أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف بويحيى - الحرية أساس تقدم التاريخ















المزيد.....

الحرية أساس تقدم التاريخ


أشرف بويحيى

الحوار المتمدن-العدد: 5215 - 2016 / 7 / 6 - 23:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



1.    مفهوم التاريخ:
يعد مفهوم التاريخ من المفاهيم المتداولة والشائعة في الحياة اليومية بما هو تحقيب زماني، أي أنه يحوي الماضي إلى الحاضر ولا يوجد ولا يمكن أن يوجد تاريخ بدون مكان (جغرافيا)، وبعبارة أخرى لا يقف التاريخ في الفراغ أو اللامكان الذي يعني عدم وجود أي شيء إن صح التعبير، وتطلق كلمة تاريخ "على العلم بما تعاقب على الشيء في الماضي من الأحوال المختلفة، سواء كان ذلك الشيء ماديا أم معنويا كتاريخ الشعب، وتاريخ الأسرة، وتاريخ القضاء، وتاريخ النوع الفلاني من الأحياء وتاريخ العلم، تاريخ الفلسفة، تاريخ الأدب... "[1]، ما يعني أن التاريخ هو مجموعة من الأحداث الماضية، المرتبطة بشيء ما، أي أن لكل شيء تاريخه، وتطلق كلمة التاريخ أيضا "على الأحوال المتعاقبة التي مرت بها البشرية، فمنها ما يعرف بالأخبار والتقاليد والآثار كما في التاريخ ومنها ما لا سبيل إلى معرفته بهذه الوسائل، كما في علم ما قبل التاريخ"[2]، أما المعنى الثاني فيحيل إلى التاريخ بما هو سيرورة من الأحداث مرت بها البشرية، ويمكن معرفتها عن طريق الأخبار مثلا، وهناك ما لا يمكن معرفته لأنه يدخل ضمن علم ما قبل التاريخ، ولكل الشعوب تاريخها وجغرافيتها التي تقف عليها، وكما سبق أن ذكرنا ليس غرضنا في هذا البحث أن نعرض للتحقيب التاريخي للمفاهيم  ولكن إيمانا منا بأن المفاهيم هي مفتاح كل بحث، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالفلسفة، وأكثر من ذلك ألم يقل جيل دولوز "الفلسفة هي إبداع مفاهيمي"، وهذا يزيد من إصرارنا على الغوص أكثر في المفاهيم الرئيسية المشكلة لجوهر مضمون بحثنا، وإذا تأملنا الفلسفة عارية بدون تاريخ نجدها خالية من أي مضمون، لأن كل الموضوعات التي كانت محط جدل لازلنا نخضعها للتفكير لكن بمنطق معاصر، أي منطق الزمان، لأن لكل زمان فلسفته، ولكن حتى لو اختلفت النظرة فالموضوعات لازالت نفسها ، وهذا ما يؤكده هيجل بقوله المأثور"الفلسفة بنت زمانها"، لذلك كانت مسألة الوقوف عند المفاهيم لا غنى عنها ولو إجرائيا حتى يتسنى لنا القبض على الأطروحة المركزية وإخضاعها للتحليل والتفسير، ولما لا إخضاعها لمطرقة النقد، أما الآن دعونا نرى ماذا يقصد هيغل بالتاريخ.
2.    أنواع التاريخ:
      يقول هيجل في مؤلفه الشهير "العقل في التاريخ"، "ليس المقصود بالتاريخ الفلسفي للعالم مجموعة من الوقائع والأحداث التي تملى علينا، أو مجموعة من التأملات والأحداث العامة حول التاريخ، أملتها دراسة وثائقه، ويفترض أن وثائقه تقدم أمثلة لها، بل المقصود تاريخ العالم نفسه"[3]، ما يعني أن التاريخ ليس سرد للأحداث والوقائع التي حدثت في زمان ومكان ما، ولكن عن أي تاريخ يتحدث هيجل إن لم يكن التاريخ بما هو سرد للأحداث المتواترة! يمكن أن نوضح هذا في نفس الصدد مع هيجل حيت نجده يقسم المناهج التي تدرس التاريخ إلى ثلاثة أقسام: أولهما هو "التاريخ الأصلي  وهو الذي ينقله المؤرخ ويكون حاضرا أو ماثلا أمام هذه الأحداث، ويمكن ذكر أسماء مرموقة من هذا النوع من أمثال "هيرودوت وتوكيديرز"[4]، ولا يهمنا هذا النوع من التاريخ لكونه يكتفي بنقل ما حدث في العالم إلى عالم التمثل العقلي، أي أن المؤرخ يكون بمثابة آلة هنا يعمل على نقل الحدث كما هو في العالم الواقعي إلى عالم التمثل العقلي (الذهن البشري)، أما النوع الثاني فيمكن  تسميته "التاريخ النظري" والمقصود به التاريخ الذي يعرض بطريقة لا تحصر نفسها في حدود العصر الذي ترويه، بل تتجاوز روح العصر الحاضر"[5]، ويحاول الباحث فيه أن يتوصل إلى رؤية لكل تاريخ شعب أو بلد... أي ما يمكن تسميته بالتاريخ الكلي، وما يميز هذا النوع عن غيره هو أن المؤرخ يعالج المادة التاريخية بروحه الخاصة التي تتميز عن روح المضمون الذي يعالجه، أما النوع الثالث فهو "التاريخ الفلسفي" وهو ما سنركز عليه في علاقته بمفهوم الحرية، وإذا نحن أردنا تعريفه من منظور هيجل ذاته، أمكننا القول أن "فلسفة التاريخ لا تعني شيئا آخر سوى دراسة التاريخ من خلال الفكر"[6]، ما يعني أن كل نشاط إنساني هو نشاط فكري بالضرورة، لأن الفكر صفة ملازمة للبشرية وأنه لا يمكن إطلاق صفة البشرية على أي نشاط يخلو من الفكر، وخصوصا أننا نعلم بأن الفكر هو ما يميز الكائن البشري عن الحيوان وهو عنصر ضروري ملازم لكل نشاطاتنا، فالتاريخ المقصود هنا إذن هو تاريخ البشرية بصفة عامة منظورا إليه من زاوية الفكر التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات، وليس التاريخ الذي  يعرض مجموعة من الأحداث ويصفها من خلال مؤرخين وجدوها ماثلة أمام أعينهم، أي أنهم حاضرين على وقوعها، وأكثر من ذلك قد يساهمون فيها ومن ثمة يعملون على تحويلها إلى موضوعات أمام ملكة التصور، بهدف سردها على الأجيال القادمة، وهذا مثال التاريخ الأصلي.
3.    تجلي العقل في التاريخ:
  هذا النوع الأخير من التاريخ الذي عرضنا له سابقا و هو التاريخ الفلسفي لا يقدم نظرة شاملة وكاملة لتاريخ شعب من الشعوب، أو بلد من بلدان العالم...على نحو ما يفعل التاريخ النظري وفقا للرؤية الهيجلية وإنما هو التاريخ الفلسفي الذي يتجاوز ما هو سطحي بمعنى أنه لا يقوم على السرد الروتيني للتاريخ أو تقديم قراءات جزئية لأحداثه بل يذهب إلى أبعد من ذلك بتقديمه صورة فكرية من خلال دراسة التاريخ من منطلقات فكرية عقلانية وشاملة لكيفية تقدم التاريخ البشري في الوجود من خلال الفكر، أو المبدأ العام الذي يشيده هيغل بقوله "إن الفكرة الوحيدة التي تجلبها الفلسفة معها وهي تتأمل التاريخ، هي الفكرة البسيطة عن العقل، التي تقول: إن العقل يسيطر على العالم، وأن تاريخ العالم بالتالي يتمثل أمامنا بوصفه مسارا عقليا"[7]، وهذا يعني من بين ما يعنيه أن العقل مبثوث في التاريخ إن صح التعبير أو لنقل أنه متجل في التاريخ، وإذا نحن أردنا أن نستشهد عل هذا، أمكننا القول مع الفيلسوف والمفكر الألماني "هربرت ماركيوز (1898- 1979)" إن فلسفة التاريخ تعرض المضمون التاريخي للعقل، أو يمكننا القول أن مضمون العقل هنا هو نفسه مضمون التاريخ، وإن لم نكن نعني بلفظ "المضمون"، الوقائع التاريخية المتباينة بل نعني ما يجعل التاريخ كلا عقليا ويكشف القوانين والاتجاهات التي تشير إليها الوقائع ومنها تتلقى معناها[8]، وما يمكن استخلاصه هنا من قول ماركيوز هو أن فلسفة التاريخ تعرض الجانب العقلي من التاريخ أو إضفاء الروح العقلانية على المسار التاريخي للعقل ذاته، بل يذهب أبعد من ذلك ليجعل من التاريخ كلا عقلانيا، ما يعني أن العقل موجود في التاريخ وبشكل واع، وليس عن  طريق المصادفة وهنا بالضبط تتحدد العلاقة أو الرابط بين التاريخ والحرية وهذا ما سنأتي على إثباته، وعلى سبيل الاستئناس يمكن التأكيد على وجود العقل في التاريخ من خلال الاستشهاد بمقطع من نصوص هيغل، حيث يقول: "وإذا لم تكن الفكرة عن العقل قد تطورت بما فيه الكفاية في أذهاننا في بداية دراستنا للتاريخ الكلي فلابد أن يكون لدينا على الأقل الإيمان الذي لا يتزعزع بأن العقل موجود فعلا في التاريخ، وأن عالم العقل والإرادة الواعية ليسا نهبا للصدفة وإنما لابد له أن يتجلى في ضوء الفكرة الواعية بذاتها[9].
       وهذا ما نجد فيه تأكيدا للارتباط الذي يزعمه أو يدعيه هيغل وهو وجود العقل في التاريخ كما يؤكد هو نفسه في أكثر من موضع، بل أكثر من ذلك هناك إرادة واعية بذاتها وهي بذلك حرة توجه التاريخ توجيها عقليا، وبعبارة أدق يشكل هذا التاريخ المسار العقلي لروح العالم، وطبيعة هذا الروح واحدة كما سبق وأن ذكرنا وهي الحرية فكما أن طبيعة الجسم هي الثقل فإن طبيعة الروح هي الحرية وكما يقول هيغل "وإن يكن (روح العالم) يكشف عن هذه الطبيعة الواحدة في ظواهر العالم، ولابد أن يظهر ذلك، كما ذكرنا في السابق على أنه النتيجة النهائية للتاريخ، شرط تناول التاريخ كما هو"[10].
4.    الحرية ماهية الروح وغاية التاريخ:
        إذن يمكن القول إن الحرية حسب هيغل هي طبيعة الروح(العقل)، وهي متضمنة فيه ولا يمكنها مفارقته، وهذه الروح هي التي تكشف عن طبيعتها في التاريخ العالمي والتاريخ بدوره يفصح عن المسار العقلي من خلال أحداثه التي تسير طبقا لطبيعة العقل، وبهذا يكون العقل حاكم للعالم، كما يضيف هيغل أن هذا المبدأ الذي نتحدث عنه يتفق مع "الفكرة الإلهية وهي الحكمة مزودة بقوة لا متناهية تحقق غرضها وغايتها وأعني بها التدبير العقلي المطلق للعالم والعقل هو الفكر الذي يعني نفسه بنفسه بحرية كاملة"[11].
لكن الإيمان بالعناية الإلهية ليس له محدد، بخلاف المبدأ الذي يقول العقل يحكم العالم لكن تفسير التاريخ إنما يعني تصوير انفعالات البشر أو الكشف عن عواطف الإنسان وعبقريته وقواه الفعالة التي تلعب دورها في بناءه، ونحن لا يهما هنا مسألة الإيمان بالعناية الإلهية وإنما فقط من أجل توضيح الفكرة القائلة العقل يحكم التاريخ وكيفية تجلي الحرية في هذه العقلانية المنبثقة من صلب التاريخ البشري على نحو واعي بذاتها بوصفها روح (عقل) تسعى إلى الارتقاء إلى المطلق عن طريق التحرر من كل القيود وهذا لا يستقيم إلا بفكرة الحرية ذاتها، وأن الإنسان بما هو كائن متميز عن كل الكائنات فهو حر لا محالة، وبالرغم من هذا فإني أرى بأن مثل هذه الموضوعات تتطلب بعضا من الروية وعدم إطلاق أي أحكام مسبقة، نظرا للطابع النسبي الذي يتميز به مفهوم الحرية، وهذا ما يقودنا إلى التساؤل عن كيفية بزوغ الحرية كغاية للتاريخ، وهو سؤال مشروع وله مصوغاته، وبمجرد إثارة هذا السؤال فإننا نكون على بينة بأن جوابه يمتلكه هيجل نفسه الذي يعلنها صراحة بقوله إن "جوهر أو ماهية الروح (العقل) هي الحرية وأن الروح تمتلك ضمن ما تمتلك من خواص - خاصية الحرية، وأن كل صفات الروح لا توجد إلا بواسطة الحرية، بل أكثر من ذلك كلها ليست إلا وسيلة لبلوغ الحرية وكلها تسعى إلى الحرية وتؤدي إليه[12].
      بهذا يكون هيغل قد وضعنا أمام محاكمته الفلسفية لطبيعة العلاقة بين الحرية والتاريخ، والتي تكشف عن أن الحرية التي يطلبها هيغل، ليست ذاك الصنف من المفاهيم المجردة التي لا يستقيم حالها إلا على لسان البشر كما أنها ليست مجرد فكرة يمتلكها الذهن عن طبائع الأشياء، وبعبارة أدق ليست من ذاك النوع التأملي من الأفكار التي تبقى مجردة وفي حدود ما هو نظري، وإنما المقصود هنا تلك الحقيقة المتجذرة في الروح المنبثقة في الوجود الإنساني، وهي قائمة فيها قيام النبتة في بذرتها، وبهذا تصبح الحرية متجسدة في الواقع الفعلي لكونها متلازمة مع الروح التي تمتلك وعي ذاتي بذاتها على مراحل التاريخ كله، ولو شئنا أن نحتج بشاهد من قارة الفكر الفلسفي، لقلنا مع الفيلسوف الألماني هاربرت ماركيوز "إن الحرية عند هيغل مقولة أنطولوجية فهي تعني ألا يكون الموجود مجرد موضوع، بل يكون ذات وجوده، وألا يستسلم للظروف الخارجية، بل يحول الواقعية الحادثة factuality إلى واقعية حقيقية realization هذا التحويل في رأي هيغل هو عصب الطبيعة والتاريخ"[13].
       ما يعني باختصار أن الحرية مقولة وجودية متجسدة على أرض الواقع أكثر مما هي تاريخية، وأقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري، هو أن الحرية عين الوجود للذات، وهي موجودة في ذاته ولذاتها وفي الوجود في الذات الشرط اللازم لامتلاك الحرية ولحياتها فعلا، لأن كل شيء يعتمد في الوجود على شيء آخر غير ذاته هو بالضرورة تابع له وليس حرا، لذا نقول أن الروح حرة لأنها تعتمد على ذاتها لكونها وجود في ذاته، وتلك بعينها الحرية وفق الرؤية الهيجلية التي تقول "الحرية هي التحديد الذاتي"، أي الاعتماد على ذاتك بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية.
وبهذا أمكننا القول إن الحرية هي القوة المحركة والكامنة في أعماق الوجود، وهذه العملية أي عملية الوجود هي نفسها في عالم غير حر، وإنما يمكن اعتبارها بمثابة السلب المستمر لما يهدد بإنكار الحرية، وهذا ما يجعل الغاية القصوى للروح هي امتلاكها للوعي الذاتي، أي امتلاكها الوعي بحريتها، وهذه بالضبط غاية التاريخ، ويمكن الاستشهاد على هذا الطرح بقول هيغل الشهير: "إن تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية"[14].
       ما يعني  باختصار أن التاريخ لا يعني شيئا غير وعي الإنسان بما هو كائن حر، وأن الحرية خاصية ملازمة للروح التي تسعى إلى امتلاك الوعي بذاتها، أي بحريتها وبذلك تكون الروح قد كشفت عن نفسها أو حقيقتها وهي المعرفة، وهي بدورها تكشف عن حقيقتها القائمة في الفعل والإبداع، ونذهب أبعد من ذلك ونقول بقدرة الوعي الذاتي على ترجمة مضمونه إلى موضوع لذاته، وهنا تكمن نقطة القوة لدى هيجل وهي امتلاكه النسق العام الذي يتطور به الفكر عبر النفي، ذلك أن الحرية في نظر هيجل "ليست سوى معرفة وإرادة الموضوعات الجوهرية مثل "الحق والقانون" وإنتاج واقع حقيقي يطابقها هو الدولة"[15].
وهذا الإشكال سبق أن تطرقنا له في المبحث السابق المعنون بالدولة تجسيد لفكرة الحرية، وما يمكن أن نستخلصه هو أن هيجل يجعل من مفهوم الحرية تلك الفكرة القابعة في الذهن الإنساني تحركها إرادة موضوعية، أضف إلى ذلك أنه يجعلها بمثابة التجسيد العقلاني لموضوعات سبق أن ذكرناها (الحق، القانون) ومحاولة تطابقهما مع الفرد الشامل وهو الدولة التي تحتوي الفرد وتجعله كائنا مثقفا وتعمل على تهذيب غرائزه وتحريره من ميولاته الشريرة، والارتقاء به إلى إنسانيته الحرة وتجعل منه فرد فعال في المجتمع، وكملاحظة فقط يمكن تسجيل أن هيجل ينفرد في طرحه هذا لمفهوم الحرية وعلاقته بالدولة والتاريخ عن الكثير من الفلاسفة والمفكرين وخصوصا أنه يجعل من الحرية مقولة أنطولوجية وإمبريقية متجسدة في الواقع، وأن التاريخ يسير بمنطق العقل ونحو غاية محددة تحددها الروح بما هي كائن حر.
ومن خلال ما سبق التأسيس له، يمكن القول أن خاصية الحرية التي تسعى الروح لامتلاكها، هي بمثابة مصباح يكشف عن نفسه وعن ما حوله، بمعنى أن هذه الحرية تكشف عن التاريخ وعن نفسها في آن معا، لكن لا يمكن أن نتغافل عن شرط امتلاك الحرية وهو "الوعي الذاتي"، أي أن تعي ذاتك بوصفها ذات حرة، فذاك الوعي هو الحرية نفسها، والروح لكي تكون حرة وجب عليها امتلاك الوعي الذاتي وهو شرط أساسي لوجود الحرية وقيامها عن طريق امتلاك الروح لذلك الضرب من الوعي الذي يمكنها من تحقيق ذاتها الحرة فعلا، ومن بناء وتشييد عالم وتشكيله في قالب خاص، وهي تتصور ذلك العالم على أنه حضورها الخاص، وتعمل على تأمل ذاتها بوصفها وجودا متحققا بالفعل، وهي بذلك تجد ذاتها وتتعرف على ذاتها فقط ومن ثم فإن كل شيء آخر ليس سوى وسيلة لنموها وارتقائها عبر تاريخها، وهذا ما يقودنا إلى استنتاج صريح مفاده أن الإنسان هو المحرك الأساسي للتاريخ بوصفه كائنا يمتلك إرادة يستطيع بواسطتها تجسيد فكرته على أرض الواقع، أي فاعلية الإنسان بالمعنى الواسع للكلمة، و"بهذه الفاعلية وحدها تتحقق الفكرة مثلما تتحقق الخصائص المجردة بصفة عامة، وتنتقل إلى حيز الفعل"[16].
وختاما يمكن تسجيل أن الحرية مقولة أنطولوجية متجسدة في الواقع المعاش من خلال الإرادة الإنسانية، وبهذا تصبح الحرية مبثوثة في جل تفاصيل التاريخ، بما هو تجل للإرادة الواعية بذاتها، وهذا ما يجعله يسير نحو غاية معينة ومحددة، وأن تقدم التاريخ يحتاج بالضرورة إلى المصالح الشخصية للأفراد أو دوافع جزئية تكون بمثابة أسباب ساهمت في تقدم التاريخ، وهذا ما يجعل الفرد مجرد وسيلة في يد التاريخ.
 


[1] - روزنتال، الموسوعة الفلسفية، ص 228.
[2] - نفس المرجع، نفس الصفحة.
[3] - هيغل، العقل في التاريخ، ص67.
[4] - نفس المرجع، ص68.
[5] - نفس المرجع، ص72.
[6] - نفس المرجع، ص77.
[7] - نفس المرجع، ص78.
[8] - ماركيوز هربرت، العقل والثورة، هيغل ونشأة النظرية الاجتماعية، ترجمة فؤاد زكريا الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970، ص 224.
[9] هيغل، العقل في التاريخ، ص 79.
[10] - نفس المرجع، نفس الصفحة.
[11] - نفس المرجع، ص 82.
[12] - نفس المرجع، ص 86.
[13] - ماركيوز، العقل والثورة، ص 19.
[14] - هيغل، العقل في التاريخ، ص 88.
[15] - نفس المرجع، ص133.
[16] - المرجع السابق، ص 50.
راجع هيغل: العقل في التاريخ، ص 51-50



#أشرف_بويحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية أساس تقدم التاريخ


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف بويحيى - الحرية أساس تقدم التاريخ