أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتصم بوبكر - سياسة السفسطة والجمهور ... فن التمويه















المزيد.....

سياسة السفسطة والجمهور ... فن التمويه


معتصم بوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 5308 - 2016 / 10 / 8 - 20:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سياسة السفسطة والجمهور ... فن التمويه
يتوجه الفيلسوف إلى السفسطائي بمجال يبين تهافت معرفته قائلا:" عندنا علم بأن كل مثلت زواياه مساوية لقائمتين وليس عندنا علم بأن المثلث الذي رسمته أنت في اللوحة وأخفيته عنا أنه بهذه الصفة ، فإذا اكتشفت لنا عنه حصل لنا من قبل الحس أنه موجود مثلث، ومن قبل علم الأمر الكلي أن زواياه مساوية لقائمتين ، فالمقدمة الصغرى في هذا العلم حصلت عن الحس وهي أن هذا المثلث والنتيجة زواياه مساوية لقائمتين حصلت لنا عن المقدمة الكبرى التي عندنا معلومة من أول الأمر".
وبالجملة فهذه هي حال الشيء المستفاد بالتعلم، لأنه يكون مجهولا من جهة ومن جهة ما هو جزئي ومعلوم من جهة الأمر الكلي والمحيط به ، وإلا أصبح مجال السفسطائي المشهور الذي يقول بأنه ليس هناك تعلم ولا تعليم. حيث ينطلق من تلك المغالطة التي تقول: "إن الإنسان لا يخلو أن يتعلم ما قد علمه أو ما لم يعلمه وهو جاهل به فإن كان يتعلم ما علمه فلم يتعلم بعد شيئا كان مجهولا عنده وإن كان تعلم ما جهله فمن أين علم أن ذلك الذي كان يجهله هو الذي علمه فإذا لا تعلم هنا أصلا ولا تعليم" ، هكذا يتعين على البرهان أن يغزو السفسطة في الفضاءات المظلمة والسعي إلى تفكيك بنيتها التمويهية وذلك من أجل تشييد مجتمع المعرفة الذي بإمكانه أن يساعد على إقامة المجتمع المدني بإعتباره قواما للمجتمع السياسي ، لأن غياب هذا المجتمع الأخير في الساحة العمومية العربية كان نتيجة غياب مجتمع المعرفة وسيطرة مجتمع السفسطة ، لأنه إذا كان الغرب قد حقق نهضته الفكرية والحضارية إنطلاقا من تدمير للسفسطة ، فإن العرب شيعوا جنازة النهضة الفكرية بعدما تم اغتيالها من قبل السوفسطائيين الذين يسيرون المدن العربية.
لقد كان "الفرابي" مدهشا حين قال في زمانه ،" فمتى اتفق في وقت ما إن لم تكن الحكمة جزء الرياسة، وكانت فيها سائر الشرائط بقيت المدينة الفاضلة بلا ملك، وكان الرئيس القائم بأمر هذه المدينة ليس بملك ، وكانت المدينة تعرض للهلاك ". ذلك ان التضاد هو نقص في الوجود ، لأن المدينة الفاضلة لا يمكن تسيرها بآراء العوام ، ولكن بالحكماء الذين وصلوا إلى مرتبة السعداء حتى يتمكنوا من تعميم السعادة على أهل مدينتهم ، وهذا الإنسان هو في أكمل مراتب الإنسانية وفي أعلى درجات السعادة وتكون نفسه كاملة متحدة بالعقل الفعال". ربما يكون عدم الإنصات إلى التراث الفلسفي واستثمار مفاهيمه في التنمية الفكرية والسياسية ، وهو العائق الإبستيمولوجي الذي منع المجتمع العربي من اللقاء بوعيه الذاتي ،هكذا استثمر هذا العصيان المدني في كل هذه القرون ، ولم تحركه كل الأسئلة الملتهبة التي تتساقط من سماءه إلى أن جاءت هذه اللحظة التي أرادت صياغة سؤال الحاضر في الماضي ، والحكم على الفكر العربي بالإنتحار في بنيته التقليدية التي تآكلت من شدة القهر السوفسطائي، فهل حكم على الفكر العربي بالسجن المؤبد في معتقل السفسطة ؟ وهل سيسمح له بالتمتع بساعة واحدة لرؤية الشمس واستنشاق رائحة الحرية كما يستنشق الأبرياء رائحة خبز الفجر؟ وكيف وجد نفسه في هذا الجهل المضاد للحق؟.
إن حالنا أصبح يشبه من يسأل المهندس عن مسألة موسيقية عوض أن يسأله عن الخطوط المتوازية هل تلتقي أم لا؟ لأن التوازي من الأمور الذاتية للخطوط والمهندس عنده علم بطبيعتها لأنه آهل بتلك الصناعة وليس بصناعة الموسيقى أو الطب ، ولما كان البرهان الذي يفيد وجود الشيء قد يكون غير الذي يفيد سبب وجوده وكان قد يوجد هذان الصنفان، إما في صناعة واحدة وإما في صناعتين، فينبغي أن ننظر بماذا يخالف كل منهما صاحبه إذا كان في علم واحد وإذا كان في علمين ، ولما كان الجهل صنفان كما يقول "ابن رشد" جهل على طريق السلب والعدم وهو الجهل الذي ليس معه اعتقاد وشيئ من الأشياء وجهل على طريق الملكة ، والحال وهو الإعتقاد الكاذب الذي يعرض للإنسان عن طريق التمويه وذلك يعتقد في الشيء الموجود أنه غير موجود ، أو في غير الموجود أنه موجود ، مما يعني أن إعتقاده أصبح فاسدا لأنه يعتقد في السالب أنه موجود وفي الموجب أنه سالب ، هكذا ينهار العلم وتندثر المعرفة مما يسمح بإزدهار السفسطة ، لأنها تنمو في تربة تنبت الهشاشة الفكرية وتتوجه بأصبع الإتهام إلى الفطرة الفائقة من أجل محاكمتها على الشك في الإعتقاد الفاسد.
والحال أن التفسير العلمي للظواهر الطبيعية لابد أن يخضع إلى تصنيف العلوم ، فلكل علم برهانه الخاص، مثل الحال في مسألة قوس قزاح ، فإن الطبيعي يعطي فيه وجوده والعلم المناظري سببه، والعلم يتقدم إنطلاقا من ارتكابه للأخطاء ، فتاريخ العلم يشهد بذلك ، ولذلك فإن الإعتقاد في الخطأ ينبغي أن تصبح له نفس القيمة التي توجد للإعتقاد في الصواب ، هكذا سنتمكن من تدمير ذلك العلم الذي يسعى إلى الإنتصار وإظهار خطأ المخالفين له في الرأي ، ولعل هذا بالذات ما ورثناه من علم الكلام لأن : المقدمات التي تستعملها صناعة الجدل مأخودة من السؤال ، والمبرهن فليس يأخد مقدماته من السؤال إذا كان ليس قصده إثبات أي النقيضين اتفق أو إبطاله بل إنما قصده إثبات شيء واحد بعينه وإبطال نقيضه ، وإذا أردنا أن نقترب من الحقيقة ، فينبغي القول أن بنية الفكر العربي تأسست على ثقافة الإثبات والإبطال وظلت تدور في حلقة مفرغة لا أحد استطاع أن ينتصر على الآخر ، بل إن التاريخ يمر، والزمان يمزق والحقيقة تفر ، مما حكم على الإنسان بفقدان نزعته الإنسانية وجعله عرضة للجهل والفقر ومحط سخرية من قبل الآخر الذي انتفض من جهله بواسطة المقدمات البرهانية وأضحى يستغلها في ابداعاته التقنية التي مكنته من التحكم في الوجود . ولذلك أصبحنا مجرد عبيد في مملكته ، نشتغل عنده من أجل العيش ، بل بات يدافع عن حريتنا وكرامتنا الإنسانية .
هاهنا تظهر المفارقة ، حيث أن العدو المفترض في الماضي تحول إلى محام يدافع عن الإنسان العربي المحروم من الحق في الحق ، ذلك أن الشعوب العربية أصبحت في حاجة إليه من أجل ان يحميها من حكامها ، مما أدى بالتاريخ إلى الإنقلاب على نفسه، إذ وقف مندهشا أمام شراسة رؤساء الدول الجاهلة الذين يقتلون شعبهم بمجرد مطالبتهم بالحرية والكرامة ، بيد أنه يستغرب من تطلعات هذه الشعوب التي تسعى إلى تغيير الاستبداد بالاستبداد المعتدل الذي يتحكم في الأرض والسماء وبينهما برزخا تقوم فيه الإنفعالات بحرق نفسها في جحيم الإنتظار ، فإلى متى ستظل الحرية وكرامة الإنسان بإعتباره إنسانا تمنحان مع صكوك الغفران؟ وإلى متى سيظل الفقهاء يسيرون الدول بالفتاوى بدلا من السياسة المدنية ؟ هل حكم على هذه الأمة بالحرمان من البرهان وضياء العقل الفعال؟ فثمة بين الإثنين صلة قرابة خفية لأنهما مولعان بخدمة الإنسان ، على الرغم من أن أحدهما يسكن السماء والآخر يقيم في الأرض. بيد أنه عبارة عن شاعر متجول يبحث عن كوخ هادئ تلمع فيه روح النزعة الإنسانية وتشرق عليه ضياء الشمس كل صباح ، لكي يتخذه مستقرا لحقيقة الوجود بإعتبارها هبة ملفوفة في نشيد السماء الذي ينادي النداء إلى أن تنكشف علاقة الوجود بماهية الإنسان ، هذا الذي ألقي به في العالم بغية العيش لتجربة الموت ، سواء كانت هامدة أو عنيفة تنبعث منها رائحة كل ما له صلة بالتغييرات في الوطن العربي ، التي حطمت الأرقام القياسية في استشهاد الشهداء ، فما الذي سيقوله التاريخ للأجيال اللاحقة ؟ هل سيتجرأ بالكلام ؟ أم سيصاب بنوبة الصمت المطلق ؟ وهل الإنسان سيظل حاضرا قي قلب هذا الصراع بين الموت والحياة ؟ وما علاقة هذه الإنزياحات المتسكعة في الذلالة بمكانة البرهان في بنية الفكر العربي ؟
هناك ترابط حميمي بين البرهان والسياسة المدنية ،ولذلك كان الشرط المطالب البرهانية هو الشرط بعينه في مقدمات علم السياسة التي تدرس بالبرهان وتمارس بالتجربة ، مما يدفع المطالب والمقدمات البرهانية تنقلب إلى نتائج في السياسة العملية التي تسعى إلى إسعاد الإنسان في الأرض أولا ثم في السماء ثانيا ، فأين نبحث عن هذه السياسة ؟ وهل سنعثر عليها عندنا ؟ والحال أن الإبتذال اليومي للسياسة الجاهلة قد حول الإنسان إلى مواد يتم تصنيعها في معمل السفسطة ، هكذا يبرز إلى الوجود هذا التشتت في الرؤية والآفاق ، وإن أخفاه ظل من الظلال ، سيتجلى حين يسيطر على النفوس الملل العميق الذي يرفق كالغمامة الصامتة في آغوار الأنية يقرب بين الناس والأشياء وبينك في سوية عجينة ، وهذا الملل يكشف عن الوجود في جملته ، وربما يكون هو السبب المباشر الذي يجعل الإنسان محاطا بالعدمية ، حين يجد نفسه واقعا داخل العدم ، ودون الكشف الأصيل للعدم ، لن يكون ثمة وجود ذاتي أو حرية بل مجرد انصراف في رومانسية القلق سيقودنا إلى تلك الإختراعات التعسفية لوجودنا .



#معتصم_بوبكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيتشه ضد كانط
- اليأس
- نيتشه ومعنى التفلسف عند الإغريق


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معتصم بوبكر - سياسة السفسطة والجمهور ... فن التمويه