أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - حين تتحجر الأفكار















المزيد.....

حين تتحجر الأفكار


سامر أبوالقاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1313 - 2005 / 9 / 10 - 09:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من المأثور عن الدكتور محمود إسماعيل قوله:» الأفكار تتحجر حين تتقوقع، وتتطرف حين تضطهد، وتحلق في الغيب حين تعجز عن حل مشكلات الواقع «، ص:293، الجزء الأول، سوسيولوجيا الفكر الإسلامي.
فأما التحليق في الغيب، في حالتنا الوطنية، فيمكن الحديث عن الخرجة الإعلامية الخاصة ببناء المعالم الدستورية للنظام السياسي المغربي، حين تم الجمع بين صلاحيات الملك من خلال الدعوة إلى الفصل بين السلط، وصلاحيات إمارة المؤمنين من خلال إضافة صلاحيات دينية على ما له من سلطات دستورية حالية، وحين تم تناول الديمقراطية كآلية، مع الإصرار على عدم اعتبارها محددا ومقوما أساسيا في الرؤية أو التصور. وحين تم تعليق البناء الدستوري على اعتبار الإسلام مرجعية عليا، والشريعة مصدرا أسمى للتشريع، وتكبيل الممارسة السياسية بمجموعة من الأحكام والمقاصد والثوابت والقطعيات، دون امتلاك ناصية المنهج العلمي في تحديد هذه المفاهيم المستعملة، وكأنه يراد بناء دستور يحلق في سماء دلالات غيبية ملتبسة حتى في تصور أصحابها.
وأما التطرف في حالات الاضطهاد فالتاريخ الإنساني عموما، والمغربي على وجه الخصوص، يشهدان على صدق هذا الاستنتاج، فآخر محطة أوضحت هذه القاعدة للمغاربة قاطبة هي أحداث 16ماي 2004 الإجرامية، إذ عبرت بما يكفي على أن اضطهاد فئات أو شرائح، سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا من منطلقات طبقية ضيقة وأمنية محضة، وبمعزل عن المقاربة الشاملة في البناء التنموي والديمقراطي لإدماج بنات وأبناء الوطن، يعتبر دافعا أساسيا وقويا لبروز التطرف بكل أشكاله وأنواعه؛ الديني والسياسي والاقتصادي والثقافي... إلخ.
وأما التحجر والانغلاق عند التقوقع، فهو بيت القصيد في كل نقاشاتنا مع من يذهب في اتجاه الدعوة إلى التشبث بوحدة المذهب المالكي والتمسك بالتحكيم الملكي. إذ اعتبرنا من جانبنا، وحسب تقديراتنا، أن هذه الدعوة هي عبارة عن تقوقع وانغلاق لا يمكنه أن يجيب على وضع الاحتقان السياسي والاجتماعي المغربي، وقد أكدنا ذلك في السابق حين قلنا، إن مواجهة إكراهات هذه المرحلة من تاريخ المغرب المعاصر، والاستجابة الواعية لمتطلباتها الملحة، والانخراط الفعلي والعملي في التدبير اليومي والمباشر لمجمل الخيارات الواعدة التي تشكل عناوين رئيسية للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، كل ذلك يتطلب المزيد من الانفتاح لا التقوقع والانغلاق.
وتبرير التقوقع بالتخوف من استفادة غير الديمقراطيين من الانفتاح الديمقراطي، هو تبرير يتخذ لنفسه طابعا افتراضيا، والتقدير السياسي- كما التقدير الفقهي- لا يبنى على مثل هذا النوع من الافتراضات غير المدعومة ولا المسنودة علميا أو سياسيا. ودليلنا في هذا هو تجارب مختلف البلدان التي قطعت أشواطا على مستوى التقدم التنموي والديمقراطي، والتي كان ديدنها هو المزيد من الانفتاح وليس الانغلاق، علما بأن هذا الانفتاح غير قابل للتمييع من جهة، ومن جهة أخرى هو لا يتعارض ولا يتنافى مع الحزم والصرامة المطلوبين في إطار التعاطي القانوني مع كل الظواهر الاجتماعية والسياسية المرضية، التي تهدف إلى النيل من الديمقراطية ذاتها.
هي ذي زاوية النظر والرؤية، التي ننطلق منها في النقاش، والتي أطرت وستظل تؤطر نقاشنا مع الآخرين. فالنقاش مع الجميع موصول على هذا المستوى، بالرغم من وجود بعض الالتباسات التي أثيرت من هذا الجانب أو ذاك. وهي وإن كانت على صلة بالنقاش، إلا أنها في نظرنا ألبست تلك الصبغة السياسية الحزبية الضيقة، التي أفضت بأصحابها- في نهاية المطاف- إلى الخروج عن مناقشة صلب الموضوع، والتفرغ لانتقاء كل أشكال وأنواع النعوت والأوصاف من قاموس اللغة الخاصة بالقدح، والتي إن قلنا في شأنها شيئا فإننا نود القول بأن أصحابها لو أخضعوها هم أنفسهم كباحثين لمنهج الجرح والتعديل لكان لهم بخصوصها موقف ونظر.
لذلك نود لو أن الجميع بسط رؤيته أو زاوية نظره في خطوطها العريضة، عله يفيد ويستفيد، بدلا من استعمال لغة اللمز والغمز. إذ لا يفوتنا في هذا المقام أن نؤكد على أن البعض حرص حرصا شديدا على أن يرد على ما ذهبنا إليه بخصوص المذهب والإمارة بردود كان الغالب عليها هو السجال السياسي من جهة أولى، وتركيزه على أسلوب الإشارة إلى بعض إرهاصات اطلاعه على خبايا وحقائق المذهب والتاريخ المغربي بشكل عابر، دون إعطاء الوقت والحيز اللازمين لبسط الأفكار بوضوح تام من جهة ثانية، وعدم الالتزام بالرد على السؤال المتعلق بعلاقة الاستنتاج القائل بـأن» وظيفة إمارة المؤمنين تكمن في حسم الخلاف داخل الأمة أولا، وفي رعاية الاجتهاد ثانيا « بالمطلب المتمثل في "المنهجية الديمقراطية" التي تأتي في عمق "التعاقد الوطني" لتجسيد "الشراكة السياسية" من جهة ثالثة.
فالتواصل في مثل هذه النقاشات على المستوى الفكري والفقهي والسياسي، كان يتطلب الوقوف مليا عند مثل هذه الآراء والاستنتاجات واحدة تلو الأخرى، حتى نضع القارئ والباحث على الجسر الموصول بيننا في النقاش بخصوص مثل هذه القضايا ذات الحيوية الخاصة في مسرح النظر الفكري والممارسة السياسية بالمغرب، دون تحجر ولا تطرف ولا تحليق.
وأول ما نبدأ به حسب تصورنا للأمور، في هذا المقام التواصلي مع الآخر، هو القول بضرورة تجاوز منطق "استيعاب الحقائق الوطنية" من طرف البعض، وبقاء البعض الآخر في وضعية المتأخر عن مثل هذا الاستيعاب. إذ أن موضوع النقاش لا يقتضي إدخال مفهوم "الحقيقة" كمحدد ومقوم أساسي في التحليل، على اعتبار أن الممارسة السياسية والاجتماعية مرتبطة بحقل العلوم الإنسانية على مستوى التوصل إلى الخلاصات والاستنتاجات النسبية، فبالأحرى إن تعلق الأمر بالتقديرات. لذلك، فإن هذه النزعة الإطلاقية في إصدار الأحكام، من منظور الباحث المنفتح على علوم عصره، ينبغي أن يتم تجاوزها في اتجاه فتح المجال لتقبل كل الأطروحات والآراء ووجهات النظر المتواجدة في الساحة برحابة صدر وبنوع من التسامح الفكري، دون أية محاولة لاستصدارها، وإن كان الخلاف على أشده.
علاوة على أن الاستيعاب وحده لمجمل القواعد أو القوانين المحركة لطبيعة وشكل الصيرورة التاريخية للمغرب المعاصر غير كاف لإصدار أحكام يقينية ومحاولة إلزام المختلفين أو المخالفين بها. بل إن الاستيعاب يستتبعه كل من الهضم والتمثل لهذه القواعد أو القوانين بنوع متميز من حيث تجاوز المعيقات والمطبات والأخطاء. وهذا ما كنا نأمله فيمن يختلف معنا، حين يتحدث عن استشرافه لمستقبل المغرب عن طريق إرادته لتجسيد الأطراف السياسية الفاعلة لمفهوم الشراكة السياسية عن طريق المنهجية الديمقراطية، التي اعتبرها تدخل في عمق التعاقد الوطني، فهل تم إدراك أن التساؤل لدينا قائم بخصوص هذه المفاهيم، من حيث حدود حقلها الدلالي ومضامينها السياسية في سنة 2005 بالضبط، أهي نفس مضامين الترتيب لـ "حكومة التناوب التوافقي"، التي أفضت إلى شكل من أشكال الاحتجاج على "الخروج عن المنهجية الديمقراطية"، أم هي مضامين تأخذ بعين الاعتبار غموض والتباس الصياغات القانونية للفصول والبنود الدستورية؟ بمعنى آخر؛ هل تم الأخذ بعين الاعتبار أخطاء التقدير السياسي المبني على قاعدة اتفاقات سياسية يحكمها منطق الثقة وحسن النية، أم أن الرهان اليوم على الملك في أية عملية تجديد لا زال قائما، ولو بدون ضمانات دستورية؟
والتساؤل من منطلق التخوف السياسي المبني على دليل القياس، الذي يفيد أن نفس المقدمات تؤدي إلى نفس النتائج، إن لم نقل أسوأ بفعل التكرار، أو يفيد أن بقاء واستمرار نفس العلة بالضرورة يعني بقاء نفس الحكم (أي الانعكاسات السياسية إن صح التعبير)، إن لم تكن أسوأ بفعل بعض المتغيرات السلبية الحاصلة في الساحة السياسية المغربية، هو تخوف مشروع باعتماده على المؤشرات السياسية الدالة في الحقل المغربي.
وفي إطار المزيد من التواصل، يمكن أن نصوغ المعادلة باللغة المعهودة في "الفكر السياسي الإسلامي"، على الشكل التالي: ما هي حدود التمايز على مستوى الاستيعاب والهضم والتمثل وصياغة المقترح في شكل برنامج عمل سياسي بين التيارين الفكريين الأساسيين؛ التيار الجبري الموالي للسلطة والمشرعن لقيامها وأفعالها، والتيار الاختياري العقلاني الناقد والمشايع تاريخيا للمعارضة السياسية؟ مع العلم أن كلا التيارين يمتح من النصوص الشرعية بهدف التأصيل الديني والفقهي لموقفه السياسي، فالأول يستند إلى كل ما يمكن أن يدعم وجوب الولاء والطاعة للحاكم، والثاني يستمسك بالدين لدعم الموقف السياسي المضاد لخروج الحاكم في سياسته عن جادة الشريعة. وفي كل هذا، من منظور العصر الحالي، استبدال لـ"الشرعية السياسية" بـ"الشرعية الدينية" على مستوى تدبير شأن أم القضايا، التي هي علاقة الحكام بالمحكومين.
من هذه المنطلقات أين يمكن أن نصنف الاستنتاج القائل بأن "الخلاف يرفع بحكم الحاكم لا بموضوعية اجتهاد المجتهدين المبنية أساسا على غاية إصلاح أحوال الناس الدستورية والسياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"؟ إن أشد ما يمكننا أن نخشاه على هذا المستوى، حسب تتبعنا لمجريات الأحداث والوقائع السياسية المعاصرة بالمغرب، هو أن تفلح السياسة الرسمية في العمل على إحياء النعرات السياسية بين قوى الصف الديمقراطي والتقدمي، للمزيد من إضعاف القدرات والكفاءات التنظيمية المتنوعة لهذه القوى، وبالتالي تأجيل مسألة حسم الخلاف على مستوى إعطاء الدفعة الكبرى اللازمة لتطور الفكر والممارسة السياسيين بالمغرب، سواء من جهة موضوع القضايا الدستورية والسياسية الملحة في هذه المرحلة، أو من جهة منهجية إدارة الصراع أو التنافس السياسي في الميدان.
فمن منطلق الغيرة الوطنية، يمكننا القبول مرحليا بالبقاء في وضع التبني لمواقف أوائل عقد التسعينات من القرن العشرين بخصوص القضايا الدستورية والسياسية كمدخل أساسي من مداخل الانتقال الديمقراطي، مع العمل على إلحاق تطوير كمي ونوعي على مستوى المضمون والمنهج والرؤية، على أن نتحول إلى أي موقع آخر غير مأمون العواقب، كما دلت على ذلك وقائع وحيثيات التقدير السياسي المفضي إلى المشاركة السياسية غير المحسوبة. اللهم إذا استجدت الأمور، خاصة على مستوى الإرادة السياسية للسلطة القائمة، وبأسلوب يتجاوز عتبة لغة الإشارات السياسية المعتمدة في السابق ، آنذاك لكل مقام مقال.
هكذا، يمكننا فهم الاستيعاب الواعي للتراث الفكري والفقهي والتاريخي السابق وتقديمه كقوة اقتراحية خصبة، تمكننا من الاستفادة منها في حل مشكلات الواقع في الحاضر، واستشراف آفاق قضايانا الوطنية المستقبلية. علما بأننا في إطار قيمة التسامح الفكري لا نعدم أية إمكانية لحضور تقدير مغاير ومختلف، لكن أصحابه ملزمون بتوضيح وتدقيق زاوية نظرهم، بعيدا عن أسلوب الجدل السياسي ( البوليميك ). فالعقلانية وروح النقد هما تأكيد لمسؤولية الإنسان عن أفعاله، وتجاوز لتلك النظرة التي لا ترى في الحكم سوى تجل للفعل الإلهي في توجيه شؤون العباد.
وبذلك وحده نكون قد ابتعدنا بأفكارنا عن التحجر والتطرف والتحليق في الغيب، وشرعنا في تلمس مداخل الانتقال الديمقراطي، كبداية لتجسيد الإرادة السياسية اللازم توفرها لإنجاز المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي.






#سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامر أبوالقاسم - حين تتحجر الأفكار