|
التيار السياسي الديني وإشكالية الجنوح إلى الإرهاب
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 1409 - 2005 / 12 / 24 - 11:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
على الرغم من كون الإرهاب ، الذي مورس في حالتنا الوطنية ، على الشاكلة التي تمظهر من خلالها يوم 16 ماي 2003 في أقصى تجلياته ، هو شكل من أشكال الإحساس بفقدان الثقة بالنفس ، ونوع من الاختلال الوجودي الذي أصاب بعض العناصر داخل مجتمعنا ، وصيغة من صيغ التعبير عن درجات عالية من الاختلال في التكيف والتعايش مع المحيط وحركيته التاريخية . وبالرغم من كونه يشكل تعبيرا صارخا عن فقدان الثقة في الدولة والمجتمع ، وفقدان الأمل والطموح والاحتكام إلى المنطق العقلي في أبعاده السياسية والاجتماعية ، نتيجة الهيمنة والسيطرة لبعض الدول ذات المنحى والتوجه الرأسمالي المتوحش التي تعصف بمصالح هذا الشعب المستضعف وكرامته ، وبسبب الاستشراء المثير للاستبداد والفساد والركود ، ونظرا لشيوع ثقافة وقيم الإقصاء والتهميش السياسي والاجتماعي والثقافي ، وشحن المحيط الوطني العام بالتطرف . على الرغم من كل ما ذكرناه يبقى هذا السلوك أو النشاط مدان من طرف الجميع ، ولو أريد له من طرف مريديه أن يلبس لباسا دينيا ، ويتمسح بالفهم التأويلي العنيف والمتخلف للنص الديني الإسلامي . وعلى الكل أن يتعبأ مجتمعا ودولة للعمل على الحد من ظاهرة التطرف والقضاء عليها ، كل من موقعه ، وكل حسب مسؤولياته . فالإدانة موقف إيجابي ، لكنه غير كاف . خاصة بالنسبة للفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين ، الذين هم ملزمون بالانكباب على الظاهرة بمختلف أبعادها ، والمساهمة في تجنيب المجتمع من مخاطر هذه الظاهرة المحدقة . لأننا لا نمتلك لحدود الساعة – أي بعد مرور أزيد من سنة – أية مؤشرات دالة على مستوى التعرف على مدى تراجع نسبة التطرف والغلو في مجتمعنا أو الزيادة في انتشاره . والأسئلة المتناسلة اليوم ، من جراء المتابعة لمجمل النقاشات الدائرة في الساحة ، سواء على المستوى الوطني أو المستويات الجهوية والمحلية ، تكمن أساسا في مدى تحقق شرط الابتعاد عن حرارة الحدث وانفعالاته ، وتجاوز مرحلة التعاطي الأمني الصرف مع الظاهرة ، وكذا تجاوز منطق بناء المواقف والأحكام وتحديد المسؤوليات أو التنصل منها بالاعتماد على انطباعات خاطئة أو مراوغة ، ومدى توصل السلطة السياسية القائمة إلى إدراك أنها في حاجة إلى التنوير من جهة ومشاركة مختلف الأطراف في التدخل من جهة أخرى . ولا شك أن كل متتبع اليوم للنقاش الجاري حول موضوع الإرهاب ، سواء على المستوى الوطني أو الدولي ، يلاحظ أن جل المشتغلين يركزون على بروز إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب ذاته ، من منطلق الصعوبات العديدة التي تعترض الباحثين والدارسين ، على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية ، وتحول دون الوقوف على التدقيق المطلوب لتأطير الظاهرة من حيث تحديد طبيعة وشكل العوامل والأسباب والدواعي ، ومن حيث حصر حجم الانعكاسات والعواقب ، ومن حيث تحديد المسؤوليات للوصول إلى ضبط نوع وصيغة الإجابة على الظاهرة والتعاطي معها ورصدها على مستوى قدرتها على الانتشار وكفاءتنا في العمل على جعلها تتراجع ، وصولا إلى مستوى الحد منها والقضاء عليها . وهو ما يطرح إشكالا آخر ذا ارتباط وثيق بكل ما ذكر ، ويتمثل أساسا في تحديد الأطراف المؤهلة للعب الأدوار المرتبطة باستراتيجية القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه . وإذا كانت إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب على المستوى الدولي قد برزت بالوقوف على تفاقم أشكال متعددة لتمظهرات النزعة الذاتية لدى مختلف الدول المستندة إلى الخصوصيات التاريخية والثقافية والسياسية والدينية ، وكذا بالوقوف على تباين وجهات النظر وتضارب الإيديولوجيات . فإن هذه الإشكالية على المستوى الوطني لم تكن بمنأى عن هذه الصعوبات في تحديد المفهوم . بل انضافت – حسب تتبعنا للنقاش – إليها العديد من الصعوبات الأخرى التي ارتبطت بمشكل تتعدد نوع المقاربة المعتمدة في تحديد المفهوم أو الحقل الدلالي للمصطلح / الظاهرة . ففي حالتنا الوطنية ، ومباشرة بعد أحداث 16 ماي 2003 ، ظهرت وبقوة الواقع المقاربة الأمنية التي لا مفر منها ، والتي ارتكزت بالأساس على تحرك مختلف أنواع وأشكال الأجهزة الأمنية واقتفاء آثار مرتكبي الفعل الإجرامي ومدبريه والقبض عليهم وإجراء التحقيقات معهم ، واستثمار المعلومات والمعطيات الاستخباراتية وتبادلها ، والتعاون الأمني والاستخباراتي مع مختلف البلدان المجاورة أو المعنية بالظاهرة وامتدادات شبكاتها ، ومراقبة بعض الأماكن وإغلاق بعض المساجد ... إلخ . وعلى الرغم من النجاعة الآنية للمقاربة الأمنية ، فإنها تطرح إشكالية محدوديتها إن بقيت معزولة ولم تواكب بتأطير يراعي الأبعاد الاستراتيجية للظاهرة والقضاء عليها . وبقوة الواقع كذلك حضرت المقاربة القانونية ، التي ركزت على محاولة تحديد العناصر الموضوعية للفعل الإرهابي ، ومصادقة البرلمان على القانون المتعلق بالإرهاب ، وتحريك المسطرة القضائية في حق كل من ارتكب الفعل الإجرامي أو كان مشاركا فيه أو مساعدا له . لكن هذه المقاربة هي الأخرى طرحت إشكال الموازنة بين حد الإقرار بحق الدولة في التدخل للتحصين الذاتي ولوضع قوانين تهدف إلى حماية المواطنين والحرص على سلامتهم والحفاظ على الأمن والاستقرار ، وبين حد مناهضة أية سياسة جنائية لا تركز على الاحترام اللازم للضمانات الشخصية والقانونية وإجراءات المحاكمة العادلة أو تتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان . وبالموازاة مع هاتين المقاربتين كان هناك حضور قوي للمقاربة السياسية ، التي عنيت بالبحث عن أسباب ودوافع هذه الظاهرة الإرهابية وأهدافها السياسية والإيديولوجية المركبة والمعقدة ، للوصول إلى تحديد المسؤوليات المادية والمعنوية ، وضبط الكيفيات والطرق والوسائل الوقائية مستقبلا . لكنها مقاربة اصطدمت بواقع سياسي أفرز إشكال التعاطي السياسي الحزبي المباشر ، المعتمد على منطق وأسلوب التنصل من المسؤولية ، وإن تعلق الأمر بمستوياتها الدنيا ، وبالمقابل استبعاد أي حضور للتحليل السياسي المتزن ، الذي يضع المصلحة العليا للوطن والمواطنين فوق أي اعتبار حزبي حلقي ضيق . كما بدأت تلوح في الأفق بعض ملامح المقاربة السوسيو اقتصادية ، القائمة على ضرورة استحضار العلاقات الممكنة بين التطرف والعنف وبين الواقع الاقتصادي والرابط الاجتماعي لمختلف الشرائح والفئات داخل المجتمع المغربي . لكن هذه المقاربة هي الأخرى بدأت تطرح إشكال عدم تحديد وضبط الأسباب والدوافع المؤدية لبروز الظاهرة ، بفعل الالتباس القائم بخصوص تحديد الأولوية بين منظومة القيم والتمثلات لدى الأفراد داخل المجتمع المغربي المعاصر ، وبين حجم الخدمات العمومية المقدمة للمواطنين على اختلاف مواقعهم داخل التشكيلة الاجتماعية ، وكذا بين مستويات التأطير السياسي والاجتماعي والثقافي والديني للساكنة . ولأن الظاهرة تكتسي أهمية بالغة من حيث ما أحدثته من مخاطر حقيقية محدقة بالدولة والمجتمع معا ، فإن تأطيرها لا يمكن أن يظل حبيس الإشكال المرتبط بتحديد المفهوم وحقله الدلالي . بل لابد من بذل الجهد وتكثيفه من أجل رفع اللبس والغموض بخصوص هذا السلوك الشنيع المحدث لمجموعة من الآثار السلبية والخطيرة على المواطنين وحقوقهم وحرياتهم ومصالحهم . ومن هذه المنطلقات ، فإن هذا الفعل الإجرامي – في اعتقادنا – هو عبارة عن سلوك أو نشاط متسم بالعنف . وهو عنف مشوب بشحنات عالية من الإيديولوجية ، التي ارتبطت في حالتنا الوطنية ، كما في الحالة العالمية ، بفهم وتأويل مغرض للدين الإسلامي . عنف مرتبط بأهداف سياسية محددة . وقد ترتب عن هذا السلوك أو النشاط العنيف انتهاك لحقوق الناس وحرياتهم الأساسية ، وإلحاق لأضرار جسيمة بالمصالح المتنوعة ، وتهديد للقيم الديمقراطية الجنينية والسلام والأمن الوطنيين . ولأن هذا النشاط أو السلوك غير عاد ولا مألوف في الواقع المعيش بالمغرب ، فقد أحدث إحساسا عاما باستهداف سلامة الشعب المغربي وأمن واستقرار المجتمع بأكمله ، ورعبا وترويعا بين الناس ، دون أن يكون هناك أي إعلان عن وجود حرب داخلية بين أطراف محددة ومعروفة لدى الجميع . فكما أن التمادي في مخالفة مبدأ الشرعية السياسية ودولة القانون ومبدأ فصل السلط والالتزام بمعايير حقوق الإنسان من طرف السلطة السياسية القائمة ، يدفعها إلى منزلق اعتماد المقاربة الأمنية والقمعية التي تنسف كل أسس المشروعية وتهدد استقرار المجتمع والدولة معا ، فإن السلوك والنشاط الإرهابي الذي يمارس من طرف هؤلاء المتطرفين على المستوى السياسي الديني يجر إلى تعميق هذا التواجد للمقاربة الأمنية ذات الانعكاس السلبي والخطير على المجتمع وأمنه واستقراره وسلامته . وهو ما يعرقل ويحول دون إنجاز أية خطوة على مستوى تقعيد أسس ومداخل الانتقال الديمقراطي المنشود على مستوى التفاعل الداخلي مع الأوضاع . هذا ما يجعلنا نستنتج بأن الجهل السياسي المركب لدى تنظيمات التيار السياسي الديني حينما يتفاعل مع الحماس الزائد عن اللزوم لدى مريديه ، يحدث انفجارا مروعا ومرعبا ومهددا للجميع . صحيح أن العلاج الموضوعي للظاهرة / المرض يتطلب التصدي المتزن والشجاع لاستمرارية الدولة في رهن مصالح الشعب بالهيمنة الخارجية الساعية إلى تنميط العالم كله على أساس الاستهلاك ، وبالعمل الجاد والهادف إلى تجاوز وضعية الجمود والعجز اللذان يسمان الأوضاع الداخلية ، ويحولان دون القضاء على منطق الاستبداد والفساد وتركيز الثروات . لكن النشاط الإرهابي الممارس في حالتنا الوطنية يوم 16 ماي 2003 أضاف إلى المعادلة الثنائية بعدا ثالثا ، لكي يجعلنا متأكدين بنسبة عالية من ضرورة إعادة النظر في ترخيص السلطة السياسية للبعض بممارسة السياسة من منطلقات عقائدية إيمانية دينية ، دونما أدنى احتساب لحجم انعكاسات ذلك على الوضع السياسي والاجتماعي والديني بالبلاد .
#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية بين:واقع التدين المصلحي ومطلب التغيير المجتمعي
-
الفهم الساذج للهوية معيق للبناء المجتمعي وتحديثه
-
حين تتحجر الأفكار أو تتطرف أو تحلق في الغيب
-
تغيير المناهج التعليمية
-
إصلاح التعليم الديني جزء من
-
الجابري وإشكالية الفصل والوصل بين الدين والسياسة
-
الحقل التربوي وإكراهات واقع التدين ومتطلبات إرادة التحديث
-
القوى الديمقراطية بين واقع التدين ومطلب التغيير الاجتماعي
-
الأحزاب السياسية وضرورة توفير مناخ المصالحة بين الفرد والمجت
...
-
حين تتحجر الأفكار
المزيد.....
-
-لم يعد هناك وقت- - مادونا تحث بابا الفاتيكان على زيارة غزة
...
-
حكومة إسبانيا تلغي حظر خوميا للاحتفالات الإسلامية في الأماكن
...
-
وزير الشؤون الدينية بالجزائر: دمج الذكاء الاصطناعي في الفتوى
...
-
-لا يمكن منعك-.. مادونا تناشد بابا الفاتيكان زيارة غزة ووقف
...
-
مادونا تدعو بابا الفاتيكان لزيارة غزة -قبل فوات الأوان-
-
حرس الثورة الاسلامية يدين استهداف الصحفيين في غزة
-
الاحتلال يعتقل شابًا من ذوي الاحتياجات الخاصة وشقيقين في كفر
...
-
يهود في مواجهة الصهيونية
-
مادونا تدعو بابا الفاتيكان لزيارة غزة -قبل فوات الأوان-
-
مادونا تناشد بابا الفاتيكان أن يزور غزة -قبل فوات الأوان-: -
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|