أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي















المزيد.....

تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5274 - 2016 / 9 / 3 - 14:10
المحور: الادب والفن
    


يعود سلام إبراهيم في روايته السادسة "إعدام رسّام" الصادرة عن دار "الأدهم" بالقاهرة إلى سيرته الذاتية والأُسَرية ليمتحّ منهما ثيمة نصه الروائي الجديد المتفرّد ببنائه المعماري الرصين الذي استوحاه من ثلاثية "المَقتل والمراثي والدفن"، الطقوس العاشورائية المعروفة في وسط وجنوب العراق في محاولة جادة للارتقاء بالهمّ الفردي إلى الهمّ الجماعي لكن السؤال الذي يعترضنا في هذا الصدد مفاده: هل يصلح الرسّام التشكيلي، واليساري الملتزم كفاح عبد إبراهيم سوادي النجار الذي يعرفه القارئ بالكاد أن يكون معادلاً موضوعيًا لشخصية الإمام الحسين الذي استشهد في واقعة كربلاء ويعرفه الجميع لأنه تحول إلى رمز للثورة على الظلم والجور والاستبداد؟
سنحاول في هذه الدراسة النقدية الإجابة على هذا السؤال الجوهري الذي يسلِّط الضوء على الجانب الإنساني للشخصية المحورية العنيدة من دون الغوص في إشكالات المُعتقَد المذهبي التي لم ترد على لسان البطل على مدار النص برمته لكنها وردت على لسان الراوي "سلام" كصرخات إنسانية مستجيرة بالحق والعدل الإلهيين اللذين يجب أن يسودا على كوكبنا الأرضي.
لم يغدق الراوي أي سِمة من سِمات البطولة على أخيه كفاح، وإنما قدّمه بصيغة واقعية خالية من الرتوش، فهو رسّام تشكيلي، وطالب جامعي، ويساري مُلتزم بمبادئه السياسية يضطر للاختفاء في أثناء الحملة الشعواء التي شنّتها النظام السابق على الأحزاب والقوى الوطنية المناهضة للسلطة الاستبدادية عام 1978، حيث يُقبَض عليه، ويُعدَم من دون أن تُسلّم جثته إلى أهله وذويه. هذه هي الثيمة الرئيسة للرواية التي يتصاعد نسقها السردي بعد أن تمرّ بشخصيات متعددة مثل الراوي سلام، وزوجته ناهدة، وأبيه عبد إبراهيم سوادي النجار، وأمه عليّة عبّود، وشقيقتيه ساجدة وسلمى، وزوجة أخيه وفاق، وتنتهي بأولاد عمتيه علي عبد الباقي، وصلاح مهدي الصياح من دون أن يهمل تجليات الجد والجدة وبقية الشخصيات الأُخر التي تُطل من خارج مدار الحلقة الأُسَرية.
الكوابيس
تحتل الكوابيس مساحة واسعة من فضاء الرواية. فبعد أن يئِس الراوي من الهرب، وضاقت به السبل، قرّر أن يسلّم نفسه للسلطات العسكرية، ويواجه مصيره مهما كان شائكًا أو مأساويًا. ففي الفصل الأول من الرواية والمعنون "في الساحة" يعقد الراوي مقارنة جوهرية بينه وبين أخيه كفاح المُختفي منذ ثلاث سنوات لكنه لم يتسلل إلى أي بيت من بيوت الأهل والأقارب والأصدقاء، بينما لاذ هو ببيت شقيقته الكبيرة ساجدة في تكريت، وشعر بالذلّ والاحتقار وهو يصيخ السمع إلى زوجها الذي يأتي بأخبار إعدام عوائل بأكملها لأنها تسترت على جنود فارين من الجبهات في زمن الحرب العراقية الإيرانية. كان الراوي يشعر بالعجز والضآلة واللاجدوى، بينما كان كفاح شديد الإيمان بالحياة، متفائلاً، عنيدًا لا يعرف التراجع أو النكوص. رأى الراوي في الكابوس الأول رجالاً مدججين بالسلاح أحاطوا بأخيه وقذفوا به في باطن عجلة عسكرية بينما ظل هو مختبئًا مشلولاً يتابع حركة العجلة التي غابت في منعطف التقاطع القريب.
يبلغ الكابوس ذروته حينما يدفعوه بأعقاب البنادق إلى حوض عربة عسكرية مكتظة بأجساد ترتجف خوفًا فيشم رائحة تشبه رائحة أخيه المجهول المصير الذي يعرف كل صغيرة وكبيرة عنه فهما يعيشان في غرفة واحدة، وينامان على سريرين متقابلين في منزلهم بالحيّ العصري. هاجمته الرائحة ذاتها حينما كان يقف في صف الأعمدة العشرين التي سيعدمون عليها عشرين ضحية. تُرى، هل كان كفاح مثبتًا على أحد الأعمدة الخشبية من دون أن يراه بسبب العُصابة التي تحجب نظره؟
يتداخل مشهد الإعدام مع مقتل الحسين في العاشر من محرّم ويرى وجه أبيه ينشج في غرفته المعتمة ثلاثة أيام بعد إعدام ولده كفاح. كما يتفاقم المشهد قسوة حينما يرى عشرين رجلاً من حماية الرئيس ينهالون ضربًا على الرؤوس المتدلية التي يختلط نُثارها بالتراب فتتحلق الأم مع بناتها الست حول جسد الابن المُرتثّ بالجراح. يختم الراوي هذا الفصل بالعفو الرئاسي الذي صدر بحقه وحق شخص آخر أُنقذا من موت أكيد فظل يفكر بكابوس الليلة المُرعبة.
الأعماق السحيقة
تبدو إطلالة المرأة الغامضة ضرورية جدًا بعد فصل الكوابيس المُفزعة حيث يتابع الراوي امرأة جذابة تشبه جنية من جنيات الأساطير. وبينما نتلقّى خبر إعدام كفاح من خلال ناهدة، زوجة الراوي الحزينة، المخدوشة الوجنتين، ثم تأكيد الأب الذي أخبروه صبيحة يوم 13 / 12 / 1983بأن ابنه "خائن" فأعدموه، ولم يسلموا جثته له، كما لم يمنحوه شهادة وفاة، ولم يسمحوا له بإقامة مجلس العزاء.
ربما تكون الصرخة التي أطقلها البدوي بوجه الراوي هي الأكثر إثارة للرعب فلقد جزع حتى البدو الرُحّل من دفن الشبان الذين يُلقون من هليكوبترات شاهقة في مجاهل الرمل والقفار البعيدة الأمر الذي يترك أثره البليغ على الراوي الذي تزداد مخاوفه ويصبح أكثر عُرضة لفقدان العقل. مفاجآت الفصل الثاني كثيرة ومنها "وفاق" التي ادعت بأنها زوجة كفاح، فقد عرفته من خلال أختهم سلمى، وتعلقت به حدّ الجنون، وتزوجته زواجًا سريًّا لمدة قصيرة من الزمن.
لم تسلمْ عائلة وفاق من قسوة السلطة التي أعدمت أبيها وأخوتها في انتفاضة آذار عام 1991 ثم ماتت أمها غمًا بعد أسبوع واحد. ثم تقوده هذه المرأة الغامضة أقبية سرية تحتوي على عشرات المسجونين الذين شوهتهم السلطة في أعماق الأرض.
الخلوة الضيقة
تتمحور الرواية في مساحة كبيرة منها على العلاقة بين الأخوين سلام وكفاح، فالأول عقلاني، وليبرالي متفتح لا يؤمن بالعمل السياسي لكنه أصبح ثائرًا رغم أنفه، ويقاتل السلطة المركزية مع الأنصار والأحزاب الكردية المناوئة للدكتاتورية. أما كفاح فهو متزمت جدًا فلاغرابة أن يقول: "لو بقيت الشيوعي الوحيد في العراق ما أتنازل". عندها يردّ عليه الأخ الأكبر بأنّ "هذا كلام صوفي، لا كلام شيوعي يفكر بشكل عملي". ويقارن موقفه بموقف الحسين في كربلاء الذي قرر أن يموت من أجل المبدأ مع أهله وذويه وثلاثة وسبعين من رجاله ومواليه.
أشرنا إلى التداخل القوي بين الواقع والخيال وكوابيسهما ومع أن القارئ يعرف سلفًا بأن الجثة لم تسلّم إلى الأهل إلاّ أن الوالد عبد سوادي يقترب من النعش حاملاً قرنفلة بيد سوف يضعها على صدره، وشمعدان شمع باليد الأخرى سوف يثبته قرب رأسه الغافي. وفي مشهد عجائبي ينهض كفاح بنصفه الأعلى من تابوته ويضمّ أخيه سلام ويشمّهُ شمّ مُحبٍ مُفارق. ولكي تنجح المقارنة الفنية التي عقدها الراوي بين القتيلين أتاح لعيون الحاضرين ومن بعدهم القرّاء أن "تقع على الجسد العاري المثقّب بمئات الطعنات، والمُبقّع بالحروق" لنتأكد من مصداقية تشبثه بالمبدأ الذي مات من أجله وبات يحقّ لمثل هذه الشخصية أن ترتقي من خانق الذات الضيّقة إلى الفضاء الكوني الفسيح. ويبدو أن مقولة "رأي شجاع واحد يشكِّل غالبية" تنطبق على الشهيدين اللذين قَطّعت السلطة أوصالهما لكنها لم تنجح في محوهما من الذاكرة الجمعية للناس.
يمكننا القول باطمئنان كبير أن الروائي سلام إبراهيم هو خير من وظّف سيرته الذاتية والأُسرية في منجزه الروائي وجعل منها عالمًا خاصًا مُكتفيًا بذاته، ومُحتفيًا بأحداثه على الرغم من قسوتها ومرارتها.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلالة باتريك موديانو النقيّة
- لُغز أُذن فان كَوخ: الحادثة الأشهر في تاريخ الفن المعاصر
- جورجيا أوكَيف . . .أيقونة الفن التشكيلي الأميركي
- -وصية لأجل الملك- وتنميط الشخصية العربية المسلمة
- الفن الأرضي الزائل الذي توثِّقه العين الثالثة
- أسرار القدّيس يوحنا بولص الثاني وحُبِّه لآنا تيريزا تمنيسكا
- الحياة ما بعد تشرنوبل
- أغنية الغروب . . . قوّة المرأة في مواجهة المصائر المُفجعة
- تسعة فنانين عراقيين يحتفون بزَها حديد
- نبوءة السقّا . . . بطولة جماعية في مكانٍ افتراضي
- سمكة الأمازون الكهربائية. . .صعقتها تشلّ التمساح وتطرح الحصا ...
- حنوّ الغوريلا وميولها العاطفية تجاه الإنسان
- مخرج على الطريق: الخشية من تحجيب الأفلام (3-3)
- مخرج على الطريق: أفلامي واقعية جديدة مُبهجة (2-3)
- مُخرج على الطريق: الشخصية أهم من الحدّوتة (1-3)
- الماركسية والشِعر: الوحي المنبثق من لحظة النشوة والغيبوبة
- التقنية المُراوِغة في -مصائر- ربعي المدهون
- الفتنة. . نصٌ وثائقي ببناء معماري ركيك
- الفيلم الوثائقي الاستقصائي (نوري المالكي. . . الصورة الكاملة ...
- الفن المفهومي في السينما والتصوير الفوتوغرافي


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - تجليات السيرة الذاتية والأسرية في النص الأدبي