أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - عزيز مشواط - ثقافة الموت














المزيد.....

ثقافة الموت


عزيز مشواط

الحوار المتمدن-العدد: 1405 - 2005 / 12 / 20 - 08:17
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


حينما يكتب تلامذة في السنة الثانية من الباكالوريا الناسخ الحرفي"لكن"على الشكل التالي: "لكنة" ،فثمة مشكلة أكاد أجزم بأن علوم التربية المتعارف عليها عالميا تحتاج الى اعادة النظر في مسلماتها، كي توافق تربة مغربية و نظاما تعليميا وبنيات تربوية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تنتج التشويه.
مجال عملي الجديد بثانوية الوحدة بتاونات كمدرس للفلسفة (تاونات مدينة صغيرة تبعد بحوالي 280كلم شمال شرق الرباط)، أتاح لي الاطلاع على واقع تعليمي ميزته أن التلاميذ في السنة النهائية من الباكالوريا ، يرتكبون أخطاء املائية غريبة ، ناهيك عن الاخطاء التركيبية و الصرفية و النحوية التي كان من المفترض الحسم فيها في المرحلة الابتدائية،أخطاء تثير الشفقة فعلا .
غير أن دهشتي ستتضاعف خلال احدى "الفروض" حينما سألت تلامذتي بعد انتهاء درس اللغة السؤال التالي :هل نحن فعلا سجناء للغة؟يقتضي السؤال بكل بساطة القليل من التأويل كي يصبح فقرة من درس اللغة. انه يحيل مباشرة الى العلاقة لغة/سلطة باعتباراللغة مؤسسة اجتماعية تفرض قهرا خارجيا على الأفراد من خلال قواعدها وبنياتها ،لكن الهرج الذي أعقب طرح السؤال والحيرة التي انتابت المتعلمين وهم يحملقون في بعضهم البعض وكأن الطير قد نزلت على رؤوسهم ويتحسسون المطبوعات والكتب ومختلف المراجع استعدادا "للقليع " )القليع مصطلح يعني في لغة التلاميذ الغش في الامتحان( ،كل ذلك قلب في رأسي مواجع السؤال.
من المسؤول اذن عن عجز المتعلم في السنة الأخيرة من الباكالوريا عن تركيب جملة مفيدة ،فبالأحرى التوفر على حس نقدي تحليلي خلاق ؟هل العلة في مؤسسات إعداد المدرسين أم في الثقافة الاستهلاكية المجتمعية المتراخية ،أم في البرامج التعليمية التي أريد لها ان تفرخ اجيالا من الضباع فحسب ،فعودت الأذهان على الاستظهار بعد أن سادت مناهج تعليمية لا تومن سوى بالمحتوى ،ام أن المسؤول هو التلميذ نفسه أم أن الخلل في كل ذلك جميعاً؟
المدرسة لا تكفي وحدها ولن يستطيع المدرس مهما أوتي من كفاءة أن يواجه كل التناقضات التي يحبل بها الواقع التعليمي غير أن تحميل المسؤولية للتلميذ وحده يبقى من قبيل المزايدة غير العلمية.
نخطئ عندما نقول إن تلامذتنا ليسوا في المستوى ،أوأنهم لا يعرفون كيفية التعبير ،أو لا يستطيعون التحليل ، أو لا يعرفون الحوار، فالجلسات الخاصة بهم تشهد بقدراتهم الفذة في هذا الجانب، والجلسات التي يقضونها بمعزل، أو مع أنفسهم جلسات لا يصمت فيها أحد، ولكن مشكلتهم عندما يتعلق الأمر بالمدرسة أنهم يرون في برامجها متناقضات صارخة بين ما تقوله المدرسة وبين ما تفرضه الصورة الاعلامية والاشهارية .
تعتمد المدرسة على الالقاء بطرق تقليدية،فيما تعمد مختلف الوسائل الاعلامية المؤثرةعلى استهداف مجموع الحواس ،الامر الذي يجعلهم سريعي الانقياد الى استهلاك الصورة و التي تصبح أكثر تأثيرا عندما تترافق مع الموسيقى الايقاعية محولة اهتمام التلميذ بشكل كلي.
يسهم هذا التناقض في اصابة التلاميذ بالانفصام بين عوالم مدرسية جافة وبين محيط اعلامي تسيطر عليه قوانين السوق الاعلامية ، فيعانون من مرض الشزفرونيا الاجتماعية، والمشكلة الثانية أننا شعب المجاملات، لا أحد يريد أن يقول الحقيقة، فكمال الأدب عندنا هو في ثقافة المداهنة،وتغليف الحقائق، بكلام معسول وألقاب كبيرة،لذلك فان اساتذتنا الكرام يتدثرون بكل الأعذار لتبرير تراجع المستوى ،لكن مع استثناء أنفسنا فيما يشبه حجب الشمس بالغربال .
جمعني حوار مع أحد الأساتذة ،وقد بدا لي متعبا و أقل حيوية وهو يهم بالخروج من باب الثانوية ساخطا مزمجرا.سألته - بعد السلام- عن أخبار العمل ، فأجابني على الفور: لقد تعبت.. وكرهت اليوم الذي ولجت فيه مهنة التدريس. عزيته بان العمل مع المراهقين في مرحلة عمرية ميزتها الاندفاعية أمر مضنٍ ومرهق بدنيا وفكريا، ويتطلب الكثير من الصبر.لكنه عاد وقال لي:أواجه معاناة ومصاعب جمَّة وقلقاً وهماً باستمرار بسبب لامبالاة بعض التلاميذ وافتقادهم للجدية والانضباط في عملهم وعدم اكتراثهم.
خطانا نحن المدرسين اننا نقيس الزمن بمقياس ثابت ،وننسى أن صراع الأجيال ثابت علمي، ولا يمكن التغاضي عنه كما ننسى أن القراءة لم تعد تجذب أحدا أمام عنف حضارة الصورة وسيطرتها على جيل يوجد عند مفترق الطرق بفعل سطوة المثيرات العنيفة و تأثيراتها الخطيرة.فماذا أعدت المدرسة للتلامذة و للمدرسين من برامج تعليمية لمقاومة الاختراق؟ وهل تكفي شعارات ترويج ثقافة الحوار والتعويد على سماع وجهات النظر المختلفة؟
الأساتذة مطالبون بفتح حوارات ذكية مع المتعلمين ،و الوزارة مدعوة الى الانهاء مع شعارات الجودة لأنها لا تثير سوى السخرية ما دامت شروط الجودة لا تستقيم مع نسب للاكتظاظ تتجاوز الخمسين تلميذا في الفصل الواحد ،وأن تنصب على فتح أوراش حقيقية تنتقل فيها من الشعارات الى التطبيق الفعلي لاستراتيجيات التكوين المستمر ومد العاملين في حقل التربية من اداريين و اساتذة ومفتشين وحتى الاعوان بالمستجدات التربوية لحل ازمة تهدد النظام التربوي بالافلاس النهائي ،وأما ماعدا ذلك فلن يسهم سوى في زرع ثقافة العنف والموت في شريان الأمة لأن التعليم فعلا في خطر



#عزيز_مشواط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقفون واوهام أهل الكهف
- الهوية كمدخل لفهم صراع الحضارات
- اشكاليةالهوية في العلوم الانسانية
- قراءة في كتاب -الأصولية افة الاسلام- لعبد الوهاب مديب
- تهديدات الظواهري وتفجيرات لندن تعيد مقاربات - كيبل- للفعل -ا ...
- الحركات الجهادية و البحث عن الهوية بحد السيف و الدم
- الخصوصية والهوية الثقافية


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - عزيز مشواط - ثقافة الموت