أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين















المزيد.....

قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


اختار القائمون على مهرجان سفر السينمائي بلندن أن يكون فيلم الافتتاح لدورته الثالثة (14-18 سبتمبر) هو "قبل زحمة الصيف" للمخرج الراحل محمد خان كتحية لهذا المبدع الدؤوب الذي كرّس حياته للفن السابع. فما هي طبيعة هذا الفيلم؟ وهل يتوفر على سوية فنية تؤهله لأن يقف بجدارة بين أفلام الصف الأول؟
تعتمد غالبية الأفلام الروائية على قصة سينمائية محبوكة يتلمّس فيها المُشاهِد البداية والذروة والنهاية. كما يتفاعل مع التصعيد الدرامي للأحداث وينفعل بها وكأنه مُشارِك في صنع الأحداث وليس متلقيًا سلبيًا لها. غير أن بعض الأفلام تفتقر إلى هذه الخصائص لأنها ببساطة شديدة بلا قصة، وبلا أحداث متصاعدة، وبلا شخصيات نامية. وهذا ما حدث في فيلم "قبل زحمة الصيف" لمحمد خان الذي وُصِف من قِبل العديد من النقّاد بأنه فيلم "بلا حكاية" وهم يقصدون طبعًا "بلا قصة" فثمة فرق كبير بين الحكاية والقصة كنوعين أدبيين.
لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن "فكرة الفيلم" تعود لمحمد خان نفسه وأن غادة شهبندر هي التي أخذت على عاتقها كتابة السيناريو الذي وُصِف بالضعف والركاكة لأنه يمثل التجربة الأولى لكاتبته المبتدئة في هذا المضمار. لا أريد أن أبرّئ ذمّة كاتبة السيناريو من هشاشة النص الذي كتبته ووافق عليه المخرج قبل شروعه بالتصوير ولكن جلّ ما أخشاه أن الراحل محمد خان وهو أحد روّاد السينما الواقعية في مصر إلى جانب عاطف الطيب، وداوود عبد السيد وخيري بشارة وآخرين كان يلهث وراء التجديد والتجريب وحينما يُمنتَج له أي فيلم لا يفوته تنبيه المونتيرة بعبارة Nouveau Cinéma التي يفضِّل أن يقولها بالفرنسية. وهذه الالتفاتة تُحيلنا إلى ولعه بالتجريب، ورغبته الحقيقية في تحطيم القصة السينمائية أو تفكيكها في الأقل. وإذا ما تفككت القصة فإن تطور الأحداث سيتوقف، وسيتحجّم نموّ الشخصيات أيضًا ونقف في خاتمة المطاف أما نص سينمائي أفقي يسير على وتيرة واحدة قد تبعث على الرتابة والملل من دون شك.
إن تشتيت القصة السينمائية قد ينفع في حالة واحدة إذا ما حُوِّلت الجملة الأدبية المنتظمة في سياق سردي محبوك إلى صورة بصرية أو بشكل أدق إلى خطاب بصري متصل تتسيّد فيه الصورة على أي معطى أدبي آخر، خصوصًا وأن أداء الشخصيات الخمس الرئيسة كان مقنعًا جدًا مع ضرورة التنويه بتألق الفنان ماجد الكدواني الذي جسّد دور "د. يحيى القاضي"، وكذلك الفنانة هنا شيحا التي لعبت دور المترجمة "هالة سري" التي تنتمي إلى الطبقة البرجوازية المصرية التي تتمتع بقدر وافر من الحرية في السلوك الفردي وتحقيق اللذة الجسدية.
يجتمع في السينما الجادة الفن والمتعة والتنوير الذهني غير أن الحصول على العناصر الثلاثة المُشار إليها سلفًا لا يتحقق من دون بذل جهد فكري وحتى لو تعمّد المخرج والسينارست تفكيك القصة وتوزيعها على الأنساق السردية فإن المتلقي العضوي مطالب بلملمة أشلائها وإعادة صياغتها من جديد.

القصة المُفككة
لا يخلو الفيلم من قصة مُفككة وموزعة بانتظام على مدار الفيلم فثمة ثيمات متعددة تنتظم في النسيج الداخلي لهذا الشريط الرومانسي والاجتماعي والكوميدي في آنٍ معا. وأبرز هذه الثيمات هي "الإهمال الطبي" ففي مستهل الفيلم نقرأ في الجريدة التي يحملها الدكتور يحيى القاضي مانشيتًا يقول إنّ "الأخطاء وصلت مستشفيات الخمس نجوم" ثم نفهم لاحقًا أن والد زوجته الدكتورة ماجدة "لانا مشتاق" قد ترك لهما أمولاً وأملاكًا كثيرة لكن الدكتور يحيى أساء استعمالهما لأنه أناني ولا يحب الناس الآخرين. لم يكشف الفيلم طبيعة الإهمال الطبي لكننا نفهم أن هناك تحقيقًا مع طبيب الأشعة وإحدى الممرضات، ثم يتطور هذا التحقيق إلى استدعاء لشركاء المستشفى في قضية الإهمال الطبي بأمر من النائب العام نفسه. إن منْ يمارس الفساد الإداري والطبي هي الطبقة البرجوازية التي ينحدر منها الدكتور يحيى القاضي التي لم ترضّ عنه زوجته فهو الذي لوّث سمعة هذه المستشفى الخاصة ونشر غسيلها على حبال الصحافة المحلية الأمر الذي دفع ابنه للهروب والتغرّب بسبب فضائح والده الذي لا يعير وزنًا لأرواح الناس ولا يجد حرجًا في زجّ الأطباء القادمين من الكلية مباشرة إلى غرف العمليات.
تتضح ثيمة الفيلم تمامًا حين تخاطب الدكتورة ماجدة زوجها متسائلة: "عمرك سِمعت عن حدّ بيجي لوحده في فترة زي دي من السنة، ومكان زي ده إلاّ لو كان هربان من حاجة أو بيدوّر على حاجة؟" فهو هارب من دون شك من الإهمال الطبي والملاحقات القانونية التي طالت شريكه أسامة وبعض الأطباء والممرضين المقصّرين في المستشفى.
لو دققنا في طبيعة العلاقة العاطفية بين الدكتور يحيى وزوجته الدكتورة ماجدة التي تركت مهنة الطب وبدأت تعتني بنفسها وبعزلتها وجلساتها التأملية فهي ليست بحاجة إلى العمل لكنها لن تترك ليحيى الحبل على غاربه فهي تراقبه وتسترق السمع إليه كي تعرف كل ما يدور في خلده.

الضيفة الثقيلة
كان يحيى وزوجته هما أول منْ نزل في قرية "بلو بيج" في الساحل الشمالي من الإسكندرية قبل أن يزدحم بالمصيفيين الأثرياء. وبما أن المترجمة هالة سري تنتمي إلى هذه الشريحة الاجتماعية الموسرة فإنها جاءت إلى هذه المكان لأكثر من سبب منها الراحة، والاستجمام، والابتعاد عن صخب المدينة، والاختلاء بصديقها هشام صالح الذي يلبي رغباتها الجنسية، فهي مطلّقة حديثًا ولديها ولد وبنت مراهقين لكنها تشعر بحاجة ماسة إليه. هل أراد محمد خان أن ينسب حرية التمتع بالجسد إلى الطبقة البرجوازية المصرية فقط؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا عن الطبقات الأخر؟ ألا يحق لها أن تمارس الشيء نفسه؟ وربما تكمن الإجابة على هذا السؤال في شخصية جمعة "أحمد داوود" الذي حلّ محل أخيه وظل مكتفيًا بالتلصص والتخيّل والاستيهام طوال مدة الفيلم. فمن خلال هذا الشخص الفقير نستطيع أن نفهم حرمان الطبقة الفقيرة من الكثير من مستلزمات الحياة كالتعليم والصحة والطعام والشراب والحاجة الإيروسية. ويكفي للمتابع أن يرصد عدد المرات التي كان فيها "جمعة" يتلصص على "هالة" أو يشمّ ملابسها المعلقة أمام الشاليه.
لقد ادعّت هالة بأن هشام قريبها لكن هذا الادعاء لم يمرّ حتى على "جمعة" الذي تصورته إنسانًا بسيطًا وساذجًا. أما الدكتور يحيى وزوجته فقد وصفاه بالصاحب والعشيق ولم يشتطا في وصفهما الدقيق. فهذا الممثل الذي يقبل بالأدوار الثانوية بحاجة ماسة إلى النقود لأنه ببساطة ينتمي إلى الطبقة الفقيرة ولولا مساعدة صديقته "مشيرة" لما تمكن من الحصول على هذه الأدوار الصغيرة التي لا تصنع شهرة أو نجومية. وما إن تعبِّر "هالة" عن انزعاجها من مكالمات "مشيرة" حتى يترك الشاليه ويتخلى عنها إلى الأبد.
إن دعوة العشاء التي وجهها الدكتور يحيى لهالة هي القشة التي قصمت ظهر البعير وجرحت كبرياء زوجته لأنه لم يأخذ رأيها، وأكثر من ذلك فقد أسقط كل الحواجز بينهما وغادرت الشاليه وهي تترنّح من الثمالة ولولا وجود "جمعة" لما وصلت إلى منزلها بسهولة.
لم تتحمل "ماجدة" وقاحة زوجها فطردته من الشاليه خصوصًا بعد أن فتح "جمعة" باب القفص ليدع القطط الجائعة تهجم على الببغاء ولا تترك منه سوى ريشه المتناثر. ينام يحيى خارج الشاليه بعد أن كشفت ماجدة طويّته وعرّته أمام المتلقين. وفي اليوم الثاني اشتبكت مع "هالة" ثم استدارت إلى يحيى لتلقنه درسًا في الأخلاق العامة بعد أن سحبته إلى حافة البحر كمن يعاقب طفلاً مُذنبا.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفلام تخترق التابوهات السياسية والاجتماعية في مهرجان سفر الس ...
- أفلام عربية جريئة في مهرجان سفر السينمائي بلندن
- تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي
- سلالة باتريك موديانو النقيّة
- لُغز أُذن فان كَوخ: الحادثة الأشهر في تاريخ الفن المعاصر
- جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي
- -وصية لأجل الملك- وتنميط الشخصية العربية المسلمة
- الفن الأرضي الزائل الذي توثِّقه العين الثالثة
- أسرار القدّيس يوحنا بولص الثاني وحُبِّه لآنا تيريزا تمنيسكا
- الحياة ما بعد تشرنوبل
- أغنية الغروب . . . قوّة المرأة في مواجهة المصائر المُفجعة
- تسعة فنانين عراقيين يحتفون بزَها حديد
- نبوءة السقّا . . . بطولة جماعية في مكانٍ افتراضي
- سمكة الأمازون الكهربائية. . .صعقتها تشلّ التمساح وتطرح الحصا ...
- حنوّ الغوريلا وميولها العاطفية تجاه الإنسان
- مخرج على الطريق: الخشية من تحجيب الأفلام (3-3)
- مخرج على الطريق: أفلامي واقعية جديدة مُبهجة (2-3)
- مُخرج على الطريق: الشخصية أهم من الحدّوتة (1-3)
- الماركسية والشِعر: الوحي المنبثق من لحظة النشوة والغيبوبة
- التقنية المُراوِغة في -مصائر- ربعي المدهون


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قبل زحمة الصيف: قصة مفكّكة في بناء بصري رصين