سطوع البرهان على كذبة حفظ القرآن

نجم النسّاج

الحوار المتمدن-العدد: 5314 - 2016 / 10 / 15 - 16:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يعتقد المسلمون أن القرآن الموجود بين أيديهم الآن، هو ذات القرآن الذي نزل على محمد قبل 1400 سنة دون أن يتغير منه حرف واحد، وهو اعتقاد ساذج وينم عن جهل كبير، إذ أكدّت العديد من الدراسات والبحوث المتخصصة حجم الكذبة، وأن موضوع حفظ القرآن ليس سوى مجرد دعاية إسلامية روّج لها تجار الدين خلال القرون الماضية، بهدف التأكيد على أنه كلام الله الذي تعهّد بحفظه.

* هل مصحف عثمان هو نفسه قرآن محمد؟
تقول الرواية الإسلامية إنه حين اختلف المسلمون في قراءة القرآن خلال خلافة عثمان بن عفان، أمر عثمان بكتابة القرآن على حرف واحد، وكلّف بكتابته لجنة مكونة من زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث، وأحرق المصاحف التي خالفته، ثم نَسَخَ منه عدة نسخ أرسلها إلى مكة والكوفة والبصرة والشام ليتم اعتمادها كمرجع وحيد للقرآن، وبذلك أنهى الخلاف حوله.
ويفترض المسلمون أن مصحف عثمان هو المصحف الصحيح الذي دوّن القرآن كما نزل على محمد بالحرف ودون أي تغيير، إلا أن هذا أمر غير منطقي أبداً ولا يصح لعدة أسباب منها:
أولاً: الصحابة الذين سمعوا القرآن مع عثمان ولجنته من محمد اختلفوا على رواية القرآن، وبعضهم كان أعلم بالقرآن من عثمان مثل عبدالله بن عباس، فظهر قرآن ابن مسعود وقرآن أبي بن كعب، فابن مسعود على سبيل المثال لم يضع الفاتحة والمعوذتين في مصحفه، أما أبي بن كعب فكان في مصحفه سورتين لا نعرفهما هما سورة الحفد سورة الخلع، واعتبر سورتي الفيل وقريش سورة واحدة، كما اعتبر سورتي الضحى والانشراح سورة واحدة ، إلا أن السلطة السياسية التي كان يتمتع بها الخليفة دفعت لاعتماد النسخة التي وضعتها لجنته، ولو أصبح ابن مسعود خليفة للمسلمين فلربما كنا نقرأ الآن مصحفه الخالي من الفاتحة والمعوذتين، أو لو أصبح إبن كعب هو الخليفة لكان المسلمون اليوم يتعبدون بسورتي الخلع والحفد.
ثانياً: روى ابن حبان في صحيحه والطبري في تهذيب الآثار عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة الأحزاب من آية؟ قال: قلت: ثلاثاً وسبعين، قال أبي: والذي يحلف به إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم.
ثالثا: عن عائشة قالت: "لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا وكان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها" (رواه ابن ماجه والدارقطني والطبراني وابن قتيبة، وأورده ابن حزم في المحلى وقال هذا حديث صحيح).
رابعاً: روى أبو عبيد في فضائل القرآن عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر منه.

* مصحف عثمان غير موجود:
ولكن لنفترض أن مصحف عثمان هو ذاته القرآن الذي نزل على محمد دون أن يتغير منه حرف واحد، فإن هذا المصحف غير موجود أبداً، إذ إن أقدم النسخ التي وصلتنا من القرآن لا يعود أي منها لعصر عثمان بن عفان، وهذه النسخ هي (مصحف طوب قابي سراي) الموجود في تركيا، و(مصحف المشهد الحسيني) في القاهرة، ونسخة طشقند (التي لا تحتوي سوى ثلث المصحف الحالي)، مكتوب عليها جميعها (المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفان)، وهي نسخ متأخرة جداً عن عصر عثمان بن عفان، والإداعاءات بوجود مصحف عثمان الذي قتل وهو يمسكه بيديه وتلطخ بدمه مجرد أكاذيب، إذ لا وجود لهذا المصحف ولا لأيٍ من المصاحف التي تقول الروايات الإسلامية إنه بعث بها إلى الولايات الإسلامية، وهو ما أكدّه الباحث الإسلامي الدكتور طيار آلتي قولاج الرئيس الأسبق للشؤون الدينية التركية، الذي قام بدراسة هذه المصاحف وتحقيقها.
الدكتور قولاج كشف عن اختلافات بين نسختي طشقند وطوب قابي وبين النسخ التي يفترض أن عثمان أرسلها إلى مكة والبصرة والكوفة والشام، بل وبين المصحفين نفسهما، كما أن مصحف طوب قابي وهو أقدم نسخة شبه كاملة للقرآن (هناك صفحتين مفقودتين منه) توجد بينه وبين مصحف المدينة المنورة (مصحف الملك فهد) المتداول حالياً 2270 اختلافاً.!!

* مخطوطات صنعاء:
طبعاً هناك مخطوطات لتعود لعصر أقدم من هذه المصاحف، كمخطوطات باريس ولندن وبرمنغهام، ولكنها مجرد مخطوطات صغيرة تتضمن بضعة آيات لا يمكن الاعتماد عليها، غير أن أقدم هذه المخطوطات هي مخطوطات صنعاء؛ التي تم العثور عليها أثناء ترميم الجدار الغربي للجامع الكبير بصنعاء عام 1972، والتي يعود أقدمها للفترة ما بين نهاية القرن الأول هجري وحتى منتصف القرن الثاني (أي بعد سنوات طويلة من وفاة عثمان بن عفان).
المفاجأة الصادمة في هذه المخطوطات أنها أثبتت أن القرآن تم تعديله وتطويره، إذ بعد فحصها بالأشعة وُجد بينها أوراق مُحيت منها نصوص قرآنية وكتبت فوقها نصوص قرآنية أخرى خلال فترة قصيرة، وفضلاً عن اختلاف ترتيب السور في هذه المخطوطات عن الترتيب المعروف حالياً، فإن النصوص (الممحوة) بينها وبين القرآن الحالي اختلافات كثيرة جداً تحتاج وحدها مقالة مفصلة.

* أخطاء النسّاخ:
ولعلّ أبرز موضوع ساهم في التغيير الذي حصل على النصوص القرآنية، هي الأخطاء التي وقعت أثناء نسخ القرآن، والتي أدت لنشوء سوء فهم لكثير من الآيات بسبب القراءة الخاطئة لبعض الكلمات التي تمت كتابتها بشكل غير واضح، فتجد في القرآن كلمة (حصب) التي تعني (حطب)، وتجد كلمة (الحيوان) التي تعني (الحياة)، على سبيل المثال لا الحصر، علاوة على الأخطاء التي وقعت أثناء تنقيط المصاحف وتشكيلها، وبعيداً عن عشرات الأخطاء التي بيّنها خبراء المخطوطات الذين درسوا المخطوطات القديمة وقارنوا بينها وبين المصحف الحالي، فإنني سأنقل فقط بعض الأخطاء التي اعترف بها المفسرون:

ــ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.. (الإسراء – 23).
حدثنا إبن عبد الأعلى عن قتادة قال أمر الله ألا تعبدوا إلا إياه، وفي حرف ابن مسعود: "ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"، حدثنا أبو كريب عن أبي حبيب بن أبي ثابت عن أبيه قال: اعطاني إبن عباس مصحفاً فقال هذا على قراءة أبي بن كعب، قال أبو كريب: رأيت المصحف عند نصير فيه: "ووصى ربك". حدثني الحرث عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: "ووصى ربك" وقال إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافاً. ( تفسير الطبري).
يقول فخر الدين الرازي: القضاء معناه الجزم البت الذي لايقبل النسخ، وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس أنه قال: في هذه الآية كان الأصل (ووصى ربك) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد فقرئ (وقضى ربك) ثم قال: ولو كان على القضاء ما عصى الله أحد قط لأن خلاف قضاء الله ممتنع. (تفسير الرازي).

ــ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً .. (النساء – 24).
كان ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرأون: "فما استمتعتم بهن ]إلى أجل مسمى[ فآتوهن أجورهن فريضة" (تفسير ابن كثير).
حدثنا محمد بن الحسين عن السدي" فما استمتعتم بهنّ ]إلى أجل مسمى[ فآتوهن فريضة"، وعن أبي سلمة عن أبي نضرة قال: قرأت على ابن عباس: فما استمتعم به منهن، فقال ابن عباس: "إلى أجل مسمى"، قال قلت: ما أقرؤها كذلك! قال والله لأنزلها الله كذلك ثلاث مرات. (تفسير الطبري).

ــ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (الأنعام – 57).
عن سعيد بن جبير أنه قال: في قراءة عبدالله "يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين"، وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفة والبصرة: "إن الحكم إلا لله يقضي الحق" من القضاء بمعنى الحكم، وأن الفصل بين المختلفين إنما يكون بالقضاء لا بالقصص. (تفسير الطبري).
قال ابن عباس: قال الله عز وجل: نحن نقص عليك أحسن القصص والباقون "يقض الحق" بالضاد المعجمة، وكذلك قرأ علي وأبو عبدالرحمن السلمي وسعيد بن المسيب، وهو مكتوب في المصحف بغير ياء وهو من القضاء، ويقوي ذلك أيضاً قراءة ابن مسعود: "إن الحكم إلا لله يقضي بالحق"، فدخول الباء يؤكد معنى القضاء. (تفسير القرطبي).

ــ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا .. (النور – 27).
عن ابن عباس أنه كان يقرأ: "لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها"، قال: وإنما تستأنسوا خطأ من الكاتب. حدثنا القاسم عن ابراهيم قال: في مصحف ابن مسعود: "حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا" (تفسير الطبري).
يقول فخر الدين الرازي في تفسيره للآية: الاستئناس عبارة عن الأنس الحاصل من جهة المجالسة، قال تعالى ولا مستأنسين لحديث، وإنما يحصل ذلك بعد الدخول والسلام، فكان الأولى تقديم السلام على الاستئناس، فلِمَ جاء على العكس من ذلك؟ والجواب عن هذا من وجوه أحدها ما يروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير: إنما هو حتى تستأذنوا فأخطأ الكاتب. (تفسير الرازي).

ــ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا.. (الرعد – 31).
قرأ علي وابن عباس: "أفلم يتبين الذين آمنوا" من البيان، قال القشيري: المكتوب أفلم ييئس، قال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس. (تفسير القرطبي).

* القراءات العشرة:
ومما ينسف فرضية حفظ القرآن هي القراءات التي يظن الكثير من المسلمين أنها سبعة (على أساس قول محمد أن القرآن نزل على سبعة أحرف)، لكنها في الواقع عشرة قراءات، لكل قراءة منها روايتان؛ أي بمجموع عشرين رواية لعشرة قراءات للقرآن.! فكيف لقرآن محفوظ لم يتبدل فيه حرف واحد ــ كما يدّعون ــ أن تكون له عشرون رواية؟
واللافت أن بين هذه الروايات اختلافات ليست في اللفظ أو الإملاء فقط، بل اختلافات تغيّر في معنى الآيات أيضاً، نذكر بعضها:

ــ الآية 19 من سورة الزخرف
رواية حفص: وجعلوا الملائكة الذين هم (عباد) الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم
رواية البزّي: وجعلوا الملائكة الذين هم (عند) الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم

ــ الآية 146 من سورة آل عمران
رواية حفص: وكأين من نبي (قاتل) معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله
رواية قالون: وكأين من نبيء (قتل) معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله

ــ الآية 125 من سورة آل عمران
رواية حفص: بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة (مسوِّمين) ]بكسر الواو: هنا فاعل[
رواية قالون: بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة (مسوَّمين) ]بفتح الواو: هنا مفعول به[

ــ الآية 161 من سورة آل عمران
رواية حفص: وما كان لنبي أن (يـَغـُل)]بفتح الياء وضم الغين: وهنا فاعل[
رواية قالون: وما كان لنبيء أن (يـُغـَل)]بضم الياء وفتح الغين: وهنا مفعول به[

ــ الآية 24 من سورة الزخرف
رواية حفص: (قال) أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم
قراءة خلف: (قل) أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم

ــ الآية 119 من سورة البقرة
رواية حفص: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيراً ولا (تـُسئل) عن أصحاب الجحيم ]بضم التاء[
رواية ورش: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيراً ولا (تـَسئل) عن أصحاب الجحيم ]بفتح التاء[

ــ الآية 285 من سورة البقرة
رواية حفص: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته (وكتبه) ورسله لا نفرق بين أحد من رسله
قراءة خلف: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته (وكتابه) ورسله لا نفرق بين أحد من رسله

ــ الآية 184 من سورة البقرة
رواية حفص: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام (مسكين)
رواية ورش: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام (مساكين)

ــ الآية 22 من سورة الروم
رواية حفص: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات (للعالِمين) ]بكسر اللام[
رواية السوسي: ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات (للعالَمين) ]بفتح اللام[

وبالتالي فإن من حق أي شخص التساؤل: هل نزل على محمد كتابه أم كتبه؟ وهل الفدية طعام مسكين ام مساكين؟ وهل نفت الآية قيام محمد بالخيانة أم نفت وقوع فعل الخيانة عليه (يَغل – يُغل)؟ وهل قال الله أن الملائكة (عباد) الرحمن أم أنه كان يقصد أنهم (عند) الرحمن؟ هل اللوح المحفوظ فيه أن الملائكة تم تعليمهم بعلامة أم انهم هم من وضع العلامة (مسومين)؟


[email protected]

#نجم_النسّاج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات