أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيء ناصر - عن (توستالا) المجموعة القصصية لعبد الهادي سعدون















المزيد.....

عن (توستالا) المجموعة القصصية لعبد الهادي سعدون


فيء ناصر

الحوار المتمدن-العدد: 4871 - 2015 / 7 / 19 - 17:52
المحور: الادب والفن
    


سخريات الوجود الإنساني من وجهة نظر مهاجر


كم هي باهتة حيواتنا بلا حكايات! وهذه قصص تضج بالحياة والفنتازيا للصدفة الجميلة وحدها الفضل في قرائتها وإستعادة شغفي بالكتاب الورقي بعد أن أوشكتُ على نسيانه وإستبداله بالكتاب الإلكتروني.
(توستالا) مجموعة قصصية للشاعر والمترجم العراقي الإسباني عبد الهادي سعدون، صدرت عن دار سنابل لعام 2014، عشر قصص ضمها كتاب بغلاف أحمر لافت، إحتل مركزه رجلٌ بلباس عربي تقليدي وعدد طويل مبهم يتألف من أرقام وحروف كأنه رقم الجندي الذي يحمله في رقبته أو لعله رقم رحلة الغريب الذي يبقى محفوراً في روحه.
ما معنى توستالا ؟ كان هذا أول تساؤل حالما وقع الكتاب بين يدي! سرعان ما سيجيبني القاص في أول الصفحات حيث تقديم المجموعة، (توستالا) تعني الحكواتي الحر الذي له القابلية على سرد القصص، وهنا إقتران ذكي ومذهل بين القابلية على السرد وبين الحرية ...نعم فالسجين (وأعني سجين الخيال والفكر تحديداً) يفتقد القدرة على السرد لخوفه من كشف الأسرار وقصور خياله. التوستالا إذن من يسمع الحكايات أو يتخيلها، وهو قد يزيد أو ينقص من هذه الحكايات . لا ينازعه أحداً على مكانته، لأنه الحكواتي الحر وهو الشامان أو القديس والعارف، هو التوستالا بلغة الهنود الحمر. هذه النبذة التعريفية عن المفردة هي من ستقود القارئ الى حكايات هذا الكتاب الممتع.
في الصفحة التمهيدية، يستوقفنا إقتباسان من ثربانتس وبورخس، يقول ثربانتس على لسان دونكيشوت لصديقه سانشو ( كل شئ ممكن في هذه الحياة، إذ لا فرق بين الخيال والحقيقة)، ويقول بورخس (أنا لست سوى شخص من صنع كتبي). بهذين الاقتباسيين يفتتح القارئ هذه القصص العشر وهو يدرك إن المؤلف سيمزج الخيال بالواقع حتى يصعب عليه الفصل بينهما. ونعرف كذلك إن الكاتب أو الروائي أو المبدع بشكل عام يتحول في النهاية الى صدى لإبداعه وهنا يتبادل الدور مع قصصه فهو من صنعها لكنها بعد ذلك ستلده مرة اخرى وتمنحه هويته (التوستالا).

وذرة الأمل
الكاتب يمسك بأفكاره يتأملها ويقلبها من كل الجوانب ويستنفذها كاملة، كأنه يختار السرد للحديث مع نفسه أولاً، وكي يشفي ذلك الجرح الأبدي (جرح الإنتزاع من الجذور)، وهذا جلياً في أول قصص المجموعة (بلد متنقل ) وهي عن شاب يهرب من لعنة الحروب التي تجتاح بلده لكن البلد يلاحقه بسبب كوابيسه وشعوره بالندم، هذه القصة تستقصي وتقارن وتخلط بين الأمكنة، بين المنفى والوطن الى حد تبادل البنايات والشوارع والوجوه. يتأرجح القارئ في هذه القصة ما بين عالم الواقع وعالم الكتابة بين إسلوب السرد التقريري والسرد الأدبي، بين لغة الحلم ولغة الواقع وبين الماضي والحاضر. يقرن الراوي في هذه القصة بين فعل كتابة رواية وبين نزيف الأنف، يكتب فينزف أنفه ويكفّ عن الكتابة فيكف النزيف، هناك خلط للأزمنة أيضاً فالراوي يخبرنا إنه لم يكمل راويته بسبب النزيف لكنه يدس جملة عن رواية مكتملة له وتحمل رقماً محدداً في مكتبة مدريد، هو يتعمد وضع القارئ في متاهة النقصان والإكتمال، والراوي أيضاً يراوغ غربته ويتجاوزها، هو فوق حدودها ، يمحصها ويـتآلف معها ويدوّنها ويترك في الأسفل شعوره بالإغتراب والنفي، ولعل نهاية هذه القصة أجمل ما فيها فالرواي يختم قصته بأنه يلتقي جواد سليم المشغول بالبحث عن سارق (وذرة الأمل) من نصب الحرية.
قصة (نصيحة وتنشتاين)، يستثمر الراوي يومياته مع إصدقائه من الأدباء العراقيين (محسن الرملي، علي بدر) لسرد عدم إستطاعته كتابة رواية طويلة وكيف إن مقالاً عابراً في صحيفة يحفزه أدبياً، ثم يلتقي صديقه الروائي علي بدر الذي يدله على طريقة سهلة لتسجيل الأفكار واليوميات بواسطة جهاز تسجيل إلكتروني للصوت. يشتري الراوي جهاز التسجيل بعد معاناة في جمع ثمنه ثم يبدأ تسجيل روايته والتي ثيمتها حشرة تطنُّ في باب غرفة (هناك حشرة أولى كانت قد قرصت شفة محسن الرملي) وما أن ينتهي من التسجيل ويبعثها لفتاة مغربية تفرغ التسجيلات وتحولها الى كلمات مطبوعة بواسطة الكومبيوتر. يكتشف الراوي بعد ذلك إن التسجيلات الصوتية فارغة إلا من صوت يشبه طنين حشرة، وتنتهي القصة لصالح الحياة على خيبة الأدب حيث تنشأ قصة حب مع الفتاة المغربية، كأن العاطفة الإنسانية هي التعويض الرئيسي عن خيبة ضياع رواية .
ثمة إسلوبان في التعامل مع الموروث المعرفي لدى أي كاتب في كتاباته الأدبية، الإسلوب الأول بجعل الموروث يطفو على سطح الكتابة على شكل إستشهادات وإحالات واضحة، والإسلوب الثاني هو التشبع به بحيث يغدو هو قوام الكتابة والروح التي تسري فيها دون أن يتم التصريح به بشكل مباشر، وأحياناً دون وعي الكاتب، وجلياً إن عبد الهادي سعدون متشبعاً بروح بورخس، وهو يمارس سيطرة على قارئه وقدرة على جعله يقبل كل ما يسرده: ( لكن يجب أن ترضى بما أقصه عليك) ص25. وبدل التذكر هناك سعي حثيث نحو المحو والنسيان: (لايهمني سماع أي شئ عن البلاد كما أنني لا أتابع ما يدور في العراق) ص36 محتوى هذه العبارة ورد أكثر من خمس مرات في هذه القصص. تمتلك هذه القصص يقين واحد هو اللايقين، والرواي يبحث عن الأنا المهملة بالعالم المرئي ويجدها في عالم السرد اللا مرئي وبوح العوالم الداخلية.
في قصة (حكاية الرجل الذي قصّ عليّ حكاية يعتقد إنها تهمني) هناك قدرة جميلة على التحكم والإسترسال في الفنتازيا، حين يصف الشاب الغريب براميل حفظ النبيذ المصنوعة من خشب الأرز والممزوجة بدم الأضاحي الحيوانية ودم العذراوات في طاجكستان(بلد الشاب الوهمي) وهي قصة يتحول كل شخوصها الى توستالا يروي حكايته، أو الى مسيح يحمل صليب أسراره (ما أن أتخلص من الثقل/ السر حتى أخرج خاويا فقيرا) ص28

المنفى صرخة فولاذية
لماذا سوء الحظ عراقي بإمتياز؟ فالحشرة في مدريد لا تقرص غير العراقي، والشرفة في بناية تطل على شارع لا تسقط إلا على جسد عراقي، والعراقي الذي يأتي الى إسبانيا بقوراب الموت يواجه موتاً آخر بنوبة تشنج غريبة لا يُعرف لها سبباً، عراقي يضيع منه مراسيم دفن عراقياً آخر، وهكذا تستمر الخيبات العراقية عبر هذه قصص.
لا تسرد هذه القصص الواقع فقط بل تسرد الوجود كله من وجهة نظر مهاجر، والوجود ليس ما جرى بل هو حقل الإمكانيات الإنسانية، كل ما يمكن للإنسان الغريب أن يفكر به أو يصيره، وهذا ما يجري في قصة (حكاية حقيقية) فالرحلة التي ينتظرها الراوي والتي تقلّ صديقاً له، لا وجهة لها ولا أرضأً تقدم منها وكأن رحلة الطائرة هذه هي (سيرة الطريق الذي يمضي بنا دون هدف) ص 47. النهايات في جميع هذه القصص هي نهايات محكمة كأنها تصطفي بداياتها، وخيل لي إن الكاتب بدأ بكتابة نهايات قصصه قبل ان يبدأ بها.
هل قبض التوستالا على فعل الحياة الهارب من يديه بإختلاق القصص ؟ التوستالا (عبد الهادي سعدون) يكتب وكأنه منقاد لواقع شبيه بالحلم، الأحلام (والكوابيس) تعاود الظهور في هذه الحكايات بشدة، فهي تلتف على الواقع بالسرد.



#فيء_ناصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رامبرانت الهولندي المدهش
- مان راي رسام الفوتغراف
- الفكاهة سلاحاً ضد الكراهية
- حنوش -يغزل خيوط النور- في لندن
- لقد أحَطتُ بما لم تحط به
- أعطني متحفاً وسوف أملؤه
- عن معرض الفنان علي جبار الأخير
- أرشيف فرجينا وولف وجماعة بلومزبري
- هل من عودة أيها السندباد ؟
- ميزان لموظفي الدولة
- سعداوي يُعيد بناء الحياة الجحيمية للعراقيين... سرداً.
- الفلم السينمائي كقصيدة، برايت ستار نموذجاً
- قمرٌ واحدٌ في كل القصائد
- ريح من لامكان _الشاعرة الأمريكية انتوني فلورنس


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيء ناصر - عن (توستالا) المجموعة القصصية لعبد الهادي سعدون