أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبرام رأفت - ما بين الجريمة والمعصية














المزيد.....

ما بين الجريمة والمعصية


إبرام رأفت

الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 18:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في مجتمع يتنفس الدين كمجتمعنا، يستنشق الكراهية والتعصب مع كل شهيق ويطرد مبادئ التعددية والتنوع مع كل زفير، كثيراً ما تتلاشى الحدود الفاصلة بين مفهوم الجريمة ومفهوم المعصية، وتختلط المفاهيم لدرجة تجعل منه مجتمع يطارد الجمال والحب والموسيقى والفن وكل أنواع الممارسات التي تحرر الروح وتطلق الخيال والإبداع بذريعة مطاردته للمعاصي. ولست هنا بصدد التنظير الديني لتحديد ماهية المعصية، ولكنني لأجل إيصال الفكرة سأستخدم المفهوم الكلاسيكي جداً للمعصية معتبراً –جدلاً– أن كل استخدام لكلمة معصية هي فعلاً معصية تغضب الجبَّار ساكن السماوات!

عادةً ما تتوعد الأديان أو الفلكلور الديني مرتكبي المعاصي بعقاب أخروي وعذاب شديد ثمناً لما أقترفوه من تعدٍ على تشريعات الإله أثناء حياتهم، وفي هذا لا إعتراض رغم عدم معقولية الكثير من الكلاسيكيات الدينية عبر العصور المختلفة، ولكنها تظل عقائد وغيبيات يؤمن بها من يؤمن ويكفر بها من يكفر. ولكن عندما يؤمن العقل الجمعي لمجتمع بأكمله بأنه لا فرق بين الجريمة والمعصية، وقتها يتلاشى مفهوم الدولة والقانون ونتحول لقبائل وعصبيات تحاول جلب الجحيم للأرض للتعجيل بعقاب العُصاة، وهو ما نجحوا إلى حد بعيد في تحقيقه، إذ جلبوا الجحيم فأكتوينا جميعاً بناره!

وبحسب الطرح الكلاسيكي، فإن كل «معصية» هي تعدِ على تشريعات الإله. وبم إنها تعدِ على تشريعات الإله، يصبح الإله وحده صاحب الحق في معاقبة المتعدِ أو مسامحته والغفران له. يلقي به في الجحيم أو يرحب به في رحاب الجنات، فهو صاحب الحق وهو صاحب التشريع وليس من حق إنسان مهما كان أن ينحي الإله جانباً ويسلبه منصة قضاؤه ليحكم بنفسه على كل عاصِ متعدِ. أما عندما تتخطى الـ«معصية» كونها «معصية» وتسلب حق إنسان آخر أو تتعدى عليه جسدياً أو نفسياً، وقتها يصبح ذاك الفعل بالإضافة لكونه «معصية» تستوجب حكم الإله، يصبح أيضاً جريمة تستوجب محاكمة بشرية بقانون يناسب العصر. وهنا يصبح الغرض من المحاكمة هو تطبيق العدل بروح القانون لحفظ سلام المجتمع وليس الغرض منه التنكيل لأجل التنكيل!

فإذا تضاجع رجل وامرأة خارج إطار الزواج، فتلك –بحسب كثير من الأديان– «معصية» بل وكبيرة من الكبائر. وكونها «معصية» فهي تعدِ على تشريعات الإله، ولهذا وَجَبَ أن يمتثل الزاني أمام محكمة الإله في حياة ما بعد الموت ليحكم عليه بالدينونة أو الغفران. ولكن على الرغم من كون الزنا كبيرة من الكبائر إلا إنه إذا تم بالتراضي بين رجل بالغ وامرأة بالغة فهو ليس بجريمة لأنه ليس فيه تعدِ على حق أحد من البشر. أما إذا تعدى رجل على امرأة وقام بإغتصابها، وقتها يصبح الفعل «معصية» وجريمة في نفس الوقت. «معصية» للتعدي على تشريعات الإله، وجريمة للتعدي على سلامة جسد إنسان آخر وسلبه حقه في الأمان. أما شق الـ«معصية» فللإله الحق في الحكم والدينونة عليه، أما شق الجريمة فلابد من نظام عدل بشري يناسب كم المعرفة التي وصل لها العصر لضمان تقليص تكرار هذا التعدي!

بنفس المبدأ، إذا كان شرب الخمر «معصية» فإن المنوط بالعقاب هو الإله نفسه ولا أحد سواه، أما إذا أصرَّ شارب الخمر على قيادة سيارته وهو مخمور، يُضاف لشق الـ«معصية» شق الجريمة ويستوجب وقتها تدخل الدولة لوقت التعدي على سلامة الأبرياء وتعريض حياتهم للخطر. فتدخل الدولة وقتها لابد أن يحدث من منطلق حفظها على سلامة الأرواح وليس من منطلق جلب سيف الإله البتار وتسليطه على رقاب العُصَاة!

وعلى نفس النسق، فإن الموسيقى والرقص والنحت والتمثيل والروايات الأدبية الممتلئة بالخيالات الجنسية بل والمناقشات الفكرية الفلسفية التي تناقش الأسئلة الوجودية والأديان ذاتها، تصبح جميعها بالنسبة للفكر الديني المنغلق «معاصي» يعاقب عليها الإله، ولكن لا ينبغي أبداً أن تصبح جرائم تعاقب عليها السلطات! بل ينبغي أن تحفظ السلطة الحاكمة سلامة صُنَّاعها ومحبيها.

نقلاً عن الفيلسوف «ك. س. لويس» بتصرف، فإن الحياة مثل بحر هائج، وكل شخص موجود في هذه الحياة هو مثل سفينة تبحر في عرض البحر. دور الحكومات في هذا المشهد هو تنظيم حركة مرور السفن منعاً لتصادمها وغرقها. أما دور العقائد، فهو صيانة كل سفينة حتى لا تعطب محركاتها وتغرق. ولكن يبقى شئ هام لم يلتفت إليه أحد وهو لماذا تبحر تلك السفن من الأساس وإلى أين تتجه ولماذا؟ والإجابة على هذا السؤال –في رأيي– تستلزم رحلة طويلة من الشكوك والإستنارات المتتالية التي يساعدها الخيال والفنون ولا تُدفَن إلا في مقبرة الخوف والكلاسيكي والتكفير!

إذا أرادت مجتمعاتنا المكلومة المصابة بالتدين أن تقوم لها قائمة وتأخذ لها مكاناً على مضمار تطور الزمن الذي أخرجت نفسها منه لصالح الجهل، فلابد أن يدرك عقلها الجمعي أن الفصل بين مفهومي الجريمة والمعصية هو أولى لبنات تكوين الدول الحديثة التي تقوم على التعدد والتعايش السلمي. وإن لم يحدث، فالتاريخ يعلمنا أن وقتها تتفتت المجتمعات لجماعات متناحرة تمتلك كل منها قناعة أنها وكيل الله على الأرض، وأن سيفها البتار المقدس إنما وُهِبَ لها من أجل تطهير الأرض من «المعاصي» التي يختلف بل ويتضاد مفهومها بين عقيدة وأخرى وبين دين وآخر!



#إبرام_رأفت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المدينة الفاضلة والقبح المقدس
- حينما يصبح الموت صديق الأمل
- آفة قلب المفاهيم
- الإله الخالق والإله المخلوق
- نوستالجيا
- ليست أميرة وليست جوهرة
- كلنا روزا باركس
- على طريقة «صندوق باندورا» يتحدثون
- ناقوس الخطر يكاد يتحطم


المزيد.....




- “بدون تشويش أو انقطاع” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بابا الفاتيكان يدعو لوقف ’وحشية الحرب’ في قطاع غزة
- الرئيس الروسي يلتقي في موسكو كبيرَ مستشاري قائد الثورة الإسل ...
- هآرتس: تصدع في دعم الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل بسبب استهد ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- تفاصيل خطيرة.. مصر تحبط مخطط -حسم- الإخوانية لإحياء الإرهاب ...
- الرئاسة الروحية للدروز تطالب بسحب -قوات دمشق- من السويداء
- الاحتلال يسرع السيطرة على المسجد الإبراهيمي
- نار السويداء وثلج الجولان وحلف الدم بين اليهود والدروز


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبرام رأفت - ما بين الجريمة والمعصية