|
مدينة الموصل في رواية إماراتية
فيء ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 5291 - 2016 / 9 / 21 - 09:39
المحور:
الادب والفن
عن رواية حراس الشمس للروائية إيمان اليوسف في معرض لندن للكتاب وفي جناح مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم عرضت دار نشر قنديل آخر الإصدارات الروائية في منطقة الخليج ومنها رواية (حارس الشمس ) للكاتبة والمهندسة الإماراتية إيمان اليوسف التي فازت بالجائزة الإولى لمسابقة (جائزة الإمارات للرواية) مناصفة مع رواية الكاتب سعيد البادي (مدن ونساء). إستوقفني الإهداء:( الى الآثار العراقية ماكان منها موجودا وما إختفى الى الأبد) وجرني الى قراءة الرواية في غضون يومين، ترى ما الذي يجعل مهندسة إماراتية وكاتبة شابة تختار بيئة غير بيئتها كي تكتب عنها! الكتابة هي إذعان لحلم ما، وفي حالة ايمان يوسف الكتابة عن العراق، في أزمته الحالية وتحديداً عن مدينة الموصل، هي إنقياد نحو الكابوس بكل معانيه . (حارس الشمس) قُسمتْ الى 30 فصلا، الفصل الأخير من الرواية يدور على مقربة من جامع النبي يونس لحظة تفجيره من قبل عصابات داعش، وأعتقد إن الكاتبة إختارت خاتمة روايتها قبل الشروع ببدايتها، النهاية لحظة توتر جوهرية والحدث الذروة، وكل أحداث الرواية سوف يُبنى بإتجاه هذه النهاية. بطل (حارس الشمس) هو حسين منصور، عراقي من أهالي الموصل، حارس ليلي وسادن في جامع النبي يونس، قليل الكلام وقليل الحظ، يحلم بقطعة أرض يزرعها بزهور عباد الشمس، كي يستدل على الضوء الذي ستدير له عباد الشمس أعناقها، وكي تقيه الارض مذلة التشرد في وطنه. هو بلا ذرية ولا زوجة، وحيد إلا من رحمه (أمه المحتضرة، ومدينته الموصل) . جامع النبي يونس هو بطل الرواية أيضا، يقصده الناس للتبرك وطلبا للشفاء والإستجمام. حسين منصور سيظل مخدرا بضعفه وحيرته، مأزوماً بفشله وإحباطاته وخساراته يتأخذ من الجامع (البطل) مسكناً له. الكاتبة وظفت الكثير من الميثولوجيا المحلية والعادات الشعبية في إثراء تفاصيل السرد وهذا واضحاً منذ الصفحات الاولى كما في ص 18 فهناك إعتقاداً لدى أهل الموصل إن المرأة حين ترمي عبائتها من مئذنة جامع النبي يونس وتسقط العباءة بجانب ولداً أو رجلاً من المارة، فستلد تلك المرأة ولداً. ونجحت بتطريز السرد بنوادر باللهجة الموصلية (لغاد، أمك عتموت...)، والحلويات والأطعمة الموصلية (من السما، لقم). كذلك أغنت الكاتبة السرد بالحقائق التاريخية عن الموصل وجوامعها ومئذنة الحدباء وجسورها عبر شخصية مليكة (الجزائرية/ الفرنسية) وهي باحثة في هندسة القباب والمنارات الإسلامية ترافق زوجها (الفرنسي /العراقي) يحيى في رحلة العودة الى الموصل لبيع أرضه، الشعرة الأخيرة التي تربطه ووالديه بالوطن حيث تلاشى كل أمل بعودة المهاجرين. الوطن والموت لا يجتمعان محور الرواية هي الأرض التي يحلم حسين بشرائها، ويحلم يحيى ومليكة بإستردادها وجني المال من بيعها، والأرض التي سيعود اليها جواد إبن المراة الشيعية الفقيرة الذي فُقد في الحرب، كأن الأرض هي الأم وهي التي ستستقبل الغائبين عند إيابهم. الرواية تلاحق كل أشكال المعاناة العراقية وتحاول تضمينها بالسرد، زمن الدكتاتور والحروب والغزو الأمريكي والإقتتال الطائفي والتهجير...الخ. كقراء تواجهنا حيرة في هذه الرواية، وهي تماهي الظالم والمظلوم وتبادل الأدوار بينهم، لا يوجد ظالم ولا يوجد مظلوم، الكل ضحايا مأزق العيش في وطن مستباح بالحروب والغياب. إستخدمت الكاتبة إسلوب الرواي العليم الذي يصف الشخصيات والأحداث بلغة شعرية حادة، شعرتُ أحياناً إني أقرأ قصائد نثرية متكاملة وأحياناً خذلتْ النبرة الشعرية العالية بساطة السرد، وجعلت القارئ يتأرجح بين جمل معقدة الوصف ومفردات ثقيلة الوطء على مجريات الحدث. لكن هناك تقاطعات جميلة بين إسترداد الماضي بفقرة ووصف الحاضر بفقرة تليها مباشرة كما في ص 64. الكاتبة إمتازت بالوصف الديناميكي والجمل القصيرة المتلاحقة في وصف المشاهد مما جعلنا نتخيل ما نقرأه كأنه شريط سينمائي. الأسماء في الرواية رغم محليتها فهي ذات دلالات واضحة: حسين منصور، علاء الجندي المسيحي، أم جواد الأرملة الشيعية البصرية، دجلة زوجة حسين منصور المختفية ودجلة رمز الماء، والحياة تختفي بإختفاء الماء، وماء الحياة هو الأمان أيضا، إختيار هذا الإسم موفقاً جدا لرمزيته ودلالاته الإيحائية المرتبطة بالزمن السردي. أسئلة الغياب العراقي الموت والتلاشي حاضر في الرواية وتحديداً منذ الفصل الثالث حيث تبدأ فصول التواري الأبدي، أم حسين العجوز المحتضرة تصف الموت ب (الزائر الملثم الذي تراه في عيون رُضَعها الذين فقدتهم واحداً تلو الآخر)، نحن أمام حزن نبيل يفجر أسئلة وجودية لأم منكوبة بفقد أولادها ولا تدري لماذا (كتبة الله) تجري عليها دون غيرها. حسين بطل الرواية هو وليدها التاسع، رأتْ الأم إلتماعة الموت في عينيه أيضا لكنه نجا منه بالإهمال وكثرة البكاء، ما أجمل هذه المفارقة التي إبتكرتها الكاتبة فالبطل حسين كان عليه أن يختار بين الموت صمتاً كما أخوته أو البكاء طويلا. الأم من جهة أخرى إختارت لإبنها (حسين) مصيره حين تنبأت له (حسين لا ولد له ولا حظ) ص23. الكاتبة هنا تجاوزت الثناثيات المتناقضة الى تلك المتكاملة والمتداخلة بل أحسنت مزجها (الموت /البكاء، الحياة /الحلم، الأرض /المال). في الفصل الخامس هناك ترابط بين حياة الجامع الليلية بحياة حسين منصور فالناس لا يعرفون شيئاً عن الجامع ليلاً وكذلك يجهلون حسين منصور الذي يستأنس بالظلام والسكينة كما استأنس يونس بظلام جوف الحوت عن حياة العائلة والأسرة، متذبذباً بين اليقظة والحلم حتى تغدو الخيالات بالنسبة له واقع، ومحتاراً بين حلمه في جمع المال لشراء أرض وبين واجبه في منح المال لأمه المريضة كي تجري عملية. حسين منصور فاقد القدرة على تميّيز الخير من الشر وهو غير مهتم بالحكم على الأشياء والسلوكيات، إن الطابع المعقد لفعل حسين منصور عندما إتخذ على عاتقه تهديد أم جواد لإسترجاع الارض التي سكنتها وأولادها، هو عقدة هذه الرواية التي ظلت مسترخية الأحداث رغم إنها تدور في مدينة تعتصرها التغييرات السياسية وتلتهمها نيران الطائفية والتشنج الديني، فحسين منصور لم يسأل نفسه هل هذا فعل خير أم شر؟ هناك حيرة سترافق القارئ حتى النهاية من لا يقينية شخصية حسين منصور من ذاتها. جمعت الكاتبة في الصفحة 87 بين تأريخ موت (أبي جواد) رب الأسرة الشيعية الفقيرة التي سكنت أرضاً مجهولة الملكية في الموصل، بالسكتة القلبية، وبين التاريخ الذي قبض فيه الجنود الأمريكان على صدام حسين، لقد أحسنت الكاتبة توأمة موت الفقير المهمش مع نهاية الظالم، كأنما تقصدت رمزية نهاية الظالم والمظلوم معا. قصص الحب باهتة في الرواية ورغم ذلك فهي تترك بصمة أكبر من حيزها في البناء السردي كما قصة حب حسين منصور لدجلة وقصة حب مليكة ويحيى. الرواية هي الجنس الأدبي الأقرب للقارئ المعاصر، تعيد محاكاة الواقع وتكبيره بالكلمات كي نعيّ حجم نكباتنا الصغيرة، متاعب الحياة الشخصية، والتغيرات الكبيرة وأعني الحروب والموت والهجرة. الرواية هي المرآة العاكسة لهيمنة اللغة في وصف مكابداتنا ومأزقنا الحياتي بكافة صنوفه. الكاتبة مثلا لا تغفل وقع الموت وتفاصيله الصريحة المتربصة بالناس في طريق بغداد الموصل وكيف إن ياسين أخ حسين منصور يتأخذ من هذا الطريق مصدر رزق بعمله كسائق رغم مخاطر الموت، وهنا نحن أمام مفارقة ملامسة الموت لأنه مصدر الرزق. (حارس الشمس) رواية بلا خيال لكنها تستخدم الموروث الميثولوجي الشعبي لتعزيز الحكاية، هي رواية عن الحاضر بناسه ووقائعه، الحاضر المتشكل بفعل ماض ترك بصمة داميه فيه، والسائر نحو مستقبل مستنبطاً بفعل الوقائع الحالية، هي رواية أهلنا ومدننا العربية ومعالمها التي دُمرتْ بفعل الحروب وفقدت ذاكرتها الجمعية بفقدان أهلها الذين هُجروا وغُيبوا. (ما هي التعويذة الملعونة التي أصابتْ هذه الارض المباركة لتدفن الحضارة والأصالة فيه تحت طبقات من الدمار والخراب) تتساءل الكاتبة في الصفحة 65، إن كارثة تدمير الآثار أو تفجير جامع أثري في الموصل ليست كارثة محلية، وإن كانت تمسّ أهل الموصل وجدانياً أكثر من غيرهم، بل هي كارثة إنسانية كما غيرها من الكوارث في محو وإزالة آثار الشعوب وتاريخها وذاكرة أجيالها. هنات بسيطة وقعت فيها الكاتبة مثل إختلاف تسمية الأبن الثاني لأم جواد، في الصفحة 71 تسميه (حيدر) الشاب الذي يبيع الخضر لمساعدة عائلته، وتسميه (سعد) بدءً من الصفحة 91. أو كما ذكرت الكاتبة إن الجنود العراقيين هم من قبض على صدام حسين بمساعدة الأمريكان، والصحيح إن سرية أمريكية هي من قبضت عليه فقط. نهاية الرواية موفقة جدا حين جعلت الكاتبة الطفل (هادي) شاهداً على تفجير الجامع، وإن وقع وسال دمه لكنه نهض، فهل سيكون مستقبل الموصل هادي كما إسم الطفل الشاهد؟ لقد إستقصت هذه الرواية بطريقتها الخاصة وبمنطقها الخاص جوانب الألم العراقي في تلك البقعة من الارض وحاولت الإلمام بتلك اللعنة المزمنة، لعنة الحروب والدكتاتورية ولعنة الواقع المتشظي ولعنة ما سيأتي.
#فيء_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معرض لأبرز الفنانين العرب في لندن
-
الجسد إكتشاف إغريقي
-
أودري هيبورن في معرض فوتوغرافي شامل
-
(شباك) بينالي الثقافة العربية في صيف لندن
-
المعرض الفني الصيفي في أكاديمية الفنون الملكية البريطانية
-
فريدا كايلو إيقونة الأزياء
-
عن (توستالا) المجموعة القصصية لعبد الهادي سعدون
-
رامبرانت الهولندي المدهش
-
مان راي رسام الفوتغراف
-
الفكاهة سلاحاً ضد الكراهية
-
حنوش -يغزل خيوط النور- في لندن
-
لقد أحَطتُ بما لم تحط به
-
أعطني متحفاً وسوف أملؤه
-
عن معرض الفنان علي جبار الأخير
-
أرشيف فرجينا وولف وجماعة بلومزبري
-
هل من عودة أيها السندباد ؟
-
ميزان لموظفي الدولة
-
سعداوي يُعيد بناء الحياة الجحيمية للعراقيين... سرداً.
-
الفلم السينمائي كقصيدة، برايت ستار نموذجاً
-
قمرٌ واحدٌ في كل القصائد
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|