أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى المغراوي - مدينة الصويرة .. أريج التاريخ وترانيم الرياح والنوارس














المزيد.....

مدينة الصويرة .. أريج التاريخ وترانيم الرياح والنوارس


مصطفى المغراوي

الحوار المتمدن-العدد: 5225 - 2016 / 7 / 16 - 11:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يعود تأسيس مدينة الصويرة المطلة على المحيط الأطلسي الى سنة 1970، وذلك إثر تشييد السلطان المغربي محمد بن عبد الله للميناء الذي سيربط المغرب بأوربا، بغية الانفتاح عليها وتطوير علاقته بها، ، حيث أصبح نقطة إستراتيجية تلتقي عندها القوافل التجارية، ويؤكد الأركيولوجيون على وجود مرفإ تجاري مهم في هذه المنطقة تعود أصوله إلى الفينيقيين.
وبسبب ولع السلطان محمد الثالث ببناء الحصون والقلاع في جل المدن الساحلية خوفا على سلامة الوطن، أسند إلى المهندس " تيودوكورني" المختص في بناء الحصون العسكرية الضخمة، مهمة وضع تخطيط وتصميم شامل للمدينة كلها، مع إيلاء الأهمية القصوى للحصون والأبراج، الأمر الذي مكن من مراقبة التجارة البحرية من جهة، وتحصين البلاد ضد مختلف الأخطار الاستعمارية المحدقة بها من جهة أخرى.
ونحن نتجول في مدينة الصويرة نلحظ بشكل جلي معالم التأثر بالعمران الأوربي، بدءا بالأسوار الدفاعية المنيعة المحيطة بالمدينة، مجنبة إياها شتى أشكال الأطماع الأجنبية، والتي تم تعزيزها بعدة أبراج وخمسة أبواب لتسهيل عملية الولوج والخروج، وعلى رأس هذه الأبواب باب يدعى " باب البحر" الذي تطغى عليه الهندسة الأوربية، فيعلو واجهته شريط زخرفي رفيع، مثلث الشكل متناسق الأجزاء، غاية في الروعة والبهاء..
وليس هذا كل شيء وحسب، بل نجد داخل أسوار المدينة معالم أخرى لا تقل أهمية وجمالية عن غيرها، مثل القلعة المتكونة من طابقين الأول تحت أرضي والذي خصص لتخزين المؤونة والتجهيزات العسكرية، وفوقه برج المراقبة والذي يعلوه برج آخر لدرء الأخطار والكوارث قبل وصولها. والى جانب ذلك يوجد حصن منيع أطلق عليه " حصن باب مراكش " والذي تم دعمه بمجموعة من المدافع، لصد الهجمات الأوربية الشرسة. إضافة إلى مسجد القصبة والكنيسة البرتغالية التي أنشأها أحد التجار الأوربيين الذين استقروا بالمدينة في القرن الثامن عشر الميلادي.
وفي خضم هذه المآثر المتعددة يفوح عبق التاريخ، فيصير أريجا يغذي طيور النورس المحلقة فوق سماء المدينة، معبرة عن فرحتها باستقبال الزوار الجدد، الشغوفين بعشقهم الأبدي لهذه المدينة الهادئة، والتي ترددت عليها مجموعة كبيرة من فناني العالم، ممن يعشقون الجمال و يبحثون عن الإلهام، كالتشكيليين والموسيقيين والكتاب والسينمائيين، فيدخلونها مقلون ويخرجون منها مكثرون من وفرة العطاء وجود ة الإبداع، فكانت رحلتهم إلى هذه المدينة بمثابة سفر في المكان وسفر في الوجدان.
إن الصويرة مدينة لا تغادرها الرياح طيلة السنة، حيث كلما اقتربت من إحدى بواباتها الخمس القديمة، إلا واستمتعت بالترانيم التي تعزفها الرياح في كل الفصول، فتنبجس الأحاسيس والعواطف مهللة بحضور طقوس احتفالية، تبقى ذكرياتها التي تدغدغ المشاعر، عالقة في الأذهان و راسخة في العقول.
و ما يميز الصويرة حقيقة، هو هدوؤها الرائع وصمتها.......... وهواؤها البحري المنعش، الذي يساعد على التعايش مع حرارة الصيف وبرودة الشتاء، وموقعها الاستراتيجي المطل على البحر الأطلسي كشبه جزيرة بحرها ملتصق بالمدينة، ويمتد شاطئها الذي هو بمثابة حزام أزرق يطوق المدينة على مسافة عشر كيلومترات، فكمية الرياح وسرعتها تجعل المكان قبلة و محجا لراكبي الأمواج من كل بلدان العالم.
لقد جمعت المدينة كل المحاسن الطبيعية وجل المعالم الحضارية، فهذه القلعة الساحرة المحاطة بالبحر، والتي أسالت لعاب الأجانب بغية امتلاكها للتمتع بروعة جمالها الفريد، وشدو نورسها الغريد، ظلت شامخة تتحدى الزمن، محتضنة نسيجا سكانيا متألفا من العرب والأمازيغ واليهود، وهذا النسيج ظل يعيش طوال قرون ينعم بالسلام والتسامح، لا تعتريه عن أية نزعة تعصبية، وإنما تهيمن عليه روح التآزر و التعاون والتآخي والتضامن.
فهذه البقعة التي سلبت عقول الأجانب ببحرها ورياحها وترانيم نوارسها وغروب شمسها واعتدال هوائها، قد حظيت أيضا بعناية واهتمام منظمة اليونسكو التي تعنى بالثقافة والتراث اللامادي، فأولتها رعاية خاصة باعتبارها تراثا إنسانيا عالميا، حيث قامت بترميم جدرانها وأسوارها، وإصلاح قلعتها وحصونها وأبراجها، للاستمرار في تقديم عبق التاريخ لزوارها، هذا التاريخ الذي يختزن زخما حضاريا مهما، بما يملكته من عوامل الجمال ومظاهر السحر والكمال.
لقد ظلت الصويرة منذ القدم ببديع عمارتها وبهاء تزاويق أبنيتها، والتي يطغى عليها اللون الأزرق، زرقة تقطع الأنفاس وتبهِج الأرواح، خاصة عندما تلتقي بزرقة البحر والسماء، فتدفع الأمواج الهادئة الأشرعة بحنو كسيح، تعلوه طيور النورس الشديدة البياض، فيصبح ذلك لوحة من الفسيفساء السريالية، تتجاوب فيها الأصوات والألوان وفنون العمارة مع حركة التاريخ. فهذه المدينة تمتد إلى الوراء وتحتضن الحاضر وتصنع المستقبل، خوفا من الإندثار وطلبا للخلود والاستمرار.



#مصطفى_المغراوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة الإسلامية .. الماضي المشرق و الحاضر المقلق
- السفينة الايطالية الملغومة.. قنبلة موقوتة عرفت طريقها إلى ال ...
- المؤسسات السجنية بالمغرب ..تحسين الأوضاع رهين بتخفيف الاكتظا ...
- التوزيع السكاني بالمغرب .. إشكالية تداعياتها كارثية
- التنمية المستدامة بالعالم العربي .. علاج أخير لجسد يحتضر
- التعليم في عالمنا العربي .. الرهان المتعثر
- أزمة الشباب وإشكالية الهجرة
- المرأة العربية.. حريتها بداية مشاكلها
- حقوق الإنسان في العالم العربي الثقافة المهمشة
- الثقافة السياسية والنظام السياسي العربي ..التوافق المفقود
- مجتمعُ المعرفة .. مجتمعٌ غير عربي
- الدين و العلم .. صراع مفتعَل
- التكامل العربي.. البركان الخامد
- حوار الثقافات..عالَم مشروط وُلوجُه
- عولمة الهوية .. مشروع لن يكتمل


المزيد.....




- إيلون ماسك ينتقد مجددا مشروع قانون الإنفاق الذي اقترحه ترامب ...
- مقتل 20 شخصًا بينهم أطفال في غارة على سوق مزدحم في مدينة غزة ...
- بالصور: المشاهير يتوافدون على البندقية لحضور حفل زفاف جيف بي ...
- عودة 36 ألف لاجئ أفغاني من إيران في يوم واحد
- مظاهرات تطالب بإسقاط الرئيس الصربي بشبهة فساد
- جيش الاحتلال يلقي منشورات في غزة تتضمن آيات قرآنية
- مظاهرات إسرائيلية ترفض صفقة تبادل جزئية
- المجلس الإسلامي السوري يعلن حلّ نفسه
- أنباء عن تقدم بمفاوضات غزة وزيارة نتنياهو لواشنطن مشروطة
- محللون: مستقبل نووي إيران بات غامضا وإسرائيل ستعتمد التعامل ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى المغراوي - مدينة الصويرة .. أريج التاريخ وترانيم الرياح والنوارس