق 1997.
4- الجمالية الإسلامية في الفن الحديث، د. عفيف البهنسي، دار الكتاب العربي، دمشق 1998.
5- المرايا المحدبة، د. عبد العزيز حمودة، سلسلة عالم المعرفة 232، الكويت 1998.
6- العولمة والنظام العالمي الشرق أوسطي، عبد الله أبو راشد، دار الحوار، اللاذقية 1999.
7- أحوال الصور، طلال معلا، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 1999.
8- المرايا المقعرة، د. عبد العزيز حمودة، سلسلة عالم المعرفة 272، الكويت 2001.
9- عصر الصورة، د. شاكر عبد الحميد، سلسلة عالم المعرفة 311، الكويت 2005.
10- النقد والإبداع رؤى في التشكيل، طلال معلا، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2006.
11- المتعلق بين الخطاط والفنان، طلال معلا، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة 2007.
12- التلامس الحضاري الإسلامي الأوروبي، د. إيناس حسني، سلسلة عالم المعرفة 366، الكويت 2009.
13- حق التضحية بالآخر – أمريكا والإبادات الجماعية- منير العكش- رياض الريس للكتاب والنشر- بيروت 2002.
14- أمريكا والابادات الثقافية (لعنة كنعان) انكليزية- منير العكش-رياض الريس للكتاب والنشر- بيروت 2009.
15- التذوق والنقد الفني- عبد الله أبو راشد- وزارة الثقافة السورية – دمشق 2000.








أوراق عبد الله ابو راشد الثقافية
"الورقة السابعة"
على هوامش الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثالثة
عبد الله أبو راشد*
[email protected]
ما جرى ويجري في فلسطين عموما والقدس والمسجد الأقصى خصوصاً من انتهاكات صهيونية عدوانية مُستدامة لشعبنا الفلسطيني, ما هي إلا تعبير راسخ ودائم على طبيعة الكيان الصهيوني الجوهرية التي تقوم على فلسفة استبدال شعب بشعب آخر. وخدمة لمجموعة أجندات سياسية محيطة, وروز للواقع العربي الرسمي والشعبي المزرية في أزمنة الصمت والتعمية المقصود عن رؤية الحقائق واجتماع طغاة العرب ونخبهم المثقفة في حلف واحد مع الأعاجم في حروبهم الأعجمية المتكاملة من إيران وروسيا والصين والأنظمة العربية المتصهينة وصولا لراس الأفعى والإرهاب العالمي الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعلن عبر إدارتها المتواطئة مع انظمة الطغاة جهارا والساعية لحماية للكيان الصهيوني وبلورة مصالحهم الحيوية الموصولة برأس المال الربوي الذي لا وطن ولا قيم له ولا أخلاق. وما ركوب نتنياهو صهوة العدوان واطلاق قطعان المستوطنين الصهاينة لتدنيس المسجد الأقصى والتنكيل بشعبنا الفلسطيني في وجوه وأشكال أكثر قبحا, إلا مرده يعود لاكتمال شهوة الطغاة العرب ومشاريع الفوضى الأمريكية الخلاقة في تشكيل تحالفات والتقاء مصالح رأسمالية عدوانية, ورص صفوفها وإحداث تغيرات جوهري في إدارة مفاعيلها على الأرض السورية من مجموعات الغزو المتألفة جوهرا ومتصارعة ظاهراً بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبأدوار وظيفية مرسومة روسية وفارسية وصينية وعربية متصهينة مصر وأخواتها الخليجيين باعتبارهم جبهة متحدة في مجلس الأمن وسواها من المحافل الدولية أخذت من اكذوبة محاربة الاهاب كذريعة مناسبة لحماية نظم القتل والفساد والإرهاب العربية برعاية ومباركة امريكية خالصة.
حيال هذا الأمر ومهازل ازلام سلطة العار وفصائلها وحركاتها متعددة الأيديولوجيات والرايات مجتمعة أو متفرقة تحت ما تبقى من هياكل ورقية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودكاكين مرتزقتها من جميع الفصائل والحركات الإسلامية والعلمانية القومية واليسارية والشيوعية, دفعت الشباب الفلسطيني في بيت المقدس وجميع المدائن الفلسطينية في عموم فلسطين لرفض هذا الواقع الصهيوني المقيم والتحرك بأشكال فردية متنوعة القدرات والأسلحة القتالية المتوافرة في مواجهة آلة الحرب والقمع الصهيونية ببضعة حجارة وسكاكين وسواها. ولتسطر دماء شبابنا الفلسطيني الشهداء بدء من مهند الحلبي وحتى آخر شهيدة وشهيد في قائمتهم المديدة, سطور العزة والكرامة بدمهم المسكوب في رحاب الوطن الفلسطيني فدائيين وشهداء على طريق تحرير فلسطين كل فلسطين مقدمة منطقية وضرورية لدخول فلسطين في رحاب انتفاضة ثالثة.
* فنان وناقد تشكيلي فلسطيني



#عبد_الله_أبو_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله أبو راشد - تأملات في عصر الصورة العولمية وموقع الفن التشكيلي العربي فيها- على هوامش الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثالثة