محمد غسان الشبوط
الحوار المتمدن-العدد: 5275 - 2016 / 9 / 4 - 02:22
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الاقتصاد التركي هزته محاولة انقلاب منتصف تموز/ يوليو، مما أدى إلى تدهور قيمة الليرة وتباطأ قدوم السائحين وأفقرت الفنادق والسواحل، ويتوقع أن تبلغ الخسارة في هذا القطاع نحو(8) مليار دولار امريكي، مهددة النمو الاقتصادي المتحقق قبل سنوات، وفي حال تدهور الوضع أكثر "فإن الانعكاسات يمكن أن تصبح أخطر وتهدد الاستقرار المالي لتركيا، وسجلت تركيا نمواً بلغ ( 4 %) في سنة 2015، وهي نسبة يشك صندوق النقد الدولي في أن تحققها تركيا هذا العام،وارتفع مستوى عيش الأتراك بشكل متواصل منذ بداية الألفية الثالثة مع تولي رجب طيب أردوغان السلطة سنة 2002، ويبلغ الدين العام لتركيا ثلث إجمالي ناتجها المحلي،ووجهت محاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بحكومة رجب طيب أردوغان في تركيا ضربة قاسية للاقتصاد، على الرغم من فشل المحاولة، إلا أن حالة عدم اليقين السياسي فاقمت من مخاوف المستثمرين وستؤثر على قراراتهم الاستثمارية، الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها تركيا، ألقت بظلالها الاقتصادية على أسواق العالم ككل، وبدأت من داخل مطاري اسطنبول وأنقرة مع توقف وتعليق مئات الرحلات الجوية من وإلى المطارين، دون إغفال ما سينجم عن ذلك من خسائر تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
وسجلت الليرة التركية هبوطا حادا بعد أن وصلت لأدنى مستوى لها في 8 سنوات أمام الدولار الأمريكي، في مقابل ارتفاع أسعار النفط 1%، تزامنا مع توجه المستثمرين إلى الملاذات الآمنة كالذهب، والذي ارتفع0,22% بعد فشل الانقلاب،وذلك في اقتصاد يعتمد على تدفقات رأس المال على المدى القصير، فأن مخاطر ضعف العملة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم، وإضافة المزيد من الضغوط على الحساب الجاري في تركيا، في حين أن عدم اليقين بشأن المشهد السياسي سيهدد الاستثمارات الخارجية والسياحة، التي يعتمد عليها الاقتصاد بشكل كبير،وبالنظر إلى الناحية الرقمية خلال العقد الأخير للاقتصاد التركي نجد أن حجم الناتج الإجمالي ارتفع بنسبة 248% من230 مليار دولار امريكي في 2002 إلى 800 مليار في سنة 2015، كما أن حصة الفرد من الناتج الإجمالي التركي ارتفعت بشكل ملحوظ من 2500 دولار سنة 2002 إلى 10500 دولار سنة 2015 وبارتفاع قدره 320%،كذلك ارتفع حجم الصادرات التركية من 36% خلال سنة 2002 إلى 158% سنة 2015، أي بتغير قدره 339%.
وبالانتقال إلى أحد أهم القطاعات الحيوية في تركيا، وهو القطاع السياحي الذي يلعب دورا بارزا في الناتج الإجمالي، حيث ارتفعت حصة السياحة من الناتج الإجمالي من 12,5% خلال سنة 2002 إلى 34,5% في سنة 2015، أي بارتفاع قدره 176%.
كما سجل الاحتياطي النقدي الأجنبي 26 مليار دولار في 2002، ليسجل 130 مليار دولار في 2015، أي بتغيير قدره 400%.
وهناك تقارير اقتصادية توضح أن يكون هناك خسائر قوية على مستوى الاقتصاد التركي ككل، مع تخصيص أكبر حصة من توقعات الخسائر للقطاع السياحي.
وشملت التوقعات هبوط بورصة اسطنبول نحو 20% بعد فشل الانقلاب بيومين، على اعتبار أن اليومين الفائتين هما من أيام العطلة الرسمية مساء الجمعة وصبيحة يوم السبت الفائت، كما شملت التوقعات هبوط مؤشرات صناديق الاستثمار حوالي 2,5%.
وبدأت وكالات التصنيف الائتماني تدرس حجم المخاطر الاستثمارية في تركيا عقب فشل الانقلاب، مع ترجيح بهبوط التصنيف الائتماني لتركيا خلال 2016.
ثانياً: تخلي حلف الناتو عن تركيا عقب اسقاط الطائرة الروسية:
لعدة أسباب سياسية اقتصادية تريد أنقرة تحسين العلاقات مع موسكو، وإعادتها لمستواها الطبيعي، عندما كانت الخطوط السياسية مفتوحة على أعلى المستويات، أذ ان العلاقات الاقتصادية التركية الروسية مهمة جدا للطرفين والتعامل التجاري بينهما كان حوالي 30 مليار دولار أمريكي، وكانوا يأملون أن تتحول تلك العلاقة وتكبر إلى 100 مليار دولار أمريكي، وعندما تخلى الغرب عن أردوغان بعد الانقلاب الفاشل في تركيا قام بزيارة روسيا كأول دول يزورها بعد تلك الأحداث لإيصال رسالة للغرب بتوجهه نحو روسيا.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن التقارب مع روسيا يأتي في سياق إعادة ترتيب تركيا لعلاقاتها الخارجية مع دول الجوار الإقليم والعالم، تقليل العداوات وزياردات الصداقات، كما قال رئيس الوزراء التركي بنيالى بلدريم فيما يمكن اعتباره تحديث ما لسياسة تصفير المشاكل التي ابتدعها رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو.
تريد أنقرة الاطمئنان على واردات الغاز الروسي إليها بسعرها الحالي المخفض، وتعرف أنها لن تستطيع الاستغناء التام عن الغاز الروسي قبل عامين أو حتى ثلاث أعوام، وتؤمن أن ملف الغاز سيكون قاعدة أو أساس متين لعلاقة اقتصادية راسخة تميل في مصلحتها بمعنى أنه خارج قصة الغاز يميل الميزان التجاري لصالح تركيا التي تصدر الخضروات الفواكه المواد الغذائية، ومواد التصنيع الأولية، وتعمل شركات المقاولات والخدمات التركية أيضاً على نطاق واسع في روسيا.
كما تسعى أنقرة أيضاً لاستعادة السواح الروس البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين ونصف تقريباً بمعزل عن السعي لاستقطاب العرب والإيرانيين أيضاً ، والاقتناع أن السياحة الروسية مهمة وضخمة اقتصادياً، واستراتيجياً. أيضاً لجهة تمتين العلاقات وتقويتها وتخفيف حدة العداء بين الجانبين.
في الأخير يبدو أن الرغبات التركية الروسية في التقارب تتلاقى، والفرص والمصالح الاقتصادية السياسية الاستراتيجية تتقاطع، والتطبيع يبدو مسألة وقت فقط، كون العمل جاري الآن بهمة ومثابرة على مواجهة التحدّي الأساس وإيجاد التخريجة أو الأسلوب الأمثل لتجاوز تداعيات وأثار حادثة إسقاط الطائرة وتحديد نقطة البداية المناسبة، للانطلاق نحو تحسين العلاقات، وإعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً.
#محمد_غسان_الشبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟